قد يبدو مصطلح "التنمّر" غريبًا للبعض ومألوفًا عند البعض الآخر، ولكنّ الأكيد أن ظاهرة التنمر تكتسي خطورة وهي قد غزت بيوتنا ومدارسنا وملاعبنا ومقاهينا. يشتدّ العنف، المادي واللفظي، في هذه الظاهرة حتى يقارب السلوك الإنساني السلوك الحيواني وهو ما جعل العالم يتعامل معه باسم توصيفي هو "التنمّر".
التنمّر هو سلوك عدواني يقوم من خلاله شخص بإيذاء شخص آخر أو التسبب في عدم راحته بشكل متكرر ومقصود بغرض قهره وإرهابه واضطهاده
اقرأ/ي أيضًا: احذر مثاليّتك فقد تدمّر طفلك!
أياً كان شكله وأياً كان مجال انتشاره، لهذا السلوك تبعات خطيرة على الشخص الذي يتعرّض لهذه الممارسة، بالإضافة إلى أنّ المتنمّر لا يكترث للألم النفسي الذي تتسبّب به إهاناته لمن حوله.
و"يتنمّر" بعض الأشخاص لأسباب عديدة، فهناك من يعتمد هذا الأسلوب للسيطرة على الآخر وتحسين موقعه الاجتماعي، وغيرهم ممن يجعلهم الغضب أو الإحباط يعانون مشاكل في علاقاتهم الاجتماعية فيعتمدون التنمّر لإثبات ذواتهم. ولكن على اختلاف الأسباب، لا تزال هذه الظاهرة محلّ تحليل من كبرى المدارس النفسيّة في العالم ومحور برامج توعويّة خاصّة داخل المؤسسات التربويّة.
"ألترا تونس" يفتح بذلك ملف "التنمرّ" لمعرفة أسباب هذا السلوك وكيفيّة معالجته.
طفلي متنمّر إذًا أنا فشلت في تربيته!
هل تغيّر سلوك ابنك وأصبح أكثر انزواء ولديه دائرة جديدة من الأصدقاء كما يعود للمنزل بأشياء لا تخصّه؟ هل أصبحت لديه العديد من المشاكل في المدرسة؟ قد يكون طفلك متنمّرًا.
المتنمّر لا يكترث للألم النفسي الذي تتسبّب به إهاناته لمن حوله
من الصعب أن نعترف بأنّ طفلنا هو الجلّاد، فإذا أخبرنا أحد المعلّمين أو ولي تلميذ آخر أنّ طفلك عدواني تجاه الآخرين، عادة يكون هناك ردّان ممكنان، أولهما هو الإنكار ومن هنا يكون الإحساس بالغضب وعدم التصديق ومحاولة إنكار الحقائق، وعادة ما تكون الإجابة من قبيل "لقد كانت مجرد لعبة"، و"هو أو هي لا تريد أن يؤذيها أحد" و"إنها قصص أطفال" إلخ.
أمّا ردّة الفعل الأخرى، وهي الأكثر إيلامًا بالنسبة للولي، هي الإحساس بالذنب والارتباك وعدم الكفاءة في دوره التربوي ليطرح السؤال على نفسه "كيف يمكنني أن أكون أبًا لطفل يتسبّب في تخويف الآخرين؟ ما هو خطئي؟".
كيف يؤدي التنمّر إلى الانتحار؟
تقول المدرّبة في التربية مريم المالكي لـ"ألترا تونس" إنّ التنمّر هو نوع من أنواع السلوك العدواني الذي يقوم من خلاله شخص بإيذاء شخص آخر أو التسبب في عدم راحته بشكل متكرر ومقصود بغرض قهره وإرهابه واضطهاده.
وتضيف أنّ هذا السلوك قد يظهر مع الطفل في سن مبكرة (من سن الحضانة) ويستمر معه مدى الحياة إذا لم يتم الانتباه له مبكرًا وإيجاد حلول تربوية لهذا السلوك، مشيرة إلى أنه يخصّ الذكور والإناث على حدّ سواء.
مريم المالكي (مدرّبة في التربية): المتنمّر بسلوكه قد يدفع إلى تموين مجموعة من الأشخاص المنحرفين المعادين للمجتمع وللقوانين ويسهل انجرافهم في طريق الإجرام بكافة أنواعه
وعن أثر هذا السلوك، تؤكّد محدثتنا أنّ للتنمر آثارًا سلبية على الطرفين، أي المعتدي والضحية، وربما يصل الأمر إلى الأطراف الشاهدة على هذا السلوك. وأضافت أنه خلافًا عن أضراره الآنية، قد يؤدي التنمر لاضطرابات عقلية ونفسية أو إلى الوقوع في الإدمان واللجوء إلى الانتحار في نهاية المطاف إذا استمرّت الحادثة عبر الزمن.
وتفسّر الأمر قائلة: "إن المتنمّر بسلوكه قد يدفع إلى تموين مجموعة من الأشخاص المنحرفين المعادين للمجتمع وللقوانين ويسهل انجرافهم في طريق الإجرام بكافة أنواعه".
