20-مايو-2024
قراءة في كتاب البعد الإفريقي في السياسة الخارجية التونسية 1956-1986

يُعتبر هذا الكتاب وثيقة مرجعية نادرة للباحثين في الشؤون الدبلوماسية التونسية في شقها الإفريقي

 

"علاقة تونس بعمقها الإفريقي" تبدو علاقة شديدة التعقيد والتركيب، حيث يتداخل فيها الحضاري بحقباته المختلفة القريبة والمتباعدة بالسياسي بأوجهه العديدة والمتباينة وتشرذم الارتباطات الاقتصادية للدول الإفريقية وتموقعها الإيديولوجي.. وذلك فضلًا عن مجموعة من الحواجز النفسية والاجتماعية والثقافية والجغرافية.

 أما فهم هذه العلاقة فيبدو أنه يتطلب تفكيكًا خاصًا وقراءات علمية حضارية وأنثروبولوجية وثقافية متأنية وسبر أغوار التاريخ قديمه وحديثه. وهو تقريبًا ما جنحت إليه مجموعة من الباحثين الجامعيين التونسيين بإصدارهم لكتاب "البعد الإفريقي في السياسة الخارجية التونسية من 1956 إلى 1986" وذلك ضمن منشورات "المعهد العربي لحقوق الإنسان".

"البعد الإفريقي في السياسة الخارجية التونسية (1956-1986)" هو كتاب من منشورات المعهد العربي لحقوق الإنسان للباحثين الجامعيين التونسيين: لطفي عيسى ورياض بن خليفة وكريم بن يدر

هذا الكتاب هو إصدار علمي تم إعداده ضمن برنامج "تعزيز مشاركة المواطنات والمواطنين التونسيين في تطوير منظومة الاتحاد الإفريقي وتطبيقها" الذي نظمه المعهد العربي لحقوق الإنسان ومجموعة من الشركاء الداعمين سنة 2017. وقد انبرى لهذا البحث ثلاثة باحثين هم السادة "لطفي عيسى" أستاذ التاريخ الثقافي المقارن بالجامعة التونسية منذ سنة 1989 ويشرف على "الجمعية التونسية للدراسات التاريخية". و"رياض بن خليفة" أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة تونس منذ سنة 2010 ويهتم في أبحاثه بتاريخ العدالة في فرنسا إبان الحرب العالمية الثانية، وبتاريخ الهجرات المتوسطية وتصفية الاستعمار بالبلاد التونسية. و"كريم بن يدر" أستاذ التاريخ المعاصر وهو مختص في التاريخ الاقتصادي والاجتماعي لتونس وقد التحق بمؤسسة الأرشيف الوطني التونسي منذ سنة 2010.

 

كتاب البعد الإفريقي
كتاب "البعد الإفريقي في السياسة الخارجية التونسية (1956-1986)"

 

الكتاب قدّم له الأستاذ الباجي قائد السبسي رئيس الجمهورية التونسية الراحل خاصة وأنه كان وزيرًا للخارجية إبان فترة الحكم البورقيبي لمدة خمس سنوات وساهم مساهمة واضحة في بناء دبلوماسية تونسية كانت كافية بالنسبة إليه لفهم العلاقات التونسية الإفريقية وإمكانات تعزيزها.

  • وثائق وأرشيفات نادرة وهامة يتضمنها الكتاب

ويحتوي الكتاب على 420 صفحة ويتضمن فهرسه أربعة أقسام ومنتقيات بيبليوغرافية جامعة ومتخصصة وكمية هامة من الوثائق الأرشيفية تبدأ من الصفحة 145.

الكتاب هو إصدار علمي يتضمن 4 أقسام، تم إعداده ضمن برنامج "تعزيز مشاركة التونسيين في تطوير منظومة الاتحاد الإفريقي وتطبيقها" الذي نظمه المعهد العربي لحقوق الإنسان سنة 2017

القسم الأول من الكتاب تم خلاله وصف للرصيد الأرشيفي الذي اطلع عليه المؤلفون وهو أرشيف وزارة الخارجية التونسية منذ تأسيسها إبان الإستقلال إلى حدود سنة 1986 أي طيلة الحكم البورقيبي، وقد تم ترحيل هذا الأرشيف إلى مؤسسة الأرشيف الوطني في سنة 2009. وهذه المادة الأرشيفية المطلع عليها تتصل تحديدًا بالعلاقات بين تونس و38 دولة من دول القارة الإفريقية وقد وزعت على 50 صندوقًا وتضمنت 266 ملفًا يضاف إليها الوثائق الدبلوماسية المتصلة بمشاركة تونس في تأسيس "منظمة الوحدة الإفريقية" وعلاقتها معها وتغطي الفترة الممتدة من بين 1958 و1986 وتحتوي على 136 صندوقًا يتضمن 182 ملفًا.

وقد عكست المادة الأرشيفية التي اشتغل حولها الباحثون الثلاثة جملة من مؤشرات العلاقات البينية نذكر من بينها كثافة تبادل الزيارات في مختلف مستويات التمثيل والتي قوبلت بضعف المتابعة وانقطاع اجتماعات اللجان العليا المشتركة أو عدم انتظامها.

وتتعرض هذه الوثائق إلى مشاركة تونس في الاحتفال بالأعياد الوطنية للدول الإفريقية وفي مقدمتها أعياد الاستقلال، كما تتضمن الرسائل المتبادلة بين الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة وقادة عدد من الدول الإفريقية وبرامج الزيارات ومضامين الخطب ومواقف تونس الرسمية من القضايا الإفريقية.

قدّم  الرئيس التونسي الراحل الباجي قائد السبسي، هذا الكتاب، خاصة وأنه كان وزيرًا للخارجية إبان فترة الحكم البورقيبي، وساهم في بناء الدبلوماسية التونسية

وبيّنت جملة الوثائق أن التعاون التونسي الإفريقي اتصل بالمبادلات التجارية وتقديم المساعدات وتبادل الخبرات التقنية في ميادين الثقافة والإعلام والمالية والصحة والنقل البحري والجوي والاستعانة بالكفاءات التونسية في مجال الكهرباء وتوزيع المياه وربط شبكاته، وطالت مجالات التعاون أيضًا تطوير الخدمات الصحية عبر الاستفادة من خبرة تونس من تجربتها في التنظيم العائلي وتطوير القطاع السياحي والفندقي فضلًا عن التعاون في مجال البحث العلمي والتكوين المهني وتطوير أداء المنظومة التربوية والتعليمية.

ويشير الكتاب ضمن قسمه الأول إلى أن مضمون هذه الوثائق تؤكد مدى حضور البعد الإفريقي في السياسات المرسومة من قبل بناة الدولة التونسية، ومساهمة تلك السياسة في الدفع نحو مزيد تطوير أداء حاضنة الانتساب الجماعية ألا وهي "منظمة الوحدة الإفريقية" التي تم الإعلان عن تأسيسها في شهر نهاية شهر ماي/أيار من سنة 1963.

وتثبت هذه الوثائق أن تونس كانت لها علاقة خاصة ومتميزة ومتينة بدولة السنغال وهو ما يبرهن بشكل عام على أهمية التوجه الإفريقي في السياسة الخارجية التونسية إبان الاستقلال.

بيّنت جملة الوثائق في الكتاب، أن التعاون التونسي الإفريقي اتصل بالمبادلات التجارية وتقديم المساعدات وتبادل الخبرات التقنية في ميادين الثقافة والإعلام والمالية والصحة والنقل البحري والجوي..

وشمل مثال العلاقات التونسية السنغالية مجالات متعددة اتصلت بالتنمية في مختلف أبعادها وقد وسمت حينها بـ"الطريق الإفريقية في اتجاه ترسيخ الاشتراكية". كما كانت هناك مواقف مشتركة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وأيضًا التفكير في خلق فضاء للحوار مقره العاصمة داكار يناظر وفق تصور المدافعين عنه "نادي روما". وأعاد الباحثون ذاك التقارب إلى الأفق الثقافي والفكري للزعيمين الحبيب بورقيبة وليوبولد سيدار سنغور.

 

سنغور
وثيقة أرشيفية توثق محضر جلسة بين الحبيب بورقيبة وسنغور

 

وتبرز هذه الوثائق أيضًا الدور الذي لعبته تونس المستقلة في مؤازرة حركات المقاومة ضد نظام الميز العنصري بجنوب إفريقيا "الأبارتايد" ويوجد 16 ملفًا ضمن الصندوق عدد 85 يتضمن جزء منها موقف الرئيس التونسي من الرسائل الموجهة له من مختلف فصائل المعارضة الجنوب إفريقية وذلك بداية من سنة 1964. كما تتوفر بهذه الملفات تقارير تتصل بمجموعة من الزيارات أداها عدد من القادة الوطنيين من جنوب إفريقيا إلى تونس.

أما بخصوص العلاقات الدبلوماسية بين تونس ومنظمة الوحدة الإفريقية فبين هذا الكتاب من خلال اطلاع الباحثين على محتوى أرشيفات وزارة الخارجية التونسية المودعة بمؤسسة الأرشيف الوطني أنها تتصل أساسًا بمشاركة تونس في مؤتمرات الدول الإفريقية المستقلة بين سنوات 1960 و1962 ومؤتمرات الشعوب الإفريقية بين 1959 و1960 بالإضافة إلى مشاركتها المنتظمة والرفيعة التمثيل في الدورات العادية والاستثنائية لمؤتمرات الدول الإفريقية وذلك منذ انبعاث المنظمة في 25 ماي/أيار 1963 حيث شاركت تونس إلى حدود سنة 1986 في 44 دورة عادية و15 دورة استثنائية.

تبرز جملة من الوثائق داخل الكتاب، الدور الذي لعبته تونس المستقلة في مؤازرة حركات المقاومة ضد نظام الميز العنصري بجنوب إفريقيا "الأبارتايد"

القسم الثاني من الكتاب خصص للعلاقات الثنائية بين تونس وبلدان إفريقيا جنوب الصحراء حيث عثر الباحثون داخل الصناديق الحافظة للأرشيف المذكور (من 78 إلى 81) على عينات معبرة على طبيعة السياسة الخارجية التي انتهجتها الدولة التونسية في علاقاتها مع بلدان إفريقيا جنوب الصحراء وخاصة سنوات المكافحة ضد الاستعمار وهي ذات توجه داعم لاستقلالها.

كما شكل التوجه نحو تعميق التعاون الثنائي ثابتًا محوريًا في السياسة الخارجية التونسية، فقدّرت الدولة الوطنية الناشئة أن مد جسور التواصل الثنائي بين البلدان الإفريقية المستعيدة لسيادتها ينبغي أن يمثل نواة صلبة لأي مشروع يهدف إلى توسيع التقارب سواء عبر تأسيس التكتلات الإقليمية. وتحيل مجمل وثائق البحث الخاصة بهذا الكتاب على كيفية تصدير الإرادة التونسية لنقل الثوابت المذكورة آنفًا من مستوى التصورات النظرية إلى مجال الممارسة العملية.

شكّل التوجه نحو تعميق التعاون الثنائي ثابتًا محوريًا في السياسة الخارجية التونسية، فقدّرت الدولة الوطنية الناشئة أن مد جسور التواصل الثنائي بين البلدان الإفريقية المستعيدة لسيادتها ينبغي أن يمثل نواة صلبة لأي مشروع يهدف إلى توسيع التقارب

ومن بين الوثائق الهامة التي تعرض لها الباحثون في هذا الكتاب هي النص الأصلي لخطاب الرئيس السنغالي "ليو بولد سيدار سنغور" الذي ألقاه أمام مجلس نواب الأمة التونسي على إثر أول زيارة له بعد استقلال بلده وكان ذلك 19 أكتوبر/تشرين الأول 1961 والذي أكد من خلاله أن مسألة الوحدة الإفريقية لا يمكن أن تعالج من خارج النجاح في مد جسور الثقة والتعاون المتكافئ بين العنصرين العربي والإفريقي، وتركزت رؤيته المستقبلية على اعتبار "الزنوجة" مصدرًا للتجذر في التربة الإفريقية في حين شكلت العروبة من منظوره مصدرًا للإلهام والتجاوز ونبذ الانغلاق والتقوقع. ويعتبر سنغور عبر هذا الخطاب أن أول خطوة في طريق التضامن بين هذين المركبين تبدأ بالتعرف على المفردات العرقية والسوسيولوجية للتاريخ الإفريقي والاطلاع على الانتساب المشترك إلى نفس القارة تلك التي تحمل بالضرورة عناصر تقاربها بل وتمازجها سواء على الصعيد العرقي أو الصعيد الثقافي.

وضمن هذا السياق نفسه، عرض الباحثون في هذا القسم من الكتاب الرد التونسي على تلك الزيارة التاريخية حل الرئيس بورقيبة بالعاصمة دكار من 22 إلى 26 نوفمبر/تشرين الثاني 1965 حيث أدلى بخطابين تاريخيين واحد أمام الجمعية الوطنية السنغالية والثاني في رحاب جامعة داكار.

من بين الوثائق الهامة التي تعرض لها الباحثون في هذا الكتاب هي النص الأصلي لخطاب الرئيس السنغالي "ليو بولد سيدار سنغور" الذي ألقاه أمام مجلس نواب الأمة التونسي على إثر أول زيارة له بعد استقلال بلده

القسم الثالث من الكتاب جاء تحت عنوان "الدبلوماسية التونسية ومناهضة سياسة الميز العنصري بجنوب إفريقيا" وضمنه بيّن المؤلفون أن الصندوق عدد 85 من المادة الأرشيفية الخاصة بوزارة الخارجية التونسية والمودعة بمؤسسة الأرشيف الوطني يحتوي على عدد من الوثائق الهامة المتصلة بسياسة تونس تجاه مسألة الميز العنصري بجنوب إفريقيا وتتمثل في المراسلات الموجهة من قبل المناضلين المناهضين لهذا النظام إلى المسؤولين التونسيين، ومراسلات السفراء والقناصل التونسيين المتعلقة بالانخراط في الحملات الدولية المنظمة للضغط على حكومة الميز العنصري بجنوب إفريقيا. 

بالإضافة إلى تقارير وزراء خارجية البلاد التونسية المرفوعة إلى رئيس الدولة بخصوص نفس المسألة وتقارير اجتماعات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الإفريقية المتعلقة بتطور الأوضاع في جنوب إفريقيا ودراسة الجدوى في فرض عقوبات جديدة على حكومة بريتوريا العنصرية ومحاضر الجلسات التي عقدت بين مسؤولين تونسيين وزعماء من جنوب إفريقيا مناهضين لنظام الميز العنصري، تضاف إلى ذلك التغطيات الصحفية والإعلامية المنجزة في الغرض والصادرة ضمن دوريات تونسية وأجنبية. 

تبرز مختلف الوثائق في الكتاب، أن البلاد التونسية لم تربطها أي علاقة دبلوماسية مع حكومة الميز العنصري بجنوب إفريقيا طوال الفترة الممتدة من 1960 إلى 1983، وهو الحد الزمني الأقصى لمختلف الوثائق المشار إليها

وتبرز مختلف تلك الوثائق أن البلاد التونسية لم تربطها أي علاقة دبلوماسية مع حكومة الميز العنصري بجنوب إفريقيا طوال الفترة الممتدة من 1960 إلى 1983 وهو الحد الزمني الأقصى لمختلف الوثائق المشار إليها وأوضح الباحثون أن السياسة التونسية تلك تواصلت حتى بعد إعلان الرئيس "فريدريك كلارك" رسميًا إلغاء القوانين المتصلة بنظام الميز العنصري سنة 1991 ومن المواقف التونسية التي يذكرها التاريخ هو رفضها سنة 1964 بيع الفسفاط التونسي لنظام الميز العنصري معبرة عن معارضتها لأي توجه يرمي إلى إرساء أي شكل من أشكال التعاون الاقتصادي.

كما يشير الباحثون إلى أن الوثائق المتعلقة بهذا القسم تتوفر على مؤشرات بليغة بخصوص إسراف نظام الميز العنصري في استعمال العنف وقسوة سياسته المسلطة على الأغلبية السوداء في جنوب إفريقيا، وقاموا بتقديم عينات تتعلق بالأحداث التي حصلت وهي "مجزرة شاريفيل" التي حصلت في شهر مارس/آذار 1960 و"مجزرة سويتو" التي حصلت في جوان/يونيو 1976 ومقتل "ستيف بيكو" في سبتمبر/أيلول 1977 وهو زعيم حركة الوعي الأسود ومؤسس منظمة طلبة جنوب إفريقيا.

من المواقف التونسية التي يذكرها التاريخ هو رفضها سنة 1964 بيع الفسفاط التونسي لنظام الميز العنصري معبرة عن معارضتها لأي توجه يرمي إلى إرساء أي شكل من أشكال التعاون الاقتصادي

القسم الرابع من هذا الكتاب تعرض إلى مساهمة تونس في تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية ومشاركاتها في دورات أشغالها. وحسب تبيان المؤلفين، فإن وثائق أرشيف وزارة الخارجية التونسية تبيّن أن أولى تحركات الدبلوماسية التونسية في إطار العمل الإفريقي المشترك تعود إلى 10 أكتوبر/تشرين الأول 1957 وذلك من خلال تكوين لجنة تونسية أسندت رئاستها إلى "محمد الشاذلي النيفر" تهدف إلى إنشاء هيكل غير حكومي يعد لمشاركة تونس في مؤتمر التضامن الآسيوي الإفريقي.

