لم يسلم أي قطاع من تأثيرات انتشار فيروس كورونا مؤخرًا في تونس وحول العالم. وقد نقل الإعلام المحلي والأجنبي التداعيات، التي كانت معظمها سلبية، على الأقل في مرحلة الانتشار الأولى للفيروس. وركز الإعلام في تونس وخارجها على مدى صحة المعلومات المتداولة حول الفيروس والمرض الذي يسببه وعلى دوره في التصدي للأخبار الزائفة حول الوباء، إضافة إلى تعداد أرقام الوفيات والإصابات وتوزعها.
لكن القطاع الأكثر حديثًا عن الفيروس (الإعلام) لم يذكر ما خلّفه هذا الأخير من تداعيات عليه. في هذا التقرير، نتعرض لبعض هذه التداعيات والتي قد يكون جزءًا منها عابر بينما يمثل الجزء الآخر نقطة تحوّل وتغيير في عالم الميديا بشكل عام تونسيًا وعالميًا.
1 ـ ندوات صحفية دون صحفيين.. إنها تقنية video conferencing
بسبب انتشار فيروس كورونا ودعوة المسؤولين والمختصين في مجال الصحة العامة في مختلف الدول إلى تجنب الاكتظاظ في أماكن مغلقة وتفضيل العمل من البيت إن كان متاحًا، تغيّر شكل عدد مهم من الندوات الصحفية، التي عقدت خلال الأسبوع الأخير حول العالم، إذ اعتمدت على تقنية الفيديو video conferencing.
تغيّر شكل عدد مهم من الندوات الصحفية، التي عقدت خلال الأسبوع الأخير حول العالم، إذ اعتمدت على تقنية الفيديو video conferencing
في تونس، اعتمدت وزارة الشؤون المحلية هذه التقنية في آخر ندواتها الصحفية، والتي عقدت الأربعاء 25 مارس/ آذار 2020، وكانت بذلك سباقة على المستوى الحكومي في هذا السياق. في المقابل، لا تزال الندوات الصحفية لوزارة الصحة مثلًا، وهي ندوات يومية لمتابعة تطورات انتشار الفيروس في تونس، تُجرى بحضور عدد كبير من الصحفيين والحضور الآخرين وكانت في بداياتها تُعقد في مساحات مغلقة ثم انتقلت إلى مكان مفتوح لكن لا تزال تحتضن عددًا من الأشخاص المتقاربين غالبًا في الأماكن، على عكس توصيات منظمة الصحة العالمية ومعظم المختصين في المجال الصحي في ظل الوضع الوبائي الحالي.
عالميًا، من أبرز الندوات الصحفية التي اعتمدت هذه الطريقة، ندوات الحكومة البريطانية المخصصة لتوضيح تطورات انتشار فيروس كورونا والقرارات للحد من ذلك، وكان ذلك منذ يوم الثلاثاء 24 مارس/ آذار الجاري، وكانت ندوة ذلك اليوم الأولى في تاريخ الحكومة البريطانية التي تجرى دون حضور أي صحفي في مقر الحكومة إذ شارك الصحفيون وطرحوا أسئلتهم عبر تقنية الفيديو.
2 ـ في تونس.. النقابة تدعو الصحفيين لمتابعة جلسات البرلمان عبر البث المباشر
في تونس، وجهت نقابة الصحفيين ومصالح الإعلام والاتصال بمجلس نواب الشعب دعوة للصحفيين لمتابعة الجلسة العامة ليوم الخميس 26 مارس/ آذار 2020 عبر البث المباشر الذي تؤمّنه التلفزة الوطنية، والبث الفوري عبر قناة يوتيوب الخاصة بالمجلس.
وذكرت، في بلاغ لها، أن "هذا الإجراء اقتضته الظرفية التي تمر بها البلاد وينسجم مع إجراءات وتدابير الحجر الصحي الشامل". وأنه "يضمن سلامة كل الوافدين على مقر المجلس". وتعتبر هذه سابقة في البلاد إذ كانت ستعتبر في سياق مغاير مسًا من الحريات الصحفية وتدخلاً في طريقة عمل الصحفيين ومؤسساتهم.
