قبل حوالي أسبوعيْن من كلّ مونديال يعلن مدربو المنتخبات المترشحة عن القائمة النهائية للاعبين المؤهلين للمشاركة في كأس العالم.
يحاول الإطار الفنّي في تونس من خلال بعض الندوات الصحفية والحوارات المختارة بأسلوب لا يخلو من "التمييز الإعلامي" إظهار العدل والنزاهة في تخيّر أفضل اللاعبين فنيًّا والأنسب تكتيكيًا والأكثر جاهزيّة على المستوى البدنيّ، لكنه يظلّ في كلّ الأحوال عرضة للتشكيك والانتقادات، فتطاله نبال نقديّة تصفه بالجهل وسوء التدبير وتنعته بالافتقار إلى الحنكة الكروية والنزعة والموضوعية. وقد تنحو هذه المواقف الحادّة منحى أخلاقيًّا فيوصف المدرّب بالظلم والمحاباة والسمسرة والخضوع إلى الابتزاز.
يحاول الإطار الفنّي في تونس إظهار العدل والنزاهة في تخيّر أفضل اللاعبين فنيًّا والأنسب تكتيكيًا والأكثر جاهزية على المستوى البدنيّ، لكنه يظل في كل الأحوال عرضة للتشكيك والانتقادات
هذه التوصيفات الخطيرة والعناوين المثيرة يعزّ الحسم فيها وقد دخلت الانتقادات منعرجًا بات فيه التعصّب مفضوحًا والسمسرة مكشوفة والجهوية معلنة والانتماءات الضيقة تصدع برأيها وتأمر وتنذر وتتوعد.
في هذا المشهد الذي بلغ منتهى التوتر، ارتأينا النظر في قائمات المنتخب التونسي من مونديال الأرجنتين إلى مونديال قطر 2022 باعتماد الجرد والإحصاء والمقارنة وحاولنا وصل هذه المعطيات بالحصيلة التي عاد بها نسور قرطاج في نهاية كلّ مشاركة علّ ذلك يساعدنا في الكشف عن العلل المزمنة أو الطارئة في انتخاب اللاعبين المشاركين في المونديال.
- من الاستقرار إلى القلق والتذبذب
لا بدّ أن نعترف أن كرة القدم مجال إنسانيّ شديد التداخل والتعقيد، فرغم انفتاحه على عوالم الإحصائيات والتقنيات الحديثة في الموازنة بين اللاعبين تظل هوامش الوقوع في الخطأ ممكنة بل مباحة ما لم تكن مكشوفة مفضوحة، فتعليل الاختيار بين لاعبين متقاربين فنيًّا يجوز قبوله في الغالب أمّا التطاول على ثوابت الفريق وركائزه فهو من الأخطاء الجسيمة التي لا تقبل الغفران وتنذر في المباريات الرسمية بالضعف والخسران، فلكل مجموعة نخبة من اللاعبين تمثل نواة الفريق الصلبة التي لا غنى عنها، فثورة الشكّ التي ما انفكت تندلع قبيل كلّ مونديال ما كانت لتطال في 1978 على سبيل المثال النايلي وطارق ذياب وغميض وتميم والعقربي وغيرهم من نسور قرطاج الذين حلقوا عاليًا في مونديال الأرجنتين.
تعليل الاختيار بين لاعبين متقاربين فنيًّا يجوز قبوله في الغالب أما التطاول على ثوابت الفريق وركائزه فهو من الأخطاء الجسيمة التي لا تقبل الغفران وتنذر في المباريات الرسمية بالضعف والخسران
في تلك المسابقة دعا الشتالي إلى المنتخب 22 لاعبًا شارك منهم على الميدان خلال ثلاث مباريات 14 فقط ثلاثة من النادي الرياضي الصفاقسي (المختار ذويب وحمادي العقربي ومحمد علي عقيد) واثنان من النادي الإفريقي (مختار النايلي ونجيب غميض) ومثلهما من الترجي الرياضي التونسي (تميم الحزامي وطارق ذياب) ومن النجم الساحلي (صالح القروي ورؤوف بن عزيزة) وواحد من النادي البنزرتي (خالد القاسمي) ومثله من الأولمبي للنقل (علي الكعبي) ومن الملعب التونسي (محسن الجندوبي) ومن مستقبل المرسى (عمر الجبالي) ومن الشبيبة القيروانية (خميس العبيدي).
