وأنت تتجول وسط الزحام في أنهج حلق الوادي، مدينة التاريخ والسياحة تأخذك معالم "صقلية الصغيرة" إلى زمن ولى ولم يعد، فتستوقفك رائحة السمك المشوي المنبعثة من هنا وهناك، الحركية على غير العادة وآلاف الزوار يتوافدون على المدينة، والمطاعم المنتشرة على طول كيلومترات في نهج "روزفالت" تعج بالزبائن. لم يفوّت تجار المدينة فرصة المشاركة في تأثيث مهرجان عيد الحوت (السمك) عبر الترويج لمنتجاتهم البحرية ذات الجودة العالية.
مهرجان عيد الحوت (السمك) تظاهرة احتفالية تشتهر بها مدينة حلق الوادي وتكتسي طابعًا ثقافيًا واقتصاديًا وتتخللها عروض ضخمة تتراوح بين الموسيقى والأناشيد والفرق التنشيطية التي تستقطب آلاف الزوار سنويًا مما يضفي على المدينة طابعًا خاصًا يميزها عن سائر المدن الأخرى.
مهرجان عيد الحوت (السمك) تظاهرة احتفالية تشتهر بها مدينة حلق الوادي في تونس
مهرجان عريق واستثنائي
تحت شعار "حلق الوادي مدينة الثقافة.. مدينة التعايش بين الأديان" تعيش مدينة البحر والسمك والتاريخ، على وقع مهرجان عيد الحوت في دورته السادسة التي تمتد لثلاثة أيام متتالية ابتداء من 10 أوت/ أغسطس 2022. مهرجان عيد الحوت تقليد غير بعيد يمثل مناسبة ثقافية واقتصادية هامة لأهالي المنطقة ويستقطب سنويًا آلاف الزوار من مختلف مناطق البلاد لمواكبة مختلف العروض الثقافية والأجواء الاحتفالية التي تؤمنها جمعية مهرجان عيد الحوت.
يؤكد مدير مهرجان عيد الحوت منصف الشاوش أن دورة 2022 هي الدورة السادسة للمهرجان وأن جائحة كورونا حالت دون تنظيمه سنة 2021 علاوة على انقطاعه طيلة 4 سنوات إبان الثورة، مبينًا أن المهرجان عاد في ثوبه الجديد بفضل مجهودات محبي مدينة حلق الوادي ومحبي المهرجان.
وحول تاريخ المهرجان، أفاد المتحدث بأن مهرجان عيد الحوت بدأ منذ سنة 1992 وكانت المهرجانات آنذاك في شكل لجان إلى حدود سنة 2010 التي انقطع فيها الاحتفال بالمهرجان لأن المجلس البلدي كان يترأس المهرجان، وبعد انقطاع دام أربع سنوات، أعادت النيابة الخصوصية لمدينة حلق الوادي الجديدة سنتي 2013 و2014 الاحتفال بالمهرجان بطلب من محبي حلق الوادي، وبعد ذلك أصبح الاحتفال بالمهرجان في شكل جمعية.
ولفت الشاوش في حديثه لـ"الترا تونس" إلى أن المهرجان يعود بقوة وببرمجة ثرية ومتنوعة تمتد لثلاثة أيام وتنطلق منذ الساعة السابعة مساء من يوم 10 أوت/ أغسطس بقصر بلدية حلق الوادي أين يقع استقبال ضيوف المهرجان وأصدقائه، وتكون الانطلاقة بعرض "كرنافال ببروني" و"ماجورات قصر هلال" اللذان يجوبان شوارع المدينة، وحوالي التاسعة ليلا تقع إشارة الانطلاق بفضاء "بورت سبانيول" وتقديم عرض "صوفي" ويتحول ضيوف المهرجان لاحقًا إلى فضاء "الكراكة" أين يقع الانطلاق الفعلي للمهرجان مع عرض "عشاق النوبة".
مدير مهرجان عيد الحوت لـ"الترا تونس": يستقبل المهرجان حوالي 100 ألف زائر وميزانيته في حدود 30 و35 ألف دينار بدون اعتبار العروض المدعمة من وزارة الثقافة
وتابع مدير المهرجان "في اليوم الثاني سيكون لضيوف المهرجان موعد مع الفنان التونسي سفيان سفطة الذي تغنى بمدينة حلق الوادي مثل فريد الأطرش، وستكون السهرة الأخيرة في فضاء الكراكة وسيعرض فيها فن تراثي قديم بآلات عصرية".
