تمثل استطلاعات الرأي (التي تختلف عن قيس الجمهور التي موضوعها قيس عدد المشاهدين والمستمعين للبرامج الإذاعية والتلفزيونية) ذات العلاقة بالشأن السياسي والانتخابي سمة أساسية من سمات الحياة الديمقراطية، إذ لا نجد مثل هذه الاستطلاعات في الأنظمة السياسية السلطوية والدكتاتورية لأن السلطة فيها لا يمكن أن تكون موضوعًا للتنافس ولا يمكن للمواطنين فيها أن يكون لهم نوايا للتصويت لغير "الزعيم الأكبر والأوحد والأبدي".
وتكاد تكون تونس الدولة الوحيدة في العالم العربي التي أصبحت فيها لاستطلاعات الرأي أهمية في الحياة السياسية بفضل الحريات السياسية والمدنية التي تسمح للصحافة بإجراء مثل هذه الاستطلاعات حول نوايا التصويت قبل الانتخابات (Intentions de vote) على وجه الخصوص.
اقرأي أيضًا: سلسلة "كيف سننتخب؟": في نزاهة المسار الانتخابي (4/1)
استطلاعات الرأي مؤشر على الحياة الديمقراطية؟
يمثل تكاثر استطلاعات الرأي السياسية والمتصلة بنوايا التصويت أو تلك التي تتعلق بثقة التونسيين في السياسيين على وجه الخصوص مؤشرًا جدّيًا على الحريات المتاحة للتعبير. وهي تجسيد لفكرة أن التونسيين لا يعتقدون أن ثمة زعيمًا موهوبًا وموعودًا يُنتظر منهم التعبير له عن إيمانهم به.
في المقابل، يمكن أن تظهر استطلاعات الرأي السياسية، على الأقل نظريًا، أغلبية ما تنوي التصويت لهذا المرشح أو ذاك مما يمكن أن يؤثر على نوايا تصويت المترددين نظرًا لأن الناس عادة ما ينساقون وراء الأغلبية من باب "الاستدلال على الحق بالعدد" أو بسبب نمط تفكيري قطيعي. ويسمّى هذا التأثير أيضًا بـ"تأثير المحاكاة" (Band Wagon) بمعنى أن الناس لا يرغبون في الخروج عن رأي الجماعة ولا يتحملون حالة الانتماء إلى الأقلية. والحقيقة أن تأثيرات استطلاعات الرأي على إرادة المواطنين لا تقف عند هذا المستوى، فهناك تأثيرات أخرى يمكن أن تكون لفائدة مرشح ما يقدم على أنه مهزومًا سلفًا أو منبوذًا من المترشحين فينتصر له جزء من الناخبين ويسمّى هذا النوع من التأثير بـ"تأثير المُستضعف" (Underdog Effect).
يمكن أن تظهر استطلاعات الرأي أغلبية ما تنوي التصويت لهذا المرشح أو ذاك مما يمكن أن يؤثر على نوايا تصويت المترددين
لا توجد في الحقيقة دلائل علمية صريحة على تأثير أو عدم تأثير استطلاعات الرأي على إرادة الناخبين، لكن توجد، في المقابل، حجج كثيرة عرضها ناقدو استطلاعات الرأي على غرار مصداقية بعض الطرق لبناء العينة وطريقة طرح الأسئلة والسياق الدلالي الذي تطرح فيه بل وحتى طبيعة الأسئلة نفسها أحيانًا. وكان عالم الاجتماعي بيار بورديو أكثر من انتقد استطلاعات الرأي حتى أنه ذهب إلى القول بإن "الرأي العام غير موجود" (L'opinion publique n'existe pas) وهو عنوان مقالة مشهورة له عن استطلاعات الرأي.
اقرأ/ي أيضًا: هل تتلاعب مؤسسات سبر الآراء بالرأي العام التونسي؟
وما لا يعرفه الناس أن مكاتب استطلاعات الرأي تقوم بتعديل النتائج الخام التي تتحصل عليها وتسمّى هذه العملية بـ"مراجعة النتائج الإجمالية" (Redressement des résultats bruts) لأن بعض أفراد العينة لا يعبرون بكل صراحة عن نواياهم الانتخابية خوفًا من الوصم الاجتماعي مثلًا عندما تكون نية التصويت لفائدة حزب متطرف مثلًا أو لشخصية لا تحظى بالقبول في الميديا .
