الترا تونس _ فريق التحرير
"النساء النساء.. الله يعيش النساء"، لطالما رددت كلمات هذه الأغنية دون أن أعرف أن من لحنها وغناها هو الفنان التونسي الراحل محمد الجموسي، الذي غادر عالمنا يوم 3 جانفي/يناير 1982، بعد مسيرة فنية استمرت لثلاثة عقود.
ولد الجموسي في مدينة صفاقس يوم 12 جويلة/يوليو 1910، وهو ينحدر من عائلة ميسورة الحال ومحافظة، ما جعله يتلقى في طفولته تربية تقليدية على الطريقة الصفاقسية الأصيلة، من خلال التركيز على التعليم وحفظ القرآن الكريم وترتيله وتعلم الأناشيد الدينية.
ينحدر الفنان التونسي محمد الجموسي من عائلة ميسورة الحال ومحافظة، ما جعله يتلقى في طفولته تربية تقليدية من خلال التركيز على التعليم وحفظ القرآن الكريم
- محمد الجموسي.. من موظف إلى فنان متمرد
في مطلع ثلاثينيات القرن الماضي، كان محمد الجموسي موظفًا بسيطًا في الشركة التونسية للسكك الحديدية، غير أن شغفه بالفن جعله يتخلى عن وظيفته ويتفرغ للموسيقى والتلحين، كيف لا وهو الذي غنى "الفن الفن.. عمري للفن".
وبالفعل نذر ابن مدينة صفاقس عمره للفن ولا شيء غير الفن، فتمسك بالغناء وتمرد على التربية التقليدية الذي تلقاها في صغره، ففي بداية مشواره عارضه والده بشدّة ودعاه سنة 1934 إلى مدينة صفاقس وأعطاه وظيفة جديدة في مصنعه، غبر أنه اختار طريقًا مختلفًا.
في مطلع ثلاثينيات القرن الماضي، كان محمد الجموسي موظفًا بسيطًا في الشركة التونسية للسكك الحديدية، غير أن شغفه بالفن جعله يتخلى عن الوظيفة ويتفرغ للموسيقى والتلحين
رفض محمد الجموسي العودة إلى أحضان عائلته وقرر مواصلة طريق الفن، فانضم في البداية إلى جمعية "النجم التمثيلي"، والتي كانت بمثابة جواز عبور له لينتقل من مسيرة تقليدية روتينية إلى مرحلة الغناء والتمثيل ومصافحة الجماهير، من خلال مشاركته في مسرحيات غنائية مثل "أميرة الأندلس" و "عبد الرحمان الناصر" وغيرها من المسرحيات.
عندما زاد شغفه بالفن والتمثيل، اختار الجموسي مغادرة تونس والانتقال للعيش في عاصمة الأنوار باريس والتي وجد فيها بيئة ملائمة لتلحين الأغاني وتسجيلها، فتفجرت موهبته وساعده صوته العذب على التعرف إلى نخبة من الفنانين العرب والاستفادة من تجاربهم.
في باريس الذي عاش فيها نحو 10 سنوات، سجل محمد الجموسي عدة أغاني أولهم كانت أغنية "في الشط ما أحلى خطوتها"، وانشغل طيلة بقائه هناك بالتمثيل المسرحي وتسجيل الأغاني وقيادة الفرق الموسيقية.
لكن يبدو أن الجموسي اختار لاحقَا العودة إلى تونس وإضاءة سماء الفن فيها، حيث واصل مشواره الفني بعد عودة إلى بلاده من خلال التلحين لفنانين بارزين في تلك الفترة على غرار صفية شميّة، كما شارك في العديد من العروض المسرحية والأعمال التلفزية، وفي أغانيه المتنوعة تغزل الفنان التونسي بالنساء وتغنى بالوطن.
- محمد الجموسي.. مسيرة عالمية حافلة
اشتهر الجموسي بتلحين وأداء أغانٍ كثيرة لا تزال متداولة في تونس إلى اليوم ويُرددها الصغار قبل الكبار، مثل "ريحة البلاد" و"تمشي بالسلامة" و"النساء" و "يا ريت الناس وخيان".
ولم يقتصر الجموسي على تلحين وكتابة الأغاني العاطفية، وإنما نجح أيضًا في تلحين الأغاني الفُكاهية مثل أغنية "قهواجي" الشهيرة، ويُقال إنه غناها لأم كلثوم بطلبٍ منها عندما زارت تونس في جوان/ يونيو 1968.
اشتهر الجموسي بتلحين وأداء أغانٍ كثيرة لا تزال متداولة في تونس إلى اليوم ويُرددها الصغار قبل الكبار، مثل "ريحة البلاد" و"تمشي بالسلامة" و"النساء" و "يا ريت الناس وخيان"
لم يكتفِ الجموسي بالغناء والتمثيل، بل شارك في أعمال سينمائية مصرية وفرنسية وإيطالية، حتى أنه كان أول فنان تونسي يُغني في فيلم مصري كما شارك الممثل المصري يوسف وهبي في بداية ستينيات القرن الماضي في أفلام مثل "ظلمت روحي" و"بنت الهوى" و"ناهد"، إلى جانب إنجازه لأعمال مسرحية غنائية منها أوبريت "فاطمة وحمادة"، أثناء إقامته في الجزائر.
كما أبدع الجموسي في غناء وتلحين أغنية "مية زغوان تروي العطشان" وأداها في أول فيلم تونسي فرنسي بعنوان "جحا"، من بطولة عمر الشريف وكلوديا كاردينال، وهو الفيلم الذي مثل تونس في مهرجان كان السينمائي سنة 1958.
وبعد هذه المسيرة الحافلة والمتنوعة، يمكن القول إن نجومية الجموسي تجاوزت حدود وطنه الأم فسطَع نجمه في عديد الدول العربية والأوروبية، وبُثت أغانيه في عديد الإذاعات العالمية مثل لندن وباريس وموسكو والقاهرة، فكان فنان كل الثقافات وكل الأجيال.
قدّم محمد الجموسي جل أغانيه بصوته قبل أن يمنحها لبقية المطربين، وقد تغنّى بأعماله الكثير من المطربين من تونس والجزائر ومصر، وتوجد إنتاجاته الغنائية في الكثير من الإذاعات العربية والناطقة بالعربية.
واختار الجموسي أن يُقدم جل الأغاني الذي كتبها ولحنها بصوته، لكنه فتح الباب أيضًا للتلحين لفنانين كانوا في ذلك الزمن نجوم صف أول، مثل وردة الجزائرية وفتحية خيري وحسيبة رشدي والفنانة نعمة.
لا زال اسم الجموسي ساطعًا في مدينة صفاقس كما أغانيه التي لم يأفل نجمها ولازالت متداولة إلى اليوم بكثافة، ويوجد في مدينته الأم مركبًا ثقافيًا يحمل اسمه إضافة إلى مهرجان الجموسي للموسيقى المتوسطية.