27-نوفمبر-2023
تطور الخطاب السياسي في تونس إزاء القضية الفلسطينية

قراءة في كتاب "تطور الخطاب السياسي في تونس إزاء القضية الفلسطينية من 1920 إلى 1955"

 

"القضية الفلسطينية" ومنذ تفجّرها بداية القرن العشرين شغلت التونسيين بمختلف طبقاتهم الاجتماعية والثقافية وانتماءاتهم الفكرية والسياسية والأيديولوجية،  وتحوّلت إلى مجسّم حي لوجه وضّاء من وجوه الهوية العربية الإسلامية التي ينتمون إليها.

فالتونسيون لا يعتبرون فلسطين جزءًا من مكوّنهم الحضاري والتاريخي  فحسب، بل تحوّلت مع مرور الزمن إلى عنصر من عناصر بنيتهم النفسية الاجتماعية، لا يجادلون في الانتصار إليها وإعلاء صوتها والدفاع عنها أمام كلّ العالم، ولا يخشون في ذلك لومة لائم.

وقد ذهبت أجيال من النخب التونسية بمختلف مشاربها إلى جعل القضية الفلسطينية تيمة أساسية لمشاغلهم الفكرية والإبداعية والسياسية، فهم لا ينقطعون عنها أبدًا دعمًا رمزيًا وأخلاقيًا لمقاومة شعب سلب حقه في العيش على أرضه وفي ظل تاريخه على مرأى وصمت الإنسانية قاطبة.  

من البحوث التونسية الهامة التي تناولت القضية الفلسطينية كتاب "تطور الخطاب السياسي في تونس إزاء القضية الفلسطينية من 1920 إلى 1955" للمؤرخ وأستاذ التاريخ المعاصر بالجامعة التونسية عبد اللطيف الحناشي

وتعتبر الجامعة التونسية من الفضاءات العلمية التي لا تغيب عنها شمس فلسطين بحثًا وتدريسًا واحتفاءً وجدلًا ضدّ النسيان. فعديدة هي التظاهرات والندوات الفكرية والعلمية التي كانت القضية الفلسطينية محورًا لها وشهدتها الكليات والمعاهد العليا التونسية على مرّ تاريخها.

أما من جهة البحوث والأطروحات الجامعية التي تناولت القضية الفلسطينية، فتبدو للمطلع وفيرة ودقيقة ومتعددة المداخل والزوايا فمنها ما تعلق بالسياسات الدولية تجاه القضية أو التناول الاقتصادي للفلسطينيين أو التطرق للمستوى الاجتماعي ضمن مسائل تتعلق بالتهجير والتشريد الذي تعرض له الشعب الفلسطيني أو البنية الديمغرافية الفلسطينية في الداخل والخارج وحق العودة أو على المستوى الثقافي والفني.

ومن هذه البحوث التونسية الهامة، نجد كتاب "تطور الخطاب السياسي في تونس إزاء القضية الفلسطينية من 1920 إلى 1955" الصادر سنة 2006  للدكتور عبد اللطيف الحناشي، أستاذ التاريخ المعاصر بالجامعة التونسية، الذي يشتغل على مجالات بحثية قصية في التاريخ المعاصر أهمها السياسة العقابية في المستعمرات والخطاب السياسي المعاصر في تونس والعالم العربي، وغيرها.

 

صورة

 

  • تأخر الوعي بالقضية الفلسطينية بالبلاد التونسية

كتاب "تطور الخطاب السياسي في تونس إزاء القضية الفلسطينية من 1920 إلى 1955" الذي ورد في 352 صفحة، يحملنا إلى فترة العقود الأخيرة من الاستعمار الفرنسي لتونس زمن حكم الحسينيين للمملكة التونسية، وهو يقدم بأسلوب علمي ممنهج التفاعلات الأولى للتونسيين إزاء ما حدث في فلسطين وقت الانتداب البريطاني وما تلاه من توطين اليهود وتهجير أبناء الأرض والدخول في حروب متقطعة مع الكيان الإسرائيلي وتشكل القضية الفلسطينية.

