لئن تمثل العقارب السامة مصدر خوف وهلع لدى كل من يشاهدها ولو حتى عن مسافة بعيدة، فإن إسماعيل اتخذ من صيدها مصدر رزق له. فمنذ أن يسدل الليل ستاره يتسلح "صياد العقارب" بمعدات بسيطة تتمثل في قارورة مياه معدنية مقسومة نصفين ودلو بلاستيكي وكاشف ضوئي ويتوجه نحو الجبال الوعرة والحقول المحاذية التي تتخذ منها العقارب جحورًا لها، وبفضل خبرته في هذا المجال، يعرف إسماعيل جيدًا البيئة الملائمة التي تختارها العقارب للصيد والاختباء فيها، فيداهمها في مواطن عيشها غير عابئ لا بلدغاتها الخطرة ولا بسمومها المميتة.
إسماعيل بوقنة هو فلاح أربعيني أصيل ولاية قبلي دأب خلال مواسم الصيف على صيد العقارب السامة منذ حوالي 5 سنوات ويمثل هذا النشاط بالنسبة له مصدر رزق وهواية
إسماعيل بوقنة هو فلاح أربعيني أصيل محافظة قبلي دأب خلال مواسم الصيف على صيد العقارب السامة منذ حوالي خمس سنوات ويمثل هذا النشاط بالنسبة له مصدر رزق وهواية، زاد في شغفه بها حبه للمغامرة وركوب المخاطر وتحدي المخاوف. صيد العقارب والثعابين ليس بغريب على أبناء محافظات الجنوب التونسي خاصة فهي مهنة يقتات منها الكثير من الشباب في قبلي وتوزر وتطاوين وقفصة ويتم خوض هذه المغامرات بصفة فردية أو في مجموعات.
ويقول بوقنة في حديثه لـ"الترا تونس" إنه يبيع العقارب التي يقوم بصيدها لمخابر يستخدمونها لصنع الأدوية كذلك لحرفاء من جربة ومدنين وغيرها من المناطق التي تستعمل العقارب في صنع لوحات تباع للسياح الأجانب وللتونسيين أيضًا، مشيرًا إلى أن معهد باستور كان من بين حرفائه السنوات الماضية.
إسماعيل بوقنة لـ"الترا تونس": أبيع العقارب التي أصطادها لمخابر تستخدمها لصنع الأدوية كذلك لحرفاء في مناطق تستعمل العقارب في صنع لوحات تباع للسياح الأجانب وللتونسيين
وبيّن المتحدث أن صيده للعقارب لا يقتصر على نشاطه الليلي فقط، بل إنه يمتد خلال عمله اليومي كفلاح، مبينًا أنّ العقارب توجد بكثافة في الحقول وخاصة في المناطق الجافة وفي الرمل وفي الحفر، مضيفًا: "وأنا بصدد العمل يصادف أحيانًا أن أجد عقارب في أماكن عملي في الغابة أو في الحقل، فأقوم باصطيادها كما أن العديد من المواطنين الراغبين في تنظيف حدائقهم من العقارب تفاديًا لدخولها لمقر سكناهم يتصلون بي لتخليصهم منها.. بفضل خبرتي في مجال صيد العقارب يمكنني صيد 120 أو 150 عقرب في اليوم الواحد، لكن المردود المادي مقابل هذا العدد الكبير يعتبر زهيدًا، مع ذلك فهي مصدر رزق بالنسبة إليّ وهواية أمارسها".
ولئن يعجب البعض من شجاعة صيادي العقارب ويعربون عن مخاوفهم من التعرض للدغات مميتة خلال ممارسة نشاط مماثل، يؤكد إسماعيل بوقنة أنه يستهل عمله بالبسملة وتلاوة سورة قرآنية كما أنه يتخذ الاحتياطات اللازمة لتفادي هجوم العقارب على غرار ارتداء حذاء مناسب واستعمال دلو بلاستيكي يعيق محاولات خروج العقارب منه وغيرها من الاحتياطات الأخرى التي تنجيه من مخاطر الإصابة.
ولفت بوقنة إلى أن العقرب الصفراء موجودة بكثرة في منطقته وهي من أخطر أنواع العقارب، وأنه لم يعثر إلا على عقربين سوداوين، كما بيّن أن أنواع العقارب تختلف بتغير الفصول، فليست عقارب فصل الصيف هي نفسها عقارب فصل الخريف مثلًا، كما ختم بالتأكيد على أن لدغة العقرب تستوجب زيارة المستشفى وتختلف خطورتها حسب نوعية دم المصاب مشددًا على أن الهلع والخوف من اللدغة من شأنهما أن يعكرا الوضعية الصحية للمتضرر.
- سم العقارب لاستخراج الأمصال وتطوير الأدوية
تنتشر العقارب في كامل ربوع البلاد خلال فصل الصيف، لكن بيئتها المفضلة هي المناطق الصحراوية الحارة لذلك تتواجد بكثرة في الجنوب التونسي حتى أن أهالي المنطقة اتخذوا من اصطيادها مورد رزق موسمي وتعتبر هذه التجارة مربحة لنشطائها كما أنها تعود بالنفع على السكان لأن التقليل في عدد العقارب يساهم في التقليص من خطر الإصابة بلدغاتها السامة وما ينجر عنها من مشاكل صحية.
