من المعلوم أن الاغتصاب فعل وحشي ينزع عن مقترفه معنى إنسانيته، ولكنه يكون أشدّ وحشية حينما يكون مقترفه من ذوي القربى، من أولئك الذين لا ينبغي ألا نحس معهم بغير الأمان. وكثيرة هي حالات الاغتصاب التي يكون فيها المغتصب أبًا أو أخًا أو جدًّا أو خالًا، وقد لا تستوعب العقول أنّ ذوي القربى يمكنوا أن يأتوا أفعالًا لا يمحي الزمن آثارها، ولاسيما في حال تورّطوا في اغتصاب أطفال مستغلين شعورهم بالأمان في جنبهم.
لم يكن من السهل على "ألترا تونس" الوصول إلى تجميع شهادات ضحايا اغتصاب أطفال داخل المحيط العائلي، نظرًا لحرص البعض على إدراجها في خانة الأسرار التي لا سبيل إلى إعلانها بتعلّة الخوف من الفضيحة، وهذا لا ينفي أن البعض يعلنها ويتمسك بمقاضاة المغتصب.
تتعدّد قصص اغتصاب الأطفال المدرجة طيّ الكتمان والتستّر في المجتمع
وفي رحلة البحث عن ضحايا اغتصاب أطفال من قبل أقربائهم، استمعنا إلى شهادات تقشعر لها الأبدان وعاين وضعيات ضحايا لم تمر عليهم الحوادث التي عايشوها مرور الكرام بل تركت آثارًا نفسية وجسدية يتعايشون معها كل يوم. حكايات عصية على التصديق يرويها ضحايا الاغتصاب، حكايات عن وحشية ولا إنسانية بعض الأقارب، الذي تجرّدوا من كل عاطفة جميلة وأقدموا على فعلة لا تنسى بالتقادم.
وليس من السهل نقل تجارب موجعة لفتاة تعرّضت وشقيقتها إلى الاغتصاب من قبل والدها، وفتاة أخرى اغتصبها عمها، وفتى يعاني من إعاقة اغتصبه جدّه، ولا أحد بإمكانه استيعاب كمّ الألم الذي يرشح من وجوه من التقيناهم، فظلم ذوي القربى أشدّ مضاضة.
وإذا الأب اغتصب ابنتيه
"وحش" كلمة كانت تزين شهادة سلمى (اسم مستعار) عما تعرّضت له وأختها من قبل والدهما، وهما الطفلتان اللتان لم تخبرا هذه الدنيا بعد، طفلتان كبرتا بفعل الوجع لا الوقت، إحداهما فقدت القدرة على التواصل مع الآخرين واعتكفت في غرفة بمنزل تداعت جدرانه بفعل الصدمة. وأما سلمى التي تحدّثنا والتوتر باد في محياها وفي ارتعاشة أناملها، فهي تغالب ذكرى حادثة الاغتصاب وتحاول أن تواصل حياتها بصفة شبه طبيعية، ذلك أنّها تعاني من اضطرابات نفسية جراء ما عايشته طيلة سنوات، ولم يمح أثره رغم دخول والدها إلى السجن.
كانت أفكارها مشتتة وكان استرجاع ذكرى الاغتصاب المتكرّر طيلة خمس سنوات صعبًا عليها وعلى من يستمع إليها، وكلّما اشتد بها وجع الذكرى تقول "هو وحش.. مش بو"، وهو الذي اغتصبها لأوّل مرّة في سن الثانية عشر حينما كانت أمها ترقد في المستشفى لإجراء عملية جراحية، ومنذ ذلك التاريخ صار يكرّر فعلته كلما خلا له الوضع.
ولا يمكن لأي إنسان أن يستوعب أنّ أبًا يواقع ابنته بتهديد بالسكين وهي الطفلة الصغيرة التي ترى فيه ميناء السلام، هي اليوم لم تعد طفلة صارت فتاة عشرينية انتهت معاناتها مع الاغتصاب منذ أن أودع والدها السجن قبل ست سنوات.
ولكنها مازالت إلى اليوم تبكي وهي تستحضر دموعها التي ذرفتها من فرط العنف الذي سلطه عليها والدها، وهي التي لم تكن حينها تستوعب ما يحصل معها، كانت تكتفي بالبكاء ولا تتجرأ على إخبار والدتها بالأمر خوفًا من بطش ذلك الرجل الذي شاءت الأقدار أن يكون والدها، هكذا حدّثتنا.
