لكل مرحلة عمرية خصوصياتها ولكل جيل نواميسه وصفاته التي تميزه، ولكن جيل التسعينيات من أكثر الأجيال التي وضعت تحت مجهر الأبحاث والدراسات لما يعيشه من تناقضات سلوكية وتعقيدات نفسية.
يطلق عليه البعض "الجيل الذهبي" والبعض الآخر "أبناء الزمن الجميل" أو "ربيع الأجيال"، ومع اختلاف التسميات، يجد مواليد التسعينيات أنفسهم في سلّم زمني متأرجح بين حنين للماضي وبساطته ومعايشة لحاضر سريع النسق وكثير الضغط.
جيل التسعينيات من أكثر الأجيال التي وضعت تحت مجهر الأبحاث والدراسات لما يعيشه من تناقضات سلوكية وتعقيدات نفسية، ويطلق عليه البعض "الجيل الذهبي" والبعض الآخر "أبناء الزمن الجميل" أو "ربيع الأجيال"
وقد كشفت بعض الدراسات العلمية أن الجيل الذي ولد في تسعينيات القرن الماضي (أو السنوات القريبة من تلك الفترة)، تكون صحته النفسية أسوأ من الأجيال السابقة، وأنهم الأكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب والقلق والاضطرابات العقلية الأخرى من الأجيال الأكبر سناً.
وللغوص في تفاصيل هذا الجيل، تواصل "الترا تونس" مع بعض المختصيّن الذين فسّروا خصوصيات هذه المرحلة والتأثيرات التي جعلت منه جيلاً مخضرمًا، تجدون التفاصيل في هذا التقرير.
-
جيل التسعينيات هو الأوفر حظًا بذكرياته
"ليت الزمان يعود يومًا" بكل تحسّر تحدثت ريم، الموظفة ذات 32 سنة، عمّا علق في ذاكرتها من ذكريات طفولة تسترجعها كلما أحست بضغط الزمن الحاضر وتجد فيها مهربًا من كل الضغوطات التي تعيشها.
إحدى مواليد جيل التسعينيات لـ "الترا تونس": نحن مواليد التسعينيات ذاكرتنا ثرية بالتفاصيل فألعابنا كانت تتمثل في ألعاب فكرية وترفيهية تتطلب منا التواجد في مجموعة، لذلك كنا مجتمعين دائمًا ولا يفرقنا سوى النوم ليلاً
وتعتبر ريم نفسها محظوظة لكونها من الجيل الذهبي الذي عايش الزمن الجميل بتفاصيله الراقية سواء على مستوى العلاقات الاجتماعيّة أو الموروث الثقافي أو حتى السلوكيات، وفق تقديرها.
وقالت في حديثها لـ "الترا تونس": "نحن مواليد جيل التسعينيات "عشنا وقتنا" بكل ما في الكلمة من معنى وذاكرتنا ثرية بالتفاصيل فألعابنا كانت تتمثل في ألعاب فكرية مثل "مونوبولي" و"سكرابل" و"عباقرة العالم"، وغيرها، وحتى الألعاب الترفيهية الأخرى كانت تتطلب منا التواجد في مجموعة، لذلك كنا مجتمعين دائمًا ولا يفرقنا سوى النوم ليلاً، وهذا ما حرم منه أبناء الألفية الذين تربوا منعزلين عن العالم الحقيقي متشبثين بهواتفهم وشاشاتهم المحمولة، وهذا ما تسبّب في عديد الاضطرابات السلوكية والنفسية على غرار اضطراب طيف التوحد والاكتئاب".
إحدى مواليد جيل التسعينيات لـ "الترا تونس": أحتفظ إلى اليوم بكراس الذكريات التي تتضمن رسائل من أصدقاء الطفولة، إذ كانت تجمعنا مشاعر حب وبراءة أفتقدها في أيامنا هذه
وشددت محدثتنا على أن جيلها اكتسب عديد القيم والمبادئ من مسلسلات الكرتون ممّا جعله جيلاً محبًّا للخير ومحترمًا للغير، على عكس ما يشاهده أطفال اليوم خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي من مشاهد تؤذي صحتهم النفسيّة وتشوّه الفطرة وتغذي سمة الأنانية، وفقها.
وأضافت قائلة: "أحتفظ إلى اليوم بكراس الذكريات التي تتضمن رسائل من أصدقاء الطفولة، إذ كانت تجمعنا مشاعر حب وبراءة أفتقدها في أيامنا هذه لذلك كثيرًا ما ألجأ لذكرياتي للهروب من الضغط اليومي".
