على الرغم من وصف البعض لها بالديمقراطية الفاسدة أو الشكلية وعلى الرغم من اعتبار آخرين أن الإخلالات طالما شابت محطاتها الانتخابية بعد الثورة، إلا أن تونس، دائمًا ما كانت تحوز على ثناء أعرق المؤسسات والمنظمات الديمقراطية في العالم، بتصنيفها البلد العربي الديمقراطي الوحيد.
لكن تونس التي ضربت المثل خلال الأحد عشر عامًا الماضية وكانت الأمل الوحيد في ظل عتمة من الدكتاتوريات، يبدو أنها بصدد إغلاق قوس الديمقراطية وفق ما يراه مراقبون ومتابعون للشأن السياسي، منذ إطلاق الرئيس التونسي قيس سعيّد إجراءاته الاستثنائية في 25 جويلية/يوليو الماضي.
إجراءات ومسار أثار حفيظة عديد الأطراف والحساسيات السياسية والمجتمع المدني التونسي، خاصة بعد مضيّ الرئيس في تنفيذ خارطة طريقه والإصرار على تاريخ 25 جويلية/يوليو القادم كموعد للاستفتاء، ما دعا عديد الجمعيات التونسية المختصة في الشأن الانتخابي إلى إطلاق صيحات فزع والتنبيه إلى أن هذا المسار تشوبه الإخلالات.
في هذا الصدد، تواصل "الترا تونس" مع عدد من هذه المنظمات لمزيد الاستفتسار وتبيان رأيهم خاصة ونحن على بعد أيام معدودة من المصادقة على دستور جديد لم تتوضح معالمه بعد، وأقل من شهر على تاريخ الاستفتاء.
- جمعية عتيد: الخطر أن يتحول الاستفتاء إلى اسفتاء على الرئيس
وقال رئيس جمعية عتيد بسام معطر، في تصريح لـ"الترا تونس"، إن "الجمعية طلبت منذ 3 أسابيع من الرئيس التونسي قيس سعيّد ومن هيئة الانتخابات مراجعة الرزنامة الانتخابية من الناحية القانونية والإجرائية، ومن ناحية الوقت المخصص لها لأن الضغط الزمني والتأخير الذي رافق عملية التحضير للاستفتاء، سيكون لها تبعات تمس جوهريًّا من نزاهة وشفافية وديمقراطية عملية الاستفتاء.
بسام معطر (رئيس جمعية عتيد): الخطر الأكبر هو أن يتحول الاستفتاء جراء كل الاستثناءات المرافقة لمساره إلى استفتاء على الرئيس التونسي عوض استفتاء على مشروع دستور جديد
وأضاف معطر أن "الخطر الأكبر هو أن يتحول الاستفتاء جراء كل الاستثناءات المرافقة لمساره إلى استفتاء على الرئيس التونسي عوض استفتاء على مشروع دستور جديد"، مشددًا على أن "كل المخاطر التي تم الحديث عنها سابقًا بصدد التحقق شيئًا فشيئًا، هناك ضغط كبير في الآجال يمس حتى من حق المشاركين في حملة الاستفتاء من المشاركة بالأريحية اللازمة والتحضير المناسب للمشاركة في الحملة".
وانتقد رئيس جمعية "عتيد" تغيير قانون التسجيل، مُبديًا تخوفه من أن "الاستعجال في اعتماد التكنولوجيا دون احترام المدة اللازمة ومعايير السلامة من الممكن أن يعودا بالسلب على السجل الانتخابي".
وفي علاقة بالقرار الصادر عن هيئة الانتخابات والذي ينص على أن الجهر بمقاطعة الاستفتاء يمكن أن يعرّض صاحبه لتتبعات جزائية، قال معطر إن ذلك "يمس من حرية التعبير ومن حق المواطن التونسي بشكل فردي أو منظم في التعبير عن رأيه"، مؤكدًا "ضرورة احترام آراء المعارضين دون العمل على إقصائهم أو ترهيبهم بالعقوبات الجزائية"، مؤكدًا أن "الفيصل في ذلك القانون المنظم للجمعيات والأحزاب".
بسام معطر: التتبع الجزائي لمقاطعي الاستفتاء مسٌّ من حرية التعبير ومن حق المواطن التونسي بشكل فردي أو منظم في التعبير عن رأيه
واعتبر معطر، في حديثه لـ"الترا تونس"، أن "التأخير في السماح باعتماد ملاحظي المجتمع المدني للقيام بعملية الملاحظة يمس كذلك من عمل المجتمع المدني"، منددًا في ذات السياق بـ"حملات التشويه على مواقع التواصل الاجتماعي التي طالتهم نظرًا لقيامهم بعملهم بكل موضوعية ونزاهة وحياد"، معتبرًا أنها تمثل "مؤشرًا سيئًا عمّا يمكن أن يكون مستقبلًا لحملة الاستفتاء ويوم الاقتراع".
