11-أكتوبر-2024
صيد الأخطبوط في تونس.. ممارسات تنذر بانقراض ذو الثلاث قلوب

(صورة توضيحية/Pexels) ناشطة بيئية: الأخطبوط مهدّد في تونس بالانقراض جراء ممارسات بعض البحّارة

 

من منكم يتذكّر الأخطبوط "بول" الذي لقي اهتمامًا إعلاميًا كبيرًا على المستوى العالمي نظرًا لتوقعه الصحيح للفائزين في مباريات كرة القدم، خصوصًا التي يكون منتخب ألمانيا طرفًا فيها. ومن منكم لم يتفرّج في عدد من الأفلام التي صوّر فيها الأخطبوط كوحش بحري عملاق يغرق السفن ويوقع الرعب والخوف في صفوف الرجال وذلك استنادًا لأسطورة "الكراكين" في بلاد النرويج وآيسلندا.

هذا الكائن الذي كان ملهماً للعديد من صناع الأفلام السينمائية، يتعرّض اليوم لمظلمة كبيرة وهو مهدّد بالانقراض خاصة في السواحل التونسية وذلك نتيجة للصيد الجائر وغير القانوني. ففي تونس يحظى "القرنيط" بشعبية كبيرة على الموائد وذلك لطعمه المميز وقيمته الغذائية العالية.

صيد الأخطبوط في تونس يعدّ من الأنشطة التي تؤمن مورد رزق هام للبحارة ولكن هذا الكائن يتعرّض لمظلمة كبيرة وهو مهدّد بالانقراض خاصة في السواحل التونسية

ويعتبر صيد الأخطبوط في تونس من الأنشطة التي تؤمن مورد رزق هام للبحارة، فيتجاوز البعض منهم القوانين المنظمة للقطاع طمعًا في الربح المادي، ولا يجدون حرجًا في اصطياده خلال مواسم الحظر وهو ما يعتبر جريمة في حق المنظومة البيئية.

فتح "الترا تونس" هذا الملفّ مع عدد من المختصّين، للإجابة على بعض التساؤلات المتعلّقة بأهميّة هذا الكائن وتداعيات صيده في فترات التكاثر، خاصة وأن الفترة البيولوجية لتكاثر الأخطبوط تتواصل من يوم 15 ماي/أيار إلى غاية 15 أكتوبر/تشرين الأول.

  • الأخطبوط: عجائب لا تنتهي لكائن ذي ثلاثة قلوب

يصنف الأخطبوط ضمن مجموعة الرخويات وهو من طائفة "الرأسقدميات"، له ثمانية مجسّات طويلة مليئة بالماصات. كما أن له ثلاثة قلوب، اثنان منهما يضخان الدم إلى الخياشيم، في حين أن الثالث يضخ الدم إلى باقي الجسم.

 

صيد الأخطبوط في تونس
للأخطبوط 8 مجسّات طويلة مليئة بالماصات كما أن له 3 قلوب (صورة توضيحية/PEXELS)

والطّريف أن التكاثر بين ذكر الأخطبوط وأنثاه يجري عن بعد أي من دون اتصال، حيث يمد الذكر أحد مجسّاته الطويلة ويدخله في تجويف يؤدي إلى المبايض، وهناك يفرغ الذكر جرعات من حيواناته المنوية، وتقوم الأنثى بالاحتفاظ بها لعشرة شهور، وعندما تجد عشاً ملائماً لحفظ بويضاتها، تقوم بوضعها ويصل عددها إلى 200 ألف بويضة وتبقى جانبها لتحرسها وتتوقف عن التغذي. والمفارقة المثيرة هي أن أنثى الأخطبوط تتعرض للموت عقب هذه الفترة نظراً لعدم حصولها على أي تغذية، ولكنها تترك وراءها آلاف الأخطبوطات الأخرى.

وللأخطبوطات أدوار مهمة في البيئة، فهي حيوانات قمامة تتغذّى على الكائنات الميتة وتساعد على إعادة تدوير العناصر الغذائية في النظام البيئي. بالإضافة إلى أنّ بعض أنواع الأخطبوطات تحمي الشعاب المرجانية وتنظفها عن طريق أكل الطحالب والكائنات الحية الأخرى. أخيرًا، تعتبر الأخطبوطات ذات قيمة بالنسبة للعلماء للبحث في الذكاء والسلوك والتمويه، مما قد يؤدي إلى فهم أفضل لعالم الطبيعة.