التعويل على 14 لاعبًا في ثلاث مباريات يؤكد ميل الشتالي إلى الاستقرار في التشكيلة، فلا تراه يلجأ إلى التغيير إلا في حالات نادرة، لكن هذا الميل قد يرجع إلى أسباب موضوعية وعلمية يعبر عنها في أسلوب حكمي بالقول "لا نغير فريقًا رابحًا" وهو ترجمة لمثل فرنسي نصّه On ne change pas une équipe qui gagne، فهل كان الشتالي في حاجة إلى التغيير وقد أكرمته الأجواء المستقرة والانتصار المقنع في المباراة الأولى ضد المكسيك والتعادل الباهر في مواجهة ألمانيا الغربية صاحبة كأس العالم في نسخة 1974، وكيف لا يشعر بالثبات والاستقرار وقد فضّ مشكلة تعويض عتوقة (الصادق ساسي) بحكمة رغم تدخّل مرسول من رئيس الجمهورية الحبيب بورقيبة مستفسرًا خشية رد فعل الجماهير حسب بعض الأصداء، ولقد كانت للشتالي الحجة الأوضح والأقوى آنذاك التي دفعته دفعًا للتعويل على مختار النايلي عوضًا عن عتوقة وكلاهما من نفس الفريق، وهي سابقة لم تتكرر إلى الآن كأن يكون الحارس الأساسي ومعوضه من نفس النادي.
لكل مجموعة نخبة من اللاعبين تمثل نواة الفريق الصلبة التي لا غنى عنها، فثورة الشكّ التي ما انفكت تندلع قبيل كل مونديال ما كانت لتطال في 1978 على سبيل المثال النايلي وذياب والعقربي
تتأكّد سمة الاستقرار في تشكيلة الشتالي من خلال المقارنة مع بقية المشاركات ففي فرنسا 1998 وكوريا واليابان وألمانيا وروسيا تخطّى عدد اللاعبين الذين تمّ التعويل عليهم في الدور الأول من كلّ مشاركة السبعة عشر مع المدربين هنري كاسبارجاك وعمار السويح ولومار ونبيل معلول، وقد يرجع الأمر إمّا إلى النتائج المخيبة في بداية كلّ مشاركة أو إلى سياسة الإرضاء والخضوع إلى صوت الجمهور، وهو أمر يمكن التحقق منه من خلال الفقرة الموالية.
- من تعدّد روافد المنتخب إلى نفوذ النجم والترجي ثمّ هيمنة المحترفين
في نهاية العشرية الأخيرة للقرن العشرين تراجع النادي الإفريقي من حيث النتائج فتركز الصراع بين النجم الساحلي والترجي الرياضي، هذا الصراع تردّد صداه في المنتخب الوطني، فقد دعا هنري كاسبارجاك في مونديال فرنسا 1998 إلى المنتخب 22 لاعبًا، 9 من النجم الساحلي و6 من الترجي أي بنسبة 68، أمّا على الميدان فقد تمّ التعويل في ملاقاة إنجلترا وكولميا ورومانيا على 18 لاعبًا ثمانية من النجم الساحلي (منير بوقديدة، جوزي كلايتون، فريد شوشان، قيس الغضبان، رياض البوعزيزي، زبير بيّة، رياض الجلاصي، عماد بن يونس) وخمسة من الترجي (شكري الواعر، خالد بدرة، طارق ثابت، سراج الدين الشيحي، فيصل بن أحمد) و ثلاثة من النادي الصفاقسي (حاتم الطرابلسي، سامي الطرابلسي، اسكندر السويح) واثنين من المحترفين (عادل السليمي ومهدي بن سليمان)، ولم تضمّ هذه القائمة أيًّا من اللاعبين الناشطين في النادي الإفريقي آنذاك.
