09-ديسمبر-2019

تم تكريم عدد من المسرحيين خلال حفل افتتاح الدورة 21 لأيام قرطاج المسرحية

 

هل يكفي أن يستشعر المسرحي حاتم دربال مدير الدورة 21 لأيام قرطاج المسرحية ضمن أكثر من تصريح إعلامي الانزياح الذي حصل لهذه التظاهرة الدولية خلال دورات فائتة مما جعل منها حدثًا ثقافيًا بسيطًا رتيبتًا مشوبًا بالفلكلورية لا يختلف عن عشرات المهرجانات التي تحتضنها تونس عبر مختلف مدنها؟

هل يكفي أيضًا أن يستشعر الناقد المسرحي عبد الحليم المسعودي المدير المساعد للأيام والمسؤول عن الجانب الفكري انزياحًا يتعلّق بإهمال التظاهرة ولسنوات لروح التفلسف والحفر الفكري في الفعل المسرحي باعتباره شكلًا من أشكال الإقامة على الأرض؟

افتتاح الدورة 21 لأيام قرطاج المسرحية المتواصلة بتونس إلى غاية 15 ديسمبر 2019 كان باهتًا عدا بعض الإضاءات وفي مقدمتها لحظات التكريم

والحال أن مهرجان أيام قرطاج المسرحية هو حدث مركزي وواجهة ثقافية لتونس له هوية ثابتة وتوجهات رئيسية انبنت عليها وثبتت في قانونها الأساسي وهي بالأساس التفكير حول وداخل الفعل المسرحي جنوب الأرض من أجل جماليات مختلفة تدفع بالإنسان نحو حياة أجمل وأرقى وتسليط الضوء فنيًّا وفكريًّا على القضايا الحارقة لمجتمعات الجنوب والدفع بها نحو الحلحلة. لكن هذه الثوابت التي ركزها الآباء المؤسسون لأيام قرطاح المسرحية ورأت النور في بعض الدورات القليلة يبدو أننا شغلنا عنها بتدبّر متعلّقات البساط الأحمر وما جاوره.

اقرأ/ي أيضًا: مسرحية "النّفس" لدليلة المفتاحي: مساءلات بلا قرار حول السجن وحقوق نزيلاته

تم مساء السبت افتتاح الدورة 21 لأيام قرطاج المسرحية

قد تتواصل تلك الغفلة وذاك الانزياح بأيام قرطاج المسرحية وأنا أشاهد حاتم دربال الذي ما إن أكمل حفل الافتتاح الرسمي بقاعة الأوبرا بمدينة الثقافة بالعاصمة تونس مساء السبت 7 ديسمبر/ كانون الأول 2019 حتى استبدّت به لحظات  قلق وحيرة وتأمل حول المهرجان ومصيره في ظل الكثير من التعثرات الفنية والرؤيوية، لقد استبدت بدربال الكثير من الهواجس وهو يزور على جناح السرعة ليلة الافتتاح قاعة سينما المونديال بالعاصمة والتي من المزمع أن تحتضن واحدًا من العروض الافتتاحية الثلاثة وهو رسائل الحرية للمخرج المسرحي حافظ خليفة عن نص لعزّ الدّين المدني، حيث شهد هذا العرض الافتتاحي تعثرات تقنية قبل دخول الجمهور مما خلف حالة من الاستياء وعدم الرّضاء  في عيون الضيوف الأجانب وأيضًا لدى طاقم المسرحية الذي لم يجد له من تبرير لدى جمهوره الذي أعياه الانتظار في نهج بن خلدون.

أيام قرطاج المسرحية ستقدّم خلال دورتها الحادية والعشرين حوالي 100 عرض مسرحي منها 25 عرضًا مسرحيًا تونسيًا

افتتاح الدورة 21 لأيام قرطاج المسرحية المتواصلة بتونس إلى غاية 15 ديسمبر/ كانون الأول 2019 كان باهتًا عدا بعض الإضاءات وفي مقدمتها لحظات التكريم العاتية حيث حيّا المهرجان أرواح المسرحيين التونسيين الذين فقدناهم في الأشهر الفارطة وهم سمير بسباس وسنية بوقديدة ومحمد الهادي المنيصري والطاهر الشباح ومحمد قمش.

كما تمّ تكريم عدد من المسرحيين العرب والأفارقة وهم الفلسطينية الأردنية نادرة عمران والبحريني عبد الله السعداوي والإماراتي أحمد الجسمي والجزائري محمد شرشال والبوركينية أوديل سنكرا والإيفواري كوفي كواهولي، ومن تونس كوكبة من المسرحيين القديرين على غرار ناجي ناجح وآمال الهذيلي والطيب السهيلي ومحمد المورالي الذي وقف له جمهور قاعة الأوبرا إجلالًا وتقديرًا لمسيرته المسرحية المتوجة وهو الذي شارك في مسرحية "الماريشال" الشهيرة المنتجة من قبل فرقة مدينة تونس للمسرح، كما كان مونولوجيستًا معروفًا إلى جانب الهادي السملالي ومحمد الجراري.

وفي نفس هذا الإطار، سلّمت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) درع اعتراف وتكريم للمسرحية التونسية الراحلة رجاء بن عمّارعلمًا وأن هذه البادرة النوعية من الألكسو تندرج ضمن اتفاقية التفاهم الموقعة يوم 7 ديسمبر/ كانون الأول 2019 بين الدولة التونسية ممثلة في وزارة الشؤون الثقافية ومنظمة الألكسو.

اقرأ/ي أيضًا: مليّنو المعادن.. مبدعون حوّلوا الخردة إلى فن

مسرح الحرية 2

أيام قرطاج المسرحية ستقدّم خلال دورتها الحادية والعشرين حوالي 100 عرض مسرحي منها 25 عرضًا مسرحيًا تونسيًا و18 عربيًا و6 عروض إفريقية، أما البقية فهي من آسيا وأمريكا اللاتينية. لكن تبقى تجربة الشراكة بين وزارة الشؤون الثقافية والإدارة العامة للسجون والإصلاح التابعة لوزارة العدل والتي انطلقت منذ دورة 2018 وأثمرت 5 أعمال مسرحية من إنتاج وحدات سجنية وإصلاحية مختلفة نالت الإعجاب وأكدت أن الفعل الثقافي داخل السجن هو حق من حقوق الإنسان بالنسبة لنزلاء السجن وهو أداة تصويب ومرافقة تساعد على تأهيل السجين للحياة العامة مجددًا، هي تجربة رائدة ومهمّة وتستحق كل تنويه وإعجاب.

ستشهد الدورة 21 لأيام قرطاح المسرحية ندوة فكرية مركزية موضوعها "تمثلات الفضاء المسرحي"

هذه الشراكة عرفت تطورًا خاصًا خلال الأشهر الفارطة أسهمت فيه المندوبيات الجهوية للثقافة ومراكز الفنون الدرامية والركحية بالجهات والقريبة جغرافيا من الوحدات السجنية والاصلاحية ممّا أثمر خلال هذه الدورة 11 عرضًا مسرحيًا بمشاركة 120 سجينًا ستعرض جميعها للعموم كما تمّت برمجة جملة من الأعمال المسرحية بالمؤسسات السجنية سيحضرها صنّاع المسرح.

الندوة الفكرية "تمثّلات الفضاء المسرحي"

ستشهد الدورة 21 لأيام قرطاح المسرحية ندوة فكرية مركزية موضوعها "تمثلات الفضاء المسرحي" على ضوء المشغل الحضاري والجمالي وضمن التقاطعات السينوغرافية والتكنولوجية الحديثة.

وبما أن الذاكرة هي السؤال المبدئي والمنطلق لفعاليات الندوة فإنّ المسارح القديمة ستكون محور ندوة ثانية عنوانها "المسارح الرومانية وفنون الفرجة في تونس عبر التاريخ" حيث سيتم الاشتغال على الذاكرة المعمارية المسرحية القديمة التي تنام على "هضاب وأحراش ومنبسطات" تونسية ستسحتضر بقوة مثل مسارح الجم وأوذنة ودقة وقرطاج وأوتيك.

شهد أحد عروض الافتتاح بقاعة المونديال إخلالات تقنية

لكن الأسئلة التي تطرح نفسها بخصوص الندوات التي تنظمها أيام قرطاج المسرحية على مرّ دوراتها منذ التأسيس سنة 1983 إلى اليوم هي لماذا لا تتم الدعاية بالشكل المطلوب للندوات؟ ولماذا لا تتلفز وتوثق في شكل كتب تكون على ذّمة طالبيها من باحثين وغيرهم؟ لماذا لا تتحمل الجامعة التونسية جزءًا من أعباء هذه الندوات الهامة؟

95 ألف دينار هي قيمة الجوائز الرسمية

لجنة تحكيم الدورة الحادية والعشرين والتي يترأسها الفنان المسرحي التونسي رؤوف بن عمر ستسند مع نهاية التظاهرة مجموعة من الجوائز تقدر قيمتها المالية بـ95 ألف دينار تونسي تتوزع على: أفضل عمل متكامل وأفضل إخراج وأفضل كتابة مسرحية وأفضل سينوغرافيا وأفضل أداء رجالي وأفضل أداء نسائي.

أيام قرطاج المسرحية مطالبة أكثر من أي وقت مضى بمزيد الوعي بأنها تظاهرة ثقافية قدرها هو التفكير والارتقاء بوعي الجماهير

كما ستمنح مجموعة من الجوائز الموازية وهي: جائزة الاتحاد العام التونسي للشغل لأفضل تقني وجائزة "نجيبة الحمروني" لنقابة الصحفيين التونسيين لحرية التعبير وجائزة الحرية لأفضل عمل مسرحي منتج بنوادي المسرح بالمؤسسات السجنية والإصلاحية وهي جائزة ممنوحة من إدارة أيام قرطاج المسرحية ومنظمة العفو الدولية فرع تونس، وجائزة التنوّع الثقافي التي تمنحها المنظمة العالمية للفرنكفونية.

وسيتنافس على هذه الجوائز 14 مسرحية منها مسرحيتين تونسيتين هما "تطهير" للمخرج معز حمزة و"سيكاتريس" لغازي الزغباني وعشر مسرحيات عربية ومسرحيتان إفريقيتان.

أيام قرطاج المسرحية التي تتجاوز كلفة مصاريفها لهذه الدورة ما يناهز 1100 مليون دينار تونسي حسب تصريح مدير عام المؤسسة الوطنية لتنمية المهرجانات والتظاهرات الثقافية والفنّية مطالبة أكثر من أي وقت مضى بمزيد الوعي بأنها تظاهرة ثقافية قدرها هو التفكير والارتقاء بوعي الجماهير وتأصيل الكرامة والمواطنة المسرحية وليست تظاهرة فلكلورية عابرة وبلا مسؤولية، لقد حان الوقت أن نمأسس هذا المهرجان ونحمي ذاكرته من البلى نشدانًا لآفاق ثقافية تليق بتونس في هذه اللحظة التاريخية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حسان المشايخي و"الڨوڨي".. عن موسيقى تونسية تحاكي غزل القوس للوتر

فضاء الفنون بالكاف: فلسفة أخرى للفضاءات الثقافية