تلعب الأخطبوطات أدوارًا مهمة في الحفاظ التوازن البيئي وهي تتواجد في تونس خاصة في سواحل جزيرة قرقنة وفي سواحل جرجيس

  • سيرين بن سعد: "القرنيط" مهدّد بالانقراض جراء ممارسات بعض البحّارة

يتواجد الأخطبوط بكثرة في تونس خاصة بسواحل جزيرة قرقنة في ولاية صفاقس ومنطقتي "البيبان" و"بوغرارة" في جرجيس من ولاية مدنين، وذلك بالنظر لاعتدال المناخ هناك وضعف حركة المدّ والجزر وقلة عمق المياه الساحلية.

 

صيد الأخطبوط في تونس getty
ينتشر الأخطبوط في تونس خاصة في سواحل جزيرة قرقنة وفي جرجيس (صورة توضيحية/Getty)

 

وحسب الإعلامية والناشطة البيئية سيرين بن سعد، فإنّ هناك نوعين من الأخطبوط، الكبير منه ويسمّى "Vulgaris" والصغير يسمّى "البومزيكا" ويمكن التفرقة بينهما على مستوى المصاصات "les ventouses".

وفسّرت بن سعد في حديثها مع "الترا تونس"، أنه يمكن أكل "البومزيكا" على امتداد السنة فليس له راحة بيولوجية لأنّه يعيش في أعماق البحر ويقع صيده بالشّباك. أمّا النوع الأوّل فيقع صيده بـ"الفيزقة" (الجرّة) وهي طريقة صيد تقليديّة يعتمدها الصيادون منذ مئات السنين، حيث يجد الأخطبوط في الجرار مكانًا مثاليًّا للتكاثر، وفقها.

ناشطة بيئية لـ "الترا تونس": "القرنيط الكبير" هو الأكثر تهديدًا في تونس إذ يقع اصطياده بكثرة خارج الأوقات المسموح فيها بممارسة هذا النشاط إضافة إلى تهديدات التغيرات المناخية وارتفاع درجات حرارة البحر

وتؤكّد الناشطة البيئية لـ "الترا تونس" أنّ "القرنيط الكبير" هو الأكثر تهديدًا في تونس لأنّه يعيش قرب السواحل ويقع اصطياده بكثرة خارج الأوقات المسموح فيها بممارسة هذا النشاط، بالإضافة إلى تهديدات الصيد العشوائي، مضيفة أنّ التغيرات المناخية وارتفاع درجات حرارة البحر تضطرّه إلى الخروج لمرّات عدّة.

وفي نفس الإطار نشرت مجلّة "غلوبال تشانج بيولوجي" Global Change Biology دراسة توضّح أنّ الإجهاد الحراري في المحيطات الناتج عن ارتفاع درجات الحرارة قد يتسبب في إضعاف قدرة الأخطبوط على الرؤية وهو ما يهدّد بقاء بعض أنواع الأخطبوط في المستقبل، وقد يخسر النظام البيئي كائنًا بحريًا ضروريًا لحفظ التوازن.

istockphoto صيد الأخطبوط في تونس
إذا تجاوز وزن الأخطبوط الكيلوغرام فهذا يعني أنّها تكاثرت وهكذا يفتح موسم الصيد (صورة توضيحية/PEXELS)

أمّا بالنسبة لكيفيّة تحديد نهاية فترة الراحة البيولوجية، بيّنت سيرين بن سعد أنّ خبراء من المعهد الوطني لعلوم البحار يخرجون رفقة البحّارة لأخذ عيّنات من الأخطبوط وتحديد حجمها، فإذا تجاوز وزنها الكيلوغرام فهذا يعني أنّها تكاثرت وهكذا يفتح موسم الصيد أمّا إذا كانت أقلّ وزنًا فيقع تأجيل فترة الحظر حتى 15 نوفمبر/تشرين الثاني.

ويؤكّد عدد من الصيّادين، وفق محدّثتنا، أنّ التغيرات المناخية غيّرت فترة تكاثر "القرنيط" لذلك يدعون إلى تأخير الراحة البيولوجية من شهر جوان/يونيو إلى غاية شهر جانفي/يناير وذلك بسبب تقلّص حجمه خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني، مضيفة أنّ المخزون يشهد نقصًا فادحًا لأن بعض البحارة لا يحترمون فترة الراحة البيولوجية بالإضافة للصيد العشوائي والصيد الترفيهي.