ولعل المثال الأكثر تدليلًا على هذا الطابع الاصطناعي لعملية الاستطلاع نفسها (لأن الرأي العام ليس ظاهرة يكون الاستطلاع انعكاسًا لها) ما حصل في الانتخابات الأمريكية الأخيرة التي فاز فيها دونالد ترامب إذ أن الأغلبية الساحقة من استطلاعات الرأي كانت تؤكد على فوز هيلاري كلينتون في حين أن بعض الاستطلاعات النادرة جدًا التي كانت تؤكد فوز ترامب. إذ كان يُعتمد على طريقة لتعديل النتائج الخام المتحصل عليها بسبب إحجام بعض المستجوبين عن التصريح بنية تصويتهم لترامب الذي كانت تقدمه الصحافة والميديا "مهرجًا" لا يليق بالشعب الأمريكي وبالديمقراطية الأمريكية.
في فوائد عملية تنظيم نشر نتائج استطلاعات الرأي
رغم غياب أو محدودية الدلائل العلمية الثابتة على التأثيرات العملية المباشرة لاستطلاعات الرأي على الناخبين، أرست الدول الديمقراطية، من باب درء الأخطار الممكنة، آليات لتنظيم استخدامها ووضعت تشريعات وآليات رقابية على المؤسّسات التي تقوم بعمليات استطلاعات الرأي حماية للمسار السياسي السابق للعملية الانتخابية بما في ذلك حملات المرشحين والأحزاب السياسية.
ففي الولايات المتحدة، تنشط مكاتب استطلاع الرأي ضمن جمعية "المجلس الوطني لاستطلاع الرأي" (The National Council on Public Polls /NCPP) وتقوم بدور التنظيم الذاتي للقطاع والمهنة.
أرست الدول الديمقراطية آليات لتنظيم استطلاعات الرأي ووضعت تشريعات وآليات رقابية لحماية المسار السياسي السابق للعملية الانتخابية
وقد وضعت هذه المنظمة ميثاقًا مهنيًا تلتزم به كل المكاتب المنخرطة ضمنها. ومن أهّم المعايير الواردة في هذا الميثاق هي المعلومات التي تلتزم مكاتب استطلاعات الرأي بنشرها للعموم مع كل استطلاع رأي، ومن بينها الجهة التي موّلت الاستطلاع، وتاريخ إجراءه، وطرق إنجازه (بالهاتف أو بطرق أخرى)، وطرق تصميم العينة وحجمها إضافة إلى معلومات أخرى.
وفي بريطانيا، تجمع جمعية مهنية باسم "المجلس البريطاني للتصويت" (British Polling Council) شركات استطلاعات الرأي وتشرف على تنظيم القطاع عبر وضع المعايير المهنية الصارمة، وتقوم بدور أساسي في تفسير طرق عمل هذه المكاتب. ومن الآليات الأساسية التي وضعتها هذه الهيئة المهنية، دليل خاص بالصحفيين لتيسير عملية استغلال استطلاعات الرأي بطريقة شفافة ومهنية. وقد وضعت الهيئة عدة معايير متصلة بنشر استطلاعات الرأي. كما أنشأ البرلمان البريطاني لجنة للبحث في نتائج الميديا الرقمية والاجتماعية على استطلاعات الرأي وما يمكن أن تقوم به الدولة لتنظيم ممارسة استطلاعات الرأي بواسطة هذا النوع من الميديا.
أما في فرنسا، فقد تدخلت الدولة لتنظيم عملية نشر نتائج استطلاعات الرأي ذات العلاقة بالانتخابات عبر إنشاء هيئة عمومية بقانون تراقب هذه العملية وتسمّى "الهيئة الوطنية للاستطلاعات" (Commission nationale des sondages) حتى لا تؤثر هذه الاستطلاعات في القرار الانتخابي الحر للمواطنين المقترعين.
