تفصلنا أيّام قليلة عن عيد الأضحى المبارك، وسط تذمّر من غلاء الأسعار في ظلّ وضعيّة اقتصاديّة صعبة يعيش على وقعها المواطن التونسي.
وكما تعجّ "الرحبة" بالمواطنين الباحثين عمّا يتناسب وإمكانيّاتهم الماديّة، تعجّ أيضًا مواقع التواصل الاجتماعي بالدعوات لمقاطعة شراء الأضحية أو التساؤلات حول مشروعية ترك هذه الشعيرة أو الاقتراض والتداين أو حتى الاشتراك في شاة للاحتفال بهذه المناسبة.
تعجّ مواقع التواصل بالدعوات لمقاطعة شراء الأضحية أو التساؤلات حول مشروعية ترك هذه الشعيرة أو الاقتراض والتداين أو حتى الاشتراك في شاة خلال العيد
وللإجابة عن هذه التساؤلات أجرى "الترا تونس" حوارًا مع الدكتور عبد الكريم الطرابلسي، وهو أستاذ مساعد عرضي بالمعهد العالي لأصول الدين في جامعة الزيتونة وإمام وخطيب في جامع الفتح بالعاصمة التونسية، وهذه تفاصيل الحوار:
- ما هي الأضحية؟ وما حكمها؟
الأضحية هي اسم لما يذكى من الأنعام تقربًا إلى الله في أيام النحر وذلك يكون بشرائط مخصوصة شُرّعت في السنة الثانية للهجرة كالزكاة والصلاة والعيدين.
وقد ثبتت مشروعيّة الأضحية بالكتاب والسنّة من خلال القرآن في قوله تعالى "فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ" وقوله في الآية الكريمة "وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ".
الدكتور عبد الكريم الطرابلسي لـ "الترا تونس": الأضحية سنّة مؤكّدة ويكره تركها للقادر عليها والدليل على ذلك أنّ رسول الله أناط الأضحية على إرادة المضحي وهذا يعني أنّ الواجب لا يعلّق على إرادة المكلف
وثبتت أيضًا في السنة النبوية منها ففي حديث عائشة مرفوعًا: "ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله من إراقة دم، وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها وإن الدم ليقع من الله عز وجل بمكان قبل أن يقع على الأرض فطيبوا بها نفسًا"، وعن أنس بن مالك قال: "ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين"، وقال: "ورأيته ذبحهما بيده، ورأيته واضعًا قدمه على صفاحهما وسمى وكبر".
وعن حكمها ذكر العلماء أنّ الأضحية سنّة مؤكّدة ويكره تركها للقادر عليها والدليل على ذلك أنّ رسول الله أناط الأضحية على إرادة المضحي حيث قال:"إذا دخَل العَشرُ الأوَلُ فأراد أحدُكم أن يُضَحِّيَ فلا يَمَسَّ من شعَرِه ولا من بشَرِه شيئًا"، وهذا يعني أنّ الواجب لا يعلّق على إرادة المكلف.
- ما الحكمة من مشروعيّة الأضحية؟
هي إحياء لسنّة سيّدنا إبراهيم لقوله تعالى:"ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ".
الدكتور عبد الكريم الطرابلسي لـ "الترا تونس": الأضحية إحياء لسنّة سيّدنا إبراهيم ونتعلّم منها الصبر والامتثال لأمر الله بالإضافة لمعاني الثبات والإيثار والطاعة والتسابق للخير وشحذ الهمم
ونتعلّم منها الصبر والامتثال لأمر الله بالإضافة لمعاني الثبات والإيثار والطاعة والتسابق للخير وشحذ الهمم. كما فيها توسعة على الأهل والأقارب والجيران والفقراء هو ما يزيد الألفة بين المسلمين.
والله لا يحتاج إلى هذه الأضاحي لكنّنا نفعل ذلك حتى نتّقيه ونتقرّب منه لقوله تعالى:"لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ ۗ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ"
- ما حكم من لا يشتري أضحية العيد؟
هي شعيرة من شعائر الإسلام وهي سنّة مؤكدة فلا ينبغي لمسلم أن يترك الأضحية بغير عذر، ولا ينبغي أيضًا الدعوة لعدم التضحية بسبب غلاء الأسعار لأن في ذلك تعطيل لهذه الشعيرة، وقد نصّ الفقهاء بكره القادم عليها أن يتركها، باعتبار أن الأضحية شعيرة يجب أن تقام في كل بلد ومن نعمة الله عز وجلّ أنه اختص الحجاج بالهدايا يذبحونها تقربًا منه.
الدكتور عبد الكريم الطرابلسي لـ "الترا تونس": الأضحية شعيرة من شعائر الإسلام وهي سنّة مؤكدة فلا ينبغي لمسلم أن يترك الأضحية بغير عذر، ولا ينبغي أيضًا الدعوة لعدم التضحية بسبب غلاء الأسعار
إنّ الدعوة لترك الأضحية لا تستقيم، فالقادر عليها له ذلك وغير القادر لا تجب عليه، والقول "بأنّ شراء طعام للفقراء أفضل من الأضحية" هي كلمة حق أريد بها باطل، ففي زمن النبي كان هناك فقراء ولكنّه لم يأذن بترك الأضحية. فهل هم أرفق أو أرحم من النبي؟!!
- ما حكم الاشتراك في الأضحية؟
يجوز الاشتراك في البدنة أو البقرة لسبعة أشخاص ولو كانوا متفرقين في المساكن. وفي المقابل لا يصح الاشتراك في الخروف والنعجة والماعز والضأن.
فالشاة تجزئ عن واحدة فقط ويستثني من ذلك أضحية الرجل عن أهل بيته فيشرّكهم في الأجر معه، كما يجوز أيضًا أن نتعاون في ثمن الأضحية.