كتاب "تطور الخطاب السياسي في تونس" يحملنا إلى فترة العقود الأخيرة من الاستعمار الفرنسي لتونس ويقدم بأسلوب علمي ممنهج التفاعلات الأولى للتونسيين إزاء ما حدث في فلسطين وقت الانتداب البريطاني

سعى الكاتب إلى تقسيم الفترة الزمنية التي تخيرها لبحثه إلى قسمين: 

قسم أول من 1920 إلى 1939، أوضح فيه منذ البداية أن الوعي بالقضية الفلسطينية بالبلاد التونسية كان متأخرًا ومحدودًا ولم ينطلق فعليًا إلا بعد أحداث البراق سنة 1929، ومشاركة الشيخ عبد العزيز الثعالبي في مؤتمر القدس سنة 1931 التي كانت تمثل بداية العلاقات الحقيقية بين العالم العربي والحركة الوطنية التونسية، وأيضًا انطلاقًا من تلك اللحظة أصبح الموضوع الفلسطيني نقطة الالتقاء أو الاحتكاك الأساسية بين الصهيونية التي لم يكن لها وجود في تونس قبل ذلك والأقلية اليهودية من جهة وجماعة الدستور والمجتمع الإسلامي التونسي من جهة أخرى.

وأرجع الكاتب تأخر الوعي بالقضية الفلسطينية إلى الرقابة التي كانت تفرضها سلطات الحماية الفرنسية على الصحف الوطنية وعرقلتها لأي تفاعل للتونسيين مع أحداث فلسطين واعتبرت باريس أنّ أيّ نوع من تبادل الأفكار أو الآراء بين الطرفين هو عامل في تعزيز اللحمة بينهما وذلك بالرجوع إلى رد وزير الخارجية الفرنسي على رسالة القنصل العام الفرنسي بفلسطين الذي يطلب فيها السماح للهيئة الإسلامية العليا بتوزيع مطبوعات تناشد سكان المغرب الأقصى وتونس للتبرع بالاموال لترميم مسجد عمر. وقد رفض الوزير الفرنسي ذلك خشية أن يخلق بين المسلمين في شمال إفريقيا والمراكز الدينية في الشرق الأوسط تبادلًا للأفكار وهو "أمر ليس في صالحنا" على حد تعبيره. 

يذكر الكتاب أنّ الوعي بالقضية الفلسطينية في تونس كان متأخرًا ومحدودًا ولم ينطلق فعليًا إلا بعد أحداث البراق سنة 1929 ومشاركة عبد العزيز الثعالبي في مؤتمر القدس سنة 1931 التي مثلت بداية العلاقات الحقيقية بين العالم العربي والحركة الوطنية التونسية

كما يعود تأخر الوعي أيضًا إلى خمول وارتخاء أنشطة الجمعيات والحزب الدستوري وإلى الخلافات التي تشق القوى الوطنية على وجه الخصوص. 


صورة

وأوضح عبد اللطيف الحناشي أن النخب التونسية في ذلك الوقت لم تلتقط بعد الأهداف الأيديولوجية الصهيونية وأبعادها باعتبارها منظومة من الأفكار ذات طابع استئصالي استيطاني تعمل على تحقيق مشروع على حساب شعب آخر هو الشعب الفلسطيني، حتى أنّ بعض نشطاء الحزب الدستوري أبدوا إعجابهم بنشاط وإنجازات الحركة في فلسطين والتي كان يمثلها المندوب السامي البريطاني هربرت صموئيل.

ودومًا ضمن نفس الفترة الزمنية الأولى التي اشتغل حولها هذا الكتاب (1920 ـ 1939)، أوضح الباحث أن عوامل عديدة أدت إلى تحول إدراك النخبة السياسية في البلاد التونسية للقضية الفلسطينية وساعدت بالتالي على بلورة مواقف أعمق وممارسات تأييد أشمل.

من عوامل تمثل النخبة التونسية لخطورة ما يحدث على أرض فلسطين ما بين 1920 و1939 قدّم الكتاب عيّنات من أنشطة الحركة الصهيونية في تونس ومنها أساسًا عمليات تجميع أموال لفائدة الصهاينة في فلسطين وتجاوب اليهود الصهاينة بالبلاد التونسية مع ذلك

ومنها ذكر عوامل داخلية على غرار مسألة تجنّس اليهود التونسيين التي طرحت في مناسبتين مختلفتين، حيث طالب أفراد النخبة من يهود تونس سنة 1909 بضرورة منحهم الجنسية الفرنسية على اعتبار أن المملكة التونسية تعاملهم كذميين وكأجانب. والمناسبة الثانية عند صدور قانون التجنيس من قبل الدولة الفرنسية سنة 1923 والذي أدى إلى ارتفاع عدد المجنسين من اليهود التونسيين الذين تخلوا عن جنسيتهم التونسية إلى 6702 عنصرًا بين سنتي 1924 و1937 وهو أمر استغربه عامة الناس في تونس.

