میدیا

الإشهار الرمضاني في تونس.. حيز زمني لبث صور نمطية

15 مايو 2021
GettyImages-773126135_0.jpg
يغيب فيها أصحاب البشرة السوداء بشكل شبه كلي وتحضر فيها لغة هجينة وبعض الصور التي لا تعبر عن ثقافة البلاد وبيئتها (Getty)
عائشة غربي
عائشة غربيصحفية من تونس

 

لم تكن الأعمال الدرامية لوحدها، مادة يخطط لها على المدى المتوسط والبعيد وتعمل عليها شركات الإنتاج والتسويق وتسهر على إتقانها لتقنع بها الجمهور المستهدف، خلال شهر رمضان. إذ شق طبق خفيف في ظاهره مثقل في باطنه بالصور النمطية، التي باتت مادة سهلة مستساغة لأصحاب العلامات التجارية في تونس، بيوت التونسيين، عبر ومضات متداولة قد ينتظرها المشاهد أكثر من العمل في حد ذاته، فوقتها قصير، رسالتها أوضح، وتتسم بجاذبية أكثر.

سوق الإشهار في تونس وإن حاول القائمون عليه تعزيز المحتوى وتطويره بقي رهينة الزوجة الماهرة في الطبخ، الرجل المتحكم واللهجة المحلية

سوق الإشهار في تونس وإن حاول القائمون عليه تعزيز المحتوى وتطويره بقي رهينة الزوجة الماهرة في الطبخ، الرجل المتحكم، واللهجة المحلية التي قد لا تراعي بالنسبة للبعض خصوصية التلفزيون. 

تقول كارين بيرثيلوت غويت، المختصة في تحليل الخطاب الإشهاري، "يُفرض الإعلان بطبيعته على جمهوره، ولا يُشاهده أحد طواعية. وبالنظر إلى الوقت القصير المخصص لتبليغ رسالته، عليه أن يختار أن يكون مبنيًّا على الصور النمطية". 

ومن شأن هذه الصور أن تؤثر على سلوك الجمهور المستهدف الاجتماعي والاستهلاكي والتأثير على المعارف الثقافية واللغوية لديه. ووفق ورشة حول تأثير واقع الإشهار في تونس، نشرها المعهد الوطني للاستهلاك عام 2015، تبين أن لهذه الومضات تأثير على سلوك الأطفال والمراهقين، كما تمت ملاحظة إثقال كاهل المستهلك بومضات إشهارية غير ملتزمة بالقوانين المنظمة وكراس الشروط المعد للغرض، وعدم التزام القائمين عليها بالتنصيص على الخطورة الصحية لبعض المواد الموجهة للطفل عند فرط استهلاكها.

كما أشارت إلى مخالفة هذه الومضات للذوق العام واستعمال ألفاظ بالدارجة المحلية تكون منافية للأخلاق.

اقرأ/ي أيضًا: غوص في عالم الإشهار الرمضاني في القنوات والإذاعات التونسية

"الصعيدي" وثقافة الثأر

في رمضان 2021 تونسيًا، تماثلت بعض الأساليب، اختلفت عن سابقتها أحيانَا لكنها بقيت تراوح مكانها على مستوى الرسالة المقدمة للجمهور، أو لعلها ابتدعت أساليب جديدة في تقديمها، لاعتمادها على نمط ونسق وسياق جديد.

فاستغلت الشركات المنتجة الأغاني الناجحة جماهيريًّا بصورة جذابة مثل "يا نغار" و"يا العريبة" وأخرى باللهجة المصرية دون اعتبار للخصوصية المحلية التونسية. ومردّ ذلك، الاعتماد على الموجود سابقَا لضمان النجاح مع خلطة محلية في نهاية العمل بغاية جذب انتباه المشاهد وإقناعه بالمنتج. هل شاهدتم يومًا إعلانًا عربيًّا يتخذ اللهجة المحلية التونسية مادة أساسية ليقدمها لمشاهديه؟ 