3 ـ برامج، مداخلات وحتى النشرة الجوية تُقدم من البيت
لاحظ عديد المتابعين للقناة الأمريكية NBC News، منذ أيام، أن أحد مذيعي النشرة الجوية المشهورين بالقناة بيل كارينس قدم مؤخرًا بعض النشرات من منزله، السبب طبعًا هو اضطراره للحجر الصحي المنزلي بسبب عدوى فيروس كورونا، هذا الفيروس الذي افتك بزميل له في القناة وهو فني الصوت لاري إيدجوورث، الذي توفي بعد تحليل إيجابي بفيروس كورونا.
تابعنا خلال الأسبوع الأخير مداخلات عديد المراسلين على قنوات تلفزيونية عالمية من منازلهم وحتى فقرات تلفزيونية كاملة قُدمت من غرفة النوم مثلاً
ولم يقتصر العمل من المنزل على هذا المذيع، إذ تابعنا خلال الأسبوع الأخير مداخلات عديد المراسلين على قنوات تلفزيونية عالمية من منازلهم وحتى فقرات تلفزيونية كاملة قُدمت من غرفة النوم مثلاً مع تحضير ديكور مخصص للغرض من داخل الغرفة.
4 ـ إيقاف إصدار الصحف الورقية وقتيًا في تونس وفي عديد الدول حول العالم
في البداية، كان طلبًا تقدمت به الجامعة العامة للإعلام في تونس (نقابة عمالية تتبع الاتحاد العام التونسي للشغل)، من خلال بيان الإثنين 23 مارس/ آذار 2020 دعت فيه كل المؤسسات الإعلامية التي تصدر نسخًا ورقية إلى إيقاف هذه الصحف مؤقتًا والاكتفاء بالعمل من خلال الموقع الإلكتروني لكل مؤسسة، "كمساهمة في إطار التوقي ودعم مجهودات الدولة في مجابهة انتشار فيروس كورونا وعدد الإصابات به".
وجاء، في ذات البلاغ، أن ذلك يأتي "في ظل توقف الإشهار وحالة الحجر الصحي العام والتي تمنع بيع هذه الصحف نظرًا للمخاطر التي قد تسببها هذه النسخ الورقية من امكانية عدوى سواء على عمال المطابع أو على المواطنين".
نشطاء وصحفيون: "فيروس كورونا يعجّل بالقضاء على ما تبقى من صحافة ورقية"
وسرعان ما تم تفعيل الدعوة على أرض الواقع وانطلاقًا من يوم الأربعاء 25 مارس/ آذار الجاري توقفت الصحف التونسية عن الصدور ورقيًا واقتصرت على تضمين بعض المواد الصحفية على مواقعها الإلكترونية. وهذا القرار عرفته عديد الدول الأخرى ومنها عدة دول عربية. وقد أثار لدى بعض الصحفيين والنشطاء على مواقع التواصل عدة تساؤلات ومنهم من اعتبر أن "فيروس كورونا يعجّل بالقضاء على ما تبقى من صحافة ورقية" في إشارة إلى إغلاق سابق لعدة صحف ورقية خلال السنوات الأخيرة أو تحويلها إلى مواقع إلكترونية بالأساس.
5 ـ المواطنون سند الإعلام في زمن الكورونا؟
منذ بداية أزمة فيروس كورونا، تجندت فرق التحرير على مستوى المؤسسات الإعلامية لتقديم تغطية تحترم أخلاقيات المهنة وتقدم الإضافة والمعلومة الدقيقة للمواطن ويبدو أن متابعي عدد من المؤسسات الإعلامية قد لمس هذا الجهد أو شعر بتجديد الحاجة للمعلومة والخبر من مصادر موثوقة إذ سجلت بعض المؤسسات الصحفية زيادة في المبيعات والاشتراكات الرقمية، وفق ما أعلنته، ومن ذلك صحيفة ليبيراسيون الفرنسية التي خصصت إحدى منشوراتها في موقعها الالكتروني لشكر متابعيها على ما أسمتها "زيادة واضحة في المبيعات والاشتراكات الرقمية التي نشكركم عليها من أعماق قلوبنا".
اقرأ/ي أيضًا:
الفساد في وكالة الاتصال الخارجي.. القضاء يفتح ملف "إعلاميي السلطة"