جاء قرار الرئيس التونسي قيس سعيّد، الجمعة 15 فيفري/شباط 2024، بتعيين فتحي زهير النوري محافظًا للبنك المركزي التونسي، ليؤكد تكهنات مختصين في الاقتصاد بعدم تجديد عهدة المحافظ السابق مروان العباسي الذي عينه الرئيس الأسبق الباجي قائد السبسي محافظًا في فبراير/شباط 2018.
كان مختصون في الاقتصاد قد توقعوا عدم تجديد عهدة مروان العباسي، بعد انقضاء ولايته الأولى بـ6 سنوات على رأس البنك المركزي، وذلك لرفضه خيار التمويل المباشر لخزينة الدولة، وتباين موقفه مع موقف الرئيس في علاقة باستقلالية البنك
وكان مختصون في الاقتصاد قد توقعوا عدم تجديد عهدة مروان العباسي، التي تنتهي في فيفري/شباط الجاري بعد انقضاء ولايته الأولى بـ6 سنوات على رأس البنك المركزي التونسي، وذلك لمواقفه الحازمة في علاقة برفض خيار التمويل المباشر لخزينة الدولة، فضلًا عن تباين موقفه مع موقف الرئيس في علاقة باستقلالية البنك المركزي التونسي.
وقد تواترت المستجدات في الأشهر الأخيرة وانقلبت الموزاين، إلى حدّ ما، في علاقة بالبنك المركزي التونسي، جليًا، منذ الزيارة التي أداها الرئيس إلى مقرّ البنك في 8 سبتمبر/أيلول 2023، والتي وجه فيها انتقادات في علاقة باستقلالية البنك المركزي التونسي، مؤكدًا ضرورة "مراجعة وتطوير" القانون المتعلّق بضبط النظام الأساسي للبنك الصادر سنة 2016.
تواترت المستجدات وانقلبت الموزاين، إلى حدّ ما، في علاقة بالبنك المركزي التونسي، جليًا، منذ الزيارة التي أداها الرئيس لمقرّه والتي وجّه فيها انتقادات في علاقة باستقلالية البنك مؤكدًا ضرورة تنقيح قانونه الأساسي
وانتقد الرئيس ما جاء في الفصل 25 من القانون عدد 35 لسنة 2016 المتعلّق بضبط النظام الأساسي للبنك المركزي، في علاقة بمنع البنك من منح قروض صحة مباشرة لفائدة خزينة الدولة، مصرحًا: "آن الأوان لمراجعة القانون المتعلق بضبط النظام الأساسي للبنك المركزي والفصل 25 منه بالذات، حسب رأيه
وينصّ الفصل 25 من القانون عدد 35 لسنة 2016 في النقطة الرابعة على أنّه "لا يمكن للبنك المركزي أن يمنح لفائدة الخزينة العامة للدولة تسهيلات في شكل كشوفات أو قروض أو أن يقتني بصفة مباشرة سندات تصدرها الدولة. ولا ينطبق هذا التحجير على عمليات المساعدة المالية التي يمنحها البنك المركزي، حسب الشروط المبينة بهذا القانون، لفائدة البنوك والمؤسسات المالية التي تملك الدولة بصفة مباشرة أو غير مباشرة مساهمات في رأس مالها".
ودعا سعيّد بذلك إلى مراجعة القوانين للسماح للبنك المركزي بتمويل الميزانية بشكل مباشر من خلال شراء سندات حكومية، وهي خطوة سبق أن حذر منها محافظ البنك المركزي التونسي السابق مروان العباسي.
كان قيس سعيّد قد دعا إلى مراجعة القوانين للسماح للبنك المركزي بتمويل الميزانية بشكل مباشر، وهي خطوة سبق أن حذر منها محافظ البنك السابق مروان العباسي
وفي تعليقه على حديث الرئيس، كان مروان العباسي قد قال، بتاريخ 1 نوفمبر/تشرين الأول 2023 لدى حضوره بمجلس نواب الشعب في إطار يوم برلماني خصص للبنك المركزي، إن استقلالية البنك المركزي "مسألة واهية"، موضحًا أن "البنك يعمل بالتنسيق اليومي والتعاون اللصيق مع وزارة المالية في المسائل المالية، التي تهم البلاد".
وبخصوص مسألة التمويل المباشر لخزينة الدولة، كان العباسي قد قال حينها إنّ "اتخاذ قرار التمويل المباشر للحكومة يكون من خلال موافقة مجلس إدارة البنك ولجنة السياسة النقدية ولجنة إعادة التمويل بالبنك"، بما يشير إلى رفضه المسألة.
بيْد أنّه قد حصل ما أراده الرئيس، وفي غضون أشهر قليلة صادق البرلمان التونسي، في 6 فيفري/شباط 2024، على مشروع قانون يتعلّق بالترخيص للبنك المركزي التونسي في منح تسهيلات لفائدة الخزينة العامة للبلاد التونسية.
ويمكّن هذا القانون البنك المركزي التونسي من منح ترخيص قانوني لتمويل الميزانية، عبر منح تسهيلات لفائدة الخزينة العامة للبلاد التونسية بمبلغ 7 مليارات دينار (ما يناهز 2.25 مليار دولار) مع إمهال 3 سنوات ويمتد على 10 سنوات بنسبة فائدة 0%، "وذلك في إطار إيجاد الحلول الممكنة لتمكين الدولة من تسديد النفقات الضرورية والمتأكدة وخاصة المتعلقة منها بسداد الديون" وفق مجلس نواب الشعب.