استغلت الشركات المنتجة للومضات الإشهارية الأغاني الناجحة جماهيريًّا مثل "يا نغار" و"يا العريبة" وأخرى باللهجة المصرية دون اعتبار للخصوصية المحلية التونسية

ربما تجاوزت الصور النمطية المحلية سقف التكرار لتنقل لنا صور الصعيدي في جبة الثأر وهي الأشد انتقادًا في مصر، أو تركيب أغنية "يا العريبة" الناقدة للمشهد المحلي التونسي على إيقاع آلة المزود، مع صورة الفرسان التي قد تكون فيها إشارة إلى القائد "حنبعل" على طريقة الأعمال الدرامية التركية الموغلة في الإثارة والمبالغة.

فطريقة دمج ما هو محلي على مستوى الإنتاج والشرقي كوسيلة لإيصال الرسالة، جعلت من الخصوصية التونسية شبه غائبة بل وهجينة إلى حد أنّها تُحيل إلى عجز على تقديم صورة تحمل هوية تونسية صرفة في شهر تجتمع فيها العائلة بحثًا عن خصوصية تفتقدها في باقي أيام السنة.

وكأنها تقدم للمشاهد خلاصة الأعمال الدرامية المصرية في طبق إعلاني وسط منافسة محلية لأعمال رمضانية، بما تحمله من ثقافة ثأر، ودون ارتباط بتاريخ محلي تونسي.

اقرأ/ي أيضًا: السنوسي: "أكثر من 4 آلاف شكاية وصلت الهايكا بخصوص دراما رمضان"

"عكعك يا مفيدة عكعك"

عكعك، هي عبارة شبابية محلية، تتداول بشكل ساخر للتعبير عن وضعية مرفهة لشخص ما أو للتدليل على وضعية مادية او اجتماعية مهمة حصل عليها.

ودرج التونسيون على قولها في الشارع والفضاء الافتراضي، إلاّ أنّ تحولها إلى التلفزيون وعرضها بشكل فكاهي في أوقات ترتفع فيها نسب المشاهدة، يطرح أسئلة حول الألفاظ التي يمكن الاعتماد عليها من عدمها في التلفزيون، وهل أنّ الأسرة مجبرة على تحمل ألفاظ تستخدم في فضاءات مفتوحة واستبطانها؟

رغم أنّ الإعلان عرف شهرة كبيرة وحسن تقبل من الجمهور، إلا أنّه اعتمد ألفاظًا قد لا تقبلها بعض العائلات ولا تستسيغها في فضائها.

دأبت الشركات المنتجة للإعلانات في تونس على تغييب اللغة العربية واعتماد ألفاظ محلية أو مستلهمة من الفرنسية

وقد دأبت الشركات المنتجة للإعلانات، في المقابل، على تغييب اللغة العربية واعتماد ألفاظ محلية أو مستلهمة من الفرنسية أو ما يعبر عنه بالفرانكو أراب على غرار "شرجي" من فعل "charger" باللغة الفرنسية، ولها معنى مختلف تمامًا باللغة العربية الفصحى عن معناها الأصلي، في حين أنّ اللغة العربية وهي اللغة الرسمية للبلاد، والمنصوص عليها في الدستور، غائبة بنسبة أقل من 16 في المائة في الومضات التونسية، وفق دراسة تونسية نشرت عام 2016 حول مضمون الإشهار في النصف الأول من شهر رمضان.

اقرأ/ي أيضًا: في مساوئ تلفزيون رمضان

للات النساء: سيدة المطبخ؟

اعتمدت ومضات أخرى للترويج لمنتجاتها على المرأة التي تجيد الطبخ بل المتميزة فيه، ويعبر عنها محليًّا بعبارة "للات النساء". لطالما خلقت هذه الإعلانات نظامًا من الهيمنة الرمزية على صورة المرأة، التي حصرتها الإعلانات في دور "الزوجة المحبة، الأم المحبة والمثالية".

