10-أكتوبر-2018

من المنتظر أن تبلغ ميزانية 2019 في تونس 40.6 مليار دينار (أنيس ميلي/أ.ف.ب)

يعتبر قانون المالية لسنة 2018 من أكثر قوانين المالية، في السنوات الأخيرة، التي أثارت جدلًا بسبب حجم الضرائب التي تضمنها سواء على المواطن أو المؤسسات الاقتصادية، قانون يقول خبراء إنه ساهم بشكل كبير في تراجع القدرة الشرائية للمواطن بأكثر من 20 في المائة حتى أن البعض أطلق لفظ "ميزانية جبائية" على ميزانية 2018.

يعتبر قانون المالية لسنة 2018 من أكثر قوانين المالية التي أثارت جدلًا بسبب حجم الضرائب التي تضمنها سواء على المواطن أو المؤسسات الاقتصادية

وكانت أهم إجراءات هذا القانون الترفيع في الأداء على القيمة المضافة للسيارات الشعبية والتي انتقلت من 12 إلى 19 في المائة، إضافة إلى الترفيع في الأداء على القيمة المضافة بجميع أصنافها بنقطة من 18 بالمائة إلى 19 في المائة.

ولّد هذا الضغط الجبائي، الذي وصل إلى ما يقارب 23 في المائة، حالة من الاحتقان في صفوف المواطنين التونسيين، وخرج رئيس الحكومة يوسف الشاهد لتهدئة الأجواء حينها قائلًا بإن "سنة 2018 ستكون آخر سنة صعبة تمر على التونسيين"، وكان هذا التصريح في علاقة مباشرة بما جاء به قانون المالية لسنة 2018.

اقرأ/ي أيضًا: أهم الإجراءات الواردة في مشروع قانون المالية 2019

اليوم وبمناسبة وضع اللمسات الأخيرة وتثبيت التوجهات الرئيسة لقانون المالية الجديد، يقفز سؤال في وسط كل هذه التفاصيل، هل سيتم التخفيض في الضغط الجبائي على المواطن؟ وهل سيفي رئيس الحكومة بوعوده؟

يواجه قانون المالية لسنة 2019 عديد المطبات بداية بالعجز الذي تعاني منه ميزانية الدولة والذي انتقل من 7 في المائة سنة 2016 ليصل إلى 4.9 في المائة سنة 2018، وهي نسبة لا تزال تعتبر خطيرة، فلا يزال الاقتصاد التونسي في منطقة لا يمكن من خلالها الحديث عن تعاف للمالية العمومية.

من جهة أخرى، يواجه الاقتصاد التونسي مشاكل ضخمة تتمثل في التراجع الحاد للدينار التونسي، والذي فقد أكثر من 30 في المائة من قيمته منذ بداية 2018، مع ارتفاع صاروخي لنسبة التضخم والتي وصلت في بعض الأحيان إلى نسبة 7.8 بالمائة، وذلك بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الديون الخارجية من الناتج الداخلي الخام التي بلغت 70 في المائة.

يواجه الاقتصاد التونسي مشاكل ضخمة تتمثل في التراجع الحاد للدينار التونسي، والذي فقد أكثر من 30 في المائة من قيمته منذ بداية 2018

في مواجهة هذه الأعباء، تحدث رئيس الحكومة يوسف الشاهد في افتتاح الندوة الوطنية حول التوجهات الاقتصادية والاجتماعية لمشروع قانون المالية لسنة 2019 ليؤكد أن قانون المالية الجديد لن يتضمن ضرائب جديدة على المؤسسات والأفراد، مع توجه نحو المحافظة على نسبة الضغط الجبائي التي تعادل 23 في المائة.

يعلّق الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان في تصريح لـ"الترا تونس"، قائلًا: "لقد تمكن قانون المالية لسنة 2018 من خنق المؤسسة والمواطن، ارتفاع كبير في الضغط الجبائي وارتفاع في الأداء على القيمة المضافة مع زيادة في سعر الدينار وارتفاع في سعر الفائدة مع البنوك من خلال الترفيع في نسبة الفائدة المديرية". قد لا يتم الترفيع في نسبة الضرائب سنة 2019 لكن قانون المالية لسنة 2018 أضر بالقدرة الشرائية للمواطن وأنهك المؤسسة الاقتصادية وضرب تنافسيتها.

وأكد سعيدان، في ذات الإطار، تعليقًا على عدم الترفيع في الضرائب أن ذلك ليس بالجيد لأن الدولة قد وصلت إلى قمة هرم الجباية ولا تستطيع فرض ضرائب جديدة.

وكان قد ساهم قانون المالية لسنة 2018 في الرفع من الأداء على القيمة المضافة الذي تسبب في ركود مخيف لقطاع العقارات، فحوالي أكثر من 70 ألف شقة شاغرة وثلثي العقارات التي يتم بناؤها لا يتم بيعها، كما أن ديون الباعثين العقاريين لدى البنوك قد وصلت إلى أكثر من 5.4 مليار دينار ما ينبئ بكارثة قد تتسبب في إفلاس بعض الباعثين العقاريين ومن ورائهم البنوك.

