كما حظيت مديرة الديوان الرئاسي السابقة في تونس نادية عكاشة باهتمام خاص إعلامي ومن مختلف مكونات المشهد السياسي عندما كانت في منصبها، فقد لفتت الانتباه أيضًا إبان استقالتها/إقالتها من خلال تدويناتها على منصات التواصل.
في آخر تدويناتها، تشير عكاشة تلميحًا إلى ما تم تداوله إعلاميًا منذ فترة أي إلى خلافات متصاعدة بين المحيطين بالرئيس التونسي قيس سعيّد وما ذهب سياسيون ومراقبون إلى وصفه بـ"حرب شقوق".
عكاشة: تم الاستيلاء على لحظة ومسار 25 جويلية من قبل من لا شرف ولا دين ولا وطنية له ومن قبل زمرة من الفاشلين الذين لا يفقهون شيئاً غير احتراف الابتذال والتشويه والتضليل
قالت المديرة السابقة للديوان الرئاسي نادية عكاشة، الاثنين 25 أفريل/نيسان 2022، بعد 3 أشهر من مغادرتها منصبها وقد كانت توصف بأحد مهندسي 25 جويلية والداعمين بشدة له، إنه قد "تم الاستيلاء على مسار 25 جويلية من قبل من لا شرف ولا دين ولا وطنية له ومن قبل زمرة من الفاشلين"، وفق توصيفها، وذلك دون ذكر أسماء بعينها لكن الكلمات التي اعتمدتها قد أحالها الكثيرون لشخصية بعينها.
وتابعت عكاشة، في ذات التدوينة التي نشرت على صفحتها الرسمية بموقع فيسبوك، "25 جويلية لحظة حاسمة وقرار تاريخي ومسار وطني كان من المفروض أن يقوم على منهجية واضحة وعلى تمش ديمقراطي جامع وعلى أسس ثابتة لبناء دولة القانون التي تحترم فيها الحريات والمؤسسات ولكن للأسف تم الاستيلاء على هذه اللحظة وعلى هذا المسار من قبل من لا شرف ولا دين ولا وطنية له ومن قبل زمرة من الفاشلين الذين لا يفقهون شيئاً غير احتراف الابتذال والتشويه والتضليل" وفقها.
وتساءلت في سياق متصل، "أين تونس اليوم من أزمة سياسية خانقة أصبحت تمثل خطرًا داهمًا وجاثمًا لم تشهد له مثيلاً في تاريخها الحديث!.. أين تونس اليوم من الأزمة الاقتصادية والمالية ومن تعثر إيجاد برنامج إصلاح اقتصادي جدي وواضح ومبني على معطيات صحيحة يمكننا من مناقشة اتفاق مع صندوق النقد الدولي؟ لماذا لا تكون للإصلاح منهجية علمية وناجعة؟..".
يذكر أنه قد صدر بالرائد الرسمي، في 25 جانفي/ يناير 2022، أمر رئاسي عدد 50 لسنة 2022 مـؤرخ في 24 جانفي 2022 يقضي بإنهاء تكليف نادية عكاشة بمهام مديرة الديوان الرئاسي.
لكن عكاشة كانت قد أعلنت في تدوينة على صفحتها الرسمية بموقع فيسبوك، منذ مساء الاثنين 24 جانفي أنها استقالت من منصب مديرة الديوان الرئاسي. وكتبت عكاشة "قررت اليوم تقديم استقالتي لرئيس الجمهورية من منصب مديرة الديوان الرئاسي بعد سنتين من العمل". وأضافت "اليوم وأمام وجود اختلافات جوهرية في وجهات النظر المتعلقة بهذه المصلحة الفضلى أرى من واجبي الانسحاب من منصبي كمديرة للديوان الرئاسي".
مع العلم أن مغادرة عكاشة قصر قرطاج ليست الأولى ضمن ديوان الرئيس قيس سعيّد، منذ توليه منصبه في أواخر سنة 2019، إذ تعددت الإقالات/الاستقالات خلال السنتين الماضيتين ومن المستقيلين شخصيات التحقت حتى بمعارضة الرئيس ومنهم المستشار السابق في الرئاسة عبد الرؤوف بالطبيب الذي التحق بحراك/ مبادرة مواطنون ضد الانقلاب.