 

عملية ربط المرأة في الومضات الإشهارية في ذهن المتقبل بالعمل المنزلي وخاصة الطبخ لم يعد محددًا سليمًا اليوم

وأجمعت أغلب الإشهارات على الصورة ذاتها، سيدة في المطبخ تطهو لعائلتها ويبدو الجميع سعداء بذلك، فيما قطع بعضها بإضافة رجل يطبخ مع أغلبية الوجود النسائي. وفي إشهار آخر، ظهر رجل بصدد الطبخ وعجز عن تحضير صلصة طماطم وأخرى للمايونيز قابلة للاستهلاك، في إشارة إلى عدم التعويل عليه واعتماد مواد استهلاكية من السوق حاضرة للاستهلاك.

دور المرأة في المطبخ ليس إشكالًا في حد ذاته، بل عملية ربطها في ذهن المتقبل بالعمل المنزلي وخاصة الطبخ لم يعد محددًا سليمًا اليوم، من ناحية دور المرأة خارج هذا الإطار أيضّا، ومكانة الرجل التي لم تعد تقتصر على العمل خارج المنزل فقط، فكثير من الأزواج يساعدون زوجاتهم والعكس صحيح، والكثير من الأزواج يجيدون الطبخ.

إن المشكلة المطروحة في الرسائل التي تبثها الومضات، عملية التعميم التي تُلزم الجمهور بصور نمطية معينة وتنشرها على نطاق واسع، بمحاكاة سياق قريب منها ثقافيًّا ثم ترسيخها.

المشكلة المطروحة في الرسائل التي تبثها الومضات الإشهارية هي عملية التعميم التي تُلزم الجمهور بصور نمطية معينة وتنشرها على نطاق واسع

وعلاوة على الثقافة الاستهلاكية التي تبثها هذه الإشهارات، نجد أنّها روجت لثقافة تُلزم المرأة بالمطبخ وتبعد الرجل عنه، يغيب فيها أصحاب البشرة السوداء بشكل شبه كلي رغم حضورهم في المجتمع، تحضر فيها لغة هجينة وبعض الصور التي لا تعبر عن ثقافة البلاد وبيئتها.

في المقابل، أصبحت العلامات التجارية حول العالم تفكر في الإشهار كأداة اتصالية تعبر عن قيمتها وأهمية الرسالة التي تبثها، باعتباره جزءً من هويتها، وتحاول قدر الإمكان تقديم رسالة مسؤولة، تأخذ بالاعتبار السياق السوسيولوجي والثقافي والبعد الإنساني والإيكولوجي أيضًا، وإذا أخطأت مرماها تجد نفسها أمام انتقادات كبيرة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل تكتفي الإشهارات بتحفيزنا على الاستهلاك فقط؟

أشهر 7 إعلانات انتشرت في التسعينيات بتونس

الكلمات المفتاحية

GettyImages-1059228072_1.jpg

"الدخلاء" أو كيف فقد الصحفيون التونسيون السلطة على الصحافة؟

تعيش مهنة الصحافة في تونس حالة من الأزمة شبيهة بما تعيشه مؤسّسات أخرى توصف بالوسيطة أو بالأجسام الوسيطة (les corps intermédiaires) على غرار الأحزاب والقضاء وحتى الجمعيات. ولعلّ المؤشر الأعظم على هذه الأزمة هو دون أدنى شك تراجع ثقة المواطنين فيها. ول


GettyImages-1157313690_0.jpg

غوص في عالم الإشهار الرمضاني في القنوات والإذاعات التونسية

نحاول الغوص في عوالم الإشهار وخاصة الإشهار الرمضاني، وهو الذي يحتكر القسم الأكبر من مجموع الإشهار الذي يبث طيلة السنة في التلفزيون والراديو التونسي على اختلاف المؤسسات. أي قانون ينظم الإشهار وأي هيكل يقوم بذلك؟ كيف يتم التنظيم والمراقبة؟


GettyImages-85595140_1.jpg

الترامبية، الماكرونية.. والسعيّدية: الوصفة الدعائية لرؤساء الجيل الرابع

منذ سنوات، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي، أو ميديا الديجيتال، حقل بحث خصب للباحثين في العلوم السّياسيّة ومسبار قيس للمتابعين والمهتمّين. بل أكثر من ذلك، صارت هذه الفضاءات كلؤلؤة المشعوذين يستبصرون عبرها المآلات والتحوّلات في الأفق.