توجد في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا هياكل عمومية تتولى الإشراف على تنظيم عمل مؤسسات سبر الأراء
وتتشكّل هذه الهيئة من قضاة ينتمون إلى دائرة المحاسبات ومحكمة التعقيب إضافة إلى شخصيات مستقلّة مشهود لها بالكفاءة والخبرة في هذا المجال. ومن الإجراءات الأساسية التي قامت الهيئة بوضعها لتنظيم عملية نشر استطلاعات الرأي هو إجبار المكاتب المتخصصة على نشر كل المعلومات عن أي استطلاع للرأي متصل بالشأن الانتخابي وخاصة الجهة التي موّلت الاستطلاع وتاريخ إجراءه والعينة وعدد أفرادها وطرق تصميها وهامش الخطأ.
ويجبر القانون المحدث للهيئة مكاتب استطلاعات الرأي على مد الهيئة بوثيقة تتضمن كل التفاصيل عن استطلاع الرأي يقع نشرها على موقع الهيئة. وفي حال عدم التزام مكاتب استطلاعات الرأي بالأحكام التي وضعتها الهيئة، فهي تتعرض إلى عقوبات مالية يمكن أن تبلغ 75 ألف يورو (أي أكثر من 250 ألف دينار تونسي) ضد كل من يتعمد نشر استطلاع رأي ذي صلة بالشأن الانتخابي دون احترام المعايير التي نصت عليها الهيئة.
وعلى المستوى الدولي، انتظمت مكاتب استطلاعات الرأي في منظمة "ايسومار" (Esomar) المؤسسة منذ عام 1948 التي وضعت المعايير المهنية والأخلاقية التي يجب أن تلتزم بها مكاتب استطلاعات الرأي على وجه الخصوص.
ولا ينتمي أي من مكاتب استطلاعات الرأي السياسية في تونس إلى هذه المنظمة ما يؤكد محدودية انشغال مكات استطلاعات الرأي التونسية بمصداقيتها لأن الانتماء إلى هذه المنظمة مؤشر جيد على المهنية وعلى الالتزام بالمعايير الدولية.
اقرأ/ي أيضًا: الأخبار الكاذبة Fake News.. خطر يهدّد انتخابات 2019
في مخاطر استطلاعات الرأي العام على الناخب التونسي
تتمثل مخاطر استطلاعات الرأي في تونس في إمكانات التلاعب بالمعلومات التي تتضمنها وطرق تقديمها وذلك في غياب قوانين أو آليات تنظيمية ذاتية تنظم عملية نشر استطلاعات الرأي. وفي السياق التونسي حيث لا تزال الثقافة الديمقراطية حديثة، لا يعرف السواد الأعظم من الناس بالضرورة أن استطلاع الرأي ليس سوى صورة فوتوغرافية عن حالة اتجاهات الناس في زمن ما وأن هناك إجراءات منهجية معقدة تستخدم في صناعة استطلاع الرأي تحتم التعامل معه باعتباره مؤشرًا من جملة مؤشرات أخرى.
ولا نجد في تونس قوانين مخصوصة تنظم عملية نشر استطلاعات الرأي أو تنظيمات مهنية وضعت معايير معلومة للجميع حول عملية نشر استطلاعات الرأي. في المقابل، تضمّن قانون الانتخابات أحكامًا بـ"منع بث ونشر نتائج سبر الآراء التي لها صلة مباشرة أو غير مباشرة بالانتخابات والاستفتاء والدراسات والتعاليق الصحفيّة المتعلقة بها عبر مختلف وسائل الإعلام خلال الحملة الانتخابية أو حملة الاستفتاء وخلال فترة الصمت الانتخابي".
تتمثل مخاطر استطلاعات الرأي في تونس في إمكانات التلاعب بالمعلومات التي تتضمنها وطرق تقديمها وذلك في غياب قوانين أو آليات تنظيمية ذاتية
كما أشار الفصل 172 إلى أن هذا المنع يبقى ساريًا إلى حين "صدور قانون ينظم سبر الأراء" الذي لم يصدر بعد، رغم تعالي الأصوات التي تندد بتأثير استطلاعات الرأي مما قد يفسر أن بعض الصحف التي تقوم بنشر نتائج استطلاعات الرأي أصبحت تنشر جذاذة تقنية مرافقة تتضمن عديد المعلومات كتاريخ إنجاز الاستطلاع وحجم العينة وطريقة تصميمها وهامش الخطأ.
كما قامت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري عام 2014 بتحجير بث نتائج سبر الآراء المتعلقة بنوايا التصويت خلال الفترة الانتخابية الرئاسية في دورتيها الأولى والثانية.