في نهاية القرن الـ20 تراجع النادي الإفريقي من حيث النتائج فتركز الصراع بين الترجي والنجم الساحلي وتردّد صداه في المنتخب الوطني،ففي مونديال 1998 لم تضم قائمة المنتخب أيًا من لاعبي الإفريقي
سنة 2002 في كوريا واليابان عوّل المدرب عمار السويح على 17 لاعبًا في مواجهة اليابان وروسيا وبلجيكا، في هذه المجموعة تواصل غياب لاعبي النادي الإفريقي، وواصل النجم والترجي اقتسام المناصب في ما يشبه المحاصصة، أربعة من فريق باب سويقة (راضي الجعايدي، خالد بدرة، مراد المالكي علي الزيتوني) وخمسة من لاعبي النجم (جوزي كلايتون، محمد المكشر، قيس الغضبان، رياض البوعزيزي) واتسع نفوذ المحترفين (بومنيجل، حاتم الطرابلسي، زبير بية، رضوان بوزيان، حسان القابسي، عادل السليمي، سليم بن عاشور، عماد المهذبي) ليدرك حوالي خمسين بالمائة من المشاركين في المباريات التمهيدية الثلاث.
سنة 2006 أعرض روجي لومار عن البطولة التونسيّة إعراضًا يكاد يكون مطلقًا، وأصبح الولوج إلى المنتخب لا يكون إلا من وراء البحار، فقد عوّل المدرب الفرنسي على 17 لاعبًا محترفًا من 19 عشر تمّ إقحامهم ضد السعودية وإسبانيا وأوكرانيا واقتصر على لاعبين فقط ينشطان في البطولة التونسية هم الحارس بومنيجل (الذي دخل هو بدوره إلى المنتخب من بوابة الاحتراف ثم انتقل إلى النادي الإفريقي) ومتوسط ميدان النجم الساحلي ياسين الشيخاوي ( قبل أن يحترف).
سنة 2018 في روسيا واصل نبيل معلول المراهنة على المحترفين فدعا 17 لاعبًا من 23 بنسبة تخطّت 73 بالمائة، الأخطر من ذلك هو أنه قد فتح الباب على مصراعيه للمحترفين التونسيين في مصر والخليج، فضمت القائمة لأوّل مرة ثلاثة حراس مرمى ينشطون خارج البطولة التونسية (أيمن المثلوثي وفاروق بن مصطفي في السعودية ومعز حسن في فرنسا) ولم يتخطّ عدد اللاعبين المدعوين من الناشطين في البطولة التونسية الستة (رامي البدوي من النجم وياسين مرياح من النادي الصفاقسي وغيلان الشعلالي وأنيس البدري من الترجي وأحمد خليل وصابر خليفة من النادي الإفريقي).
- من شبان الشتالي إلى شيوخ القادري
لم يتخطّ معدّل أعمار اللاعبين الذين دعاهم الشتالي 25 سنة وكان أصغرهم المدافع عمر الجبالي 21 سنة، في المقابل بلغ معدّل أعمار قائمة جلال القادري التي أعلن عنها يوم 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 حوالي 29 سنة (28.92). أكثر من 26 بالمائة منهم تجاوزوا سن الثلاثين، وكان متوسط أعمار المنتخب التونسي في مونديال روسيا 26.8 في حين بلغ معدل أعمار المنتخب الفرنسي الحائز على كأس العالم 2018 في نفس المسابقة 26.4.