وقد عبّر مختصون في الاقتصاد عن خشيتهم من التداعيات التي قد يخلفها طلب الحكومة التونسية الحصول على تمويل مباشر من البنك المركزي التونسي بقيمة 7 مليارات دينار لسد العجز في الميزانية لهذه السنة في ظل شح التمويلات الخارجية والصعوبات التي تواجه المالية العمومية، واعتبر البعض أنّ التمويل المباشر للميزانية أخطر من التوجه إلى صندوق النقد الدولي.
أجمع مختصون على "خطورة" توجه الحكومة لتخصيص القرض المباشر من البنك البركزي بـ7 مليارات دينار لسدّ الثغرة في ميزانية الدولة معتبرين أنّه مبلغ "كبير جدًا" وقد تكون له مخاطر اقتصادية جمة
وأجمعوا على "خطورة" توجه الحكومة لتخصيص هذا القرض من أجل سدّ الثغرة في ميزانية الدولة لسنة 2024، معتبرين أنّ هذا المبلغ "كبير جدًا" كقرض مباشر وقد تكون له مخاطر تضخمية وتأثير على مخزون البلاد من العملة الصعبة، وغيرها من التداعيات.
وكان البنك المركزي التونسي، قد قال، في بيان له حينها، إنّ مجلسه اطلع على مشروع القانون المتعلق بالترخيص له بمنح تسهيلات لفائدة الخزينة العامة للبلاد التونسية، مشددًا على أهمية أن "يظلّ يقظًا إزاء التداعيات الكامنة التي قد تنجم عن مثل هذا التمويل".
بالكاد مرّ أسبوع على المصادقة على القانون المتعلّق بالترخيص للبنك المركزي في منح تسهيلات لفائدة الخزينة العامة للبلاد، حتى قرر سعيّد تعيين فتحي زهير النوري محافظًا للبنك خلفًا لمروان العباسي، وأسند له رتبة وزير
وبالكاد مرّ أسبوع على المصادقة على القانون المتعلّق بالترخيص للبنك المركزي التونسي في منح تسهيلات لفائدة الخزينة العامة للبلاد التونسية، حتى قرر سعيّد تعيين فتحي زهير النوري محافظًا للبنك المركزي التونسي خلفًا لمروان العباسي، وأسند له رتبة وزير.
وكان المختص في الاقتصاد آرام بلحاج قد توقع، منذ 16 جانفي/يناير المنقضي، أنّه لن يقع تجديد عهدة مروان العباسي، مستدلًا في ذلك بعدم ضمه للوفد المشارك في المنتدى الاقتصادي العالمي "دافوس 2024"، على الرغم من أهمية الحدث العالمي في وقت تحتاج فيه تونس إلى مظافرة الجهود لتعبئة موارد مالية لسدّ الثغرة الواسعة في ميزانية الدولة.
كان آرام بلحاج قد توقع أنّه لن يقع تجديد عهدة مروان العباسي مستدلًا في ذلك بعدم ضمه للوفد المشارك في منتدى دافوس على الرغم من أهمية الحدث العالمي في وقت تحتاج فيه تونس إلى مظافرة الجهود لتعبئة موارد مالية
ودوّن آرام بلحاج، على صفحته بفيسبوك، في هذا الصدد: "غياب محافظ البنك المركزي ضمن الوفد المرافق لرئيس الحكومة الذي يشارك في أشغال منتدى دافوس 2024 يبعث بالعديد من الرسائل، منها أن هناك توجه نحو تعويض مروان العباسي إبان انتهاء ولايته في الشهر المقبل"، وهو ما حصل فعلًا.
وتنتظر المحافظ الجديد للبنك المركزي التونسي فتحي زهير النوري العديد من التحديات، في ظلّ الوضع الحساس الذي تمرّ به البلاد، اقتصاديًا وماليًا.
آرام بلحاج: تحديات كبرى أمام المحافظ الجديد للبنك المركزي كالسيطرة على التضخم والانخراط الفعلي في السياسة الاقتصادية إن وُجدت وإصلاح القطاع المصرفي وإعادة بريق صورة تونس في الأسواق المالية العالمية وعند المانحين
وقد قال المختص في الاقتصاد آرام بلحاج في هذا الصدد: "تحديات كبرى أمام المحافظ الجديد للبنك المركزي ومجلس إدارة المؤسسة: السيطرة على التضخم، الانخراط الفعلي في السياسة الاقتصادية (إن وُجدت)، إصلاح القطاع المصرفي، إعادة بريق صورة تونس في الأسواق المالية العالمية وعند المانحين، إعادة هيكلة البنك المركزي، وغيرها من الملفات".
وأضاف، في تدوينة له على فيسبوك، "رفع التحديات من عدمه سيكون مرتبطًا أساسًا بقوة شخصيته وبمدى قدرة البنك المركزي على مجابهة الضغوط السياسية الكبيرة التي ستواجهه في المستقبل"، حسب رأيه.
وتعاني تونس من أزمة على المستوى المالي، خاصة فيما يتعلق بتوفير موارد مالية لتعبئة ميزانية الدولة، لاسيما وأنها تجد فيه صعوبات للحصول على تمويلات خارجية، في الوقت الذي يصرّ فيه الرئيس التونسي قيس سعيّد على تأكيد ضرورة تعويل تونس على ذاتها، وعلى رفض الخضوع لما اعتبرها "إملاءات" صندوق النقد الدولي.