الترا تونس - فريق التحرير
(نشر بتاريخ 2024/8/30 على الساعة 09.30)
أثارت تصريحات رئيس هيئة الانتخابات في تونس فاروق بوعسكر، الجدل على الصعيد القانوني، خاصة بعد إعلانه أنّ "مجلس الهيئة سيأخذ بعين الاعتبار النصوص التي صدرت عن المحكمة الإدارية وأيضًا الأحكام الجزائية الصادرة عن القضاء العدلي في خصوص تدليس التزكيات".
تصريحات رئيس هيئة الانتخابات في تونس فاروق بوعسكر، تثير الجدل على الصعيد القانوني، بعد إشارته إلى أنّ الهيئة ستأخذ بعين الاعتبار الأحكام الجزائية الصادرة عن القضاء العدلي
وقد ذهب البعض إلى قراءة هذا التصريح، بكونه ربما يفتح الباب للاعتراض على الأحكام "النهائية والباتة وغير القابلة للطعن" الصادرة عن المحكمة الإدارية والقضاء العدلي، ولهذا تفاعل حقوقيون من محامين وقضاة وأساتذة قانون دستوري.. بشكل واسع مع هذه التصريحات، فدوّنوا على حساباتهم على السوشال ميديا آراءهم بخصوص هذا الأمر، مشددين على ضرورة تطبيق الأحكام الإدارية.
القاضية التونسية التي تشغل منصب رئيسة اتحاد القضاة الإداريين، رفقة المباركي، أكدت في تدوينة نشرتها على حسابها، أنّ "الكلمة الأخيرة للقضاء الإداري والقول بخلاف ذلك هو من باب العبث".
أما المحامي محمود المهيري، فقد قال من جهته، إنّ "الأحكام الجزائية الابتدائية لا حجية لها ولا تأثير لها على المركز القانوني للمترشح إلا بعد انتهاء كل الطعون استئنافًا وتعقيبًا".
محام: التعلل بالأحكام الابتدائية بعد البت نهائيًا في الترشحات من المحكمة الإدارية يعتبر انحرافًا بالإجراءات من طرف هيئة الانتخابات
وأضاف: "التعلل الآن بالأحكام الابتدائية بعد البت نهائيًا في الترشحات من المحكمة الإدارية يعتبر انحرافًا بالإجراءات من طرف هيئة الانتخابات التي كان عليها إثارتها أثناء نظرها في صحة الترشح أول مرة حتى يتمكن القاضي الإداري لاحقًا من ممارسة رقابته عليه. في المحصلة: هيئة الانتخابات الآن في وضعية الصلاحية المقيدة"، وفقه.
وفي السياق نفسه، أشار القاضي عفيف الجعدي، إلى أنّ "النزاع الانتخابي نص القانون على إجراءاته وقرارات الجلسة العامة المحكمة الإدارية فيه باتة لا تعقيب لها ولا تقبل أي رد.. القانون في هذا واضح ولا مجال للتأويل أو الاجتهاد فيه"، وفق قوله.
القاضي عفيف الجعدي: نصّ القانون على إجراءات النزاع الانتخابي، وقرارات الجلسة العامة المحكمة الإدارية فيه باتة لا تعقيب لها ولا تقبل أي رد
وتابع: "للتذكير فإن الإدارة ومنها الهيئات تخضع في قراراتها لرقابة القضاء الإداري، والعكس غير صحيح ولا يقبل، إذ لا يمكن بأي حال وفي كل الأنظمة القانونية الحديث عن رقابة قانونية لجهة إدارية أيًا كان مسماه على حكم القضاء"، وفق تعبيره.
وشدّد عفيف الجعدي، على أنّ "أحكام القضاء إما أن تنفذ أو يطعن فيها متى كانت قابلة لذلك ولا خيار غير ذلك.. دولة القانون من حقنا ومن واجبنا الدفاع عنها"، وفقه.
من جهتها، وصفت أستاذة القانون الدستوري سناء بن عاشور، تصريح رئيس هيئة الانتخابات بـ"الخطير جدًا"، وقالت إنّ الهيئة تريد "تنصيب نفسها سلطة عليا رقابية، بتعلّة الولاية العامة على الانتخابات"، مشددة على أنّ قرارات هيئة الانتخابات هي "قرارت إدارية قابلة للإلغاء أمام القاضي الإداري الذي تريد أن تتمرد عليه".
أما القاضي بمحكمة الاستئناف بتونس عمر الوسلاتي، فقد أكد من جانبه، أنّ "الأحكام النهائية الصادرة في مادة نزاعات الترشح بمنطوقها وليس بتسبيبها ولو كان تعليلها ضعيفًا أو غير ذي سند متين، لقد قالت المحكمة كلمتها النهائية في منطوق حكمها ولا تعقيب عليها من أي جهة كانت"، وفقه.
ويعتبر الفصل 30 جديد من المرسوم عدد 55 لسنة 2022، المتعلّق بالانتخابات والاستفتاء وإتمامه، "الحكم الاستئنافي" الصادر عن المحكمة الإدارية، حكمًا باتًّا "لا يقبل أيّ وجه من أوجه الطعن ولو بالتعقيب".
