أصدر الرئيس التونسي قيس سعيّد مرسوم الصلح الجزائي مع المتورطين في جرائم اقتصادية ومالية وهو قائم على تركيز ما أسماها اللجنة الوطنية للصلح الجزائي، التي يقوم بتعيين أعضائها وتشرف على أحكام الصلح وتتمتع بصلاحيات واسعة، إضافة إلى لجان لمتابعة تنفيذ الأحكام وحساب عائدات لدى الخزينة خاضع إلى رقابة محكمة المحاسبات.
يُذكر أنه سبق أن اقترح الرئيس التونسي السابق الباجي قائد السبسي مشروع قانون مشابه، عُرف بقانون المصالحة الاقتصادية والإدارية، اعتبره حينها عنصرًا ضروريًا ومكملًا لمسار العدالة الانتقالية بالبلاد ومساهمًا في دعم الاقتصاد، فيما لقي مشروع القانون المقترح من السبسي حينها معارضة حادة كانت من أبرز تجلياتها حملة "مانيش مسامح" المواطنية واعتبر مدخلًا "لتبييض الفاسدين" ولتكريس الإفلات من العقاب، ولم تتم المصادقة في البرلمان إلا على الجانب الإداري منه.
ويتعلق قانون المصالحة السابق بعفو على الموظفين العموميين والمسؤولين السياسيين ورجال الأعمال المتورطين في جرائم مالية واقتصادية مقابل تعويض الدولة عن أموالها المنهوبة بغاية دعم الاقتصاد التونسي، كما رٌوج له.
وقد صدر مرسوم الصلح الجزائي، الذي أقره الرئيس التونسي الحالي قيس سعيّد، بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية (الجريدة الرسمية) في شكل مرسوم رئاسي، الاثنين 21 مارس/آذار 2022، وتضمن 50 فصلًا دققت في طريقة تطبيق الصلح والأشخاص المعنيين به وكيفية توظيف العائدات المالية للصلح الجزائي.
وتجدون في هذا التقرير، إجابات مبسطة عن 8 أسئلة جوهرية لفهم مرسوم الصلح الجزائي.
- 1 ـ أي جرائم معنية بمرسوم الصلح الجزائي؟
الصلح الجزائي هو مرسوم يضبط إجراءات الصلح مع الدولة في "الجرائم الاقتصادية والمالية والأفعال والأعمال والممارسات التي تترتب عنها منافع غير شرعية أو يمكن أن تترتب عنها منافع غير شرعية أو غير مشروعة والتي أنتجت ضررًا ماليًا للدولة والجماعات المحلية والمنشآت والمؤسسات والهيئات العمومية أو أي جهة أخرى".
- 2 ـ من يشملهم مرسوم الصلح الجزائي؟
يَشمل كل شخص مادي أو معنوي صدر في شأنه أو في شأن من يمثله حكم أو أحكام جزائية، أو كان محل محاكمة جزائية أو تتبعات قضائية أو إدارية أو قام بأعمال كان من الواجب أن تترتب عنها جرائم اقتصادية ومالية.
كما يشمل أيضًا كل شخص مادي ومعنوي لم تستكمل في شأنه إجراءات مصادرة أمواله واسترجاعها من الخارج طبق ما اقتضته أحكام المرسوم عدد 13 لسنة 2011 المؤرخ في 14 مارس 2011 كما تم تنقيحه بالمرسوم عدد 47 لسنة 2011 المؤرخ في 31 ماي 2011.
كما يشمل أيضًا الذوات المادية والمعنوية التي استفادت من الأملاك المصادرة دون القيمة الحقيقية لها بأي وجه كان.
تنسحب الأحكام على الجرائم المرتكبة المذكورة أعلاه قبل سنة 2011 وإلى حدّ تاريخ نشر هذا المرسوم بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية.
يشمل مرسوم الصلح الجزائي الجرائم المالية والاقتصادية قبل سنة 2011 وإلى حدّ تاريخ نشر هذا المرسوم بالرائد الرسمي
يشمل الصلح الجزائي، باستثناء الجرائم الإرهابية، الجرائم والأفعال والأعمال والتصرفات المذكورة سابقًا في المجالات التالية: المال العام، ملك الدولة العام والخاص، الرشوة، غسيل الأموال، الجباية، الديوانة، الصرف، السوق المالية والمؤسسات المالية.
ولا يشمل مجال الصلح الجزائي سوى الأفعال والأعمال والتصرفات والدعاوى والحقوق المتصالح في شأنها.