ماهي أسباب التنمّر؟
تواصل المختصّة في الشأن التربوي مريم المالكي، حديثها لـ"ألترا تونس" موضحة أن السلوك العدائي لدى الأطفال له أسباب عديدة، أولها التلقين الأسري فتجد أن بعض الأسر تشجع أبناءها على هذا السلوك ويعتبرون ذلك دلالة على تفوق أبنائهم وقدرتهم على قيادة الآخرين والسيطرة عليهم وهذه النوعية من الأسر لا تقبل فكرة تعديل هذا السلوك بل تسعى إلى تغذيته وتعزيزه على حدّ تعبيرها.
وتضيف محدّثتنا أنّ الإهمال الأسري يعدّ من الأسباب الرئيسيّة لهذه الظاهرة فـ"الأسرة المنشغلة والأب والأم الحاضرين بالغياب، حضورًا ماديًا بلا روح وبلا حب وبلا مودة واللذان تقتصر مهمّتهما على الرعاية فيجد الطفل نفسه في تقمص دور المتنمر وسيلة لإثارة الاهتمام وجلب الانتباه وغالبًا ما يكون السلوك السلبي هو إعلان للآخر بالرغبة والبحث عن الوجود وإثبات الشخصية".
تشجع بعض الأسر أبناءها على التنمر باعتباره دلالة على تفوق أبنائهم وقدرتهم على قيادة الآخرين والسيطرة عليهم وهذه النوعية من الأسر لا تقبل فكرة تعديل هذا السلوك بل تسعى إلى تغذيته وتعزيزه
العنف والعدوانية داخل الأسرة يشكّلان الخطوة الأولى للطفل نحو التنمّر، إذ تقول محدّثتنا إنّ الطفل الذي يشاهد السلوك العنيف بين أبويه منذ لحظاته الأولى كسلوك يومي واعتيادي لن يستطيع التعامل مع الآخرين بغير هذا ذلك أنّ استنتاجاته العينية للعلاقات الإنسانية الأولية تنتهي إلى أن العلاقة السليمة لا تقوم إلا بالتسلط والعدائية على حدّ قولها.
اقرأ/ي أيضًا: من الكابتن ماجد إلى "الأيباد": كيف أصبح الطفل وحيدًا؟
"مشاعر الغيرة والحسد قد تكون هي الأخرى سببًا وجيهًا للدخول في دائرة السلوك العدواني وإفراغ شحنات الغضب والنقمة" هكذا أكّدت مريم المالكي أيضًا على خطورة هذه المشاعر التي تتعزّز بالأخطاء التربوية التي يرتكبها الآباء خاصة من خلال عملية المقارنة في أبسط الأمور.
وتقول في هذا الجانب إنه عندما يعاني الطفل نقصًا معيّنًا سواء في الدراسة أو الصحة (إعاقة لم يتم تقبله بها) أو نقص مادي أو اجتماعي كعدم القدرة على تكوين صداقات، يسعى هذا الطفل جاهدًا إلى إلحاق الأذى والألم بالآخرين حتى لا يكون هو المتألم الوحيد ويحاول توسيع دائرة الألم باللجوء إلى هذا السلوك التسلطي والقهري، وفق تأكيدها.
وتعدّد محدّثتنا سببًا آخر وهو ظاهرة انتشار العنف اللفظي والجسدي في وسائل الإعلام والألعاب الإلكترونية التي تجعل من العنف ليس فقط متعة وتسلية بل أسلوب ومنهج حياة على حدّ قولها.
الحبّ اللامشروط.. مفتاح لتغيير سلوك المتنمّر
إذا اكتشف الأهل هذا السلوك لدى أبنائهم وهم متأكدون من عدم وجود مرض عقلي أو عصبي فعليهم التوقف للبحث في الأسباب لمعرفة الوسيلة الناجحة لعلاج وتعديل هذا السلوك حتى لا يتفاقم.
وكخطوة أولى للعلاج، تؤكد المدربة في الشأن التربوي مريم المالكي أنّه على الوالدين شرح مدى الأذى النفسي والجسدي الذي يلحقه سلوك التنمّر بالآخرين والذي ربما قد يدوم مدى الحياة وعليهم تعليمهم التعاطف والشعور بالآخر من خلال عملية تخيّل ماذا لو كان هو مكان المعتدى عليه على حدّ تعبيرها.
مريم المالكي (مدربة في التربية): على الأولياء تعليم أبنائهم التعاطف والشعور بالآخر من خلال عملية تخيّل ماذا لو كان هو مكان المعتدى عليه
هذا الاجراء يتطلّب حبًا لا مشروطًا من الآباء حسب محدّثتنا، "إذ عليهم مساعدة أبنائهم والأخذ بأيديهم والصبر عليهم من أجل تغيير هذا السلوك والأهم من ذلك أن يكون سلوك الآباء يتماشى والمواقف المعنوية أي يقولون ما يفعلون أي التوافق بين القول والفعل" على حدّ قولها.
وبالنهاية إذا لم يتغيّر سلوك طفلك رغم مناخ الثقة والقواعد التي وضعتها، فلا تتردّد في الاستعانة بمختصّ يساعدك على تجاوز هذه الأزمة خاصّة مع ضرورة الإدراك أن الاضطرابات السلوكية عند الكثير من المتنمرين قد تؤدّي إلى ميل قوي نحو الجنوح والتطبيع مع العنف.
اقرأ/ي أيضًا: