عندما قررت الشابة التونسية هاجر مرزوقي بعث مشروعها الخاص، فكّرت خارج الصندوق، ورأت أن بإمكانها استغلال حليب الأتان (أنثى الحمار) كمكوّن رئيسيّ لصناعة وإنتاج مواد تجميل طبيعية وغير ضارة وصديقة للبيئة.
افتتحت هاجر مرزوقي (32 عامًا)، أول مزرعة في تونس لإنتاج حليب الأتان (أنثى الحمار) وتحويله إلى مواد تجميلية غير ضارة وصديقة للبيئة
وبداية سنة 2020، افتتحت هاجر مرزوقي (32 عامًا)، متخصصة في البيوتكنولوجيا المطابقة في القطاع الصيدلي، أول مزرعة في تونس لإنتاج حليب الأتان وتحويله إلى مواد تجميلية بأيادٍ تونسية، وفق حديثها مع "الترا تونس".
-
مزرعة لإنتاج حليب الأتان.. تجربة فريدة
وتؤكد هاجر مرزوقي أنّ تجربتها في صناعة مواد التجميل الطبيعية ساعدتها على معرفة فوائد حليب الأتان وأثره الإيجابي على بشرة الإنسان وصحته، ما جعلها تركز أساسًا على هذا الحليب لصناعة 4 منتجات تجميلية وترويجها في الأسواق التونسية، إضافة إلى صناعة أكثر من 100 منتج آخر صديق للبيئة.
تضيف هاجر مرزوقي في حديثها، أنّ نجاح تجربة مواد التجميل المصنوعة من حليب الأتان وإثبات فعاليتها دفعها لاستخدام حليب الناقة أيضًا في صنع مواد تجميل جديدة، بالإضافة إلى استخدام نباتات طبية أخرى مثل زيت القضوم وإكليل الجبل وموارد طبيعية.
ترعى هاجر مرزوقي في مزرعتها الصغيرة 5 أتُن (جمع أتان) تنتج كل واحدة منها يوميًا ما بين 1 و1.5 لتر من الحليب، ويتم تجميع الحليب 3 مرات في اليوم بطريقة مدروسة وبأوقات مضبوطة تكون كالآتي: العاشرة صباحًا والساعة الواحدة ظهرًا والخامسة مساءً، وفقها.
تتابع محدثتنا مفسرة طرق تربية الأتان واستغلال حليبها لتقول: "عندما تلد الأتان نتوقف عن أخذ الحليب منها طيلة شهرين كاملين ثم نستأنف بعد ذلك حلبها والاستفادة من حليبها لأشهر طويلة".
هاجر مرزوقي لـ"الترا تونس": ركزت أساسًا على حليب الأتان لصناعة 4 منتجات تجميلية وترويجها في الأسواق التونسية، إضافة إلى صناعة أكثر من 100 منتج آخر صديق للبيئة
كما تقول هاجر مرزوقي: "أنا لا أبيع الحليب الذي أنتجه في مزرعتي في الوقت الحالي بل أستغله في مخابري الموجودة في ولاية باجة لإنتاج مواد تجميل طبيعية بنسبة 100%، حيث يتمّ تحويل الحليب الطازج إلى صابون وكريمات للوجه والبشرة".
تضيف قائلة: "إلى حد الآن أنا الوحيدة التي تمتلك مزرعة لتربية الأتان وتقوم بإنتاج مواد تجميل مصنوعة من حليبها، وحتى إن وجدت منتجات في السوق مشابهة فهي تكون غالبًا مصنوعة من حليب غير طازج أو حليب بودرة مستورد".
نجحت هاجر في تصنيع 4 منتجات تجميل طبيعية مصنوعة من حليب الأتان وتجد هذه المنتجات إقبالاً لافتًا من محبي المواد الطبيعية على الرغم من غلاء أسعارها، فهي ترى أنّ هذا الغلاء يُترجم جودة المنتجات ومدى نجاعتها.
ووفق محدثتنا، فإن هذا الحليب يعدّ من أجود وأندر أنواع الحليب وهو يشبه في تركيبته حليب الأم ويحتوي على بروتينات تجعله قادرًا على ترطيب البشرة بعمق كبير وتجديد خلاياها، بالإضافة إلى فعاليته في محاربة الشيخوخة والتصبغات الجلدية.
هاجر مرزوقي لـ"الترا تونس": نجاح تجربة مواد التجميل المصنوعة من حليب الأتان وإثبات فعاليتها دفعني لاستخدام حليب الناقة أيضًا في صنع مواد تجميل جديدة
كما تقول هاجر مرزوقي إنّ بعض الروايات المتداولة أكدت أنّ الملكة كليوباترا كانت تعتمد أساسًا على حمامات متكونة من حليب الأتان للحفاظ على جمالها ونضارة بشرتها ونعومة جسدها.
وتؤكد مرزوقي في السياق ذاته، أنّ حليب الأتان يتم استخدامه بكثرة في الخارج خصوصًا في بعض الدول الأوروبية سواء لتصنيع مواد تجميل أو لاستخدامه كمشروب لتعزيز المناعة وعلاج بعض الأمراض مثل السعال.
وتصف هاجر تجربتها بالفريدة والمتميزة وتؤكد أنها الأولى من نوعها في تونس وأنها أول من قامت بافتتاح مزرعة في معتمدية نفزة من ولاية باجة متخصصة في إنتاج حليب الأتان، وتأمل أن تكبر مزرعتها رويدًا رويدًا.