إسماعيل بوقنة لـ"الترا تونس": يمكنني صيد 120 أو 150 عقرب في اليوم الواحد، لكن المردود المادي مقابل هذا العدد الكبير يعتبر زهيدًا
ورغم أن التعامل مع العقارب لا يمثل مصدر فزع أو قلق لدى صياديها، فإن العديد من المواطنين تضرروا من لسعاتها وقد تم سنة 2022 تسجيل 6832 إصابة بلدغة عقرب وهو رقم مفزع على الرغم من تسجيل تراجع ملحوظ في مقارنة بسنة 2021 التي بلغ فيها عدد لدغات العقارب 7255 لدغة. وتحذر وزارة الصحة سنويًا من التطبب التقليدي المتمثل في شفط الدم من موقع اللسعة وغيره من العادات الأخرى التي من شأنها أن تعكر حالة المصاب داعية إلى التوجه بسرعة إلى أقرب مركز رعاية صحية لتلقي الإسعافات اللازمة.
وقد أكد مدير معهد باستور الهاشمي الوزير، أنه على كل شخص يتعرض للدغة عقرب التوجه لأقرب مركز للصحة الأساسية وليس لمعهد باستور، أولًا لأن الأمصال لا تعطى في جميع الحالات، فهناك حالات تستوجب استعمال الأمصال وأخرى لا، وأيضًا لأن باستور يقوم بتصنيع الأمصال وتوزيعها على مراكز الصحة في جميع مناطق البلاد أي أن التوجه للمعهد فيه هدر للوقت والحال أن لدغات العقارب وجب معالجتها بصفة استعجالية.
الهاشمي الوزير (مدير معهد باستور) لـ"الترا تونس": على كل شخص يتعرض للدغة عقرب التوجه لأقرب مركز للصحة الأساسية وليس لمعهد باستور
كما بيّن في حديثه لـ"الترا تونس" أنه هناك 3 أنواع عقارب في تونس، اثنان منهم سامين ونوع غير سام موجود خاصة في الشمال ولدغته لا تؤدي لحالات خطيرة، أما الأنواع الخطيرة فهي متواجدة في الجنوب التونسي لكنها لا تسري بسرعة بل تحدث التهاب وتؤثر على الجسم لذلك يجب التوجه نحو أقرب مستشفى لتشخيص الحالة والتعامل معها.
وبيّن المتحدث أن المعهد يستخرج سم العقارب بطريقة علمية، وبعد تطهيره يستعمله لتطوير أمصال ضد سم العقرب توزعها وزارة الصحة على مراكز الصحة التي تستخدمها لمعالجة لدغات العقارب وتفادي التعكرات التي يمكن أن تلحق بالمتضرر عند تعرضه للسعة، كما يستعمل سم العقارب كذلك في تطوير أبحاث في علاقة بفاعلية السموم وقدرتها كوسيلة أو كدواء لتطوير أدوية جديدة.
الهاشمي الوزير لـ"الترا تونس": الاتهامات التي وجهت للمعهد حول استغلاله لأطفال في جمع العقارب عار من الصحة، لأن المعهد يتعامل حصريًا مع شركات
ولفت الوزير إلى أن المعهد كان في السابق أي في سنوات الخمسينات والستينات والسبعينات، يتعامل مع فرق مختصة في تجميع العقارب ولها خبرة بأماكن تواجدها، لكن منذ أكثر من 20 سنة، أصبح المعهد يتعامل مع شركات تقوم بتجميع العقارب حسب شروط يحددها المعهد في علاقة بكيفية تجميعهم ونقلهم، مبينًا أن الاتهامات التي وجهت للمعهد حول استغلاله لأطفال في جمع العقارب عار من الصحة، لأن المعهد لا يتعامل مع أشخاص لا كبار ولا صغار بل تعامله حصري مع شركات، وفي حال قيام شركة بعملية تجميع العقارب دون احترام وسائل الوقاية فهي الوحيدة المسؤولة عن ذلك.
كما بيّن المتحدث أن المعهد لم يقتن منذ أكثر من سنة عقارب ولن يقتني سنة 2023، وأن معهد باستور ليس الوحيد الذي يستعمل العقارب بل من الواضح أن جهات أخرى تتعامل مع صيادي العقارب ويمكن أن تستعمل اسم المعهد زيفًا، وفقه، لافتًا إلى أن معهد باستور يقبل العقارب حسب حاجته ويمكن أن يتم سنة 2024 فتح طلب عروض لاقتناء العقارب مع التنصيص على وسائل حماية كل شخص يعمل في مجال صيدها.
الهاشمي الوزير لـ"الترا تونس": المعهد يستخرج سم العقارب بطريقة علمية، وبعد تطهيره يستعمله لتطوير أمصال ضد سم العقرب توزعها وزارة الصحة على مراكز الصحة
جدير بالذكر أن طفلًا لم يتجاوز سن الرابعة كان قد تعرض للدغة عقرب فارق على إثرها الحياة وذلك بمحافظة القيروان وقد انتفض أهالي المنطقة على خلفية الحادثة معتبرين أن بُعد مراكز الصحة على مناطق سكناهم تعيق عملية إسعاف المصابين بلدغات العقارب.
وكانت المنظمة الدولية لحماية أطفال المتوسط كانت قد عبرت عن انشغالها الكبير لظاهرة انخراط أطفال الجنوب التونسي ممن لا يتعدى سنهم الحادية عشر في صيد العقارب وهو ما نفاه المعهد قطعيًا.