قال عميد الأطباء البياطرة أحمد رجب إنّ ارتفاع حالات الوفيات والإصابات بداء الكلب في تونس "مفزع ومخيف"، كما أكد أنّ قنص الكلاب السائبة ليس الحل الأنسب للحدّ من انتشار داء الكلب وأنّه حان الوقت لتكثيف حملات التلقيح في إطار عمل تشاركيّ بين جميع الأطراف المعنية.
هذه المواضيع وغيرها تقرؤونها في حوار خاص لعميد الأطباء البياطرة أحمد رجب مع "الترا تونس".
- ما هي الأسباب التي أدت إلى ارتفاع حالات الوفيات والإصابات بداء الكلب في تونس؟
أولاً نحن كنا قد حذرنا من انشار داء الكلب في تونس منذ سنة 2022، وواصلنا التحذير منه طيلة سنة 2023 وذلك بعد تسجيل 6 وفيات وأكثر من 350 إصابة في صفوف الحيوانات، وعوض أن يتمّ التفاعل معنا اتهموني بإثارة البلبلة ونشر أخبار كاذبة.
عميد الأطباء البياطرة لـ"الترا تونس": عدد الوفيات ارتفع إلى 9 أشخاص خلال السداسي الأول من سنة 2024، إضافة إلى إصابة أكثر من 230 حيوانًا بداء الكلب وهو رقم مفزع ومخيف يستدعي تدخلاً عاجلاً
واللافت أنّ عدد الوفيات ارتفع خلال السداسي الأول من سنة 2024 ليصل إلى 9 أشخاص، إضافة إلى إصابة أكثر من 230 حيوانًا بهذا الداء، وهو رقم مفزع ومخيف يستدعي تدخلاً عاجلاً للحدّ من انتشار المرض.
وطبعًا من بين الأسباب التي أدت إلى ارتفاع حالات الوفيات والإصابات بهذا المرض المعدي والذي ينتقل من الحيوان إلى الإنسان، هو تراجع حملات التلقيح التي تتم تحت إشراف وزارة الفلاحة التونسية وبالتعاون مع الأطباء البياطرة.
- حسب رأيك، ما هي الأسباب التي أدت إلى تراجع حملات التلقيح؟
تراجع حملات التلقيح في تونس في السنوات الأخيرة جاء نتيجة القطيعة الحاصلة بين الأطباء البياطرة الناشطين في القطاع الخاص من جهة ووزارة الفلاحة التونسية من جهة أخرى، وهذه القطيعة برزت خلال سنة 2023 وتعمقت عام 2024، بسبب التوكيل الصحي.
إذ يتمسك الأطباء البياطرة الناشطون في القطاع الخاص بضرورة إدخال تعديلات على التوكيل الصحي ومراجعة تعريفة التلاقيح وهو ما لم يحدث على الرغم من الوعود التي قدمتها وزارة الفلاحة التونسية.
عميد الأطباء البياطرة لـ"الترا تونس": من بين الأسباب التي أدت إلى ارتفاع حالات الوفيات والإصابات بداء الكلب في تونس هو تراجع حملات التلقيح
وبعد هذه القطيعة وعدم استماع وزارة الفلاحة لمطالب الأطباء البياطرة الخواص، تراجعت عمليات التلقيح بشكل لافت، بينما اهتمت الوزارة بالتلقيح ضدّ أمراض أخرى على غرار الحمى المالطية والحمى القلاعية بالاعتماد على الأطباء الناشطين في القطاع العام ونسيت داء الكلب.
ويتمسك الأطباء الناشطون في القطاع الخاص بضرورة إدخال تعديلات على التوكيل الصحي، فمن غير المعقول مثلاً أن يتنقل طبيب بيطري إلى ولاية بعيدة بسيارته الخاصة وبرفقته مساعد له لتلقيح 100 ماعز بـ 45 دينارًا فقط.
واليوم في ظل ارتفاع الأسعار وارتفاع مصاريف التنقل لم يعد بإمكان الأطباء البياطرة الناشطين في القطاع الخاص العمل بتعريفة التوكيل الصحي القديمة، وأصبحوا يفضلون العمل في عياداتهم الخاصة عوض التنقل لكيلومترات طويلة بتعريفة منخفضة.
- ما هي الإجراءات التي يجب اتخاذها للحدّ من انتشار داء الكلب وحماية الإنسان والحيوان؟
مكافحة الأمراض المعدية تتطلب عملاً تشاركيًا بين جميع الأطراف وجميع القطاعات على المستويين الوطني والعالمي، خاصة وأن تونس انخرطت في نهج "صحة واحدة" منذ سنة 2005 وهو نهج متكامل يهدف إلى تحقيق التوازن بين صحة الإنسان والحيوان والنظم الإيكولوجية.