وأشارت الوثائق إلى أن الاستعداد إلى بعث المنظمة الإفريقية عرف تدخلًا مصريًا في الشؤون التونسية وذلك بتوجيه دعوات رسمية لبعض وجوه معارضة بورقيبة على غرار يوسف الرويسي.

واقترحت تونس بهذه المناسبة أن يسبق المؤتمر قمة لوزراء الخارجية الأفارقة من أجل حل النقاط الخلافية وهو ما تم فعلًا.

يخلص الكتاب إلى أن التوجهات التي قادت السياسة الخارجية التونسية مع بلدان إفريقيا قد نتجت عن رؤية استراتيجية حدد معالمها الرئيس الحبيب بورقيبة

وانعقد المؤتمر التأسيسي بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا في 23 ماي/أيار 1963 ووافقت تونس على ميثاق المنظمة الوليدة رغم تحفظها على بعض الفصول.

وتكشف وثائق هذا الأرشيف الدبلوماسي أن نسق مشاركة تونس في اجتماعات منظمة الوحدة الإفريقية والهياكل المتفرعة عنها تتراوح عمومًا بين فترات ذروة وفترات فتور وتراجع كادت تصل إلى حد الانسحاب. وتبيّن لدى مجموعة المؤلفين أن خطاب الدبلوماسية التونسية إزاء المنظمة الإفريقية يبدو بعيدًا عن العمل الفعلي والممارسة ويمكن تحسس ذلك حسب الكتّاب من خلال تمسك وزارة الخارجية التونسية بمبدأين رئيسيين تأسست من أجلها هذه المنظمة وظلت تونس على رأس الدول الإفريقية المنادية بتكريسهما وتعمل نظريًا على إرسائهما وهما: مسألة الوحدة ومسألة التعاون الإفريقي. 

تبيّن لدى مجموعة المؤلفين في هذا الكتاب، أن خطاب الدبلوماسية التونسية إزاء المنظمة الإفريقية يبدو بعيدًا عن العمل الفعلي والممارسة

ويخلص الكتاب في خاتمته إلى أن التوجهات التي قادت السياسة الخارجية التونسية مع بلدان إفريقيا قد نتجت عن رؤية استراتيجية حدد معالمها الرئيس الحبيب بورقيبة الذي سمحت صلاحياته في دستور الجمهورية التونسية الأولى بلعب هذا الدور المحوري.

كما كانت قناعة بناة دولة الاستقلال واضحة في تلك الفترة التاريخية بأن مصلحة تونس العليا تقتضي التنسيق مع الدول الافريقية للدفاع على القضايا العادلة والوقوف في وجه القوى العظمى بالاعتماد على التضامن الإقليمي ومنظمة الأمم المتحدة.

أوضح الكتاب بأن الرأس المال الرمزي للتجربة التحررية التونسية والالتزام بمناهضة الاستعمار بالإضافة إلى الشخصية الاعتبارية للزعيم الحبيب بورقيبة مثلت عوامل أساسية في توثيق علاقات صداقة مع الدول الإفريقية

وأوضحت خاتمة الكتاب بأن الرأس المال الرمزي للتجربة التحررية التونسية والالتزام بمناهضة الاستعمار بالإضافة إلى الشخصية الاعتبارية للزعيم الحبيب بورقيبة مثلت عوامل أساسية في توثيق علاقات صداقة مع الدول الإفريقية ومع قياداتها ورموزها التاريخية على غرار: سنغور وباتريس لوممبا وبوانيي وسيكوتوري وطامبو ومانديلا.. وغيرهم.

إن كتاب "البعد الإفريقي في السياسة الخارجية التونسية (1956-ـ1986)" لمؤلفيه الباحثين الجامعيين التونسيين: لطفي عيسى ورياض بن خليفة وكريم بن يدر والذي نشره المعهد العربي لحقوق الإنسان يمثل إطلالة ضرورية على لحظات تاريخية مشتركة تونسية إفريقية حاسمة تهم القرارات السياسية المحددة لأفق القارة الإفريقية على أكثر من صعيد وخاصة النجاة من الاستعمار وتوق الشعوب السمراء للسيادة المطلقة على أراضيها وثرواتها.

كما يُعتبر هذا الكتاب وثيقة مرجعية نادرة للباحثين في الشؤون الدبلوماسية التونسية في شقها الإفريقي وخاصة المادة الأرشيفية الثرية التي تضمنها وما تحمله من حقائق ومن مقاربات.