30-أغسطس-2023
قيس سعيد وأحمد الحشاني

تعمل الحكومة في تونس برئيس صامت ودون ناطق رسمي، فيما يطغى صوت الاحتجاج من الرئيس

مقال رأي 

 

نحو شهر كامل يمضي منذ تكليف المدير السابق للموارد البشرية بالبنك المركزي أحمد الحشاني رئيسًا للحكومة في تونس (1 أوت/أغسطس 2023) دون أن يسمعه التونسيون يقدّم جملة وحيدة، سواء في كلمة رسمية أو حتى تصريح إعلامي على هامش أي حدث ما. سابقة لم تشهدها البلاد. بل لم يعقد أي اجتماع لمجلس الوزراء في بلد يرزخ تحت وطأة أزمة اقتصادية واجتماعية متصاعدة ترافقت مع نقص حادّ في مادة الحبوب بما أثر على توفّر مادة الخبز على موائد التونسيين. 

نحو شهر كامل يمضي منذ تكليف أحمد الحشاني رئيسًا للحكومة في تونس (1 أوت 2023) دون أن يسمعه التونسيون يقدّم جملة وحيدة، سواء في كلمة رسمية أو حتى تصريح إعلامي بل لم يعقد أي اجتماع لمجلس الوزراء

صمت أحمد الحشاني بات مثيرًا للرّيبة، بل يطرح شكوكًا جديّة حول القدرة التواصلية للرّجل، ذلك أنه ليس من الطبيعي أن يصوم رئيس حكومة عن مخاطبة الناس طيلة هذه المدّة، فلم يعرّف بنفسه للتونسيين، ولم يعرض خطط عمله ولا أولويات حكومته.

ومع عدم رئاسته لأي اجتماع لمجلس الوزراء، عقد لقاءات مع بعض الوزراء على حدة في اجتماعات ثنائية، بحسب صفحة رئاسة الحكومة التونسية، وكأنها حصص "تعارف". والسؤال المطروح إن ما كان أحمد الحشاني بصدد التعرف على وزراء الحكومة وتقييمهم لإبقائهم في الحكومة من عدمه.

حالة ضبابية كرّسها رئيس الدولة قيس سعيّد بتعيين رئيس حكومة دون تكليفه بتكوين حكومة جديدة، وهو ما يعني مواصلة الحشاني بالعمل مبدئيًا مع فريق وزاري لم يختره، وإن يتحدث البعض عن إمكانية إحداث تحوير وزاري غير محقّق بعد.

مع عدم رئاسته لأي اجتماع لمجلس الوزراء، عقد أحمد الحشاني لقاءات مع بعض الوزراء في اجتماعات ثنائية وكأنها حصص "تعارف" والسؤال المطروح إن كان بصدد التعرف على وزراء الحكومة وتقييمهم لإبقائهم في الحكومة من عدمه

في المقابل، يواصل رئيس الدولة أنشطته باستقبال وزراء أو القيام بزيارات، لم تتضمّن أي جديد عملي عدا ترديد الرئيس لخطاب احتجاجي مثل المواطنين، وكأنه ليس على رأس الدولة ولا المسؤول التنفيذي الأول فيها. فلا صوت يعلو فوق الرئيس داخل الدّولة، ليس على مستوى الصلاحيات الدستورية بل تحديدًا على المستوى الاتصالي.

الصورة الحالية تتعارض، واقعًا، مع مستلزمات الاتصال المؤسساتي، الذي يفترض أن رئيس الحكومة هو من يتصدّى لتفاصيل العمل التنفيذي، فيما يبقى الرئيس في مستوى "ضبط خيارات الدولة". أداء قيس سعيّد، في هذا المضمار، يعكس اضطرابًا داخل الجهاز التنفيذي. فرئيس الدولة لا يرأس مجالس الوزراء إلا نادرًا ولا يباشر التنسيق التقني مع الوزراء، ولكنه حريص، في المقابل، على بذل مجهود اتصالي أمام العامة عبر استقبال الوزراء وترديد جمل مكرّرة تكاد تكون منقولة حرفيًا بين بلاغ رئاسي وآخر. 

