24-يونيو-2022
 قيس سعيّد وجهاد أزعور

"جهاد أزعور أخبر في الكواليس أن الصندوق اتخذ "قرارًا سياسيًا" لعقد اتفاق وأنه "لا يمكن ترك تونس" وهذا يعكس أن المحدد كان العامل الجيوسياسي" (صورة خلال لقاء أزعور بسعيّد)

مقال رأي

 

إعلان صندوق النقد الدولي يوم 22 جوان/يونيو الجاري باسم مسؤوله على منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى جهاد أزعور عن "بدء المفاوضات" بينه وبين الحكومة التونسية هو أهم قرار دولي تجاه تونس منذ 25 جويلية/ يوليو 2021، وهو الموقف الفعلي الغربي أي الدول السبع، صانعة القرار في الصندوق، من تونس، ومثلما سأشرح فإن صندوق النقد لم يعلن بدء المفاوضات فقط بل سيتجه لعقد اتفاق.

بعد أشهر طويلة من "مباحثات" و"مشاورات" لم تبلغ مستوى مفاوضات رسمية، ومنذ انتهاء برنامج 2016-2020 قبل استكمال تعهداته وبعد زيارات بعثات صندوق النقد التي سجلت أن الحكومة (وهنا يتعلق الأمر بحكومة يوسف الشاهد) قد خالفت التزاماتها الرسمية بسبب تراجعها أمام ضغط الاتحاد العام التونسي للشغل (المنظمة النقابية).

إعلان صندوق النقد "بدء المفاوضات" بينه وبين الحكومة هو أهم قرار دولي تجاه تونس منذ 25 جويلية 2021 وهو الموقف الفعلي الغربي أي الدول السبع، صانعة القرار في الصندوق، من تونس

وكان إثر ذلك استئناف المشاورات التقنية و"تقدمها" مثلما يعلن ممثلو صندوق النقد الدولي وعلى رأسهم الناطق باسمه جيري رايس، في النقاط الصحفية في 19 ماي/أيار و10 جوان/يونيو 2022، ودعمهم لعدد من "الإصلاحات" في إطار "الانعاش الاقتصادي"، ثم تم تتويج كل ذلك بزيارة مسؤول المنطقة في الصندوق جهاد أزعور إلى تونس في 21 جوان/يونيو الجاري ولقائه بالمسؤولين التونسيين وعلى رأسهم الرئيس قيس سعيّد.

ومن اللافت نشر الرئاسة التونسية بلاغًا يبدي نقدًا ضمنيًا لمنهجية المؤسسات المالية الدولية خاصة من زاوية أن هناك أمور لا تخضع لمنطق "الربح والخسارة" وأن "الذوات البشرية ليست ذوات حسابية".

 

 

قلت إننا لسنا بصدد "بدء مفاوضات" رسمية فحسب بل إننا نتجه إلى عقد اتفاق، ويبقى فقط السؤال متى وليس إن كان سيُعقد الاتفاق، وأهم المؤشرات على ذلك هي التالية:

  • هناك في بيان جهاد أزعور تأطير بالوضع الاستثنائي الدولي في أوكرانيا ثم يشير إلى دعم لـ"برنامج الإصلاحات" الذي أعلنت خطوطه العامة حكومة نجلاء بودن (بطلب من صندوق النقد الدولي بالمناسبة) والذي بلا شك يعكس "فلسفة" برامج التعديل الهيكلي التي تركز على خفض الإنفاق العمومي.. والكلمة الأهم في البيان هي "تملك" إذ صندوق النقد مهتم جدًا أن لا يظهر في وضع من يملي على تونس "الإصلاحات".

غياب ربط بدء المفاوضات بين الصندوق والحكومة بدعم اتحاد الشغل يعكس أن الصندوق يعتبر أن هذه الحكومة غير معنية بالتراجع أمام ضغوطات الاتحاد مثل الحكومات السابقة

  • من أهم الإشارات في البيان، غياب ربط بدء المفاوضات بدعم الاتحاد العام التونسي للشغل وهو الشرط الذي كرره ممثلو الصندوق علنًا خاصة منذ فيفري/شباط 2021. هذا يعكس أن الصندوق يعتبر أن هذه الحكومة غير معنية بالتراجع أمام ضغوطات الاتحاد على الحكومات السابقة، وهذا سيعني أننا سنتجه لصراع مباشر بين الطرفين حول هذا الملف. وهنا سنشهد تواصل ازدواجية خطاب السلطات التونسية بين حكومة منخرطة في توجهات "التعديل الهيكي" وأولوية خفض النفقات العمومية مقابل فسح المجال للقطاع الخاص المحلي والأجنبي، مقابل خطاب الرئيس قيس سعيّد الذي سيحافظ على نبرة اجتماعية ترفع السقف وتراقب ردود الفعل الاجتماعية وربما تنضم للخطاب المعارض للاتحاد إن انفلتت الأمور ويتم تحميل الحكومة وحدها مسؤولية الاحتقان الاجتماعي. 

من المنتظر أن يحافظ خطاب سعيّد على نبرة اجتماعية ترفع السقف وتراقب ردود الفعل الاجتماعية وربما تحمل الحكومة وحدها مسؤولية الاحتقان الاجتماعي إن حصل

  • هناك تجاهل واضح للمسألة السياسية خاصة فيما يخص "الإصلاحات" وهذا لا يعني أنها غير مهمة. الحقيقة جهاد أزعور أخبر في الكواليس الأيام الأخيرة أن الصندوق اتخذ "قرارًا سياسيًا" لعقد اتفاق وأنه "لا يمكن ترك تونس" وهذا يعكس أن المحدد كان العامل الجيوسياسي خاصة عدم تحول تونس إلى مصدر انفلات الهجرة غير المنظمة وأن لا تخرج عن المعسكر الغربي (من ذلك المشاركة في مناورات "الأسد الإفريقي الأخيرة") رغم أن ذلك سيطرح مشكلًا مع الجار الجزائري، خاصة أنه مصدر تونس الأساسي من الغاز، في صيف حار ماديًا وسياسيًا (محطة الاستفتاء) ولا يتحمل انقطاعات مسترسلة في الكهرباء. الواضح أن بعض مانشيتات الصحف الجزائرية (مثل "الشروق" الجزائرية) انطلقت في حملة تعتبر فيها تونس معنية بمحاصرة الجزائر والميل للتطبيع مع إسرائيل. 

 

 

التطورات مع صندوق النقد ستطرح مشكلًا مع الجار الجزائري والواضح أن بعض مانشيتات الصحف الجزائرية انطلقت في حملة تعتبر فيها تونس معنية بمحاصرة الجزائر والميل للتطبيع مع إسرائيل

  •  أخيرًا، وليس آخرًا، كل من صاغ سياساته على تدخل غربي يسقط قيس سعيّد قام بقراءة خاطئة تمامًا. الموقف الغربي سيعتبر خريطة الطريق هي الإطار السياسي الفعلي في البلاد والمعارضة التونسية يجب أن تكون في إطاره، بما في ذلك ضرورة المشاركة في الاستفتاء. وزيارات السفراء الغربيين لهيئة الانتخابات تعكس دعمًا لمسار الاستفتاء، والاتفاق مع الصندوق ربما سيحصل مباشرة بعده. 

 

  •   المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"