ولم تخفِ الشابة التونسية استغراب التونسيين في البداية من توجهها لاستخدام حليب أنثى الحمار لصناعة مواد تجميل، لكنها تؤكد أنه وبعد 4 سنوات من العمل لاحظت أنّ الدهشة والاستغراب بدأت تتلاشى ليحلّ محلّها تقبّل للفكرة لأنهم تعرّفوا على فوائده الهائلة وقدراته العلاجية المميزة.
-
منتجات صديقة للبيئة
استمدت هاجر مرزوقي حبها للبيئة وشغفها باستغلال خيرات الطبيعة في الحفاظ على الجمال والصحة وعلاج الأمراض من قصص وحكايا سمعتها عن جدها الذي كان يستعمل الأعشاب لمداواة السكان والأطفال من عديد الأمراض، مؤكدة أنه أول من استعمل حليب الأتان سابقًا لعلاج الأطفال من مرض السعال الديكي.
هاجر مرزوقي لـ"الترا تونس": غلاء أسعار هذه المنتجات يُترجم جودتها ومدى نجاعتها، فهذا الحليب يعدّ من أجود وأندر أنواع الحليب وهو يشبه في تركيبته حليب الأم
ومنذ أن كانت تزاول تعليمها بالجامعة، تحلم هاجر مرزوقي ببعث مشروع خاص بها لتثمين الموارد الطبيعية الموجودة في الأرض والتي أثبتت الأبحاث العلمية نجاعتها في علاج المشاكل الجسدية التي تواجه الإنسان، مع الحرص على الحفاظ على البيئة.
في هذا الإطار، تؤكد هاجر أنّ المنتجات التي تبيعها في الأسواق التونسية تتميّز بكونها صديقة للبيئة وتتكون من مواد طبيعية لا تضر الطبيعة ولا تلوثها، مؤكدة أنّ حرصها على إنتاج مواد طبيعية ساعدها على كسب ثقة الحرفاء.
وأوضحت أن التونسيين أصبحوا يفضّلون استخدام مواد تجميل طبيعية ودون مواد كيميائية ومواد حافظة، مؤكدة أنها لاحظت خلال مشاركتها في المعارض الكبرى في تونس إقبال جميع الفئات على شراء المنتجات الطبيعية.
وأشارت إلى أنّها لاحظت أيضًا إقبالهم على شراء المنتجات التي تقوم بإنتاجها خصوصًا المصنوعة من حليب الأتان ومن حليب الناقة أيضًا، لما يحتويه هو الآخر من فوائد تجميلية وطبية هامة.
هاجر مرزوقي لـ"الترا تونس": بعض الروايات تقول إنّ الملكة كليوباترا كانت تعتمد أساسًا على حمامات متكونة من حليب الأتان للحفاظ على جمالها ونضارة بشرتها ونعومة جسدها
وتتوقع هاجر أن يكون لمواد التجميل الطبيعية مستقبل واعد في تونس، جرّاء موجة الوعي التي بدأت تنتشر بين الشباب حول أهمية المواد الطبيعية في الحفاظ على الجسم والطبيعة معًا.
-
حملات المقاطعة دعمت المنتجات التونسية
تقرّ الشابة هاجر مرزوقي أنّ حملات المقاطعة التي استهدفت المنتجات الداعمة لإسرائيل والتي بدأت مع بداية الحرب على قطاع غزة، قد ساهمت في خلق وعي مجتمعي لدى جميع الفئات العمرية بضرورة استهلاك المنتج المحلي.
وتواصل حديثها قائلة: "منذ بداية حملة المقاطعة التي استهدفت المنتجات المستوردة والتي ثبت دعمها لإسرائيل، لاحظت خلال مشاركتي في المعارض والحديث مع التونسيين أنهم باتوا يفضّلون استهلاك المنتجات التونسية".
تضيف: "انخرط آلاف التونسيين في حملة المقاطعة نصرة لأهالي غزة الذي يتعرضون لحرب إبادة منذ أشهر طويلة وهو ما دفعهم إلى البحث عن منتجات بديلة تكون ذات جودة عالية وتعطي نتيجة فعالة".
هاجر مرزوقي لـ"الترا تونس": الماركات التونسية أصبحت هي البديل وملاذ التونسيين أمام تواصل حملة المقاطعة، وبالتالي يجب توفير منتجات ذات جودة وتكون صديقة للبيئة
وتؤكد مرزوقي في السياق ذاته، على أنّ الماركات التونسية أصبحت هي البديل وملاذ التونسيين أمام تواصل حملة المقاطعة وأنّ أصحاب المشاريع استفادوا بشكل لافت، داعية إلى ضرورة العمل على توفير منتجات ذات جودة وتكون صديقة للبيئة ولا تساهم في تلويث الطبيعة.
وتنصح هاجر كل من يفكر في بعث مشروعه الخاص بتحدي الصعوبات وعدم الخوف والتغلب على الإجراءات الطويلة والبيروقراطية في الإدارات التونسية لتحقيق حلمه وتطبيقه على أرض الواقع.
وأوضحت في السياق نفسه، أن السر وراء نجاح أي مشروع أو أي فكرة فريدة هو الإيمان بها والعمل على تحقيقها مع الحرص على أن يكون العمل يستجيب لمتطلبات السوق التونسية ويراعي شروط الجودة واحترام البيئة معًا.