إحدى مواليد جيل التسعينيات لـ "الترا تونس": جيل التسعينيات هو الأكثر حظًا بذاكرته والأكثر تعاسة بتناقضات الحاضر التي يعيشها، وأجد متنفسًا في بعض مجموعات فيسبوك التي يجتمع فيها أبناء هذا الجيل
وأكدت محدّثتنا أنها تجد متنفسًا في بعض مجموعات فيسبوك التي يجتمع فيها أبناء جيلها لتشارك كل اللحظات الممتعة القديمة، مضيفة أن دموعها تنهمر في بعض الأحيان عند سماع مقطع موسيقي أو مشاهدة لقطات من عمل درامي قديم يثير فيها الحنين إلى الماضي.
وتختم ريم حديثها قائلة إن "جيل التسعينيات هو الأوفر حظًا بذاكرته والأكثر تعاسة بتناقضات الحاضر التي يعيشها"، وفق تعبيرها.
-
دراسة: الصحة النفسية لجيل التسعينيات سيئة
أجرى مجموعة من الباحثين في جامعة سيدني بأستراليا، دراسة طولية شملت أكثر من 10000 شخص من مواليد جيل التسعينيات، وتابعوا المشاركين لمدة 10 سنوات، من سن 19 إلى 29 عامًا.
وأفرزت هذه الدراسة أن مواليد جيل التسعينيات هم الأكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب والقلق والاضطرابات العقلية الأخرى.
وأضافت الدراسة أن المشاكل النفسية لهذا الجيل لا تتحسن مع تقدمهم في السن، على عكس الأجيال السابقة، وقد يكون لهذه المشكلة عواقب وخيمة على الأفراد والمجتمعات.
دراسة: مواليد جيل التسعينيات هم الأكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب والقلق والاضطرابات العقلية الأخرى والمشاكل النفسية لهذا الجيل لا تتحسن مع تقدمهم في السن
وشدّد الباحثون، على أن وسائل التواصل الاجتماعي هي التي جعلت المشاركين يشعرون وكأنهم ليسوا جيدين بما فيه الكفاية، وأضافوا أن هناك عددًا من العوامل الأخرى التي عزّزت هذه الظاهرة من بينها التغيرات المناخية والضغوطات الاقتصادية.
وخلصت الدراسة إلى أن هناك حاجة لاتخاذ إجراءات لمعالجة هذه الظاهرة، بما في ذلك توفير المزيد من الدعم للصحة العقلية للجيل الذي ولد في التسعينيات.
-
باحث في علم الاجتماع: "رفقًا بجيل التسعينيات فَهم الأكثر تعاسة بيننا اليوم"
في هذا السياق يرى الباحث في علم الاجتماع معاذ بن نصير، أن جيل التسعينيات هو الجيل المُتحوّل وذلك لعدة أسباب، فقد واكب التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عاشتها البلاد، واكتسب مناعة اجتماعية من خلال معايشته لعدة أحداث وكوارث اقتصادية وصحية، رسّخت لديه الشعور بسرعة التاريخ وأفقدته الشعور بالزمن.
باحث في علم الاجتماع لـ"الترا تونس": مواليد هذا الجيل فقدوا الآمال التي صنعوها لأنفسهم، وهو ما تسبّب في انكفاء العديد منهم على نفسه، ومنهم أيضًا من حاول التخلّص من مشاعر عدم الانتماء
زد على ذلك فإن مواليد هذا الجيل فقدوا الآمال التي صنعوها لأنفسهم، وهو ما تسبب في انكفاء العديد منهم على نفسه، ومنهم أيضًا من حاول التخلّص من مشاعر عدم الانتماء لهذا الزمن بالهجرة والاندماج في مجتمعات أخرى.
كما يضيف بن نصير، لـ "الترا تونس"، بأن دراسة الأجيال انطلقت في عشرينيات القرن الماضي، عندما افترض عالِم الاجتماع كارل مانهايم أن "الشباب الذين يختبرون الأحداث الكبرى والتغيير الاجتماعي السريع يُشكلون أجيالاً أكثر تماسكًا" وهذا هو الحال مع جيل التسعينيات.
ويُقر محدثنا بأنّ "الجيل الذهبي يعيش نوعًا من الحنين لماضيه، فنجد أغلبهم يسترجعون الماضي بكثير من الحسرة، كيف لا؟ وهم يعتبرون أن ماضيهم أفضل من حاضرهم، إذ كانت حياتهم في تلك الحقبة الزمنية أبسط وأقل تعقيداً مقارنةً بالعصر الحالي حتى أن البعض من الباحثين أطلق على هذه الحالة اسم متلازمة جيل التسعينيات".
