لسائل أن يسأل: "لماذا يرتفع نسق الإشهارات التلفزية في رمضان؟" الأمر لا يحتاج دقّة ملاحظة كبرى كي يدرك الجالس إلى مائدة الفطور في هذا الشهر، تخمة المادة الإعلانية المقدّمة.. الأمر الذي دفعني للتساؤل عن جدوى كلّ هذه الملايين التي تُنفق، والبعض ينتظر الإشهار أساسًا كي ينهض ليغسل يديه أو الأطباق، أو يعدّ فنجانًا من القهوة!
ما جدوى كلّ هذه الملايين التي تُنفق على الإشهارات، والبعض ينتظرها أساسًا كي ينهض ليغسل يديه أو الأطباق، أو يعدّ فنجانًا من القهوة؟!
على أنّ المؤكد، هو أنّ المرء لا ينصرف لقضاء بعض شؤونه وقت الإشهار، إلّا بعد أن يكون قد شاهد كل إعلان واستهلكه مرّة واحدة على الأقل، ولهذا لا يضيره أن يفوّت ذاك التكرار الذي بات السمة الرئيسية وركيزة استراتيجيات عالم التسويق.
يقول الإعلامي والمختص في الإعلامية محمد الهمامي، لـ"الترا تونس"، في إجابته على سؤالنا، إنّ خبراء عالم التسويق يواجهون مشكلة في الأشهر العادية، تتلخّص في عدم القدرة على حصر عدد الذين استهدفهم الإعلان، وقال: "هل أنّ المتلقّي يكون أمام التلفاز المفتوح وقت عرض الإشهار، أم أنّه يسمع فقط، أو أنّه في غرفة أخرى أصلًا؟".
محمد الهمامي (مختص في الإعلامية) لـ"الترا تونس": المشكل في الأشهر العادية، يتلخّص في عدم القدرة على حصر عدد الذين استهدفهم الإعلان، على عكس شهر رمضان
وتابع الهمامي بقوله: "في رمضان، ومع أذان المغرب تحديدًا، نحن متأكدون أنّ كلّ العائلة تجلس إلى طاولة الفطور نفسها التي تكون أمام التلفزيون غالبًا، وبالتالي فرصة بلوغ الإشهار لأكبر عدد ممكن من المتلقّين تكون مرتفعة"، مضيفًا أنّه يمكن للجميع ملاحظة أنّ الكبار والصغار على حد السواء، يكرّرون بعد 3 أيام فقط من رمضان، كلمات هذا الإعلان والأغاني التي ترافقه، كخير دليل على أنّه آتى أكله، وفق وصفه.
وأفاد محمد الهمامي بأنّ الإشهار على منصات التواصل الاجتماعي والإعلانات المموّلة لا تعوّض التلفزيون في شهر رمضان لأنه يظلّ "شاشة كبرى"، فالتلفزة تجمع، على عكس الهاتف الفردي وفق وصفه. مفسّرًا هذه النقطة بأنّ الإشهار إذا نال إعجاب الشخص، فإنّه سيتحدث عنه على طاولة الفطور، وإذا لم يعجبه فسيعبّر أيضًا عن رأيه منه، وفي الحالتين هو سيشارك هذه الفكرة التي سيكون حولها أخذ وردّ.
وقال الإعلامي إنّ المعلومة أو الفكرة التي كانت تخرج مرة واحدة في الهاتف مثلًا، أصبحت أمام شاشة التلفزيون لدى 4 أو 5 أفراد على الطاولة نفسها، وبالتالي فإنّ تأثيرها يكون أقوى بكثير، وفق تقديره.
- الومضات الإشهارية في رمضان > الومضات الإشهارية في بقية أشهر السنة
أردنا مزيدًا من الغوص في هذا العالم، فتوجّهنا بالسؤال نفسه إلى صانع المحتوى والمختصّ في التسويق الإلكتروني أمير بن زايد، فكان رأيه أنّ شهر رمضان هو الشهر الوحيد الذي يكون فيه الـ"Reach" في التلفزيون أكبر من السوشال ميديا، عكس بقية الأشهر، في إشارة إلى عدد الأشخاص الذين يصلهم مضمون المادة الإعلانية المقدّمة.
مختص في الإعلامية لـ"الترا تونس": في رمضان، نحن متأكدون أنّ كلّ العائلة تجلس إلى طاولة الفطور نفسها التي تكون أمام التلفزيون غالبًا، وبالتالي فرصة بلوغ الإشهار لأكبر عدد ممكن من المتلقّين تكون مرتفعة
وقال بن زايد: "في الأشهر العادية، لا توجد برامج يمكن أن تجمع كل العائلة بمختلف أصنافها على الطاولة نفسها للمشاهدة، ولهذا فإنّ الإشهار في التلفزة لن يمسّ شخصًا فقط، بل سيمسّ مجموعة بأكملها مكوّنة من 6 أو 7 أفراد، بينما على الهاتف أو الحاسوب، التقبّل يكون فرديًا، بمعنى أنّي فقط من أشاهد، مع حرية حجب هذا الإعلان أو إلغائه وعدم النظر إليه".