ورجّح معطر أن تكون هذه المحطة الانتخابية (الاستفتاء) من أصعب المحطات التي شهدتها تونس لأن من الصعب على عامة الناس التداول في الدستور، بالإضافة لضيق الوقت المخصص لذلك بعد تأجيل الإعلان عليه من 25 ماي/أيار إلى 30 جوان/يونيو 2022.
- مرصد شاهد: استفتاء خارج الدستور والمعايير الدولية
في ذات السياق، عبر المدير التنفيذي لمرصد شاهد لمراقبة الانتخابات، الناصر الهرابي، عن تخوفه من مسار الرئيس قيس سعيّد، خاصة فيما يتعلق بالاستفتاء والانتخابات التشريعية لأنها لا أساس لها من الدستور، مضيفًا أن "في حالة الاستثناء لا يجوز المس من المؤسسات الدستورية أو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والتشريعات المتعلقة بالانتخابات"، وفق تأكيده.
الناصر الهرابي (المدير التنفيذي لمرصد شاهد): هذا المسار غير طبيعي وبُني على خطأ، ففي حالة الاستثناء لا يمكن إجراء استفتاء أو انتخابات إلا وفق ما نص عليه الدستور.. وهذا الاستفتاء خارج الدستور والمعايير الدولية
وتابع الهرابي أنه "لا يمكن كذلك إجراء أي انتخابات موافقة للمعايير الدولية"، معتبرًا أن "هذا الاستفتاء سيكون خارج الدستور وخارج المعايير الدولية"، حسب رأيه.
واعتبر المدير التنفيذي لمرصد شاهد لمراقبة الانتخابات أن هناك "نية لإقصاء المعارضين والمسّ من حرية التعبير"، معقبًا: "مجمل تخوفاتنا أن هذا المسار غير طبيعي وبُني على خطأ، ففي حالة الاستثناء لا يمكن إجراء استفتاء أو انتخابات إلا وفق ما نص عليه الدستور"، مبينًا أن "جميع المؤشرات توحي بتوديعنا للحقبة الديمقراطية، نحن الآن أمام نكسة لمسار كامل"، وفق تعبيره.
- شبكة مراقبون: استفتاء يكتنفه الغموض
من جانبها، قالت رئيسة شبكة مراقبون، رجاء الجبري، في تصريح لـ"الترا تونس"، إن "غياب الوضوح والرؤية جعلنا كمجتمع مدني وهياكل ستشرف على الاستفتاء نعاني من الضياع ونتساءل عن مدى جاهزية هيئة الانتخابات لتنفيذ الاستفتاء وفق المعايير الجاري بها العمل".
رجاء الجبري (شبكة مراقبون): غياب الوضوح والرؤية جعلنا كمجتمع مدني نعاني من الضياع ونتساءل عن مدى جاهزية هيئة الانتخابات لتنظيم الاستفتاء
ونبهت الجبري إلى أن "الهيئة تعاني من النقص في الكوادر البشرية وفروعها مازالت غير مكتملة التركيبة، كما أن الضغط الزمني دفعها إلى نشر رزنامة الاستفتاء بمفعول رجعي بشهر.
كما اعتبرت أن "المرسوم الأخير للهيئة القاضي بتتبع المقاطعين جزائيًا جاء غامضًا ويصعب تفسيره، مطالبة "الهيئة بالخروج لتوضيح وتفسير موقفها لرفع اللبس"، وفق تعبيرها.
وتابعت في حديثها لـ"الترا تونس" أن "المسار منذ 25 جويلية/يوليو 2021 شهد الكثير من البطء، مردفة: "كان من الممكن إدارة المسار بطريقة أخرى أكثر نجاعة ودراية بعدة تفاصيل تقنية وإدارة جيدة للوقت، من الحوار الذي تمت الدعوة إليه"، مستطردة: "لا ندري لحد هذه اللحظة كيفية صياغة الدستور أو ممّن تتكون اللجنة القانونية بعد رفض عمداء الجامعات المشاركة فيها، كما أن الأحزاب السياسية مطالبة بتصدير موقف من الدستور خلال 48 أو 72 ساعة.
وذكرت الجبري بأنه سبق للشبكة أن "طالبت الرئيس التونسي قيس سعيّد بمراجعة التاريخ وتأجيل موعد الاستفتاء"، مستدركة القول: "كان من الواضح أننا ماضون لإجراءه يوم 25 جويلية/يوليو 2025".