 

 

وقد عارضت النخبة التونسية آنذاك  قانون التجنيس واعتبرته "قضية حياة أو موت" لأنه يمس مباشرة من جوهر الهوية التونسية وخاضت معارك ضد هذا القانون وضد الذين يتجنسون من التونسيين بالجنسية الفرنسية. كما أدت مواقف اليهود التونسيين المطالبة بجعل التعليم في تونس باللغة الفرنسية إلى ردود فعل كثيرة من قبل النخب التونسية.

ومن عوامل تمثل النخبة التونسية لخطورة ما يحدث على أرض فلسطين في تلك الفترة، قدّم الكتاب عيّنات من أنشطة الحركة الصهيونية في تونس ومنها أساسًا عمليات تجميع أموال لفائدة اليهود الصهاينة في فلسطين وتجاوب اليهود الصهاينة بالبلاد التونسية مع ذلك ومع باقي الأحداث التي تأتي من الشرق الأوسط والتي عرفت تضامنًا كبيرًا رفعت خلاله في بعض الأحيان الأعلام الصهيونية.

 

  • الخطاب السياسي والصهيونية

وضمن تدرج زمني يهم التقاط الخطاب السياسي التونسي للقضية الفلسطينية، بيّن الكاتب أن تمييزًا بات واضحًا لدى التونسيين بين اليهود والصهاينة، وتم إطلاق صفة الصهاينة على اليهود الذين يهاجرون إلى فلسطين. 

وقد كتب زعماء الحزبين الدستوريين حول هذا الموضوع مقالات توضيحية عديدة، فالزعيم الحبيب بورقيبة كان من السياسيين العرب القلائل الذين تحدثوا مطولًا وكتبوا مقالات تفسيرية عديدة  حول "الصهيونية اليهودية" وأيضًا عن  "الصهيونية غير اليهودية" و"البعد الديني للأيديولوجيا الصهيونية"، وغير ذلك. 

تطوّر الخطاب السياسي في تونس في ثلاثينات القرن الماضي إلى الحديث عن "الجوهر العنصري للصهيونية" رغم المحاولات العديدة للصهيونية التونسية بتقديم صورة إنسانية وحضارية لمشروع الاستيطان على أرض فلسطين واعتبرها صنفًا من أصناف الاستعمار

وتطوّر الخطاب السياسي التونسي فيما بعد إلى الحديث عن "الجوهر العنصري للصهيونية" رغم المحاولات العديدة للصهيونية التونسية بتقديم صورة إنسانية وحضارية لمشروع الاستيطان على أرض فلسطين واعتبرها صنفًا من أصناف الاستعمار الذي يدعو إلى التفوق الجنسي ويحمل في طياته شر المكيدة إلى عرب فلسطين. 

مع نهاية هذا القسم الأول، أشار الكاتب الباحث الدكتور عبد اللطيف الحناشي إلى المجهودات التي قام بها التونسيون للتصدي للنشاط الصهيوني في ثلاثينات القرن العشرين والذي تجلى في أشكال عديدة كاستدعاء بعض الشخصيات السياسية والفكرية الصهيونية من فلسطين أو من فرنسا أو غيرها من البلدان لإلقاء محاضرات ذات طابع دعائي أو عروض سينمائية مبررة بأشكال مختلفة ما حققه الصهاينة في فلسطين. والهدف من ذلك هو كسب الأنصار وجمع التبرعات لفائدة مشاريعهم الاستيطانية على أرض فلسطين. 

تحدث الكتاب عن المجهودات التي قام بها التونسيون للتصدي للنشاط الصهيوني في ثلاثينات القرن العشرين والذي تجلى في أشكال عديدة كاستدعاء بعض الشخصيات السياسية والفكرية الصهيونية لإلقاء محاضرات ذات طابع دعائي

وقد تابعت النخب الثقافية والسياسية  تلك الزيارات العديدة لشخصيات صهيونية إلى تونس وانخرطوا معهم في نقاشات وحوارات حول أهداف الصهيونية وأبعادها وخلقوا بذلك آليات تصدٍّ للخطاب الدعائي الصهيوني بتونس، ولنا أن نذكر هنا تدخل المناضل الوطني "الطاهر صفر" (1903 ـ 1942) الذي رد بقوة على الداعية الصهيوني الماكر "مويس مسيكه" ضمن لقاء انعقد بالنادي التونسي بداية الثلاثينات.

