17-مارس-2020

تساقطات ضعيفة خلال الأسابيع الأخيرة تهدد الموسم الفلاحي الحالي (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

حالة استبشار مكتوم أحسها العاملون في القطاع الفلاحي خلال الأيام الماضية إثر نزول كميات متوسطة من الأمطار في عدد من مناطق الشمال التونسي رغم عدم بلوغ معدل التساقطات المسجلة خلال شهري جانفي/كانون الثاني وفيفري/شباط الماضيين سوى 20 في المائة من المعدلات المسجلة خلال نفس الفترة من السنوات الماضية.

حالة استبشار مكتوم أحسها العاملون في القطاع الفلاحي خلال الأيام الماضية إثر نزول كميات متوسطة من الأمطار في عدد من مناطق الشمال 

ورغم استفادة المساحات المخصصة لزراعة الحبوب في ولايات الشمال التونسي، لازالت تبدو المقارنة مع الموسم الماضي بعيدة جدًا عن تحقيق نصف المحصول القياسي الذي أنتجته البلاد حينما واجهت الدولة صعوبات جمة في تخزين الكميات المجمعة.

بقية مناطق البلاد، أي في وسطها وجنوبها، كانت نسبة التساقطات فيها ضعيفة بما ينبئ بأضرار كبيرة خاصة في المساحات الواسعة المخصصة لزراعة الأعلاف في مناطق سليانة والقصرين وسيدي بوزيد والقيروان علاوة على الأضرار التي لحقت بالأشجار المثمرة والزياتين المنتشرة في الساحل التونسي وولاية صفاقس.

اقرأ/ي أيضًا: أمام تحديات الموسم الفلاحي.. اختبار صندوق التعويض عن الجوائح الطبيعية

فوزي الزياني (نائب رئيس نقابة الفلاحين): يمكن إنقاذ القمح والكارثة في الشعير

نائب رئيس النقابة التونسية للفلاحين فوزي الزياني أكد، لـ"ألترا تونس"، أن مسألة نقص الأمطار ليست هي المشكل بل الأمر يتعداها إلى السياسة المتبعة في مجال الفلاحة من عديد الحكومات المتعاقبة، معتبرًا أن الحديث بأن الامطار الأخيرة قد تقلص من حدة الأضرار هو أمر نسبي قد يتعلق بعدد من ولايات الشمال الغربي للبلاد فقط.

وأوضح، في هذا الجانب، أن بقية مناطق البلاد لم تشهد إلا أمطارًا ضعيفة مضيفًا أن الكميات التي نزلت مؤخرًا يمكن أن تنقذ القمح ولكن الشعير والاعلاف فاته الأوان ويمكن القول إن الكارثة قد حصلت فعلًا، وفق تعبيره. وأضاف أن الفائدة الوحيدة الممكنة هي تعزيز المائدة المائية الجوفية المُستنزفة طيلة السنوات الماضية.

فوزي الزياني (نائب رئيس نقابة الفلاحين): وزارة الفلاحة غير مهتمة بالفلاحين، ولم تحرص على إيجاد ترسانة قانونية تجرم حفر الآبار بشكل عشوائي مما أضر بكميات المياه الجوفية

وشدد الزياني، في ذات الإطار، على أن وزارة الفلاحة غير مهتمة بالفلاحين، ولم تحرص على إيجاد ترسانة قانونية تجرم حفر الآبار بشكل عشوائي مما أضر بكميات المياه الجوفية إذ بقيت السلط المعنية تراقب الانتهاكات دون أن تقوم باي متابعة قانونية للمنتهكين للثروة الجماعية وفق قوله.

واعتبر أن المحاولات المعزولة، في هذا الصدد، لم تنفذ بالصرامة المطلوبة بسبب غياب الإرادة بتعلة المحافظة على السلم الاجتماعي مشيرًا إلى التأخر في عرض مجلة المياه على مجلس نواب الشعب طيلة سنوات قائلًا: "نحن نحمل وزارة الفلاحة المسؤولية المباشرة على ترسيخ هذه الانتهاكات".

اقرأ/ي أيضًا: منسّق المرصد التونسي للمياه: الدولة تتجه لخوصصة قطاع المياه (حوار)

وأكد نائب رئيس النقابة التونسية للفلاحين على أن منظومة الدعم الفلاحي ليست بدعة وهي عملية تتبعها أغلب بلدان العالم قائلًا: "نحن متأخرون جدًا على مستوى التشريعات"، مضيفًا أن صندوق الدعم يتكبد مبلغ 4200 مليون دينار ولا يخصص من هذا الرقم الضخم سوى 30 مليون دينار لدعم الفلاحة.

وقال محدثنا في هذا الجانب: "الغريب أن التوجيهات التي طلبها صندوق النقد الدولي لم تفهم على الوجه المطلوب، فالصندوق طالب بمراجعة سياسة الدعم وليس إلغاؤها، فلا يعقل مثلًا أن يتم تخصيص أموال طائلة لدعم الزيت النباتي والخبز وبالتالي يتم دعم غير المحتاجين وكذلك الشأن في دعم المحروقات" داعيًا إلى ما وصفها قراءة نقدية لما يطلبه صندوق النقد.

