الترا تونس - فريق التحرير
دقتّ منظمات حقوقية تونسية ودولية ناقوس الخطر حول ما آل إليه وضع حقوق الإنسان في تونس اليوم، في ظل ما اعتبرته "هيمنة السلطة التنفيذية على القضاء وتطويعه من أجل التضييق على الحريات وضرب الخصوم السياسيين"، حسب تقديرها.
منظمات حقوقية تونسية ودولية تدق ناقوس الخطر حول ما آل إليه وضع حقوق الإنسان في تونس اليوم في ظل ما اعتبرته "هيمنة السلطة التنفيذية على القضاء وتطويعه من أجل التضييق على الحريات وضرب الخصوم السياسيين"
جاء ذلك خلال "الملتقى الوطني للدفاع عن ضحايا توظيف القضاء والمحاكمات غير العادلة" الذي نظمته منظمة الأورومتوسطية للحقوق، السبت 20 أفريل/نيسان 2024، بمشاركة عدد من ممثلي المنظمات ونشطاء حقوقيين وسياسيين في تونس، بهدف تسليط الضوء على "قضايا الاستغلال القضاء والمحاكمات الغير عادلة".
رابطة حقوق الإنسان: تونس أصبحت بمثابة سجن كبير
وقال رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بسام الطريفي، في كلمة أدلى بها خلال الملتقى، إنّ تونس أصبحت بمثابة سجن كبير، وإنّ كلّ من ينتقد السلطة في البلاد من الممكن أن يجد نفسه في السجن، حسب تصوره.
بسام الطريفي: تونس أصبحت بمثابة سجن كبير، وكلّ من ينتقد السلطة في البلاد من الممكن أن يجد نفسه في السجن
وأضاف الطريفي: "تنظيم هذا الملتقى في هذا التوقيت بالذات ليس بالصدفة، لأننا كنا متأكدين أنه بعد انتهاء الآجال القانونية للإيقاف التحفظي للسياسيين الموقوفين فيما يعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة" والمقدرة بـ14 شهرًا، سيتم خرق الإجراءات مثلما تم خرقها منذ فتح البحث في هذه القضية"، وفقه.
ويرى رئيس رابطة حقوق الإنسان أنّ "الهدف من تقويض القضاء من طرف السلطة التنفيذية ومن هذه المحاكمات السياسية هو إخماد كل صوت معارض في تونس"، حسب رأيه.
بسام الطريفي: الهدف من تقويض القضاء من طرف السلطة التنفيذية ومن هذه المحاكمات السياسية هو إخماد كل صوت معارض في تونس
وتابع قائلًا: "لم نعد نتحدث عن استقلال القضاء في تونس، إذ أنه منذ 25 جويلية حاول سعيد أن يستأثر بصلاحيات النيابة العمومية وعبّر عن ذلك صراحة، تلى ذلك حلّ المجلس الأعلى للقضاء، ثم عزل القضاة، ثم ما نعتبره يرتقي إلى مستوى الجريمة وهو عدم تطبيق أحكام المحكمة الإدارية بإيقاف قرار العزل، وغير ذلك من المظاهر".
وشدد بسام الطريفي: "العبث اليوم بلغ منتهاه، ونحن كمكونات المجتمع المدني جئنا لفضح ما يحصل ولنقول إنه لا يمكن أن تواصل تونس على هذا المنوال"، حسب ما جاء في كلمته.
جمعية القضاة: وضع القضاء التونسي اليوم ينذر بالخطر والانهيار الكامل
ومن جانبه، سلّط رئيس جمعية القضاة التونسيين أنس الحمادي، في كلمته التي أدلى بها في الملتقى ذاته، على وضع القضاء في تونس اليوم، مصرحًا: "وضع القضاء التونسي اليوم منذر بالخطر والانهيار الكامل".
أنس الحمادي: وضع القضاء التونسي اليوم منذر بالخطر والانهيار الكامل في ظل اختلال التوازن لصالح السلطة التنفيذية ووزارة العدل التي مضت خطوات كبيرة لاستيعاب القضاء وإحكام السيطرة عليه
وقال الحمادي: "قضاء السلطة الذي تم التأسيس له يعوّض بقضاء الوظيفة الذي لا صلاح فيه ولا خير يرجى منه، ومؤسسات القضاء المستقلة والمنتخبة تُحلّ بتصريح شفاهي من مقر وزارة الداخلية، وتُغلق أبوابها أمام أعضائها وتعوض بمؤسسات مؤقتة تعيّن من السلطة التنفيذية وتابعة لها كلّيًا، والقضاة يعزلون بجرّة قلم من رئيس الجمهورية بناءً على تقارير أمنية خارج كفالة حق الدفاع وضمانات حق المساءلة النزيهة والشفافة والعادلة ومنعهم من ممارسة أي عمل آخر تنكيلًا بهم وبعائلاتهم".