عميد الأطباء البياطرة لـ"الترا تونس": في ظل ارتفاع الأسعار وارتفاع مصاريف التنقل لم يعد بإمكان الأطباء البياطرة الناشطين في القطاع الخاص العمل بتعريفة التوكيل الصحي القديمة
ولا يمكن أن يتحقق هذا النهج إلا بالتواصل والتشاور بين جميع الأطراف المعنية ووضع خطة واضحة للتوعية وتنظيم حملات تلقيح مكثفة لإيقاف انتشار داء الكلب في تونس، باعتبار أنّ الوقاية خير من العلاج.
وأعتبر أنّ التواصل مهم جدًا اليوم للحفاظ على صحة التونسيين وأنه حان وقت العمل بجدّ لمقاومة هذا المرض المعدي، خاصة وأنّ الأمراض المعدية تشكل خطرًا كبيرًا على صحة الحيوانات وعلى الأمن الغذائي والقومي.
ومنظمة العالمية للصحة أكدت أنّ أكثر من 60% من الأمراض الجرثومية والطفيلية لدى الإنسان هي من أصل حيواني، منها داء الكلب والحمى المالطية وحمى غرب النيل.
عميد الأطباء البياطرة لـ"الترا تونس": حان وقت العمل بجدّ لمقاومة داء الكلب المعدي، خاصة وأنّ الأمراض المعدية تشكل خطرًا كبيرًا على صحة الحيوانات وعلى الأمن الغذائي والقومي
كل الأطباء البياطرة جاهزون للانخراط في حملات التلقيح والإجراءات الوقائية، في المقابل يجب على وزارة الفلاحة التونسية أن تتخذ إجراءات جدية لدعم الأطباء وإصلاح المنظومة وتعديل التعريفة الموجودة في التوكيل الصحي.
وعلى وزارة الفلاحة أن تقوم بدورها الوقائي لتلقيح الحيوانات وحماية صحة المواطن والأمن القومي للبلاد.
- هل أنّ توجه البلديات في تونس إلى قنص الكلاب السائبة يعدّ حلاً لمكافحة انتشار داء الكلب؟
قنص الكلاب السائبة لم يكن يومًا الحل الأنسب والجديّ لمكافحة انتشار داء الكلب، والحل الوحيد هو تكثيف حملات التلقيح.
وعمليات القنص تتمّ بشكل دوريّ في تونس منذ سنوات ومع ذلك كل الأرقام تشير إلى انتشار هذا الداء بين الكلاب والقطط، لذلك فإنّ التلقيح هو الحل.
عميد الأطباء البياطرة لـ"الترا تونس": قنص الكلاب السائبة لم يكن يومًا الحل الأنسب والجديّ لمكافحة انتشار داء الكلب، فالحل الوحيد هو تكثيف حملات التلقيح وكل الأطباء البياطرة جاهزون للانخراط
ومن واجبي أن أؤكد مرة أخرى على أنّ مكافحة الأمراض المعدية هو عمل تشاركي، ووزارة الصحة التونسية استهانت بالصحة الحيوانية على الرغم من أنّ القانون عدد 95 لسنة 2005، يؤكد على أنّ مقاومة الأمراض الخاضعة للتراتيب مثل داء الكلب والحمى المالطية إجباري. يعني أنّ مقاومة الأمراض المعدية إجباريّ لحماية صحة المواطن.
- هل أنّ عودة انتشار داء الكلب في تونس تترجم غياب سياسة وقائية جدية؟
بالنظر إلى عدد الوفيات بداء الكلب وارتفاع الإصابات فإنه يمكننا القول إنّ السياسة الوقائية موجودة لكن طرأت عليها بعض الإخلالات والأخطاء.
ويمن أن تتحول هذه الأخطاء إلى نقاط قوة عندما نعترف بها أولاً ونبادر بإصلاحها عوض إنكارها والتغطية عنها وهو ما قد يتسبب في كارثة صحية تهدد البلاد والعباد وكلامنا هذا نابع من منظور علمي.
عميد الأطباء البياطرة لـ"الترا تونس": السياسة الوقائية موجودة لكن طرأت عليها بعض الإخلالات والأخطاء، ويجب معالجة الخلل بأسرع وقت ممكن والانطلاق في حملات التلقيح
الخلل موجود وتسبب في وفاة تونسيين لكن يجب معالجة هذا الخلل بأسرع وقت ممكن والانطلاق في حملات التلقيح التي ستمكن الدولة من توفير المصاريف الباهظة لعلاج الأشخاص المصابين.