توجد حالة عجز بيّنة في إدارة الجهاز التنفيذي في تونس، الأمر يتعلّق ببساطة بغياب الكفاءة مما أنتج ضعف نجاعة في العمل الحكومي برمّته. وهذا الضعف الفادح، الذي يعكسه الفشل في إدارة عديد الملفات خاصة المتعلق بالجانب المعيشي مع غياب بوادر انفراج للأزمة المالية والاقتصادية، يتمّ العمل على تغطيته باستثمار رئيس الدولة في خطاب اتصالي احتجاجي.

توجد حالة عجز بيّنة في إدارة الجهاز التنفيذي في تونس، الأمر يتعلّق ببساطة بغياب الكفاءة مما أنتج ضعف نجاعة في العمل الحكومي برمّته. وهذا الضعف الفادح، يتمّ العمل على تغطيته باستثمار رئيس الدولة في خطاب اتصالي احتجاجي

زيارات رئيس الدولة المكرّرة للأحياء الشعبية هي محاولة رئاسية لتقليص واقع فشل إدارته للبلاد. في هذا الموضع، يعمل الخطاب الشعبوي على الاستثمار في الاحتجاج مع اتهام جهات بالتآمر على قوت التونسيين، وأحيانًا سؤال رئيس الدولة عن دور الدولة. خطاب يسعى رئيس الجمهورية من خلاله للظهور في موضع المتابع لمشاغل الناس والقريب من همومهم.

المثير للانتباه أن أهم عبارة تردّدت على لسان رئيس الدولة في استقبالاته لرئيس الحكومة الجديد هي "تطهير الإدارة" بل الأكثر من ذلك طلب سعيّد من رئيس حكومته إعداد أمر للغرض. أمعن رئيس الدولة في بلاغاته طيلة الأسابيع الماضية في توجيه سهامه للإدارة متهمًا عددًا من الإداريين بأنهم لا يعملون لمصلحة الدولة. يتحدّث عمّن "تسلّلوا للإدارة" و"مندسّين" وأنهم يقفون "عقبة" وراء تحقيق المشاريع الاقتصادية.

 

 

أصبحت الإدارة الغريم الجديد لسعيّد، وهو يحاول إلقاء كل الفشل عليها. الصورة التي يُراد إرسالها أن الإرادة السياسية محقّقة ولكن التنفيذ معطّل بسبب "هؤلاء". المشكل، هنا، يتعلّق في جوهره بعدم قدرة سعيّد على الغوص في التفاصيل الفنيّة وأدوات عمل الإدارة. وهو يعتقد أن التنفيذ مجرّد مستوى إجرائي بسيط للقرار السيادي لا أكثر.

أصبحت الإدارة الغريم الجديد لسعيّد، وهو يحاول إلقاء كل الفشل عليها. الصورة التي يُراد إرسالها أن الإرادة السياسية محقّقة ولكن التنفيذ معطّل بسبب "هؤلاء"

وربّما لذلك لا يبالي الرئيس بالشغورات في الوزارات أو الولايات أو في ديوانه، وهو الذي يعمل دون مدير ديوان رئاسي منذ عام ونصف. فالعبرة عنده بوجود إداريين في مؤسسة ما فقط لتعمل كما يجب، مادامت الإرادة السياسية محقّقة من رأس الدولة.

بالنهاية، إن الوضع الحالي، رئيس الدولة الذي يثرثر كثيرًا ورئيس الحكومة الذي لا يتحدث، على النحو الذي تم تطبيعه منذ رئيسة الحكومة السابقة نجلاء بودن، هو وضع غير طبيعي على المستوى الاتصالي الصرف، وهو يتأكد بأن سعيّد ومنذ إقالته للناطق الرسمي باسم الحكومة، وزير التشغيل السابق في فيفري/شباط 2023، لم يحرص على تعيين ناطق رسمي جديد.

تعمل الحكومة بذلك برئيس صامت ودون ناطق رسمي، فيما يطغى صوت الاحتجاج من الرئيس الذي دائمًا ما يحرص على تبيان تمايزه عن الحكومة التي لا تبدو، بحسب بلاغاته، في مستوى ما يريده. بل لا يتردّد الرئيس أحيانًا في تقريع المسؤولين. المشكل دائمًا ليس من الرئيس الذي يقود صعودًا شاهقًا غير مسبوق في التاريخ بل من الآخرين.

 

 

  • المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"