وأضاف رئيس جمعية القضاة التونسيين: "فضلًا عن ذلك، فقد تم حجب الحركة القضائية لسنة 2022 /2023 في سابقة تاريخية وتم الاستيلاء على الحركة القضائية لسنة 2023 / 2024 والتسبب عمدًا من خلالها بحلّ مجلس القضاء العدلي بصفة فعلية بنقلة عضوين من أعضائه المعينين بالصفة وإحالة عضوين آخرين على التقاعد واستغلال ذلك الفراغ والإبقاء عليه للاستئثار بالتحكم في المسارات المهنية للقضاة في مخالفة مفضوحة لجميع المبادئ".
أنس الحمادي: لا يزال هناك قضاة شرفاء يعملون على التصدي لمحاولات السلطة مزيد تركيع القضاء والتحكم فيه وكشف نواياها وفضح ممارساتها
ويرى الحمادي أنّ "كل ذلك وغيره آل إلى اختلال التوازن لصالح السلطة التنفيذية ووزارة العدل التي مضت خطوات كبيرة لاستيعاب القضاء وإحكام السيطرة عليه، ولعل من أبرز مظاهر ذلك ما نشاهده من تطبيقات قضائية موسعة وموجهة للمرسوم 54 تستهدف الحقوق والحريات، ومن خروقات إجرائية وأصلية تستهدف المعارضين والنشطاء السياسيين وأصحاب الأصوات الحرة المقلقة للسلطة"، حسب ما جاء في كلمته.
وشدد رئيس جمعية القضاة التونسيين على أنّه لا يزال هناك قضاة شرفاء يعملون "على التصدي لمحاولات السلطة مزيد تركيع القضاء والتحكم فيه وكشف نواياها وفضح ممارساتها"، معقبًا: "ذلك يحتاج منا جميعًا التكاتف ووضع اليد في اليد وإلا فإننا سنجد أنفسنا نتجه إلى انهيار كامل للقضاء ووضع أكثر قتامة لن يستطيع أي منا أن يسلم من عواقبه"، حسب تصوره.
أسرار بن جويرة: هذا القوس في تاريخ تونس يجب أن يغلق
وفي كلمة أدلت بها خلال الملتقى الوطني ذاته، قالت رئيسة جمعية تقاطع من أجل الحقوق والحريات أسرار بن جويرة إنّ "ما نعيشه اليوم من انتهاكات وانحرافات هو نتيجة حتمية لمباركة انقلاب 25 جويلية والسكوت على إصدار المراسيم التي فضحت معالم هذا النظام الدكتاتوري وعلى الزج بالمعارضين السياسيين في السجون دون تقديم أدلة أو إثباتات".
أسرار بن جويرة: "هذا القوس في تاريخ تونس يجب أن يغلق في أقرب وقت بدستوره ومراسيمه ومؤسساته السياسية، ومحو آثار هذا العبث، والمحاسبة السياسية لكل من تورط في جرائم هذا النظام حتى بتبييضها أو الدعاية لها"
وتابعت بن جويرة، في هذا السياق: "هذا الوضع دفعنا إلى أن نكون جميعنا في حالة تأهب واستعداد للاعتقال في أي لحظة"، حسب تعبيرها.
وأكدت، في هذا الصدد، أنه "لا بدّ من إطلاق سراح المساجين السياسيين وكل مساجين حرية الرأي والتعبير دون استثناء.
وشددت الناشطة الحقوقية على أنّ "هذا القوس في تاريخ تونس يجب أن يغلق في أقرب وقت بدستوره ومراسيمه ومؤسساته السياسية، ومحو آثار هذا العبث، والمحاسبة السياسية لكل من تورط في جرائم هذا النظام حتى بتبييضها أو الدعاية لها"، وفق ما جاء على لسانها.