- في حال تمّ الاشتباه بوجود حيوان مصاب بداء الكلب، كيف يتمّ التعامل معه؟
أولاً يخضع الحيوان المشتبه بإصابته بداء الكلب إلى الرقابة المتواصلة من قبل السلط المعنية، وفي حال وفاته يتمّ قطع رأسه وإرساله إلى معهد باستور لإخضاعه للتحاليل اللازمة وفي حال ثبتت إصابته يتم إطلاق حملة لتلقيح الحيوانات والبشر.
وهناك قرار يقول إنّ الحيوانات التي يشتبه في كونها مصابة يتمّ عزلها في أماكن خاصة ونحن في تونس لا نملك أماكن مخصصة للعزل والحجر الصحي.
عميد الأطباء البياطرة لـ"الترا تونس": هناك قرار يقول إنّ الحيوانات التي يشتبه في كونها مصابة يتمّ عزلها في أماكن خاصة ونحن في تونس لا نملك أماكن مخصصة للعزل والحجر الصحي
- هل هناك بؤر أو نقاط حمراء ينتشر فيها هذا المرض؟
حسب المعلومات المتوفرة فإن كل الولايات توجد بها حيوانات مصابة بداء الكلب، خصوصًا وأن الكلاب تتنقل بشكل نشط فمثلاً في تونس الكبرى لا توجد حدود بين الولايات والكلاب تتنقل من منوبة إلى أريانة إلى تونس ونفس الشيء في بعض الولايات الأخرى.
- كيف تقيّم الفرق بين الإصابات والوفيات المسجلة سنة 2024 بالمقارنة مع السنوات السابقة؟
أولاً أتمنى أن تكون حالة الوفاة التي راح ضحيتها شاب في مقتبل العمر في منطقة النفيضة قبل أيام هي الأخيرة وألا نسجل حالات وفيات جديدة، وأودّ التأكيد على أنّ الحديث على وفاة 9 تونسيين بداء الكلب أمر مفزع.
ولكن تونس كانت قد سجلت صفر وفاة في 2009 بداء الكلب لكن ذلك لم يدم طويلاً وعدنا للحديث عن الإصابات والوفيات في السنوات الأخيرة، ومع الأسف الأرقام ترتفع سنة تلوى الأخرى.
عميد الأطباء البياطرة لـ"الترا تونس": تونس كانت قد سجلت صفر وفاة في 2009 بداء الكلب لكن ذلك لم يدم طويلاً وعدنا للحديث عن الإصابات والوفيات في السنوات الأخيرة
- ما هي النصائح التي تقدمها للمواطنين لحماية أنفسهم وحيواناتهم من هذا المرض؟
أولاً أنصح كل من يتعرض للعض أو الخدش من قبل قطّ أو كلب فإنّ أول خطوة يقوم بها هي الاستمرار بغسل مكان الإصابة لمدة 15 دقيقة على أقصى تقدير باستخدام الماء والصابون، ومن ثم التوجه إلى أقرب مركز للقيام بالتلاقيح المطلوبة.
كما أنصح المواطنين بضرورة تلقيح حيواناتهم واستغلال حملات التلقيح المجانية السنوية.
- في حال تعرض شخص لعضة أو خدش من حيوان مصاب، متى تبدأ أعراض إصابته بالمرض في الظهور؟
تبدأ أعراض الإصابة بداء الكلب بالظهور على الشخص المصاب في مدة زمنية تتراوح بين شهر و4 أشهر وتصل أحيانًا إلى 3 أشهر على أقصى تقدير، وتختلف المدة الزمنية باختلاف مكان العضة أو الخدش.
عميد الأطباء البياطرة لـ"الترا تونس": أعراض الإصابة بداء الكلب تظهر على الشخص المصاب في مدة تتراوح بين شهر و4 أشهر وتصل أحيانًا إلى 3 أشهر، وهي تختلف حسب مكان العضة أو الخدش
فمثلاً عندما تكون الإصابة في الجزء السفلي من جسم الإنسان يحتاج الفيروس وقتًا أطول للوصول إلى الدماغ ولكن إذا كانت الإصابة مثلاً في الوجه فإن الأعراض تظهر بسرعة.
وعلى سبيل المثال فإن الشاب الذي توفي في النفيضة متأثرًا بإصابته بداء الكلب أصيب بخدش من قطة سائبة منذ شهر مارس/آذار الفائت ودخل إلى المصحة خلال شهر جويلية/يوليو الفائت وتم إعلامنا بحالته حينها.
ومن أهم الأعراض التي تبدأ في الظهور على المصاب بداء الكلب هي الحمى والصداع والشعور بالضيق وسرعان ما تتوسع الأعراض إلى إصابة الجهاز العصبي وثم الشلل الجزئي أو الكلي.