مقال رأي
أعلن وزير الخارجية نبيل عمار قبل أشهر أن عودة العلاقات التونسية المغربية إلى نسقها "قد يحدث في أي وقت" بعودة السفيرين وذلك مع استمرار الأزمة الدبلوماسية بين البلدين التي اندلعت صيف 2022 بعد تخصيص رئيس الدولة قيس سعيّد باستقبال رسمي شخصي لزعيم جبهة "البوليساريو" في قمة "تيكاد". عودة، وبغض النظر عن ترتيباتها الرسمية، تظل بحاجة لمؤشرات وصل مبناها عمق العلاقات التاريخية بين البلدين الشقيقين.
قبل أيام، توفيّت والدة العاهل المغربي محمد السادس وأرملة الملك السابق حسن الثاني الأميرة "للا لطيفة"، وتتالت رسائل التعزية من قادة الدول الصديقة والشقيقة بما فيها تعزية بعيْد ساعات من إعلان خبر الوفاة من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون "باسمه الشخصي واسم الشعب الجزائري"، على نحو يؤكد عدم قطع حبل الودّ بالمنطق السياسي قبل الإنساني رغم القطيعة الدبلوماسية بين البلدين. وذلك الأصل. ولكن في الأثناء، غابت أي تعزية رسمية تونسية سواء عبر صفحة وزارة الخارجية أو رئاسة الجمهورية، غيابًا يتعارض وأصول العلاقات التاريخية المتينة التي جمعت تونس بالدولة المغربية وبالخصوص العائلة الملكية.
غابت أي تعزية رسمية تونسية سواء عبر صفحة وزارة الخارجية أو رئاسة الجمهورية إثر وفاة والدة العاهل المغربي، غيابًا يتعارض وأصول العلاقات التاريخية المتينة التي جمعت البلدين
قبل ما يزيد عن ستيّن عامًا، احتجّت المغرب على اعتراف تونس باستقلال موريتانيا عام 1960، والتي كانت تعتبرها الرباط امتدادًا ترابيًا لها، بيد أن توتّر العلاقة الدبلوماسية حينها بين البلدين، لم يمنع الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة ليسارع لحضور جنازة العاهل المغربي محمد الخامس بل ورفع نعشه على كتفه، ويطلق اسمه على ثاني أكبر شارع رئيسي في العاصمة تونس ولا يزال لليوم يحمل اسمه. لم تمرّ بضع سنوات حتى عادت العلاقات الدبلوماسية وتطورّت، باعتبار أن التوتر بين الإخوة هو طارئ طال الزمن أم قصر.
والواقع إن ما كان المجمع عليه أن العلاقة بين تونس والمغرب، ومثلها بالمناسبة بين تونس وليبيا أو الجزائر، هي علاقة بلدين شقيقين يجمعهما التاريخ والجغرافيا والإرث المشترك، تراصت صفوفهما في مواجهة المستعمر، ويجمعهما حلم وحدة مغاربية جامعة، فإن المناسبات الخاصة وتحديدًا الوفاة، يجب أن تظلّ بخارج عن أي حسابات في إطار التقاليد الدبلوماسية ذاتها الواجبة بين الأخوين قبل الموجبات الإنسانية والأخلاقية.
تعزية رسمية علنية، بهذا المعنى، كانت ضرورة خاصة في سياق التوتر الحالي بين البلدين الأخوين، لأن الطارئ يمرّ، وتبقى العلاقات الراسخة هي المستدامة.
تعزية الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لاقت حفاوة واسعة بين الشعبين الجزائري والمغربي لأنها تعبّر في العمق عن الطبيعي في أصول العلاقة بين بلدين شقيقين وإن كانت الدولة في كلّ منهما تدفع للعداوة مع الأخرى، دون الدخول في جولة تبادل المسؤوليات وتوزيع الاتهامات بين هذه وتلك.
ولكن ما يهمّ، في السياق الحالي، أن التعزية البسيطة أعادت من جديد تحفيز الآمال لطي صفحة القطيعة الدبلوماسية بين البلدين المتجاورين، وذلك بغض النظر عن الإرادة السياسية في كل بلد لتجاوزها. ما يكفي هنا أن الشكليات الرسمية كبرقية تعزية علنية تضبط سقف القطيعة على الأقل، خاصة بعد جولات الحروب الإعلامية بين الفينة والأخرى بين أبواق الدعاية في كل بلد آخرها بعد قمة قادة تونس والجزائر وليبيا في أفريل/نيسان الفارط، التي ظهرت في سياق دفع جزائري بدرجة أولى لتحشيد تكتل إقليمي مغاربي يتجاوز المغرب.
كانت تعزية رسمية وعلنية تونسية إثر وفاة والدة العاهل المغربي ضرورة، تحفّز لرأب التوتر بين البلدين وتدفع نحو إذابة الجليد الذي يحتاج أحيانًا لمؤشرات حسن نية أو مدّ يد
عمومًا، كانت تعزية رسمية وعلنية تونسية ضرورة تحفّز لرأب التوتر بين البلدين وتدفع نحو إذابة الجليد الذي يحتاج أحيانًا لمؤشرات حسن نية أو مدّ يدّ. وإن كان من باب للمقارنة، فإن الجزائر التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط لم تتردّد في التعزية، في حين أن العلاقات التونسية المغربية لم تصل لمستوى القطيعة.
ويُستذكر تأكيدًا لعمق الروابط بين البلدين زيارة العاهل المغربي لتونس لمدة 10 أيام عام 2014 وتجوّله في شوارعها العامة في رسالة حول استقرار البلاد وأمنها زمن مواجهة الإرهاب اللعين. إن الأزمة الطارئة بين البلدين لا سبيل إلا طيّها كما تم تجاوز الأزمات السابقة، والمأمول دائمًا تسريع ذلك لأن استدامتها لا تفيد أي من البلدين على جميع المستويات. فما يجمع البلدين قطعًا أكبر بكثير ممّا يختلفان بشأنه، وهو اختلاف ظرفي تحدّده الأولويات والسياقات دائمًا، ولعلّ من أهم ما يجمع تونس والمغرب هو حلم بناء المغرب العربي الكبير، وهي وصيّة الأجداد الموروثة والتي تظلّ قائمة رغم كل عقبات التجسيد المعلومة.
- المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"