تتلقى هيئة الانتخابات في تونس انتقادات عديدة منذ انطلاق مسار الاستعدادات للانتخابات التشريعية المنتظرة في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2022. وهي انتقادات ليست جديدة إذ رافقتها منذ إشرافها على الاستفتاء في جويلية/يوليو الماضي، لكنها تصاعدت في المرحلة الأخيرة بعد تتالي القرارات والخيارات من الهيئة المشرفة على المسار الانتخابي في تونس، والتي تقول منظمات مختصة في تغطية ومراقبة الشأن الانتخابي إنها "تضرب تساوي الفرص بين المترشحين وتعكس انحيازًا لتوجهات الرئيس قيس سعيّد".
تعرضت هيئة الانتخابات في تونس لانتقادات إبان قرارها التمديد في فترة قبول الترشحات للانتخابات التشريعية دون توضيح أسباب ذلك وهو ما اعتبر ضربًا لتساوي الفرص بين المترشحين
من بين خيارات الهيئة، وهي المنصبة من قبل سعيّد نفسه قُبيل استفتاء 25 جويلية الماضي، إعلانها بعد انطلاق المسار الانتخابي عن التمديد بـ3 أيام في فترة قبول الترشحات للانتخابات التشريعية ويعطي هذا التمديد الفرصة لا فقط لاستكمال الترشحات المنقوصة، بل كذلك لتقديم ترشحات جديدة.
اعتبرت شبكة مراقبون، المنظمة المختصة في تغطية ومراقبة الشأن الانتخابي في تونس، أن هذا التمديد يعكس سوء إدارة للعملية الانتخابية من قبل الهيئة تصميمًا وتنفيذًا، وفق تعبيرها.
تقول في توضيح ما ذهبت له "كان من المتوقع تسجيل صعوبات كبيرة في علاقة بتقديم الترشحات نظرًا لأن التنقيحات الجذرية المدخلة على القانون الانتخابي بمقتضى المرسوم عدد 55 وضعت شروطًا إجرائية لا يمكن إلا أن تقود طبيعيًا إلى تعسير عملية تقديم الترشحات".
شبكة مراقبون: التمديد في فترة قبول الترشحات للانتخابات التشريعية يعكس سوء إدارة للعملية الانتخابية من قبل الهيئة تصميمًا وتنفيذًا
وتتابع "فاشتراط 400 تزكية لكل مترشح في إطار دوائر انتخابية ضيقة لا يمكن فيها للناخب أن يزكي أكثر من مترشح، مع وجوب احترام التناصف وتمثيلية الشباب فيها بنسبة 25% عند جمعها والمرور الإجباري بالتعريف بالإمضاء، كلها شروط متظافرة تتطلب حيزًا زمنيًا هامًا للإيفاء بها".
ودعت شبكة مراقبون الهيئة لحسن تقدير الفترة الزمنية اللازمة منذ إعداد الرزنامة الانتخابية عوض اللجوء إلى تعديلها في آخر يوم لقبول الترشحات، خاصة وأن هذا التنقيح لا يتعلق بإعطاء الإمكانية لاستكمال الملفات المنقوصة بل يشمل كذلك تقديم ترشحات جديدة بصفة أصلية.
في ذات السياق، استغربت جمعية ملاحظون بلا حدود، وهي الناشطة في ذات المجال، قرار التمديد في آجال قبول الترشحات للانتخابات التشريعية ومدى جدواه وكذلك غياب أي تفسير أو تبرير للقرار من قبل الهيئة.
ملاحظون بلا حدود: "أي مس من قوانين اللعبة وأي تحوير للرزنامة في هذه المرحلة الحساسة والهامة من الانتخابات فيه مس من مبدأ النزاهة والعدالة بين المتنافسين"
واعتبرت أن "أي مس من قوانين اللعبة وأي تحوير للرزنامة في هذه المرحلة الحساسة والهامة من الانتخابات فيه مس من مبدأ النزاهة والعدالة بين الأطراف المتنافسة وتعد على المعايير الدولية لانتخابات ديمقراطية تعكس إرادة الناخب".
وشددت على أن "القرارات المتسرعة والأحادية من طرف الهيئة فيها مس من الحيادية ويضعها في موقع تشكيك واتهام بخدمة أطراف دون أخرى".
ولا تقتصر الانتقادات الموجهة للهيئة المشرفة على الانتخابات على المنظمات الفاعلة في هذا الشأن والمجتمع المدني التونسي بشكل عام بل سبق أن وجهت خلال الأسابيع والأيام الأخيرة ومنذ انطلاق المسار الانتخابي، عدة أحزاب ومكونات سياسية عديد الانتقادات لهيئة الانتخابات، تتهمها فيها "بغياب المصداقية والانحياز للرئيس سعيّد" وكذلك انتقادات لكامل المسار الانتخابي.
في هذا السياق، جدد حزب آفاق تونس (معارضة)، الخميس 27 أكتوبر/تشرين الأول 2022، رفضه التام للمسار الحالي القائم على قانون انتخابي يكرّس الإقصاء والانفراد بالسلطة وسياسة الهروب إلى الأمام، وفقه، مؤكدًا أن "ما أفرزته التنقيحات الأخيرة من مهازل في تقديم الترشّحات وتمديد الآجال هو نتيجة طبيعية لهذا المسار".
حزب آفاق تونس: كان على هيئة الانتخابات احترام الرزنامة التي وضعتها لأن ما قامت به من شأنه أن يفقدها ما تبقى لها من مصداقية
وأكد أنه كان على هيئة الانتخابات احترام الرزنامة التي وضعتها لأن ما قامت به من شأنه أن يفقدها ما تبقى لها من مصداقية كما أن من شأنه التأثير على إقبال الناخبين يوم الاقتراع، وفقه.