GettyImages-924702562.jpg

القدوة الاجتماعية في البرامج التلفزيونية

كان لا بد منذ اللحظة الأولى للتغيير الانطلاق في تحديث البنية الذهنية للمجتمع لتحريك عجلة التنمية الشاملة، وهذا لا يمكن إلا من خلال توفر نماذج من القدوات الإيجابيّة والرشيدة التي يجب على أفراد المجتمع الاقتداء بها.

60 شركة دخلت طور النشاط الفعلي.. إطلاق منصة رقمية خاصة بالشركات الأهلية
اقتصاد

60 شركة دخلت طور النشاط الفعلي.. إطلاق منصة رقمية خاصة بالشركات الأهلية

وزارة التشغيل والتكوين المهني، أطلقت السجل الوطني للشركات الأهلية، وقدّمته على أنه فضاء رقمي جديد خاص بإحداث هذا الصنف من الشركات، يتيح تبسيط الإجراءات الإدارية وتقليص آجال التسجيل

نقابي لـ"الترا تونس": "مبارك السياري: أعوان وإطارات شركة البيئة والغراسة بتطاوين ينفذون وقفة احتجاجية للمطالبة بصرف الأجور وتفعيل
مجتمع

نقابي لـ"الترا تونس": أعوان شركة البيئة بتطاوين يحتجون للمطالبة بصرف الأجور وتفعيل الاتفاقيات

نفذ أعوان وإطارات شركة البيئة والغراسة والبستنة بتطاوين اليوم، الثلاثاء 11 نوفمبر 2025 وقفة احتجاجية انطلقت من مقر الاتحاد الجهوي للشغل بتطاوين باتجاه مركز الولاية، للمطالبة بصرف الأجور في آجالها وتفعيل جميع الاتفاقات السابقة، حسب ما أفاد به الكاتب العام المساعد للنقابة الأساسية للشركة، مبارك السياري


سجن سجون صورة توضيحية Getty
سیاسة

هيئة السجون: لا صحة لقيام بعض المساجين بإضراب عن الطعام

الهيئة العامة للسجون والإصلاح: الوضعيات الصحية لكل المساجين ولكل من ادّعى إضرابه عن الطعام هي وضعيات محل متابعة صحية مستمرة وفقًا للتراتيب والبروتوكول الصحي الجاري به العمل

تحقيق مع مشجعين في بنزرت على خلفية لافتات حول التلوث في قابس
مجتمع

حقوقي لـ"الترا تونس": "التحقيق مع مشجعين للنادي البنزرتي بسبب لافتة مساندة لأهالي قابس"

أفاد الكاتب العام لفرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ببنزرت، حسام الدين خليفة، يوم الثلاثاء 11 نوفمبر 2025، بأنّ الوحدات الأمنية استدعت مساء السبت نحو خمسة من جماهير النادي الرياضي البنزرتي للتحقيق، وذلك على خلفية رفعهم لافتات خلال المباراة الأخيرة لفريقهم، عبّرت عن مساندتهم لأهالي قابس في تحركاتهم ضدّ التلوث البيئي

الأكثر قراءة

1
اقتصاد

حوار| مستشار جبائي: ضغط جبائي مرتفع وتشجيع الاستثمار غائب في مشروع قانون المالية 2026


2
سیاسة

هيئة الدفاع: توسّع حركة الإضرابات بدخول رضا بلحاج في إضراب جوع من سجنه


3
سیاسة

احتجاج من وراء القضبان.. ما رسالة السياسيين المضربين عن الطعام في تونس؟


4
سیاسة

تعليق نشاط جمعيات في تونس.. منظمات: ضرب للعمل المدني بقرار سياسي


5
مجتمع

إصابة تلميذين إثر انهيار جزئي لسقف قاعة تدريس بمعهد ثانوي في جندوبة