لطفي الفريقي (وزارة الفلاحة): 28 ألف بئر عشوائي في تونس

تواصل "ألترا تونس" أيضًا مع المدير العام للموارد المائية بوزارة الفلاحة لطفي الفريقي، الذي أوضح لنا بداية، أن القطاع الفلاحي يستهلك حوالي 80 في المائة من مواردنا المائية، داعيًا إلى ضرورة اعتماد طرق الري العصرية وخاصّة تعهد قنوات إمدادات المياه بالمناطق السقويّة العموميّة والاكتفاء بالمقادير الضرورية والتخلي التدريجي عن الزراعات التي تستهلك مقادير كبيرة من الماء وأحيانًا دون قيمة اقتصادية مضافة سواء للفلاح أو للدولة.

ويبلغ معدّل التساقطات المطريّة السنويّة بتونس حوالي 36 مليار متر مكعب سنويًا منها 2.7 مليار متر مكعب مياه سطحيّة و2.1 مليار متر مكعب مياه جوفيّة. وتقدّر الموارد المائية السطحيّة الجوفيّة السنويّة بـ 767 مليون متر مكعب، وبلغ استغلالها سنة 2018 حوالي 903 مليون متر مكعب بواسطة حوالي 152 ألف بئرًا سطحيّة أي بنسبة استغلال تقدّر بـ 118 في المائة.

اقرأ/ي أيضًا: هل يستنزف الاستثمار الفلاحي الأجنبي الثروة المائية في تونس؟

أمّا الموائد العميقة، تقدّر مواردها السنويّة بحوالي 1400مليون متر مكعب منها 610 مليون متر مكعب مياه أحفوريّة غير متجددة تقع بولايات الجنوب، وبلغ استغلال هذه المياه الجوفيّة العميقة سنة 2018 حوالي 1805 مليون متر مكعب بواسطة حوالي 30.670 بئرًا عميقة أي بنسبة استغلال تقدّر بـ 126 في المائة. أمّا فيما يتعلّق بالمؤشرات المائيّة الدوليّة، تُدرج تونس ضمن البلدان الفقيرة مائيًا إذ لا يتعدى معدل الاستهلاك 400 متر مكعب سنويًا لكل مواطن.

وتتمثل العوامل الأبرز التي أدت إلى اختلال الموازنة المائية في الاستغلال المكثف والحفر العشوائي الذي تفاقم بصورة كبيرة خلال السنوات الأخيرة، واختار بعض المشاركين فيها تجاوز كلّ الضوابط والإجراءات القانونيّة وتعمّد حفر آبار عميقة دون الحصول على التراخيص الضروريّة، وقد بلغ عدد هذه الآبار العشوائية 18 ألف بئر حسب ما قدرته مصالح الوزارة بمختلف الجهات.

الفريقي شدد على أن التصدي للحفر العشوائي مهمّة تتداخل فيها عديد الأطراف من حيث مراقبة آليات الحفر على الطرقات ورصد أنشطتها، واحترام الشركات لتعهداتها بعدم الحفر إلا في حالات توفر التراخيص الضروريّة مشيرًا إلى أن التجاوزات عديدة من قبل أطراف دخيلة على القطاع، مؤكدًا أن الإدارة تبذ "قصارى جهدها" لوضع حد لها بالتنسيق مع كل الجهات المعنيّة.

لطفي الفريقي (وزارة الفلاحة): تتمثل العوامل الأبرز التي أدت إلى اختلال الموازنة المائية في الاستغلال المكثف والحفر العشوائي الذي تفاقم بصورة كبيرة خلال السنوات الأخيرة

وأوضح محدثنا، في هذا الجانب، أنه أمكن للإدارة تحرير محاضر مخالفات تتعلق بالتعدي على الملك العمومي للمياه من حفر عشوائي للآبار العميقة أو استغلال غير مرخص فيه للملك العمومي للمياه بلغ عددها خلال السنة المنقضية 2019 أكثر من 200 مخالفة، مع إصدار 12 قرار ردم لآبار أمكن تنفيذ 5 منها، كما تمّ حجز 50 آلية حفر بين ثقيلة وخفيفة.

وأكد المدير العام للموارد المائية بوزارة الفلاحة، في حديثه معنا، أنه ليس أمام الإدارة إلا تطبيق القانون واحترام الإجراءات المنوطة بعهدتها وتوعية كل الأطراف بمخاطر الظاهرة وعدم الاستهانة بها، مع استعجال إصدار مجلة المياه التي تضمنت آليات عديدة وجديدة في إدارة الموارد المائية وحماية الملك العمومي للمياه، وحوكمة قطاع المياه، وبيان طرق استغلال واستعمال الملك العمومي للمياه وإدارة المخاطر المرتبطة بالمياه والوقاية منها.

يستقطب القطاع الفلاحي أعدادًا مهمة من اليد العاملة، غير أن تأخر الأمطار هذا الموسم أضر الزراعات الكبرى واستنفذ المائدة المائية في عديد المناطق التي تستعمل الري التكميلي، إذ يبدو حسب أغلب الملاحظين أن الموسم الحالي سيكون صعبًا على العاملين في القطاع الفلاحي وصعبا على الحكومة الجديدة التي تتزايد العقبات أمامها كل يوم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تراجع عدد الأبقار في تونس.. استفحال أزمة قطاع الحليب ودعوات للنجدة

توزيع مادة "السداري".. الصندوق الأسود للفساد في قطاع تربية الماشية