ويُذكر أن جل الأحزاب السياسية في تونس قد قاطعت الانتخابات التشريعية القادمة في البلد وحتى بعض الأحزاب المشاركة (معظمها أحزاب قومية وهي حركة الشعب والتيار الشعبي) وحزب تونس إلى الأمام، إضافة إلى ائتلاف نشطاء سياسيين داعم لتوجهات سعيّد (وهو المعروف بمسمى "حراك 25 جويلية")، توجه انتقادات للهيئة المشرفة على المسار الانتخابي وللتنقيحات التي عرفها القانون الانتخابي من قبل رئيس الجمهورية ويطالب البعض منها بتأجيل انتخابات 17 ديسمبر القادم إلى وقت لاحق.
انفوجرافيك: أي مواقف للأحزاب من انتخابات 17 ديسمبر في تونس؟ (الترا تونس)
وتجدر الإشارة إلى أن تنقيح هيئة الانتخابات الحالية للرزنامة الانتخابية ليس سابقة، إذ قامت بمناسبة تنظيم استفتاء 25 جويلية الماضي بتنقيح رزنامة الاستفتاء في مناسبتين (الأولى في تمديد الآجال المتعلقة بتقديم الموقف من مشروع الدستور يومين قبل انطلاق الحملة كما تعلقت الثانية بالموقف من مشروع الدستور من خلال إتاحة الإمكانية لتغيير الموقف الذي وقع اتخاذه سابقاً).
يحق قانونًا للهيئة إجراء تنقيحات على الرزنامة الانتخابية إلا أنه لم يكن متداولًا خلال الانتخابات السابقة التي عرفتها تونس إبان الثورة ولذلك تثير عادة جدلًا حولها
ويحق قانونًا للهيئة إجراء تنقيحات على الرزنامة الانتخابية إلا أنه لم يكن متداولًا خلال الانتخابات السابقة التي عرفتها تونس إبان الثورة ولذلك تثير عادة جدلًا حولها، خاصة وأن هيئة الانتخابات لم تقدم هذه المرة الأسباب التي دفعتها إلى التمديد في آجال تقديم الترشحات، فالقانون الانتخابي المعدل يسمح للهيئة بتنبيه المترشح إلى أي نقص في ملفه وإمهاله 48 ساعة للتدارك واستكماله ولذلك بدا قرار التمديد غير مبرر للكثيرين.
وقبل قرار التمديد في آجال قبول الترشحات، أثار حديث الرئيس التونسي قيس سعيّد عن استيائه من إخلالات على مستوى تطبيق القانون الانتخابي (موضوع التزكيات خاصة) وتوجهه لتعديله مجددًا لغطًا واسعًا، وتعددت الدعوات نحو هيئة الانتخابات لمنع التعديل خاصة مع انطلاق المسار الانتخابي لكن الأمر حافظ على غموضه إلى حد الآن، رغم تصريحات مؤخرًا من رئيس الهيئة فاروق بوعسكر لوسائل إعلام محلية قال فيها إن التعديل الثاني للقانون الانتخابي لن يتم.
على مستوى المترشحين، فكما كان متوقعًا غابت معظم الوجوه الحزبية المعروفة بينما تحضر شخصيات عرفت ضمن تنسيقيات دعم الرئيس سعيّد في انتخابات 2019 أو أخرى تحولت لدعمه إبان 25 جويلية
تجدر الإشارة إلى أن المرسوم الرئاسي المخصص لتنقيح القانون الانتخابي كان قد صدر، ليل 15 سبتمبر/أيلول 2022، وهو ذات يوم عرضه على هيئة الانتخابات ومجلس الوزراء، وبينما كانت الهيئة تستعد للاطلاع عليه وتقديم موقفها منه واحترازاتها. وفٌهم النشر في ذات اليوم كتجاهل من الرئيس لدورها في هذا السياق، بينما نفت الهيئة عبر قياداتها ذلك، مؤكدة أن التشاور قد تم مسبقًا وإن لم تثبته وهو ما حملها انتقادات حادة أيضًا.
وبينما تتواصل الانتقادات للهيئة، يؤكد أعضاؤها، خلال مداخلاتهم الإعلامية، أن الطبقة السياسية تحمّل مسؤولية فشلها للهيئة وأن الأخيرة تواصل عملها كما اشتغلت من خلال تركيباتها السابقة لتنظيم انتخابات 2011 أو 2014 أو 2019 دون أي انحياز أو إخلالات.
بينما تتواصل الانتقادات لهيئة الانتخابات، يؤكد أعضاؤها أنهم يواصلون عملهم دون أي انحياز أو إخلالات
أما على مستوى المترشحين لانتخابات الغرفة الأولى في تونس (مجلس النواب)، وهي انتخابات على الأفراد، والمنتظرة لـ17 ديسمبر القادم، فكما كان متوقعًا غابت معظم الوجوه الحزبية المعروفة في السنوات الأخيرة بينما تحضر شخصيات عرفت ضمن تنسيقيات دعم الرئيس سعيّد في انتخابات 2019 ومعظمها ممن يتبنون فلسفة "البناء القاعدي"، أو شخصيات أخرى تحولت لدعمه إبان 25 جويلية/يوليو 2021 ومعظمها متحد في ائتلاف مستحدث بعنوان "لينتصر الشعب"، والذي تبدو حظوظه الأوفر للهيمنة على مجلس النواب القادم في تونس.