وكان فاروق بوعسكر قد أكد أن مجلس الهيئة سيطّلع على الأحكام الصادرة عن المحكمة الإدارية والقضاء العدلي، ويتخذ قراراته بخصوص القائمة النهائية للمترشحين للانتخابات الرئاسية المقررة في تونس يوم 6 أكتوبر/تشرين الأول 2024.
وقال بوعسكر في تصريح إعلامي خلال الدورة التكوينية الخاصة بالهيئات الفرعية للانتخابات لسنة 2024 بالمنستير، إن "مجلس الهيئة سوف يقوم بالاطلاع على هذه الأحكام وحيثياتها وتعليل الأحكام وسيتخذ قراره بشأن الإعلان عن القائمة النهائية للمترشحين للانتخابات الرئاسية في تونس".
فاروق بوعسكر: مجلس الهيئة سيطّلع على الأحكام الصادرة عن المحكمة الإدارية والأحكام الجزائية الصادرة عن القضاء العادلي في خصوص تدليس التزكيات، ويتخذ قراراته بخصوص القائمة النهائية للمترشحين للرئاسة
ولفت إلى أن "مجلس الهيئة هو الجهة الدستورية الوحيدة التي ائتمنها الدستور على تأمين سلامة المسار الانتخابي، ومجلس الهيئة سوف يقرر بناءً على كل ذلك في اجتماع له، وسيحدد القائمة النهائية للمترشحين المقبولين لخوض السباق الرئاسي في تونس".
كما بيّن بوعسكر أن "هيئه الانتخابات سوف تطلع لا فقط على منطوق الأحكام ولكن ستطلع أيضًا على التعليل والحيثيات وعلى الأحكام الصادرة عن القضاء العدلي وستتخذ قرارها المطابق للقانون والدستور"، حسب تعبيره.
ويذكر أن هيئة الانتخابات رفضت 14 ملف ترشح للانتخابات الرئاسية المقررة يوم 6 أكتوبر/تشرين الأول 2024 في تونس، وقبلت 3 ملفات فقط لكل من قيس سعيّد وزهير المغزاوي والعياشي زمال، وتبعًا لذلك لجأ عدد من السياسيين إلى القضاء الإداري بعد رفض ملفات ترشحهم، ووفقًا لرزنامة الانتخابات الرئاسية، فستتولى الهيئة الإعلان عن قائمة المترشحين المقبولين نهائيًا بعد انقضاء آجال الطعون في أجل لا يتجاوز الثلاثاء 3 سبتمبر/أيلول 2024.
ومن جهته أكد الناطق باسم المحكمة الإدارية، فيصل بوقرة، بخصوص إمكانية عدم تطبيق قرارات المحكمة الإدارية القاضية بقبول ملفات مترشحين وإعادتهما إلى السباق الانتخابي، بعد أن أسقطت هيئة الانتخابات ملفيهما أوليًا، أن المشرع لم ينصّ على وضعية عدم التنفيذ، مضيفًا أنّ "هيئة الانتخابات تطبّق دائمًا قرارات المحكمة الإدارية".
ولفت بوقرة في تصريح لإذاعة "موزاييك أف أم" (محلية) إلى أن "قرارات المحكمة الإدارية سليمة، بالنظر إلى صدورها في تاريخ لا وجود فيه لأي أحكام جزائية باتة، بشأن قضايا أخرى مرفوعة ضدّ المترشحين وهي محل نظر لدى القضاء العدلي".
وقال إنه "في حال صدرت أحكام جزائية لاحقة في حق المترشحين، أي بعد صدور أحكام المحكمة الإدارية الباتة والنهائية، فهذه ستكون سابقة على المستوى القانوني في تونس"، حسب تعبيره.
الناطق باسم المحكمة الإدارية: في حال صدرت أحكام جزائية لاحقة في حق المترشحين، أي بعد صدور أحكام المحكمة الإدارية الباتة والنهائية، فهذه ستكون سابقة على المستوى القانوني في تونس
ويذكر أن المحكمة الإدارية بتونس قضت يوم الخميس 29 أوت/أغسطس 2024 بقبول الطعن الذي تقدم به الناشط السياسي منذر الزنايدي في إطار نزاعات الترشح في الطور الثاني للتقاضي، وهو ما يفضي إلى القضاء من جديد بإلغاء قرار هيئة الانتخابات وقبول مطلبه في الترشح للانتخابات الرئاسية وإعادته للسباق الانتخابي، وفق إعلان مرصد شاهد لمراقبة الانتخابات ودعم التحولات الديمقراطية.
وسبق أن قضت المحكمة الإدارية يوم الثلاثاء 27 أوت/أغسطس 2024 بقبول الطعن الذي تقدم به عبد اللطيف المكي، وهو ما يفضي إلى إمكانية عودته إلى السباق الرئاسي في انتظار إعلان هيئة الانتخابات عن القائمة النهائية للمترشحين بصفة رسمية.
ومن المنتظر أن تتولى المحكمة الإدارية يوم الجمعة 30 أوت/أغسطس 2024، التصريح بالحكم في الطور الاستئنافي أمام الجلسة العامة، بالنسبة لملف عماد الدائمي.