العفو الدولية: على الأقل 20 حالة إيقاف تحفظي في تونس لا تستجيب للشروط القانونية
ومن جانبها، قالت المستشارة القانونية للبحث وكسب التأييد في منظمة العفو الدولية بشمال إفريقيا، فداء الهمامي، في مداخلة لها بالملتقى، إنّ "منظمة العفو الدولية تعتبر أن أنماط الانتهاكات في تونس تتزايد وعدد الضحايا يرتفع والسلطات مستمرة في ممارسات لا يمكن إلا أن تنتج عن انتهاكات جسيمة وخرق جسيم لالتزامات تونس الدولية تحت القانون الدولي لحقوق الإنسان".
فداء الهمامي: "السلطة في تونس أصبحت تلجأ أكثر لممارسة الانتهاكات من أجل إسكات المعارضة السياسية والصحفيين وكل الأصوات الحرة التي تنتقد سياسات السلطة الحالية أو تعبر عن آراء مختلفة للوضع الحالي"
وذكرت الهمامي، في هذا السياق، أنّ "تونس مصادقة على أغلب المعاهدات الدولية والمواثيق المتعلقة بحقوق الإنسان ومنها العهد الدولي المعني بالحقوق السياسية والمدنية"، مؤكدة أنّ "كل الممارسات التي تم ذكرها من احتجاز تعسفي واعتقال تعسفي وهرسلة قضائية ومحاكمات ظالمة وعدم احترام الحق في المحاكمة العادلة الذي من مبادئه قرينة البراءة، جميعها تمثل خروقات في فصول متعددة من العهد الدولي".
وترى ممثلة العفو الدولية أنّ "السلطة في تونس أصبحت تلجأ أكثر لهذه الممارسات من أجل إسكات المعارضة السياسية والصحفيين وكل الأصوات الحرة التي تنتقد سياسات السلطة الحالية أو تعبر عن آراء مختلفة للوضع الحالي".
وأشارت فداء الهمامي إلى أنّ العفو الدولية بصدد توثيق كل الانتهاكات في الحق في الحرية والمحاكمة العادلة وغيرها، مؤكدة أنها سجلت على الأقل 20 حالة حالة إيقاف تحفظي لا تستجيب للشروط القانونية، لأشخاص يقبعون في السجون اليوم".
فداء الهمامي: العفو الدولية بصدد توثيق كل الانتهاكات في الحق في الحرية والمحاكمة العادلة وغيرها وقد سجلت على الأقل 20 حالة حالة إيقاف تحفظي لا تستجيب للشروط القانونية
وقالت الهمامي إنّ هؤلاء موقوفون على ذمة قضايا وتحقيقات "لا تتوفر فيها الشروط القانونية لا بالقانون التونسي ولا بالمعايير الدولية، لأنها غير مبررة وغير مسنودة على قرائن ومؤيدات، ولأنها تتجاوز الآجال، ولا تتم مراجعتها بطريقة منتظمة ودورية"، وفقها.
وتابعت: "كذلك، هناك من هم خارج السجون ويتعرضون للهرسلة عن طريق القانون"، موضحة أنّ "القانون الجزائي في تونس أصبح وسيلة للقمع، إذ أنّ الصحفيين والمدونين والمحامين وغيرهم يتعرضون اليوم للهرسلة القضائية والانتهاكات"، معقبة: "نوثق كل يوم انتهاكات خلنا أنها ولّت في تونس وأننا لن نراها من جديد"، وفق تعبيرها.
وجددت المستشارة القانونية للبحث وكسب التأييد في منظمة العفو الدولية بشمال إفريقيا، فداء الهمامي، مطالبة "السلطات التونسية بإطلاق سراح كل المحتجزين تعسفيًا".
ويأتي هذا "الملتقى الوطني للدفاع عن ضحايا توظيف القضاء والمحاكمات غير العادلة"، بعد يوم من انتهاء الآجال القانونية للإيقاف التحفظي لجميع السياسيين الموقوفين فيما يعرف بالقضية الأولى المتعلقة بـ"التآمر على أمن الدولة" مع منتصف الليلة الفاصلة بين الجمعة والسبت 19 و20 أفريل/نيسان 2024، بيْد أنه لم يقع الإفراج عنهم كما كان متوقعًا، الأمر الذي اعتبرته هيئة الدفاع عنهم إمعانًا في الخرق الإجرائي في هذا الملف.