اقرأ/ي أيضًا: المجلس الأعلى للقضاء: مشروع مرسوم الصلح الجزائي تضمن إخلالات إجرائية وضمنية
- 3 ـ هل يعوض الصلح الجزائي القضايا المرفوعة بالمحاكم في الاختصاصات التي تشمله؟
نعم، يهدف الصلح الجزائي إلى استبدال الدعوى العمومية (القضايا المرفوعة بالمحاكم) أو ما ترتب عنها من تتبع أو محاكمة أو عقوبات أو طلبات ناتجة عنها تم تقديمها أو كان من المفروض أن تقدم في حق الدولة أو إحدى مؤسساتها أو أي جهة وذلك بدفع مبالغ مالية أو إنجاز مشاريع وطنية أو جهوية أو محلية بحسب الحاجة.
يهدف الصلح الجزائي إلى استبدال الدعوى العمومية (القضايا المرفوعة بالمحاكم) أو ما ترتب عنها من تتبع أو محاكمة أو عقوبات وذلك بدفع مبالغ مالية أو إنجاز مشاريع وطنية أو جهوية أو محلية بحسب الحاجة
- 4 ـ من سيشرف على تنفيذ أحكام الصلح الجزائي؟
تٌحدث لدى رئاسة الجمهورية لجنة تُسمى "اللجنة الوطنية للصلح الجزائي". تتركب هذه اللجنة من رئيس يعيّن من بين القضاة العدليين من الرتبة الثالثة من ذوي الكفاءة ونائبين للرئيس، رئيس دائرة تعقيبية بالمحكمة الإدارية نائبًا أولاً للرئيس ورئيس دائرة تعقيبية بمحكمة المحاسبات نائبًا ثانياً للرئيس.
بقية أعضاء اللجنة هم: ممثل عن الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية، مراقب عام من هيئة الرقابة العامة للمالية، ممثل عن وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية، ممثل عن لجنة التحاليل المالية بالبنك المركزي التونسي، وممثل عن المكلف العام بنزاعات الدولة.
ويٌعين بأمر رئاسي أعضاء اللجنة الوطنية للصلح الجزائي لمدة 6 أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة. ولرئيس الجمهورية الحق في إعفاء أي عضو من أعضاء اللجنة الوطنية للصلح الجزائي من مهامه.
للجنة الوطنية للصلح الجزائي أن تطلب من الهياكل العمومية الإدارية والقضائية أو الخاصة المعلومات والوثائق وغيرها من المؤيدات المتصلة بمطلب الصلح دون أن تجابه بالسر المهني أو حماية المعطيات الشخصية أو سرية الأبحاث الجزائية وعلى الجهة المطلوبة أن تجيبها على الطلب في أجل أقصاه 10 أيام من تاريخ توصلها بالمطلب. ولها أن تستمع إلى المعني بالأمر ومطالبته بكل المعطيات والوثائق والأحكام والقرارات القضائية ومحاضر البحث المستوجبة لدراسة المطلب.
للجنة الوطنية للصلح الجزائي أن تطلب من الهياكل العمومية الإدارية والقضائية أو الخاصة المعلومات والوثائق وغيرها من المؤيدات المتصلة بمطلب الصلح دون أن تجابه بالسر المهني أو حماية المعطيات الشخصية أو سرية الأبحاث
لأعضاء اللجنة الوطنية للصلح الجزائي النفاذ مباشرة لكل الوثائق والمعلومات وغيرها من المؤيدات من الجهات المعنية ولها أن تستعين في ذلك بالقوة العامة طبقًا للتشريع الجاري به العمل.
اقرأ/ي أيضًا: الشواشي: قانون الصلح الجزائي مُسقط وغير دستوري ولا يمكن سنّه في هذه الظروف
5 ـ فيما تتمثل إجراءات الصلح الجزائي؟
تتعهد اللجنة الوطنية للصلح الجزائي بموجب مطلب من المعني بالأمر أو محاميه. كما يمكن للجنة أن تتعهد تلقائيًا. تكلف اللجنة الوطنية للصلح الجزائي بضبط قائمة المعنيين بالصلح.
يقدم مطلب الصلح الجزائي إلى اللجنة الوطنية للصلح الجزائي من قبل طالب الصلح أو محاميه.
وفي حالة التعهد التلقائي، يسجّل قرار التعهد بسجلات اللجنة التي تتولى إبلاغ المعني بالأمر بأي وسيلة تترك أثراً كتابيًا وتحدد أجلاً للقبول بمقترح الصلح لا يتجاوز شهرًا واحدًا بانقضاء الأجل المذكور دون جواب يُعتبر ذلك رفضًا ولا يجوز بعد ذلك قبول مطلب صلح من المعني بالأمر.
تكلف اللجنة الوطنية للصلح الجزائي بضبط قائمة المعنيين بالصلح
- 6 ـ كيف يتم توظيف العائدات المالية للصلح الجزائي؟
تُوظف الأموال المودعة "بحساب عائدات الصلح الجزائي لتمويل المشاريع التنموية" في تمويل إنجاز مشاريع تنموية "اعتمادًا على خصوصية المناطق واحتياجات السكان والأولويات الوطنية والمحلية والأهداف المرسومة بمخططات التنمية".
