لم يغادر ذلك الطفل الكهل الذي بلغ عقده الخامس، ولم ينجح تخصصه في الصحافة والتزاماته المهنية والعائلية في جعله يهجر هواية صناعة نماذج مصغرة للسفن التاريخية التي أحبها ومارسها ومازال يمارسها، هو المبدع التونسي في صناعة مجسمات السفن ناجي بن جنات.

"كنت أصنع مجسمات للسفن الورقية حينما كنت طفلًا، إذ انخرطت في البداية في الكشافة التونسية ضمن ناد لصناعة السفن المصغرة، وقد كانت البدايات عفوية"، هكذا يحدثنا ناجي.

يهوى ناجي بن جنات صناعة نماذج ومجسمات مصغرة للسفن التاريخية وهو يصنع هذه المجسمات باستعمال الخشب

اقرأ/ي أيضًا: شباب يبدع.. تحويل النفايات إلى قطع فنية

يضيف لـ"ألترا تونس": "لكن هذه الهواية لم تغادرني، إذ رغم التزامي المهني إلا أنني عدت اليها بأكثر دقة في التصميم انطلاقًا من المجسمات الأصلية معتمدًا في ذلك على الخشب".

ويخبرنا أنه يميل خاصة لصناعة نماذج السفن الشراعية لأنها تؤرخ للملاحة في العالم وهو مهتم بهذه الحقبة، ويعتبرها صانع مجسماتها تحفًا فنيّة إلى جانب قيمتها التجارية والاقتصادية.

انخرط ناجي بن جنات منذ صغره في نادي لصناعة السفن المصغرة (أسماء البكوش/ألترا تونس)

يحاول ناجي أن يصنع مجسمات السفن الشراعية، التي بدأت صناعتها في العالم قبل أربعة قرون، وهو يبحث ويدقّق في تاريخ كل سفينة، وفي خصائصها وخلفياتها، إلى جانب قيمتها التجارية والحربية.

متجولًا بنا في مكتبته الضخمة حيث يضع محدثنا نماذج سفنه المصغرة، ويصنع في المكان نفسه هذه المجسمات الخشبية بدقة مهتمًا بكل تفاصيل هذه التحف الفنية.

وقد نجح في صناعة مجسمات تؤرخ للملاحة النهرية عبر نماذج لقوارب فرعونية قائلًا: "اكتشف هوارد كارتر سنة 1922 مقبرة توت عنخ امون في وادي الملوك بمصر، وعثر على قوارب رائعة الجمال كان يستعملها الفرعون والتي منها استلهم مجسماتي".

صنع ناجي بن جنات مجسّمات لسفن فرعونية (أسماء البكوش/ألترا تونس)

ويشير محدثنا إلى أن أول أسطول بحري عربي إسلامي كان مع الدولة الأموية في صراعها ضد الدولة البيزنطية في البحر الأبيض المتوسط.

وأضاف أن أول معركة بحرية في تاريخ المسلمين هي معركة "ذات الصواري" تقدم فيها المسلمون بأسطولين الأول من الشام يقوده معاوية ابن ابي سفيان، والآخر من مصر بقيادة عبد الله ابن ابي سرح. وقد أبدع المسلمون في هذه المعركة البحرية رغم أنها لم تكن من اختصاصهم، بحسب محدثنا.

 ولم تغب السفينة الشهيرة "تيتانيك" عن مجسمات ناجي بن جنات، إذ صنع مجسمًا ضخمًا يحاكي السفينة الأصلية مؤكدًا أن هذه السفينة كما ألهمت السينما ظلت حلمًا لهواة صناعة السفن في العالم.

هذه الهواية النادرة في تونس التي يعد ممارسوها على أصابع اليد في العالم العربي، يرى محدثنا أنها تحتاج للاهتمام وترغيب الناشئة فيها للتعريف بتاريخ الملاحة في الدول العربية والإسلامية.

ناجي بن جنات: أميل إلى صناعة نماذج السفن الشراعية لأنها تؤرخ للملاحة في العالم وهي تحف فنية إلى جانب قيمتها التجارية والاقتصادية

اقرأ/ي أيضًا: "الحاجة أمّ الاختراع"... كفيف تونسي يخترع كاشفًا للحواجز

ويشدد، في حديثه لـ"ألترا تونس"، على أن هواية صناعة نماذج للسفن التاريخية هي واحدة من الهوايات التي تدعم المهارات اليدوية التي بدأت تختفي شيئًا فشيئًا بعد أن غزت التكنولوجيا والألعاب صفوف الناشئة.

هي هواية طفل كبرت معه ومع مجسماته ليطوف بك ناجي بن جنات في البحار ويحدثك عن المعارك وتاريخها، وهو يستعد اليوم لعرض مجسماته في مدينة الثقافة وتخصيص معرض لها.

يستعدّ ناجي بن جنات لمعرض لتقديم مجسمات السفن التاريخية (أسماء البكوش/ألترا تونس)

شاهد/ي أيضًا:

فيديو: أشرف النمري.. فنان يبدع بقدميه

بالفيديو: نجاة بامري.. فنانة عصامية تحدّت الإعاقة لترسم بفمها