ورفضت الغرفة النقابية الوطنية لمؤسسات الدراسات التسويقية واستطلاعات الرأي أحكام هذا القانون، وكان قد أعلن مسؤولو هذه الغرفة في مناسبات عديدة على وضع مدونة سلوك لتنظيم المهنة ذاتيًا، وأيضًا لميثاق شرف بين المهنة والفاعلين السياسيين. وقد وعد مسؤولو هذه الغرفة النقابية حين إعلانها بالقيام بعدة مبادرات تتعلق بشفافية المعايير والمنهجيات المستخدمة، وأيضًا بتدريب الصحفيين على معالجة نتائج استطلاعات الرأي وذلك استنادًا لما هو معمول به في الديمقراطيات العريقة التي أرست آليات تشريعية وتنظيمية أو تنظيمية ذاتية لتأطير استخداماته في المجال السياسي والانتخابي لأن استخدامات استطلاعات في إطار داخلي خاص بالأحزاب وبالفاعلين السياسيين أمر لا يهم الدولة أو الناخبين.
لكن في المحصلة لم يتحقق الشيء الكثير في مجال ترشيد استخدام استطلاعات الرأي في المجال السياسي والانتخابي وفق المعايير الديمقراطية. فلم يضع المهنيون هذا الميثاق الأخلاقي وكذلك آليات للتنظيم الذاتي التي وعدوا بإرسائها. كما لم يصدر مجلس نواب الشعب القانون المنظم لاستطلاعات الرأي الذي يشير إليه القانون الانتخابي.
سلطة استطلاعات الرأي
من المخاطر الممكنة لاستطلاعات الرأي هو تأثيرها المستتر على تنظيم الحياة الديمقراطية لأنها يمكن أن تؤدي إلى استبدال الشرعية الديمقراطية القائمة على الانتخاب بشرعية أخرى. فيتحول إرضاء الجمهور إلى غاية يبحث عنها السياسي والمقياس الذي يقيم به أداؤه، كما تتحول السياسة من إدارة الشأن العام بما يخدم المصلحة العامة إلى إدارة أهواء الجمهور بواسطة إدارة الصورة.
لازالت ظاهرة استطلاعات الرأي العام في تونس محدودة مقارنة بما هي عليه في السياقات الديمقراطية لكن توجد بوادر أولى لما تسمّى سلطة استطلاعات الرأي (sondocratie أو pollocracy) في التقييمات التي يستند إليها التونسي بما في ذلك الصحفي وحتى السياسي على استطلاعات الرأي وذلك كمؤشر من مؤشرات النجاح حتى عندما يكون أداء الحكومة سيئًا. وهذا دليل مخيف على إمكانات استبدال الشرعية الديمقراطية الانتخابية بشرعية استطلاعات الرأي وشرعية الاتصال والصورة.
في مسؤولية الصحافة
لا تزال المعالجة الصحفية لنتائج استطلاعات الرأي (التي تختلف مرة أخرى عن قياس الاستماع والمشاهدة) في أغلبها غير ملتزمة بضرورة إخبار الجمهور بالمعلومات الضرورية التي تسمح لها بفهم دلالات استطلاعات الرأي أي بتعبير آخر الجهات التي موّلت الاستطلاع وحجم العينة وطريقة طرح الأسئلة وتاريخها وهامش الخطأ والأسئلة المطروحة. ولا تزال نتائج استطلاعات الرأي تقدم في كثير من الأحيان على أنها دليل "علمي وموضوعي وموثوق" على شعبية هذا المرشح أو ذاك وليس صورة حينية عن حالة نوايا التصويت استخدمت فيها منهجيات مخصوصة لا تجعل من استطلاع الرأي انعكاسًا طبيعًيا وحقيقيًا للآراء.
يجب أن تؤدي الصحافة دورها في عملية نشر نتائج استطلاعات الرأي عبر الالتزام بشفافية المعطيات وبالمعالجة الصحفية الصارمة لنتائجها
ومن هذا المنظور، يمثل تنظيم عملية نشر استطلاعات الرأي في تونس أمرًا مستعجلًا عبر وضع إطار قانوني أو آليات تنظيم ذاتي مهني يدافع عن إرسائها مهنيو القطاع أنفسهم دفاعًا عن مصداقية مهنتيهم ومسؤوليتها الاجتماعية.