باحث في علم الاجتماع لـ"الترا تونس": الجيل الذهبي يعيش نوعًا من الحنين لماضيه، وأغلب مواليده يعتبرون أن ماضيهم أفضل من حاضرهم، إذ كانت حياتهم في تلك الحقبة الزمنية أبسط وأقل تعقيداً
ويفسر الأخصائي الاجتماعي هذه المتلازمة بأنها مصطلح غير رسمي، يشير إلى مجموعة من المشاعر والتجارب الثقافية المشتركة بين الأشخاص الذين نشأوا خلال فترة التسعينيات، والتي صار أصغر مواليدها من الرجال والنساء شباباً تخطوا حاجز العشرين من العمر.
وتتضمن هذه المتلازمة ذكريات هذا الجيل التي تشمل الألعاب القديمة، والبرامج التلفزيونية، والموسيقى، والأفلام التي كانت جزءاً من حياتهم اليومية، فضلاً عن دفء الأسرة والصداقة والتجمعات العائلية التي يحن إليها الكثير من أبناء جيل التسعينيات، والتي أصبح من الصعب استعادتها مع مرور الزمن، فهؤلاء "الفتية الكهول" يمزجون بين روح الشباب وحنكة الكهول، وبين طموح الشباب وخبرة الكهول، وبين الرغبة وفقدانها، لذا ختم بن نصير بقوله: "رفقًا بجيل التسعينيات فَهم الأكثر تعاسة بيننا اليوم".
باحث في علم الاجتماع لـ"الترا تونس": رفقًا بجيل التسعينيات فَهم الأكثر تعاسة بيننا اليوم، فهؤلاء "الفتية الكهول" يمزجون بين روح الشباب وحنكة الكهول
-
أخصائي نفسي "مواليد التسعينيات هم الأكثر عرضة للأمراض والصعوبات النفسية"
يوافق الأخصائي النفسي كريم اليعقوبي الطرح الذي يقول إن مواليد جيل التسعينيات هم الأكثر عرضة للأمراض والصعوبات النفسية، حيث يقول إنه "بالإضافة لوسائل التواصل الاجتماعي والتغيرات المناخية هناك ظاهرة اجتماعية أكثر حدّة في تونس مقارنة بالمجتمعات العربية الأخرى وقد انطلقت بقوة مع بداية الثمانينات وتفاقمت خلال التسعينيات، وهي عدم تأقلم المجتمع مع خروج المرأة للعمل من ناحية، وانفصال العائلة النواة عن العائلة الموسعة رغبة في الاستقلالية على مستوى القرار والحياة الزوجية وحتى تربية الأبناء".
وشدد اليعقوبي في حديثه لـ "الترا تونس"، على أن هذه الاستقلالية والحرية والحميمية ولّدت قطيعة على مستوى الثقافة الوالدية، فنجد الأولياء دون خبرة في تربية الأطفال بعد التخلي على المكتسبات التي توارثتها الأجيال.
ومن خلال تجربته في قسم الإنعاش بمستشفى الأطفال بتونس، يؤكد الأخصائي النفسي أنه عاين خلال أواخر التسعينات، أن هناك من الأولياء من يصحب رضيعه إلى القسم وهو في حالة فزع وخوف شديد، في حين أن الرضيع في حقيقة الأمر يعاني من الغازات العادية في البطن، وفي المقابل هناك من الأولياء من يأتي لهذا القسم في حالة لامبالاة في حين يلمّ بالرضيع ارتفاع شديد في درجة الحرارة.
أخصائي نفسي لـ "الترا تونس": فقدان المخزون المعرفي التطبيقي في أساسيات تربية الأطفال وحيرة العائلة أمام طفل مختلف عنهم، أنشأ جيلاً يفتقد للرعاية والتربية السليمة
وأوضح محدّثنا أن فقدان المخزون المعرفي التطبيقي في أساسيات تربية الأطفال وحيرة العائلة أمام طفل مختلف عنهم، ولد ونشأ في ظروف مختلفة عن التي عايشوها، أنشأ جيلاً يفتقد للرعاية والتربية السليمة.
وأشار إلى أن الغرب استدرك هذا النقص على مستوى المهارات الأساسية في التربية والرعاية عبر خلق مؤسسات ومختصين في مرافقة العائلة في تربية الأطفال، كالمرافقات التربويات والأخصائيين النفسانيين والأخصائيين الاجتماعيين أيضًا، لمرافقة الأم مرافقةً لصيقة منذ الولادة، وحتى بلوغ الطفل عمر السنتين دون انقطاع، لضمان سلامة الطفل المادية والنفسية.