من بلغه خبر اغتصاب أب لابنته قد لا يستغرب نبأ مواقعة عم لابنة أخيه الطفلة
وألم سلمى صار ألمين حينما أخبرتها أختها التي تصغرها بأربع سنوات عن وجع سلّطه عليها والدها ولم تفقه كنهه، حينها كانت قد ألفت عذابات "والدها" طيلة ثلاث سنوات قبل أن يقحم شقيقتها في نفس البوتقة، واكتفت الاثنتان بالبكاء والبوح في آناء الليل دون أن تنبسا ببنت شفة لوالدتهما التي كانت تعاني من مرض مزمن.
خمس سنوات وهي صابرة مصطبرة على ألمها وألم أختها الصغرى، إلى أن ظهرت على أختها عوارض الحمل وكان لابد من كشف الأمر إلى الجميع، ولم تتحمّل الأم الصدمة وتعرضت إلى أزمة صحية انتهت إلى إقعادها عن الحركة، وانتهى الأمر بالأب في السجن، وشاءت الأقدار أن لا يأتي ابن الاغتصاب إلى هذا العالم.
تفاصيل كثيرة، لا تترجمها الكلمات ولكن دموع سلمى كانت صادقة في نقلها، وحدها دموعها قادرة على نقل معاناتها وأختها، معاناة ظلّت تلاحقها إلى اليوم وتذكرها كلّما نظرت إلى والدتها المقعدة، وأي أب جاهل هذا الذي يفعل ببنتيه ما لا يفعله العدو بهما؟
وإذا العم اغتصب ابنة أخيه
ومن بلغه خبر اغتصاب أب لابنته قد لا يستغرب نبأ مواقعة عم لابنة أخيه الطفلة التي سكنت إليه ظنًا منها أن في مجاورته برّ الأمان ولكن براءة الأطفال كانت في مواجهة غريزة متوحّشة.
هو نبأ اهتزت له المنطقة التي جدّت فيه، خاصة وأن والدي الطفلة كانا يطمئنان لوجود عمها معها في المنزل ويغادران للعمل، لكنّه لم يحمها بل مارس عليها أقسى أنواع العنف، وكلّما سنحت له الفرصة يغتصبها ويهددها بقتلها إن هي أخبرت والديها، وفق رواية أحد أقرباء الفتاة.
جد استغل غياب ابنته عن المنزل من أجل العمل، واغتصب أحد أحفاده الذي لم يكن بوسعه حتى الصراخ للتعبير عن ألمه
وقد طرأت على تصرفات الفتاة بعض التغيرات، منذ أن انتقل عمها إلى السكن معهم، فباتت قليلة الكلام والأكل ولكنّها لم تخبر أهلها عن السبب الحقيقي، ولم يكن أحد ليتخيل أنّ عمّها هو سبب وجع روحها الذي تجلّى في تصرفاتها، وفق رواية قريبها. وتتكرر مناسبات الاغتصاب، ويضرب العم بالصلة الدموية عرض الحائط ولا يأبه لدموع ابنة أخيه التي ما عادت تلعب وعزفت عن الأكل حتى صارت نحيلة جدًّا وشاحبة، ووالداها يرجعان الأمر إلى الإرهاق أو التعب و"العم" لا يكف عن إثبات لا إنسانيته.
وكان أن تدهورت حالة الفتاة في إحدى الليالي الحالكات، وبنقلها إلى المستشفى تبيّن أنها حامل وحينها فقط انجلت الغشاوة عن أعين والديها، ولكن الوقت كان قد تأخر فالـ"عم" حفر جرحًا عميقًا في روحها. وإن كان السجن مآل المغتصب فإن الطفلة ذات الأربعة عشر عامًا كانت تحمل في أحشائها جنينًا في الشهر الخامس لا يمكن إجهاضه خوفًا على حياة الطفلة، فأي تراجيديا هذه التي ستلازم الفتاة طيلة حياتها؟
وإذا الجدّ اغتصب حفيده
وبعد أن تبلغ مسمعك أخبار عن اغتصاب الأب لابنتيه والعم لابنة أخيه فأنت قد لا تستغرب أيضًا من اغتصاب الجد لحفيده الذي يحمل إعاقة. والأسوأ من تعرّض الطفل إلى الاغتصاب أنّ والدته لم تقدّم شكاية بمن اقترف في حقه هذا الفعل المشين، فقط لأنه والدها، ربما الخوف من الفضيحة أو ربّما قداسة الرابط الدموي الذي لم يعره الجدّ أي اهتمام.
مهيار حمادي (المندوب العام لحماية الطفولة) لـ"ألترا تونس": المندوبية العامة لحماية الطفولة تلقت سنة 2018، 1027 إشعارًا من بينها 25 متعلقًا بزنا المحارم
والجدّ استغل غياب ابنته عن المنزل من أجل العمل، واغتصب أحد أحفاده الذي لم يكن بوسعه حتى الصراخ للتعبير عن ألمه، واكتفى بذرف الدموع إلى أن حضرت والدته إلى المنزل ووشت لها آثار الدم بما حصل، فابتلعت الوجع وخيّرت الصمت، وهو ما أكدته لـ"ألترا تونس".
