لم يكن إلغاء كرنفال أوسّو في دورته الستين بالقرار الهيّن الذي يمكن تقبّله بيسر من قبل أهالي الساحل وزوارها من السياح الأجانب نظرًا لعراقة هذا الكرنفال الذي يجوب كورنيش بوجعفر بولاية سوسة كل سنة وسط احتفالات بهيجة.
كرنفال أوسّو اقترن تاريخيًا بالاحتفالات بعيد إعلان الجمهورية التونسية في 25 جويلية/يوليو من سنة 1957 وقد ولدت نسخته الأولى سنة 1958 إلى تاريخ آخر دورة سنة 2019 قبل اجتياح فيروس كورونا.
بعد الثورة في ظل انتقال ديمقراطي هشّ وعدم الاستقرار السياسي لم تتوقف فعاليات الكرنفال فكان استعراض 2013 الذي استقطب 50 ألف زائر وبلغ في دورته الـ59 سنة 2019 ذروته باستقطاب 100 ألف زائر ورافقت فعاليات الكرنفال سهرات تنشيطية ليلية بالشماريخ انطلاقًا من شاطئ "برج خديجة" ببوجعفر.
في موسم يُنتظر أن يكون استثنائيًا على مستوى الثقافة والسياحة كان الاستثناء هذه المرة يحمل طابعًا سلبيًا وذلك بتأجيل الدورة 60 لكرنفال أوسّو في مرحلة أولى لتزامنه مع الاستفتاء ثم إلغائه في مرحلة ثانية
حجوزات سياحية كبيرة كانت ترافق هذه الاحتفالية في كافة النزل وكان الموعد المحدد للأنشطة ينحصر بين 24 و27 جويلية/يوليو من كل سنة، وهي الفترة التي تشهد ذروة المقبلين على جوهرة الساحل من التونسيين والأجانب والمصطافين فتنشط الحركة التجارية والخدماتية والسياحية وتزدهر الحرف.
وفي موسم يُنتظر أن يكون استثنائيًا على مستوى الثقافة والسياحة كان الاستثناء هذه المرّة يحمل طابعًا سلبيًا وذلك بتأجيل الدورة الستين لكرنفال أوسّو من 25 جويلية/يوليو إلى 28 أوت/أغسطس في مرحلة أولى ثم إعلان "جمعية استعراض أوسّو" عن الإلغاء في مرحلة ثانية ليغلق قوس السياحة والاصطياف والاحتفالات لهذا الموسم.
وقد أعلنت جمعية مهرجان أوسّو عن الإلغاء بعبارة "تأجيل إلى صائفة 2023" ويعني ذلك ترحيل الاحتفالات المزمع تنظيمها، مبررة ذلك بالتقييم المالي "حيث أنّ مواردها تقوم بالأساس وبشكل شبه كلي على منح ترصد لها في إطار التمويل العمومي للجمعيات من طرف كل من وزارة الشؤون الثقافيّة ووزارة السياحة وبلديّة سوسة وولاية سوسة، وحيث أنّ صرف هذه المنح رغم حصول الجمعيّة على موافقات كل الأطراف سجلت تأخّرًا لطبيعة الإجراءات الجاري بها العمل، الأمر الذي حال دون تمكن الجمعيّة من اتخاذ أيّ خطوات عمليّة في شكل تعهّدات نافذة مع مختلف المتدخلين ومسدي الخدمات من فنانين ومبدعين تونسيين وأجانب ومصالح ذات صلة"، وفق نص البلاغ الذي نشرته على صفحتها بفيسبوك.
جمعية مهرجان أوسّو: اعتبارًا لعدم ورود الموارد المالية المتفق عليها في الإبان ولنفاذ الوقت الذي يتطلبه الإعداد الفعلي لكرنفال أوسّو، استحال تنفيذه في الآجال وتقرر إلغاؤه هذا الموسم
كما اعتبرت الجمعية أنه "اعتبارًا لعدم ورود الموارد المالية المتفق عليها في إبانها لحساب الجمعية واعتبارًا لنفاذ الوقت الذي يتطلبه الإعداد الفعلي للكرنفال، استحال تنفيذه في الآجال المعلنة وبالصورة والكيفيّة والمستوى الفني الذي يليق به وبانتظارات أحبائه وجمهوره".
وأبدى رئيس جمعية مهرجان أوسّو وليد حسين، الذي يقود هيئة جديدة لهذا الموسم، تأسّفه لإلغاء فعاليات كرنفال أوسّو لموسم 2022 في دورته الـ60 "رغم الاستعدادات الحثيثة التي سبقت موعد 25 جويلية/يوليو 2022 قبل اتخاذ قرار التأجيل إلى يوم 28 جويلية"، وفقه.
وقال وليد جسين، في تصريح لـ"الترا تونس": "لقد كان التأجيل الأول لتزامن فعاليات كرنفال أوسّو مع موعد الاستفتاء الذي تم في 25 جويلية/يوليو 2022 فكان التأجيل اضطراريًا، لكننا لم نتوقف عن عملية الإعداد للمهرجان خاصة مع تعيين والِ جديد على رأس ولاية سوسة الذي أبدى تعاونًا كبيرًا ودفعًا إداريًا ومعنويًا كبيرًا وذلك بعقد ماراطون من الاجتماعات في مقر الولاية والتنقل إلى وزارة السياحة التونسية ومحاولة استجلاب تمويلات إضافية، إذ تبلغ ميزانية المهرجان حوالي 900 ألف دينار وتمويلاتنا الأساسية مصدرها مجلس الولاية ووزارة السياحة وبلدية سوسة، وهذا ما دأبت عليه العادة في خصوص هذا المهرجان"، حسب تأكيده.
ويستدرك وليد حسين: "غير أننا انتظرنا كثيرًا التحويلات المالية والدعم اللوجستي لكن لم يعد بالإمكان زمنيًا الالتزام بالمواعيد المبرمجة رغم استكمالنا جميع الملفات والمراسلات اللازمة مع الأطراف الشريكة والممولة، خاصة وأن عملية تصميم العربات والتكفل باليد العاملة والمصممين والفنانين تتطلب مدًا لوجستيًا، كما أن العقود المبرمة مع الشركات الأجنبية التي ستتم دعوتها لإحياء فعاليات الكرنفال تتطلب التزامًا بالدفع من أجل تسديد معاليم الشحن والتنقل والإقامة وتوريد المعدات في الآجال عبر الموانئ البحرية".
كما أشار وليد حسين إلى أن "جمعية مهرجان أوسّو ليس لها مقرّ خاص بها رغم الطلب الملح من تمكينها بمقرّ عمل على مدار السنة للتكفل بأحد أكبر المهرجانات في تونس التي تكتسي بعدًا تاريخيًا متميزًا".
أثار تأجيل فعاليات كرنفال أوسّو ردود فعل كبيرة في سوسة خصوصًا وتم اعتبار أن هذا التأجيل جاء بسبب "عرقلة إدارية صلب وزارة السياحة وذلك إما لضعف ما يرصد من أموال أو إلى تأخير منحها"
وقد أثار تأجيل فعاليات كرنفال أوسّو ردود فعل كبيرة لدى الرأي العام التونسي في سوسة والساحل خصوصًا واعتبروا أن هذا التأجيل جاء بسبب "عرقلة إدارية صلب وزارة السياحة وذلك إما لضعف ما يرصد من أموال أو إلى تأخير منحها"، حسب الإعلامي في المجال الثقافي بشير حسني.
كما اتهم بشير حسني في تدوينة له على فيسبوك المجلس البلدي الحالي بسوسة بأنه "أكبر معرقل لأي تظاهرة في سوسة سواء رياضية أو ثقافية".
ولعل الإخفاقات في تنفيذ الالتزامات المالية قد رافقت هيئة المهرجان منذ سنة 2019 إذ رفض الشريك الفرنسي المالك للدمى العملاقة والمشرف على إطلاق الشماريخ المشاركة في تأثيث الكرنفال بسبب التأخر في خلاص مستحقاته وهو الشريك الوحيد المؤهل لتسيير العربات لما يضمه فريقه من مختصين وتقنيين.
وبدوره، أبدى الفنان المسرحي بوراوي الوحيشي، المتقمص لشخصية "أوسّو" إله البحر ومطلق الصيحات في كرنفال أوسّو، انشغاله بخصوص إلغاء فعاليات الكرنفال التاريخي في هذا الموسم. ويقول في تصريح لـ"الترا تونس" أن "من أسس كرنفال أوسّو هم الرعيل الأول من رجال سوسة مثل عبد الجليل بوراوي والطاهر الصانع ومحمد الزرقاطي وحامد زغدان والعديد من رجال المسرح وقد أطلقوا عليه "فرحة شعب" باعتباره تأسس في السنة الثانية بعد الاستقلال".
المسرحي بوراوي الوحيشي (متقمص دور "أوسّو") لـ"الترا تونس": كان يشارك في كرنفال أوسّو سياح يفدون من كافة أنحاء العالم لاكتشاف الثقافة التونسية وساهمت عدة فرق من دول أوروبية وآسيوية وإفريقية في تأثيثه ضمن برامج التبادل الثقافي بين البلدان
وكان مسلك الكرنفال أمام بلدية سوسة الحالية ثم توسع لينتقل إلى كورنيش بوجعفر، وكان مصدر فرحة، وشخصية "أوسو" كانت فريدة ضمن الفعاليات وكان الكرنفال مرآة الثقافة والاقتصاد والسياحة والسياسة، وكانت المصادر الأساسية للتمويل متأتية من الشركات الصناعية والمؤسسات العمومية، والتمويل أساسًا كان موجهًا للفنانين التونسيين والمصممين واليد العاملة التونسية وكل من يساهم في تأثيث الكرنفال ولا توجه التمويلات إلى الخارج بسبب استجلاب شركات منظمة أجنبية مثلما هو الشأن اليوم".
ويضيف بوراوي الوحيشي: "كرنفال أوسّو كان يشارك فيه السياح القادمون من كافة أنحاء العالم لاكتشاف الثقافة التونسية والشعب الذي خرج حديثًا من الاستقلال كما ساهمت عدة فرق من دول أوروبية وآسيوية وإفريقية في تأثيث المهرجان ضمن برامج التبادل الثقافي بين البلدان وكانت هذه الفرق لا تثقل كاهلنا ولا تكلّف الدولة أي مصاريف"، على حد قوله.
ويرى الوحيشي أن "الاستثمار في الفنانين التونسيين لتأثيث الكرنفال يجب أن يشمل القدماء والطلبة الجدد على حد سواء لضمان اتصال هذا الموروث بين الأجيال القديمة والحديثة بعيدًا عن الحسابات المادية أو التأثيرات السياسية التي أنهكت مهرجان أوسّو في السابق وأثرت على مضامينه حتى كاد يعتقد الجمهور أن الكرنفال هو "كرنفال بن علي" ( في إشارة إلى حقبة الرئيس بن علي الذي انحرف بأهداف الكرنفال في خدمة سياساته)".
ويقول الوحيشي إن "الكرنفال توقف منذ وفاة الرئيس السابق الباجي قائد السبسي وتم تأجيله هذه السنة بسبب الاستفتاء في حين أنه كان يمكن أن ينجز خلال أيام جويلية/يوليو الماضي، وقد أثر حجب المهرجان على مكانة سوسة سياحيًا وثقافيًا"، معتبرًا أن "هيئة المهرجان ضعيفة ولا بدّ أن تتدارك ذلك لتعود سوسة إلى بهائها وعطائها"، حسب رأيه.