الدكتور عبد الكريم الطرابلسي لـ "الترا تونس": يجوز الاشتراك في البدنة أو البقرة لسبعة أشخاص ولو كانوا متفرقين في المساكن. وفي المقابل لا يصح الاشتراك في الخروف والنعجة والماعز والضأن
- ما حكم الاقتراض من أجل الأضحية؟
لا يجب الاقتراض لشراء الأضحية باعتبارها سنّة مؤكدة ولا يكلف الله نفسًا إلاّ وسعها. ولكن يجوز الاقتراض بشروط وإذا انتفت موانع الاقتراض يمكن أن نقول إنّه مستحبّ.
وتتمثّل هذه الشروط في ألا يكون القرض ربويًّا والقدرة على الوفاء بهذا الدين دون ضرر أو عناء ومشقّة وتكلّف. وألا تكون هناك أولويات أخرى مقدمة على هذه الأضحية كقضاء دين سابق أو شراء شيء من الضروريات.
ومن المهم استحضار النية بأنّ الغاية هي تحقيق الشعيرة والتقرّب إلى اللّه.
الدكتور عبد الكريم الطرابلسي لـ "الترا تونس": لا يجب الاقتراض لشراء الأضحية باعتبارها سنّة مؤكدة ولا يكلف الله نفسًا إلاّ وسعها. ولكن يجوز الاقتراض بشروط وإذا انتفت موانع الاقتراض يمكن أن نقول إنّه مستحبّ
- ما هو حكم بيع الأضاحي بالميزان؟
الأصل أن تباع أضاحي العيد بغير وزن وهو معروف من القديم حيث يقع الشراء بحسب الوصف. ولكن لا ضرر ولا ضرار إذا كان البيع بالوزن دون مانع من موانع البيع وربّما في ذلك تحقيق للمصلحة بين البائع والمشتري.
- ما هي العيوب التي لا تجزئ الأضحية معها؟
العوراء والمريضة البيّن مرضها والعرجاء والهزيلة جدًا، كما أنّ هناك عيوبًا مكروهة كمقطوعة الأذن، والسكّاء (خلقت بلا أذنين) ومكسورة القرن وغيرها..
الدكتور عبد الكريم الطرابلسي لـ "الترا تونس": الأصل أن تباع أضاحي العيد بغير وزن وهو معروف من القديم حيث يقع الشراء بحسب الوصف. ولكن لا ضرر إذا كان البيع بالوزن دون مانع من موانع البيع
- متى تكون نهاية الوقت المشروع لذبح الأضاحي؟
اختلف العلماء في هذه المسألة، ولا يجوز ذبحها قبل طلوع الفجر من يوم النحر، فعند المالكية لا يجوز الذبح إلاّ بعد صلاة الإمام وخطبته وذبحه وعند الحنيفة تكون عند طلوع الفجر أمّا عند الشافعيّة إذا طلعت الشمس وعند الحنابلة لا تجوز قبل الصلاة ولا تجوز بعدها حتى يذبح الإمام.
واختلفوا أيضًا في نهاية الوقت المشروع للذبح وتمتد إلى آخر أيام التشريق 13 من ذي الحجة. ومن الأفضل أن يكون يوم عيد الأضحى.
- هل يجوز النيابة في ذبح الأضحية؟
من الأفضل أن يذبح المضحي بنفسه ولكن يجوز له أن ينيب غيره في الذبح وفي توزيع الأضحية عنه متى كان الذابح مسلمًا. ولا يكون ذلك إلّا لضرورة كأن لا يكون على دراية بكيفيّة الذبح خاصّة.
الدكتور عبد الكريم الطرابلسي لـ "الترا تونس": من الأفضل أن يذبح المضحي بنفسه ولكن يجوز له أن ينيب غيره في الذبح وفي توزيع الأضحية عنه متى كان الذابح مسلمًا
والشاهد هنا في حديث جابر في حجة الوداع وفيه "وكان جماعة الهدي الذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم والذي أتي به عَلِيٌّ مائةً، فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ثلاثة وستين، وأعطى عليًا فنحر ما غبر وأشركه في هديه".
- كيف تتمّ عمليّة توزيع الأضحى؟
أقرّت المالكية بعدم وجود قسمة معينة لتوزيع الأضحية فللمُضحّي الحرية الكاملة في تقسيمها وتوزيعها كما يشاء، فيأكل منها ما يشاء ويتصدق بما يشاء ويهدي ويوزّع ما يشاء على الأقارب.
وقد حثّ النبيّ صلّي الله عليه وسلّم على التصدّق بلحوم الأضاحي حيث قال:"فكولوا وادخروا وتصدقوا"
الدكتور عبد الكريم الطرابلسي لـ "الترا تونس": أقرّت المالكية بعدم وجود قسمة معينة لتوزيع الأضحية فللمُضحّي الحرية الكاملة في تقسيمها وتوزيعها كما يشاء
وكما ورد أيضًا في القرآن قوله تعالى: "فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْبَآئِسَ الْفَقِيرَ"وقوله تعالى: "فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ".
- ماذا يقول الإسلام في مظاهر التلوّث ورمي الجلود أيام عيد الأضحى؟
لقد حثّ الرسول الكريم على نظافة المحيط وما نراه في شوارعنا هو سلوك مناف لأخلاق المسلم. إذ قال رسول الله ﷺ: "الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان". وقال أيضًا: "بينما رجل يمشي بطريق، وجد غصن شوك، فأخذه، فشكر الله له فغفر له".
لذلك من المهمّ الانتباه لهذه النقطة وتنظيف المكان والحرص على أن تكون أجواء البهجة والفرحة عامّة في كلّ مكان.