ناشطة بيئية لـ "الترا تونس": التغيرات المناخية غيّرت فترة تكاثر "القرنيط" والمخزون يشهد نقصًا فادحًا كما أن عددًا من الصيادين في تونس يدعون إلى تأخير الراحة البيولوجية

وتحذّر بن سعد من خطورة استعمال "الدراين" وهي قوارير بلاستيكية يقع إلقاؤها في البحر وتكون مليئة بسرطان البحر الذي يعرف بتسمية "داعش" أو الدجاج وتستعمل كطعم لاستدراج كميّات كبيرة من "القرنيط"، مشدّدة على أنّ هذا الأسلوب ممنوع في تونس لأنّ "الدراين" سهلة الضياع في البحار وهذا ما يتسبّب في موت الكائنات التي تقع في الفخّ، بالإضافة إلى خطر البلاستيك على المحيط عند تحلّله.

وفي تجارب مقارنه قامت فرنسا، بومضات إشهارية لحثّ المواطنين على الإقبال على أكل "القرنيط" لأنّ المخزون كان قياسيًا، وذلك لاحترامهم القوانين فتكاثر القرنيط بكثرة لدرجة أنّه أصبح يقتات من "القريدس" و"القشريات"، فشجّعوا على اقتنائه من أجل خلق التوازن.

 

صيد الأخطبوط في تونس فتحي الناصري أفب
استعمال القوارير البلاستيكية لاستدراج كميّات كبيرة من "القرنيط" خطير وهو ممنوع في تونس (صورة توضيحية/فتحي الناصري/أ.ف.ب)

 

ودعت سيرين بن سعد المواطنين إلى الانتباه إلى وزن الأخطبوط عند شرائه، محذّرة من عمليّات الغشّ التي يقوم بها بعض الباعة وذلك بتركه ساعات طويلة في الماء حتى ينتفخ وزيد وزنه بالإضافة إلى تجنّب شرائه ببيضه.

وحثت محبّي "القرنيط" على شرائه في الفترة الممتدة ما بين 16 نوفمبر/تشرين الثاني و15 ماي/أيار، ليقع حفظه في الثلاجة واستهلاكه على امتداد السنة.

  • صالح هديدر: "على البحّارة احترام قوانين الصيد"

وفي الإطار نفسه، شدّد صالح هديدر، نائب رئيس اتحاد الفلاحة المكلف بالصيد البحري خلال حديثه مع "الترا تونس" على أنّ فترة منع صيد الأخطبوط تتواصل إلى غاية 15 أكتوبر/تشرين الأول وذلك لصغر حجمه وأهمية عملية التفريخ لديه، مشيرا إلى أنّه يمكن التمديد فيها حسب المعطيات العلمية المقدمة من أصحاب المهنة والبحث العلمي.

وحذّر هديدر البحّارة من الصيد العشوائي واستعمال الدراين البلاستيكية والأكياس مؤكّدًا تحجير صيد "القرنيط" الذي يقل وزنه عن الكيلوغرام الواحد، مضيفًا أن المخالفين يتعرّضون للعقوبات، ودعاهم إلى احترام القوانين المنظمة للصيد.

نائب رئيس اتحاد الفلاحة لـ"الترا تونس": صيد "القرنيط" الذي يقل وزنه عن الكيلوغرام الواحد محجّر في تونس والمخالفون معرّضون لجملة من العقوبات

ويتابع محدّثنا: "تنظيم موسم صيد الأخطبوط يخضع إلى قرار وزير الفلاحة المؤرخ يوم 28 سبتمبر/أيلول 1995 والمتعلق بتنظيم نشاط الصيد البحري والذي حدد موسم صيد الأخطبوط، في الفترة الممتدة من 15 أكتوبر/تشرين الأول إلى 15 ماي/أيار من كل سنة.

وعن دور اتّحاد الفلاحة في مواجهة هذه الممارسات، يقول هديدر إنّ "الاتحاد يقوم باجتماعات دورية لحث البحارة على تجنب صيد القرنيط في الفترة الممنوعة وإصدار بلاغات محليًا وجهويًا تدعو الصيادين لعدم ينخرط في الصيد العشوائي الذي من شأنه أن يضر بالثروة البحرية".

ولفت إلى "تنظيم دوريات مراقبة تقوم بإرجاع كل أخطبوط يقل وزنه عن الكيلوغرام إلى البحر، كما يقوم الاتحاد أيضًا بدورات تكوينية واجتماعات دوريّة لدراسة الوضع"، وفقه.

 

واتساب