ولم تشأ الأم أن يتجاوز السر أسوار منزلها ولكن حالة ابنها التي تسوء يومًا بعد يوم جعلتها تبوح بالأمر لإحدى المقربات التي لم تتوان عن إشعار مندوبية حماية الطفولة بالأمر، من أجل الإحاطة بالطفل نفسيًا خاصة وأن وضعيته خاصة. تحدّثنا الأم عن الأمر وهي تتمزّق بين رابط الأبوة والبنوّة حتّى أنّها تؤكّد مرارًا على إخفاء هويتها ومكان سكنها، ولكن أي جدّ هذا الذي يقوّض قداسة الإنسانية أمام الغريزة؟
معطيات رسمية
وللحصول على معطيات رسمية بخصوص اغتصاب أطفال من ذوي القربى، تواصل "ألترا تونس" مع المندوب العام لحماية الطفولة مهيار حمادي الذي أكّد أن عدد حالات الاستغلال الجنسي للأطفال شهدت ارتفاعًا بنسبة ضئيلة حسب إحصائيات تعود لسنة 2018.
وأشار مهيار حمادي إلى أنّ هذا الارتفاع يعود إلى الوعي بحالات الاستغلال الجنسي والتعرف على سلك مندوبي حماية الطفولة وتدخلاتهم، مبيّنًا أن المندوبية العامة لحماية الطفولة تلقت سنة 2018، 1027 إشعارًا من بينها 25 متعلقًا بزنا المحارم و577 خاصًا بتحرش جنسي بالطفل و425 خاصًا بممارسة الجنس مع طفل.
وفي علاقة بزنا المحارم، بيّن حمادي أن المغتصبين يكونون إما أبًا أو أخًا أو جدًا أو عمًا أو خالًا، معربًا عن أمله في أن تكون هذه الوضعيات محدودة وأن لا تتطوّر، وهذا لن يكون إلا من خلال تكثيف التوعية والتعريف بحالات الاستغلال الجنسي.
وأشار في سياق متّصل إلى مسألة التربية الجنسية التي أثارها عدد من أعضاء مجلس نواب الشعب، وإلى حماية الطفل في حد ذاته وإلى العمل على المستويين التربوي والتعريفي لإلقاء مزيد من الضوء على خصوصيات جسد الطفل، مضيفًا أنه "من الضروري تعريف الطفل على الحوادث التي يمكن أن يتعرض لها وعلى الحدود التي لا يمكن تجاوزها من قبل الكهول في في علاقته لهم سواء في المحيط العائلي أو الخارجي".
ولفت إلى أنّ عمل مندوبي حماية الطفولة متواصل في هذا الصدد بهدف نشر ثقافة حقوق الطفل والمخاطر التي يتعرض لها إلى جانب وضع طريقة للتعاطي والتعامل معه.
مهيار حمادي لـ"ألترا تونس": في نظر البعض التستر على جريمة الاغتصاب داخل العائلة استقرار وحفاظ على تماسك الأسرة
وعن التجاء البعض إلى الصمت في حال تعرّض طفل إلى الاغتصاب من ذوي القربى، قال مهيار حمادي إن الأمر لا يتعلّق بتونس فحسب على اعتبار أن الاغتصاب داخل العائلة من المواضيع المسكوت عنها لما فيها من تفجير للكيان العائلي. وتابع بالقول " في نظر البعض التستر على جريمة الاغتصاب داخل العائلة استقرار وحفاظ على تماسك الأسرة، ولكن في ذلك تأثير في نفسية الطفل لأن عدم الإحاطة به ومتابعة حالته بعد تعرّضه إلى هده الممارسات قد يجعل منه في بعض الأحيان مجنونًا وقد يدفعه إلى التمرّد على العائلة".
وأضاف "لا يجب التستر بأي شكل من الأشكال على مثل هذه الممارسات تحت شعار الاستقرار العائلي لأن نتائج ذلك سلبية في علاقة بالطفل وبمحيطه خاصة وأن مثل هذه الحوادث لا تنسى"، مشيرًا في ذات السياق إلى أن أغلب الإشعارات في هذه الحالات لا تكون من العائلة بل من المحيط الخارجي على غرار الإطار التربوي.
ومع ارتفاع نسبة الاعتداءات المسجّلة ضد الأطفال، تبقى توعية الأطفال وذويهم وتثقيفهم جنسيًا أولوية ملحّة، فضلًا على ضرورة اهتمام الأهل بأطفالهم والاستماع إليهم والانتباه لمؤشرات من شأنها أن تشي بتعرضهم لاعتداء جنسي حتى في حالة التزموا الصمت.