لم يتخطّ معدّل أعمار اللاعبين الذين دعاهم الشتالي 25 سنة وكان أصغرهم المدافع عمر الجبالي 21 سنة، في المقابل بلغ معدّل أعمار قائمة القادري حوالي 29 سنة
قد تتغير هذه المعدلات من خلال التشكيلة النهائية التي سيعتمدها القادري في المباريات الرسمية لكن في كلّ الأحوال ستظل مرتفعة لأن ركائز الفريق يسيرون نحو التهرم وفق المعايير الدولية التي تعتبر عمر 26 هو المعدل الذهبي للعطاء، نقصد في هذا المقام نعيم السليتي ويوسف المساكني ووهبي الخزري وعلي معلول وفرجاني ساسي الذين تخطوا الثلاثين.
يمكن الاهتداء من خلال هذا العرض الإحصائيّ والتحليلي إلى ثلاث نتائج:
الأولى مفادها أنّ تفوّق جيل 78 على بقية أجيال المونديال لم يكن وليد الصدفة إنما تبرره أسباب موضوعية وعلمية تجلت خاصّة في قوة المنافسة في البطولة التونسية آنذاك فضلًا عن مراهنة الشتالي على الانسجام والتوازن وتمسكه بالعدل والموضوعية وقوة الشخصية.
النتيجة الثانية مدارها على أن المنتخب لم يتخلّص منذ 1998 من قوى الضغط سواء من الأندية أو من المحترفين، وها هو الآن يخضع إلى ضرب جديد من التأثير تتزعمه مواقع التواصل الاجتماعي ويقوده عدد من اللاعبين القدامى الذين تحولوا إلى ألسنة تعصّب معلن في بعض البرامج الحوارية، هذا فضلًا عمّا يتم تداوله من تدخّل رئيس الجامعة التونسية لكرة القدم في ضبط التشكيلة وفق تلميحات وتصريحات تأتي من هنا وهناك.
ثالثًا لا بدّ من الاعتراف بأنّ الجانب المالي والتسويقي قد بات عنصرًا مساهمًا في تحديد تشكيلة المنتخب واللاعبين الذين تقع دعوتهم إلى المونديال وهو أمر يتخطّى مجرّد الخلافات الفنية والتكتيكية ليلامس أحد ملفات الفساد الماليّ.
- جدول أعمار اللاعبين الذين دعاهم جلال القادري
فوق 29 سنة (11 لاعبًا) |
فوق 27 سنة (8 + 11 فوق 29) |
بين 20 و26 سنة (7) |
أيمن البلبولي 14 سبتمبر 1984= 38 بشير بن سعيد 29 نوفمبر 1994= 29 بلال العيفة 9 مارس 1990= 32 علي معلول 1 يناير 1990= 33 سيف الدين الجزيري 12 فيفري 1993 = 29 ياسين الخنيسي 21 جوان 1992 عصام الجبالي 25 ديسمبر 1991 = 31 وهبي الخزري مواليد 8 فيفري1991 = 31/32 يوسف المساكني 28 أكتوبر 1990 = 32 نعيم السليتي 27 جويلية 1992= 30 فرجاني ساسي 18 مارس 1992= 30 |
معز حسن 5 مارس 1995= 27 محمد دراغر 25 جوان 1996= 27 وجدي كشريدة 5 نوفمبر 1995= 27 ديلان برون 9 جوان 1995 =27 ياسين مرياح 2 جويلية 1993 = 27 نادر الغندري 18 فيفري 1995= 27 غيلان الشعلالي 1994= 27 علي العابدي 20 ديسمبر 1993= 27= |
أيمن دحمان جانفي 1997= 25 منتصر الطالبي 26 ماي 1998= 25 إلياس الصخيري 10 ماي 1995= 25 عيسى العيدوني 13 ديسمبر 1996= 26 محمد علي بن رمضان 6 سبتمبر 1999= 24 أنيس بن سليمان 16 مارس 2001 = 22 حنبعل المجبري 21 جانفي 2003 = 20
|