والأهمّ من ذلك كله، يجب أن تؤدي الصحافة دورها في عملية نشر نتائج استطلاعات الرأي عبر الالتزام بشفافية المعطيات وبالمعالجة الصحفية الصارمة لنتائجها حتى لا تتحول بدورها إلى مجرد ناقلة لها، وتصبح استطلاعات الرأي آلية للتلاعب بإرادة الناخبين عبر استخدام نتائج استطلاعات لا تتوفر فيها المعايير الضرورية للشفافية كما وضعتها المهنة نفسها.
ولا بأس من التذكير تداخل المصطلحات المستخدمة في الصحافة التونسية، إذ يتم الخلط بين دراسات قيس الجمهور (mesure d’audience) التي تُعنى بقيس كمّي للمشاهدين والمستمعين واستطلاعات الرأي في حين أن المجالين مختلفين تمامًا كما اشرنا إلى ذلك في بداية التقرير بما في ذلك في مستوى المنهجيات والتكنولوجيات المستخدمة.
ويُلاحظ أيضًا خلطًا بين نوعين مختلفين من استطلاعات الرأي ذات العلاقة بالشأن الانتخابي أي بين استطلاعات نوايا التصويت "les intentions de vote" التي تجرى قبل الاقتراع وبين استطلاعات نتائج التصويت "sondage sortie des urnes" حينما تعلنالقنوات التلفزيونية عن الفائز في الانتخابات الرئاسية أو عن نتائج الانتخابات التشريعية دقائق بعد غلق مكاتب الاقتراع وبالاعتماد على استطلاعات مكاتب متعاونة معها.
وتتسم هذا الاستطلاعات بأنها أقل تعقيدًا في مستوى التنبؤ بالنتائج، ولذلك بنت بعض مكاتب استطلاعات الرأي في تونس مصداقيتها على تطابق تنبؤاتها مع النتائج الرسمية رغم أن هذه المكاتب خرقت بالتعاون مع قنوات تلفزيونية مقتضيات القانون الانتخابي والتعليمات التي أصدرتها هيئتي الانتخابات والاتصال السمعي البصري.
لا تبدو الصحافة التونسية في حالات كثيرة مدركة لدورها في تأهيل الجمهور على التعامل النقدي مع استطلاعات الرأي على غرار ما يحصل في عديد الدول الديمقراطية بنشر الثقافة المنهجية عن استطلاعات الرأي.
من أجل رقابة ديمقراطية على كاتب استطلاعات الرأي
تحيل ممارسة استطلاعات الرأي، في نهاية المطاف، على مفارقة: فهي في من جهة أولى مؤشر على الطابع الديمقراطي للحياة السياسية القائمة على التنافس بين المترشحين الذين يتسابقون بالوسائل الشريفة للحصول على السلطة، وهكذا تقيس استطلاعات الرأي تحولات نوايا التصويت لدى التونسيين فتصبح مصائر المتنافسين المتغيرة يوما بعد يوم بيد التونسيين ما يفقد السياسي البعد المقدس الذي يحظى به في الأنظمة السلطوية.
ولكن من جهة أخرى، لا تخضع ممارسة استطلاعات الرأي إلى أي نوع من الرقابة الديمقراطية سواء كانت عمومية أو ذاتية كما يدل على ذلك غياب قانون ينظم استطلاعات الرأي وغياب معايير مهنية وضعتها المهنة لنفسها لبناء ثقة المواطنين فيها.
ويساهم غياب الرقابة العمومية والذاتية المهنية على استطلاعات الرأي في تعزيز مخاوف التونسيين من التلاعب بالحياة السياسية وفي تعزيز سردية المؤامرة الخفية التي تحاك للتلاعب بإرادة التونسيين. وقد يعزز هذا الغياب أيضًا نزوة التلاعب بهذه الاستطلاعات لدى السياسيين أنفسهم الذين يتعاملون مع استطلاعات الرأي بطريقة انتهازية أي عبر التنديد بها عندما لا تتوافق مع مصالحهم أي عندما لا تبشر بفوزهم والسكوت عنها عندما تعلن قبول التونسيين بهم.
اقرأ/ي أيضًا: