25-سبتمبر-2024
أم السفساري.. شابة تونسية تصنع الاستثناء في الشارع التونسي

أميرة بوعزيز (أم السفساري) لـ"الترا تونس": أدعو مصمّمي الأزياء أن يجدّدوا في السفساري ليصبح عمليًّا أكثر

 

بخطواتها الثابتة وبسماتها الساحرة، مرّت شابّة تونسيّة في أزقّة المدينة العتيقة بتونس محدثة حالة من الذهول والانبهار وسط الباعة والمتجوّلين وحتّى السيّاح.

لم تكن كغيرها من الفتيات، فقد لفتت أنظار الجميع بإطلالة من الزمن الجميل، إطلالة افتقدتها شوارع المدن وأزقّة الحارات حيث كانت ملتحفة بالـ"السفساري".

مع تسارع نسق الحياة، وقع التخلّي عن السفساري تدريجيًّا كلباس تقليدي، حتى أصبح من النادر أن ترى امرأة بالسفساري تجوب الشارع

نعم، بـ"سفساريها" أعادت من جديد صورة للمرأة التونسية في الثمانينات والتسعينات، حيث كانت لا تخلو البيوت من هذا اللباس التقليدي الذي يقع توارثه جيلًا بعد جيل.

ولكنّ مع تطوّر العصر وتصاعد نسق الحياة، وقع التخلّي عنه تدريجيًّا حتى أصبح من النادر أن ترى امرأة بالسفساري، وإن صادفتها يومًا فعادة ما تكون في سنّ متقدّمة، أو عروسًا في طريقها إلى "الحمّام" رفقة عائلتها وسط أجواء احتفاليّة.

 

أم السفساري.. شابة تونسية تصنع الاستثناء في الشارع التونسي
أميرة بوعزيز (أم السفساري) لـ"الترا تونس": اتّخذتُ القرار الأكثر جرأة في حياتي وفاجأت الجميع بأنّي سألتزم بارتداء السفساري يوميًّا في كلّ تنقّلاتي

 

لكنّ أميرة بوعزيز، شابة في أواخر العشرينات، قرّرت أن تتّخذ القرار الأكثر جرأة في حياتها، وفق حديثها لموقع "الترا تونس"، وفاجأت الجميع بأنّها لن تتخلّى عن لبس السفساري وأنّها ستلتزم بارتدائه يوميًّا وفي كلّ تنقّلاتها وحركاتها.

السّفساري هو لباس تقليدي نسائي تونسي مصنوع من الحرير أو القطن ويتمثّل في كونه قطعة كبيرة من القماش يمكنها أن تغطّي كامل جسد المرأة. حيث وصفه الشاعر الأندلسي "ابن الخطيب" في كتابه الإحاطة في أخبار غرناطة، باللباس الأبيض، الذي تغطي به المرأة نفسها آنذاك احتشاماً من الرجال الأجانب، كما ترتديه النساء أيضاً عند خروجهن من منازلهن لقضاء شؤونهن أو لزيارة الأقارب والجيران، ليقوم هذا اللباس مقام "الحجاب".

أميرة بوعزيز (أم السفساري) لـ"الترا تونس": جدّتي تتبنّى رواية أنّ السفساري انتقل من الأندلس إلى المغرب العربي مع قدوم اللاجئين، وهي كثيرًا ما كانت تحدّثني عن التاريخ العريق لهذا اللباس

وتختلف المراجع حول أصول هذا اللباس، فالبعض يقول إنّه إرث قرطاجي قديم انتشر في ربوع الإمبراطورية القرطاجية، بينما يرى البعض الآخر أنّه انتقل من الأندلس إلى المغرب العربي مع قدوم اللاجئين من الأندلس. وجدّة أميرة تتبنّى هذه الرواية حيث كانت دائمًا ما تحدّثها عن التاريخ العريق لهذا اللباس وبروزه منذ بداية القرن السادس عشر في تونس العاصمة والقيروان وقسنطينة وغيرها من المدن الإفريقيّة. وتختلف ألوان وأشكال السفساري حسب المنطقة، وفق محدّثتنا، ولكنّ الأبيض القشديّ هو الأكثر شيوعًا، وفقها.

"لقد تبادرت إلى ذهني الفكرة بعد حديث مع صديقة لي بخصوص العباية الخليجية وانتشارها في كافة الدول العربية، لدرجة أنّها أصبحت عادة ثابتة حتى في تونس خاصّة في شهر رمضان وأصبحت جزءًا من المشهد العام في كلّ المسامرات والسهرات" هكذا فسّرت بوعزيز لـ"الترا تونس" سبب هذا التغيير الذي تريد إحداثه في حياتها خاصّة أنّ الأمر أصبح مزعجًا بالنسبة إليها عندما تفتقد أيّ أثر لهويّتنا أو أصالة لباسنا التونسي في الشوارع، وفقها.

 

أم السفساري.. شابة تونسية تصنع الاستثناء في الشارع التونسي
أميرة بوعزيز (أم السفساري) لـ"الترا تونس": أصبح الأمر مزعجًا بالنسبة إليّ عندما أفتقد أيّ أثر لهويّتنا أو أصالة لباسنا التونسي في الشوارع

 

وتضيف أنه من المهمّ أن يجد كلّ من يزور تونس، من سيّاح وأجانب، ما يدلّ على موروثنا الثقافي ليبحث في تاريخه ويكتشف أصوله ولكنّ زوّارنا لا يجدون فرقًا بيننا وبين الدول الغربيّة في ما يتعلّق باللباس، حسب قولها.

تعمل أميرة بوعزيز وكيلة بإحدى الشركات الخاصّة، تتزيّن في كلّ صباحاتها وتلبس لباسًا عصريًا بألوان مشرقة وتتأنّق ككلّ الشابات في عمرها، من ثمّ تلتحف بالسفساري الذي تعلّمت طريقة تثبيته من والدتها حتّى لا تجد صعوبة في تنقّلاتها. من ثمّ تستقلّ سيارتها وتنطلق نحو حرفائها، وتمضي يومها في العمل ملتزمة باللباس الذي اختارته، حتّى أصبحت تلقّب بـ"أمّ السفساري"، في إشارة إلى أغنية تونسية شهيرة تحمل الاسم نفسه.

أميرة بوعزيز (أم السفساري) لـ"الترا تونس": من يزور تونس لا يجد فرقًا بيننا وبين الدول الغربيّة في ما يتعلّق باللباس، مع أنه من المهمّ أن يجد ما يدلّ على موروثنا الثقافي ليبحث في تاريخه

تقول أميرة: "العديد يتساءل حول مدى سهولة التحرّك بهذا اللباس يوميًّا فأقول لهم إنّ المسألة هي مسألة اعتياد وأدعو مصمّمي الأزياء أن يجدّدوا في السفساري ليصبح عمليًّا أكثر. أنا لا أجد أيّ اشكال في قضاء شؤوني ولكن هناك بعض الأماكن التي أنزعه فيها خاصّة إذا كانت متعلّقة باجتماعات رسميّة أو أماكن يُفرض فيها لباس معيّن فلا أجد حرجًا في نزعه، ولكنّه يلازمني في أغلب تحرّكاتي".

وتستحضر بوعزيز يومها الأوّل عندما خرجت لاحتساء قهوة مع بعض الأصدقاء: "من المستحيل أن أنسى أوّل يوم خرجت به بالسفساري في أزقّة المدينة وتعابير الفرحة والإعجاب في وجوه المارّة، كما لن أنسى أبدًا كلمات أبي عندما قال لي (زادك زين على زين ربي يثبتك بنتي)"، مضيفة أنّها لبست قطعة ثمينة جدًا من جهاز والدتها ويفوق عمرها الثلاثين سنة وهو ما زادها فخرًا وعزة.

 

أم السفساري.. شابة تونسية تصنع الاستثناء في الشارع التونسي
أميرة بوعزيز (أم السفساري) لـ"الترا تونس": أنا لا أجد أيّ اشكال في قضاء شؤوني، وهي مسألة اعتياد

 

ومنذ أن نشرت "أم السفساري" مقطعًا عبر منصّة "تيك توك" تعلن فيه قرارها، أصبح اسمها من الترندات عبر مواقع التواصل الاجتماعي وانقسم المتفاعلون ما بين مرحّب بالمبادرة ومشجّع على أن تنتشر الفكرة بين التونسيات، وبين من اعتبرها نزوة عابرة لن تثبت عليها طويلًا. وهناك شقّ آخر اعتبر المسألة ضربًا من ضروب "البوز" اعتمدته أميرة من أجل أن تجلب أكثر متابعين.

وعن هذا تردّ محدّثتنا قائلة إنّها صانعة محتوى منذ سنوات وأنّها تملك قاعدة جماهريّة واسعة وهذا الأمر شجّعها بأن تقوم بمبادرة إيجابية يكون لها أثر طيّب في المجتمع، مؤكّدة أنّ هناك صانعة محتوى فرنسيّة تأثّرت بالفكرة وقامت بتجربتها ليوم كامل وهو ما اعتبرته أميرة مفخرة لها، وفق حديثها.

أميرة بوعزيز (أم السفساري) لـ"الترا تونس": تبادرت إلى ذهني الفكرة بعد حديث مع صديقة بخصوص العباية الخليجية وانتشارها في كافة الدول العربية، لدرجة أنّها أصبحت عادة ثابتة حتى في تونس

ومن بين المواقف المضحكة التي تعرّضت لها "أمّ السفساري" أنّها في أحد المرّات كانت مثقلة ببعض الأشياء التي تحملها فعرض عليها أحد الشباب المساعدة بقوله "هات نعاونك حاجّة" وعندما التفتت إليه فوجئ بأنّها صغيرة في السنّ فتمالكهما الضحك، ومن هذا الموقف قرّرت أن تساهم ولو جزئيًّا في أن تصبح صورة المرأة بالسفساري مسألة عاديّة وليست استثناء.

وختمت "أم السفساري" بقولها "الّي تعزّ عليه بلاده، يعزّ عليه تراثها".