وعن تمويلات المهرجان أفاد منصف الشاوش بأن الدعم متأت من وزارة الثقافة وتحديدًا مندوبية الثقافة بتونس ومن بلدية حلق الوادي ومن وزارة السياحة، لأن المدينة سياحية بامتياز، إضافة إلى دعم بعض المؤسسات الاقتصادية في المنطقة التي تؤمن بالمهرجان، مشيرًا إلى أن ميزانية المهرجان في حدود 30 و35 ألف دينار بدون اعتبار العروض المدعمة من قبل وزارة الثقافة.
مدير مهرجان عيد الحوت لـ"الترا تونس": بدأ المهرجان منذ سنة 1992 وتوقف سنة 2010 لأربع سنوات، قبل أن يعود في سنتي 2013 و2014 بطلب من محبي حلق الوادي
وعرج الشاوش على أهمية الشريك الأمني في تأمين الاحتفال لأنه مهرجان أنهج وفيه حركية كبيرة، كما أنه يستقبل حوالي 100 ألف زائر لحلق الوادي، مبينًا أن إدارة المهرجان قامت بدورات توعوية للمطاعم وتم الاتفاق على أسعار تفاضلية لا تتجاوز الـ 12 دينار لوجبة كاملة متكونة من "السمك المشوي والبريك والسلطة" معتبرًا أن أصحاب المطاعم الشعبية والسياحية سيتمكنون من التسويق وسيساهمون في تنشيط الأنهج.
عرس ثقافي واقتصادي
تحافظ مدينة حلق الوادي على أهم خصوصياتها ورمزيتها وهما البحر والسمك. وتستقطب عبرهما الزوار من كل مكان خاصة من الضواحي الذين يعتبرونها متنفسًا في فصل الصيف للاستمتاع بزرقة المياه وعذوبة البحر علاوة على الأطباق الشهية التي تشتهر بها وهما "السمك" و"البريك" واللذان يقدمان بأسعار في المتناول خاصة في فترة المهرجان.
إحدى الوافدات على المهرجان لـ"الترا تونس": رغم أنه مهرجان محلي فإنه استقطب الآلاف وبالكاد تتمكن من المرور وسط الزحام في أزقة وأنهج المدينة
"محمد" شاب ثلاثيني أصيل مدينة حلق الوادي التقيناه في إحدى المطاعم بصدد تناول وجبة العشاء مع ثلة من أصدقائه يقول في حديثه لـ"الترا تونس" إنه دأب منذ سنوات على مواكبة فعاليات مهرجان عيد الحوت الذي يمثل إرث المدينة اللامادي. لم يخف المتحدث إعجابه بطبق "المقرونة بغلال البحر" الذي تشتهر مطاعم المدينة بإعداده وكذلك بالترحاب الذي يحظى به زوار المدينة معتبرًا أن المهرجان في دورته الحالية نجح في الترويج للمدينة كوجهة سياحية بامتياز.
بدورها تؤكد ليلى أنها قدمت من مدينة "المحمدية" رفقة العائلة لتستمتع بثراء البرنامج الذي تم الإعلان عنه من قبل مهرجان السمك، مبينة أنها المرة الأولى التي تواكب فيها فعاليات المهرجان. وتضيف: "مدينة حلق الوادي قبلتي المفضّلة، أزورها كلما سنحت لي الفرصة، كل شيء استثنائي وذو طابع خاص في هذا المكان، وقد أضفى المهرجان جمالية على المدينة.. مع أنه مهرجان محلي فإنه استقطب الآلاف وبالكاد تتمكن من المرور وسط الزحام في أزقة وأنهج المدينة، لكن حسن التنظيم والتسيير حالا دون حدوث أي ازدحام أو فوضى".
تقول ليلى إن هذه التظاهرة الثقافية تمثل فرصة لأهالي حلق الوادي وسكان الضواحي للاستمتاع بالعروض الفنية وتنكّه أشهى الأطباق التي شهدت أسعارها انخفاضًا ملحوظًا خلال هذه المناسبة.