تُوزع عائدات الصلح الجزائي كما يلي:
ـ 80% تُرصد لفائدة المعتمديات المنتفعة بالمشاريع المذكورة حسب ترتيبها من الأكثر فقرًا إلى الأقل فقرًا
ـ 20% تُخصّص لفائدة الجماعات المحلية بغاية المساهمة في رأس مال مؤسسات محلية أو جهوية تأخذ شكل شركات ذات صبغة أهلية أو استثمارية أو تجارية طبقًا للتشاريع الجاري بها العمل. ويخضع التصرف في تلك الأموال إلى رقابة محكمة المحاسبات.
تتولى اللجنة الوطنية للصلح الجزائي متابعة تنفيذ مقتضيات الصلح الجزائي المؤقت إذا ما أفضى الصلح إلى إنجاز مشاريع وذلك بالتنسيق مع لجنة متابعة تنفيذ اتفاقيات الصلح وإنجاز المشاريع بالجهات وعلى هذه الأخيرة موافاتها بنتائج أعمالها.
يترتب على إبرام وتنفيذ الصلح الجزائي إحالة ملكية العقارات والمنقولات والحقوق التي وقع إنجازها وتسليمها في إطار تنفيذ الصلح الجزائي لفائدة ملك الدولة.
اقرأ/ي أيضًا: سعيّد: "إنشاء شركات أهلية في كل معتمدية وفق مرسوم الصلح الجزائي"
- 7 ـ هل يُسقط إبرام الصلح الجزائي التتبع القضائي؟
نعم، يترتب عن إبرام الصلح الجزائي النهائي انقضاء الدعوى العمومية وإيقاف التتبع أو المحاكمة أو سقوط العقوبة.
- 8 ـ كيف سيتم متابعة تنفيذ اتفاقيات الصلح؟
تُحدث لجنة خاصة لدى الوزارة المكلفة بالاقتصاد تُسمى "لجنة متابعة تنفيذ اتفاقيات الصلح وإنجاز المشاريع بالجهات". تتكون من رئيس ونائب رئيس و7 أعضاء تتم تسميتهم بمقتضى أمر رئاسي من بين الشخصيات من ذوي الكفاءة في المجالات القانونية والاقتصادية والاجتماعية والمالية وغيرها من الاختصاصات التقنية.
يمكن للجنة أن تستعين بكل من ترى فائدة في مشاركته أعمالها من أهالي المنطقة المعنية بإنجاز مشروع في إطار الصلح الجزائي.
تُحدث على مستوى كل ولاية معنية لجنة يطلق عليها اسم "اللجنة الجهوية لمتابعة وتنسيق المشاريع" يترأسها الوالي وتتركب من مديري الإدارات الجهوية التابعة للوزارات بكل ولاية.
تتولى "اللجنة الجهوية لمتابعة وتنسيق المشاريع" القيام بدعوة متساكني المعتمديات المعنية بأي وسيلة كانت، إلى تقديم مقترحات المشاريع التي يرغبون في إنجازها سواء مباشرة لدى اللجنة مقابل وصل تسلم أو عن طريق رسالة مضمونة الوصول أو عن طريق البريد الإلكتروني وذلك في أجل لا يتجاوز شهر من تاريخ الدعوة.
يشترط لقبول مقترح المشروع أن يكون مُمضى من عدد من المتساكنين لا يقل عن 1000 ساكن وأن يكون مرفقًا بدراسة أولية للمشروع تتضمن وصفًا له وتقديرًا لكلفته وطاقته التشغيلية ومردوديته
ويشترط لقبول مقترح المشروع أن يكون مُمضى من عدد من المتساكنين لا يقل عن 1000 ساكن وأن يكون مرفقًا بدراسة أولية للمشروع تتضمن وصفًا له وتقديرًا لكلفته وطاقته التشغيلية ومردوديته عند الاقتضاء.
تتم دراسة مقترحات المشاريع الواردة والمقبولة شكلاً والبت فيها على ضوء: وضع التنمية بالمعتمدية المعنية مع الأخذ بعين الاعتبار المشاريع الموجودة والمخصصة بالجهة، مدى استجابتها لتطلعات المتساكنين ولمتطلبات التنمية بالمعتمدية المعنية وقيمتها المضافة ومدى قابلية إنجازها وكلفتها التقديرية.
اقرأ/ي أيضًا:
صدر بالرائد الرسمي.. مرسوم يعرف الشركات الأهلية ومهامها وشروط بعثها
إنشاء "شركات أهلية" في تونس.. هل تساهم في حل الأزمة؟