تعددت الإقالات/الاستقالات من ديوان الرئيس ومنهم شخصيات التحقت حتى بمعارضة الرئيس ومنهم المستشار السابق في الرئاسة عبد الرؤوف بالطبيب
هكذا ومن خلال تدوينتها على صفحتها الرسمية، حولت مديرة الديوان الرئاسي سابقًا ما كان يروج في الكواليس إلى نقاش علني تتالت ردود الفعل حوله من الفاعلين في المشهد السياسي التونسي وحتى من الداعمين لتوجه الرئيس إبان 25 جويلية/يوليو 2021.
وكانت صحيفة الشارع المغاربي التونسية قد أكدت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي أن محيط الرئيس التونسي "قد انقسم، وفقها، إلى شقين، شق وزير الداخلية توفيق شرف الدين وشق مديرة الديوان الرئاسي حينها نادية عكاشة". ووصفت ذات الصحيفة الأول بـ"ابن مشروع الرئيس" وقد كان ناشطًا في حملته الانتخابية في 2019 ورئيسًا لتنسيقيتها في سوسة ويُوصف بالقريب من عائلة الرئيس وفق ذات الصحيفة. أما عكاشة فوصفت بمن يتقاسم مع سعيّد ذات المهنة ( أستاذة مساعدة في القانون) ومن "الوافدين الجدد" بالنسبة "لأصحاب المشروع" (يعرف بالبناء القاعدي).
فيما بعد، تعرضت ذات الصحيفة في أفريل/نيسان الجاري إلى أن محيط الرئيس التونسي صار يشمل 3 شقوق، وفقها. بعد مغادرة عكاشة، نشرت الشارع المغاربي أن 3 "مراكز نفوذ" تحيط بالرئيس وتوضحها كالتالي "الأول يقوده وزير الداخلية توفيق شرف الدين والمدعوم من عائلة حرم الرئيس والثاني يقوده وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي المدعوم من عائلة سعيّد، والثالث مجموعة ”مشروع البناء القاعدي” المسنودة من رفيقة درب قيس سعيّد سنية الشربطي التي عادت للاقتراب من محيط الرئيس، وفق ذات الصحيفة.
هيكل المكي: "وزير الداخلية توفيق شرف الدين يتحوّل رويدًا رويدًا إلى هشام المشيشي الجديد.. ونلمس ضعفًا في أدائه، ونعلم ما يقوم به من صفحات تهتك أعراض أصدقاء الرئيس أساسًا"
في سياق الجدل حول الخلافات بين المحيطين بالرئيس، اعتبر القيادي بحركة الشعب هيكل المكي (حركة قومية داعمة للرئيس) الأربعاء 27 أفريل/ نيسان 2022، في مداخلة إذاعية، متحدثًا عن "أعداء الداخل"، وفق تعبيره، ويقصد من يضرون بمشروع الرئيس من المحيطين به والعاملين معه، هم "بعض أعضاء الحكومة الذين يقدّمون أداءً سيئًا جدًا فيُحسب هذا الأداء على 25 جويلية وأذكر بالأساس وزير الداخلية توفيق شرف الدين، الذي يتحوّل رويدًا رويدًا إلى هشام المشيشي الجديد.. ونلمس ضعفًا في أدائه، ونعلم ما يقوم به من صفحات تهتك أعراض أصدقاء الرئيس أساسًا"، حسب وصفه.
وأضاف المكي أنّ "هذا الأداء لوزير الداخلية ساهم في ارتفاع منسوب العنف في المجتمع من جديد، عبر صفحات قريبة جدًا منه، والقضاء حاليًا يحقّق في هذا، وسنرى عن قريب مفاجآت إذا لم يقع التدخل في القضاء، كما أنبّه من التعرّض لشخصي أو لأي قيادي من حركة الشعب من طرف (ماكينة) وزير الداخلية" على حد قوله.
كانت هذه الكلمات لافتة من قيادي في حركة داعمة لمسار الرئيس بعد 25 جويلية تجاه وزير الداخلية توفيق شرف الدين وهو المقرب من سعيّد حاليًا، والذي فسر من مراقبين وسياسيين أنه المقصود بكلام رئيسة ديوان الرئيس السابقة أيضًا.