يمثل مهرجان عيد "الحوت" (السمك)، فرصة اقتصادية هامة لتجار المنطقة حيث يتوافد التونسيون من كل الجهات لتزدهر بذلك الحركية التجارية بالمنطقة، وقد أكد "توفيق" صاحب أحد المطاعم المختصة في إعداد السمك أن مدينة حلق الوادي تشهد إقبالًا كثيفًا خلال فصل الصيف من قبل التونسيين والأجانب لاسيما في مهرجان عيد الحوت الذي يضفي رونقًا خاصًا على المدينة.
مهرجان عيد الحوت (السمك) يمثل فرصة اقتصادية هامة لتجار حلق الوادي لتوافد التونسيين من كل الجهات وازدهار الحركة التجارية بالمنطقة
وبين محدث "الترا تونس" أن المطاعم استعدت أحسن استعداد لاستقبال ضيوف المنطقة وتم إعداد ألذ وأشهى الأطباق بأسعار مناسبة وتستجيب لمعايير الصحة والنظافة مثمنًا دور المهرجانات في التسويق لمدينة حلق الوادي.
مدينة التظاهرات
تزخر مدينة حلق الوادي بالتظاهرات الثقافية لما تكتسيه هذه المنطقة من رمزية تاريخية وثقافية، وقد شهدت المدينة خلال الفترة الممتدة من 28 جويلية/ يوليو إلى 9 أوت/ أغسطس، الدورة التأسيسية لمهرجان "نسمات المتوسط بحلق الوادي" الذي جمعت عروضه بين الفن والموسيقى والسينما علاوة على تنظيم ورشات مفتوحة للأطفال والشباب.
صلاح مصدق (رئيس جمعية نسمة حلق الوادي الثقافية) لـ"الترا تونس": حلق الوادي وجهة سياحية معروفة ونحاول جاهدين أن نراوح بين الثقافي والسياحي
وقد اعتبر رئيس جمعية نسمة حلق الوادي الثقافية صلاح مصدق وهو أصيل الجهة، بأن حلق الوادي مدينة التسامح والثقافة ونقطة تقاطع يتوافد عليها الزوار من كل البلدان، ومن هذا المنطلق برزت فكرة المهرجان المتوسطي "نسمات المتوسط" التي أريد بها تغيير السائد وهو توافد الزوار على المدينة لتناول طبق السمك والاستمتاع بالبحر وبالقهوة العربي في تجاهل للجانب الثقافي، على الرغم من أن حلق الوادي كانت في وقت من الأوقات مدينة الثقافة وفي المرتبة الثالثة بعد قرطاج والحمامات وحمام الأنف، وسبق أن احتضنت "مهرجان الكراكة" الذي عرض العديد من الأعمال المسرحية والفرق من كل ربوع البلاد.
ولفت مصدق في حديثه لـ"الترا تونس" إلى أنه بتقدم الزمن، تغيرت اهتمامات زوار حلق الوادي وأصبحت مختلفة عن السابق، واقتصرت فقط على طبق السمك والبحر وبالتالي تم التفكير في المهرجان، ومن المنتظر أن يشمل في دوراته المقبلة عروضًا من إيطاليا وإسبانيا تجسيدًا لتلاقح الثقافات لأن حلق الوادي مدينة التعايش والتسامح، وفق وصفه.
ولفت صلاح مصدق إلى أن حلق الوادي مدينة النسيم والبحر ولها تاريخ حضاري كبير فكانت تضم سكانًا من إيطاليا ومالطا ويهودًا، كما أنّ أغلب الملل في العالم تداولت على حلق الوادي وتواجدت فيها لما لها من طريقة عيش استثنائية، حتى إن المسافرين المتوافدين على ميناء حلق الوادي لا يغادرونها إلا وقد جابوا معظم أنهجها وتلذذوا بأشهى الأطباق.
وقال مصدق: "في حلق الوادي لدينا السمك والبحر، وفي فصل الصيف تصبح المدينة ملك الجميع وتضم كل شرائح المجتمع فتصبح متعايشة ومتقاربة.. في حلق الوادي تجد وجبة بـ 5 دنانير كما تجد وجبة بـ 200 دينار.. هي وجهة سياحية معروفة ونحاول جاهدين أن نراوح بين الثقافي والسياحي".
ويرى المتحدث أن مهرجان الحوت هو بمثابة عيد تقام فيه الحفلات التي تخلق حركية في المنطقة وتتيح للجميع تذوق أشهى الأطباق التي تعرض بأسعار تفاضلية خاصة وأن سعر السمك يشهد ارتفاعًا، وفقه.