كما رد بعض المثقفين التونسيين على المقالات التي كتبها الاشتراكيون الديمقراطيون الفرنسيون ذات صلة بالصهيونية.

 

 

  • تطور موقف الخطاب السياسي في تونس من السياسة البريطانية والنشاط الصهيوني

وفي جانب آخر من الموضوع، تناول  الكتاب موضوع تطور موقف الخطاب السياسي في تونس من السياسة البريطانية والنشاط الصهيوني في فلسطين وخصوصًا "وعد بلفور" وخطورته والتنبه إلى موضوع هجرة اليهود من كل أنحاء العالم إلى فلسطين (حوالي 70 ألف إلى حدود بداية الثلاثينات مقابل 750 ألف فلسطيني) ومدى انعكاس ذلك على الأوضاع الديمغرافية والاقتصادية على السكان الأصليين. 

وأظهر مدى الحزم الذي واجهت به النخب التونسية تلك التطورات والذي لم يقلّ صرامة عن الموقف الفلسطيني العام والإدانة الواضحة للسياسة البريطانية المتحالفة مع الصهيونية في فلسطين. وفي هذا الإطار، كتبت النخب السياسية والثقافية عدة مقالات تضامنية وتفسيرية تهم القضية الفلسطينية وكل المستجدات على الميدان.

أظهر الكتاب مدى الحزم الذي واجهت به النخب التونسية التطورات المتعلقة بهجرة اليهود من كل أنحاء العالم إلى فلسطين والذي لم يقلّ صرامة عن الموقف الفلسطيني العام والإدانة الواضحة للسياسة البريطانية المتحالفة مع الصهيونية

الكتاب تطرق أيضًا إلى رؤية الخطاب السياسي في تونس للمشاريع المطروحة قبل فكرة الذهاب إلى تقسيم فلسطين من ذلك "مشروع سوريا الكبرى الأردني"، وهو المشروع الذي عرضته بريطانيا سنة 1937 والمتمثل في ضم القسم العربي من فلسطين إلى شرق الأردن بموافقة ملك الأردن، إلّا أنّ إصدار بريطانيا "للكتاب الأبيض" سنة 1939 نسف هذا المشروع. وقدم الملك عبد الله، ملك الأردن، سنة 1943 مشروعين لتسوية وحل القضية الفلسطينية، بيْد أنّ بريطانيا رفضت مجددًا نظرا لتعارضهما مع استراتيجيتها في المنطقة وسعيها لتأسيس الجامعة العربية اعتمادًا على الحكومة المصرية.

وبهذا الخصوص، كانت ردة فعل السياسيين والمثقفين التونسيين واضحة حيث قدم الحبيب بورقيبة "مذكرة شمال إفريقيا" التي صاغها بنفسه إلى لجنة التحقيق الأنقلوأمريكية التي تشكلت في 10 ديسمبر/كانون الأول 1945 بطلب من بريطانيا للتوفيق بين اليهود والفلسطينيين، وتضمنت مهاجمة للحركة الصهيونية واعتبرها المتسبب الأول لهذه الأزمة وطالبت المذكرة بـ"اقتلاع جذور الصهيونية من قلوب اليهود" وقد تجاهلت اللجنة الوثيقة التونسية، كما تجاهلها العرب والفلسطينيون أنفسهم.


صورة

 

  • حرب 1948 واعتبار الخطاب السياسي التونسي أنّ "تحرر فلسطين يأتي قبل تحرر تونس"

وبعد صدور نتائج التقرير في أفريل/نيسان 1946، الذي أجاز لليهود الهجرة لأرض فلسطين وحق تملك الأرض، أدانته تونس وصدرت عناوين في الصحف من قبيل "طعن العرب في أعز أمانيهم"، "القرار المشؤوم" وأضربت البلاد التونسية بالكامل يوم 10 ماي/أيار 1946 بدعوة من الأحزاب والمنظمات الوطنية، وقد شارك يهود تونس في هذا الإضراب وخاصة يهود مدينة صفاقس. 