حديث المكي عن توظيف صفحات للتشويه من أطراف من محيط الرئيس ضد أطراف أخرى مقربة له أيضًا أعاد الذكرى لخلافات شهدتها أحزاب ربما أكثرها وضوحًا ما شهده نداء تونس من "انقسامات" و"تشويه متبادل" أدى لاختفائه
حديث هيكل المكي عن توظيف صفحات في مواقع التواصل للتشويه من أطراف من محيط الرئيس ضد أطراف أخرى مقربة له أيضًا أعاد الذكرى لخلافات شهدتها أحزاب تونسية إبان الثورة ربما أكثرها وضوحًا ما شهده حزب نداء تونس من "انقسامات" و"تشويه متبادل" أدى لاختفائه عن الساحة السياسية بشكل تام.
تصاعد إذًا الجدل حول هذه الخلافات داخل صفوف من كانوا لفترة قريبة، خاصة قبل 25 جويلية/ يوليو الماضي، كفريق عمل واحد. وفي هذا السياق، اعتبر رئيس حزب المجد عبد الوهاب الهاني، في تدوينة على صفحته الرسمية بموقع التواصل فيسبوك، أن "حرب الشُّقوق تتمدَّد وتنذر بتفاقم الخطر الداهم والجاثم، بعد عودة مديرة الديوان المستقيلة لقصف خصمها اللدود الوزير "من لا شرف ولا دين له" و"من لا وطنية" لهم"، وفق توصيفه.
أما عضو اللجنة المركزية لحزب العمال علي الجلولي، فقال في تدوينة نشرها على صفحته بفيسبوك، إن تدوينة نادية عكاشة التي وصفها بـ"الحاكمة السابقة بأمرها" دليل إضافي على حجم الأزمة الخانقة التي كرستها منظومة ما بعد 14 جانفي وعمقها انقلاب قصر قرطاج على قصري باردو والقصبة من أجل التموقع والنفوذ لا غير، حسب رأيه. وأضاف: "نتائجكم تدل عليكم والمسألة مسألة وقت لا غير لحسم مآلات الصراع السياسي الطاحن الذي قد يكون مرة أخرى على حساب الشعب والوطن"، وفق تعبيره.
علي الجلولي (حزب العمال): تدوينة نادية عكاشة دليل إضافي على حجم الأزمة الخانقة التي كرستها منظومة ما بعد 14 جانفي وعمقها انقلاب قصر قرطاج على قصري باردو والقصبة من أجل التموقع والنفوذ لا غير
بينما أكد رئيس حزب "التحالف من أجل تونس" سرحان الناصري (وهو من الأحزاب الداعمة بشدة لتوجهات الرئيس التونسي مؤخرًا والذي برز بعد 25 جويلية) في تصريح إذاعي أن "عكاشة تخطط رفقة عدد من السياسيين من بينهم رئيس الحكومة الأسبق ورئيس حركة تحيا تونس يوسف الشاهد إلى ضرب الدولة التونسية وإفشال المشروع السياسي للرئيس بدعم من عدد من الدول الأجنبية،" وفق قوله. وهو ما نفاه الشاهد، ناكرًا أي علاقة بمديرة الديوان الرئاسي السابقة نادية عكاشة.
يحمل البعض تدوينة عكاشة أكثر من حجمها بحديث عن انشقاقها عن صف سعيّد لكن لا يبدو ذلك منطقيًا. لا تعبر عكاشة ولم تعبر سابقًا بعد استقالتها عن تغير في الوعي أو الفكر السياسي، تبدو تدويناتها الأخيرة انعكاسًا لخيبة شخصية ذاتية لمسار توقعت أن لا تكون نهايتها فيه كما حصل.
ولذلك لمحت لبعض الشخصيات الفاعلة حاليًا قرب الرئيس التونسي دون نقد حقيقي لمحتوى المسار إبان 25 جويلية وهي التي كانت أحد أعمدته ولها مسؤولية كبرى فيما تضمنه ولذلك بدا الأمر كصراع شخصيات وأدوار حول الرئيس انتقل من السر إلى العلن ولا تزال مآلاته وتفاصيله مجهولة.