عزالدين سعيدان (خبير اقتصادي): قانون المالية لسنة 2018 خنق المواطن والمؤسسة وسبب ارتفاعًا كبيرًا في الضغط الجبائي

ساهم الضغط الجبائي المتواصل منذ الثورة وفي نسق تصاعدي من سنة إلى أخرى في تدمير الكثير من القطاعات الصغيرة التي توفر مواطن شغل عديدة وتعطي قيمة مضافة للاقتصاد مثل قطاع المواصلات على غرار "التاكسي" و"اللواج".

محمد (53 سنة)، أب لثلاثة أبناء يقطن بحي ابن سينا ويعمل كسائق لسيارة تاكسي على ملك شخص آخر، يقول إنه أصبح يشعر بالقلق عندما تقترب نهاية السنة خوفًا من ضرائب جديدة، ويضيف في حديثه لنا: "لقد اضطررت إلى بيع سيارتي والاشتغال كسائق بسبب الارتفاع المشط في أسعار الوقود، وسعر السيارات، ومعاليم الجولان، وأيضًا معاليم التأمين. فلم أعد قادرًا على تأمين كل ذلك فاضطررت إلى بيع سيارتي".

اقرأ/ي أيضًا: المؤشر العربي 2017/2018: أغلب الأسر التونسية تواجه صعوبات في تغطية احتياجاتها

يوفر قطاع التاكسي الفردي أكثر من 35 ألف موطن شغل، لكن وحسب محدثنا محمد بات أصحاب التاكسي الفردي أو العاملون في هذا القطاع ينتمون إلى الطبقات الفقيرة بعد أن كانوا ميسورين في سنوات سابقة.

يقول محمد: "قبل هذه السنوات العجاف، كان أصحاب التاكسي الفردي ينتمون إلى الطبقات المتوسطة العليا، اليوم يبلغ مدخول التاكسي الفردي ما بين 130 و150 دينار يوميًا، ثلث المبلغ هو أجر السائق والبقية موزعة بين معاليم جولان وصيانة شهرية ووقود فلا يبقى لصاحب التاكسي غير مبلغ بسيط". لا تجد هذه الطبقات مكانها بين أرقام قانون المالية الجديد ولا ضمن توجهاته العامة، كما لا يجد التهرب الضريبي إجراءات حقيقية لمقاومته في القانون الجديد، هكذا يقول العديد من المراقبين.

محمد (سائق تاكسي): لم أعد قادرًا على تأمين مصاريف السيارة من صيانة ومعاليم فاضطررت لبيعها والاشتغال كسائق لدى شخص آخر

ويعتبر التباين بين نفقات الدولة ونسبة النمو من أهم أسباب الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تونس، ففي سنة 2010 كانت ميزانية الدولة تعادل 27 مليار دينار فيما وصلت في قانون المالية الجديد لسنة 2019 وحسب التسريبات إلى 40.6 مليار دينار بعد أن كانت في سنة 2018 ما يقارب 36 مليار دينار.

يعتقد الخبير عزالدين سعيدان أن ما يحصل اليوم "خطير" ويؤكد في حديثه لـ"الترا تونس" قائلًا: "ترتفع نفقات الدولة بنسبة 10 في المائة سنويًا فيما تسجل تونس نسبة نمو لا تتعدى 2 في المائة هذا طبعًا إن سلمنا بأن نسبة النمو صحيحة. في سنة 2010، تمثل الميزانية 27 في المائة من الناتج الداخلي الخام فيما أصبحت تمثل الميزانية في 2019، 33 في المائة من هذا الناتج وهو ما يعني تغول الدولة على حساب المؤسسة الاقتصادية والمواطن وأيضًا سيطرة من الدولة على السيولة في السوق".

تتضمن الميزانية المنتظرة زيادة بـ4 مليار دينار يقع تمويلها بالديون الخارجية، وذلك في ميزانية لم تتغير تركيبتها بل إن كتلة الأجور قد ارتفعت لتصل في 2019 ما يقارب 16.5 مليار دينار وهو ما يمثل 45 في المائة من مجموع الميزانية، و14 في المائة من الناتج الداخلي الخام. وهي نسبة مرتفعة جدا تجعل هامش التحرك في الميزانية ضعيفا جدًا، حسب تأكيد الخبير الاقتصادي.

من المنتظر أن تبلغ ميزانية 2019 في تونس 40.6 مليار دينار بارتفاع بنسبة 10 في المائة مقارنة بميزانية 2018

بالنهاية، لسائل أن يسأل هل هناك مؤشرات لبعض الانفراج الاقتصادي؟  فلا تزال تلقي الأزمة بظلالها على مدى المنظور القريب على الأقل، وذلك في ظل تراجع جل القطاعات المركزية للاقتصاد التونسي، وارتفاع نسبة التضخم مع انهيار للدينار التونسي. كما لا تزال تتصاعد المطالب الاجتماعية التي تنفجر بين الحين والآخر، مع عدم الاستقرار السياسي، وهو ما يصعّب بالتتابع الانفراج الاقتصادي المنشود.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تونس: هبات ضخمة.. وتأخر إنجاز المشاريع المتفق عليها مع المانحين!

"ويني فلوس السياحة؟".. سؤال طرحه الشاذلي العياري لا حسم في إجابته