ثمّ إنّه أثار مسألة هامة لدى الوعي الجمعي التونسي، هي تلك المتعلّقة بالـ"مصداقية"، فقال إنّ من خصائص الشعب التونسي أنه يعطي قيمة للشخص/ الفكرة/ المحتوى الذي ظهر في التلفزة، ويستبطن قابلية لتصديقه أكثر ممّا لو شاهد المحتوى نفسه على الهاتف، وفق وصفه.
أمير بن زايد (مختصّ في التسويق الإلكتروني) لـ"الترا تونس": شهر رمضان هو الشهر الوحيد الذي يكون فيه الـ"Reach" في التلفزيون أكبر من السوشال ميديا، عكس بقية الأشهر
أمّا بخصوص الإعلانات التي يمكن أن تنال حظوة لدى الجماهير، قال صانع المحتوى، إنّ المختصّين اليوم يجارون "تريندات السوشال ميديا"، ليجلبوا اهتمام متابعي منصات التواصل الاجتماعي هذه، إلى الإشهار، ولهذا تعتمد الكثير من الإعلانات على أغاني الراب، لما تحقّقه من نسب مشاهدات مرتفعة للغاية، ويقبل عليها المتلقّي التونسي بكثرة.
- الضجّة السيّئة أو الـ"الباد بوز" (bad buzz)
يقرّ المهتمّ بالتسويق الإلكتروني أمير بن زايد، بأنّ الـ"bad buzz" أو "الضجة السيّئة" في وقته جيّد، لكنّه يضرّ مع الوقت.. الإيجابي في الأمر أنّ المنتج يصل إلى عدد كبير من المتابعين ويخلق الضجّة المطلوبة، لكن السلبيّ هو أنّ هذه الضجّة لا تدوم، بل إنّ المتابعة قد تكون كبيرة دون أن يتحقّق فعل الشراء المطلوب، وهو الهدف من كلّ حملة التسويق ككلّ.
مختصّ في التسويق الإلكتروني لـ"الترا تونس": الـ"bad buzz" يخلق ضجّة لا تدوم، بل إنّ المتابعة قد تكون كبيرة دون أن يتحقّق فعل الشراء المطلوب
من جانبه، اعتبر حمزة مصباح، وهو مدير الإنتاج الإبداعي بأحد شركات التسويق المهمّة في تونس، بأنّ الأصل أن يتحدث الناس عن المنتج بالإيجاب، وأنّ "الباد بوز" يحدث أحيانًا بسبب خطأ من الحريف، لاقتحامه ربما مجالًا غير مجاله، أو من شركات التسويق نفسها، وقال إنّه من الجيّد أن يتحدّث الناس عن المنتج، لكنّه من الصعب بكثير أن يتحدث الناس عنه بشكل سيء، لأنّ الحريف التونسي "يحاسب كثيرًا" وفقه.
يضيف حمزة مصباح بأنّ رمضان يعدّ وقت الاتصال والتسويق في تونس وفي العالم العربي، إذ تُرصد مبالغ ضخمة من قبل المستشهرين والحرفاء، باعتبار أنّ الجميع يتحلّق حول التلفزة في وقت مضبوط، خاصة وأنّ العام في تونس غير مقسم مثل الأعوام في البلدان الأخرى، إذ لدينا أوقات عمل عادية، ونظام الحصتين، ووقت رمضان والصيف والعطل.. وغيرها، وبالتالي فإنّ رمضان هو الشهر الأنسب الذي يمكن فيه القيام بحملات إشهارية، وفقه.
حمزة مصباح (مدير الإنتاج الإبداعي بشركة تسويق) لـ"الترا تونس": قوّة إعلان ما، تكمن في خفة الدم والكتابة الجيدة والإخراج المميّز، يجب اللعب عمومًا على الطرافة
وأشار مصباح إلى أنّ أكبر الماركات والشركات في تونس التي تشتغل في قطاع الأكل خاصة، هي التي تتنافس فيما بينها باعتبار أنّ شهوات الأكل تكثر في هذا الشهر، وهو ما تستغلّه الإعلانات عبر اللعب على الجانب الحسّي للمتلقّين، لافتًا إلى أنّ تقبّل الإشهار تغيّر في السنوات الأخيرة، نظرًا لأنّ الوسائط السمعية البصرية أي الفيديوهات هي أكثر ما يُشاهد في رمضان، من إعادات للمسلسلات ووصفات الطبخ، وغيرها.
- ما هي مواصفات الإشهار الناجح؟
يجيبنا مدير الإنتاج الإبداعي بشركة التسويق، حمزة مصباح بأنّ قوّة إعلان ما، تكمن في خفة الدم والكتابة الجيدة والإخراج المميّز، "يجب اللعب عمومًا على الطرافة" وفقه، وهو نفس ما ذهب إليه صانع المحتوى أمير بن زايد، حين أقرّ بأنّ الإشهار الناجح هو الذي يكون رهين الديناميكية الجيّدة، ومواكبة تريندات السوشال ميديا، والتركيز على الألوان والموسيقى وتغيير كلمات أغنية معروفة في إطار ما يُعرف بالـ"remake".