اعتبر أغلب التونسيين أنّ الحرب الإسرائيلية العربية سنة 1948 حلّ حاسم بعيدًا عن كذب الدبلوماسية العالمية وأجمع الخطاب السياسي التونسي آنذاك على أنّ تحرر فلسطين هو أمر جوهري يأتي قبل تحرر تونس

ويشير الكتاب إلى أنه، بعد ترحيل أمر القضية الفلسطينية إلى أروقة الأمم المتحدة وتشكيل " لجنة الأونوسكوب " من خارج الأعضاء الدائمين والتي اقترح تقريرها شكلين من التقسيم، صدرت بتونس عدة بيانات حادة نقابية وحزبية أغلبها يتساءل: "كيف يمكن تحرير اليهود من التشرد والآلام، باب حرية شعب آخر القضاء على حقه في الحياة والوجود كبقية الشعوب الأخرى".

أما فيما يتعلق بالحرب الإسرائيلية العربية الأولى في سنة 1948 والتي اعتبرها أغلب التونسيين حلًّا حاسمًا بعيدًا عن كذب الدبلوماسية العالمية، فقد اعتبر الخطاب السياسي التونسي مجملًا أن تحرر فلسطين هو أمر جوهري يأتي قبل تحرر تونس. 

 

  • الهزيمة والخيبة وفتور الخطاب السياسي تجاه القضية

بعد الهزيمة وتأسيس الكيان الإسرائيلي، أصيب التونسيون كغيرهم من العرب بخيبة كبيرة نتيجة ما حصل لفلسطين واعتبروا أن الهزيمة هي نكبة كل العرب وأكدت الصحف التونسية الصادرة في ذلك الوقت على قسوة الحدث والحث على تجاوزه بشتى الطرق الراديكالية المتاحة، وذهب البعض الآخر من النخب التونسية إلى ضرورة تجمع العرب من جديد وتوحيد قواه السياسية الداخلية من أجل تجاوز الهزيمة وأيضًا ضرورة مراجعة العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية مع الغرب المتصهين. 

بعد الهزيمة وتأسيس الكيان الإسرائيلي أصيب التونسيون بخيبة كبيرة نتيجة ما حصل لفلسطين.. تلا ذلك فتور في الخطاب السياسي تجاه القضية الفلسطينية" وبداية "الغزل" مع الحركة الصهيونية في الفترة الممتدة من 1948 إلى 1955

وذهب هذا الكتاب البحثي للدكتور عبد اللطيف الحناشي إلى "فتور الخطاب السياسي في تونس تجاه القضية الفلسطينية" وبداية "الغزل" مع الحركة الصهيونية في الفترة الممتدة من 1948 إلى 1955. 

وانطلق هذا القسم من الكتاب من حادثة الكتابة على بعض جدران العاصمة تنادي بقيام دولة اليهود على أرض فلسطين الكبرى وأخرى تطالب بفتح أبواب فلسطين لهجرة اليهود وتمكينهم من دولة.

كما أخذت بعض الأطراف الصهيونية بتونس توزع منشورات داخل العاصمة وخارجها تتضمن مطالب الحركة الصهيونية في فلسطين. وتكثفت الأنشطة التي كانت تقوم بها جمعيات يهودية تونسية صهيونية منها ما هو كشفي وثقافي ويعود ريعها لصالح المشروع الصهيوني. 

ورُفع العلم الصهيوني بكل جرأة في المحلات التجارية وتظاهر الشباب الصهيوني بالمدن الداخلية مناديًا بحياة دولة إسرائيل ورئيسها دايفد بن غريون، والشروع في الهجرة السرية إلى "إسرائيل" بمساعدة المستعمر الفرنسي. وفي نفس الوقت تزايدت أنشطة جهاز الموساد الذي عمل على تسهيل تهجير حوالي 15 ألف يهودي تونسي إلى إسرائيل، كما قام بتنظيم خلايا مسلحة للدفاع الذاتي بالأحياء اليهودية بالمدن التونسية. 

وبهذا الخصوص، اعتبرت النخب السياسية والثقافية التونسية أن التقاءً موضوعيًا حصل بشكل واضح بين الحركة الصهيونية وإدارة الحماية الفرنسية بتونس، وذلك من أجل تشتيت رؤى الحركة الوطنية التونسية.

إن كتاب "تطوّر الخطاب السياسي في تونس إزاء القضية الفلسطينية من 1920 إلى 1955" للدكتور عبد اللطيف الحناشي يقدم سردًا كرونولوجيًا لتماسّ التونسيين بالقضية الفلسطينية التي تحولت إلى قضيتهم الأساسية والجوهرية لأنها قضية حق مسلوب تتوارثه الأجيال التونسية مع مرور الزمن.