"لقد تغيّر زوجي كثيرًا لم يعد ذلك الزوج المحبّ الذي عرفته في سنوات زواجنا الأولى، أصبحت تصرّفاته صبيانيّة ويختلق المشاكل لأتفه الأسباب. لا مبالاته جعلتني أتحمّل أعباء البيت لوحدي. لم أعد أعرف كيف أتعامل معه ولا أفهم لماذا أصبح يتصرف بهذه الطريقة. شيء واحد مؤكد لا أريد أن أخسره" هذه صرخة زوجة تعاني تبعات أزمة يمرّ بها زوجها صاحب الـ43 عامًا.
خالد (اسم مستعار) يعيش تغيّرًا جذريًا في حياته حسب ما روته لنا زوجته سارة (اسم مستعار)، غيّر تسريحة شعره ونمط لباسه وأصبح كثير الانتقاد لها ولأبنائه فلم يعد شيء يعجبه حسب تعبيرها. وبرغم محاولاتها المتكرّرة للتواصل معه وفهم الحالة التي يمرّ بها إلّا أنّ الوضع يزداد سوءًا يوما بعد يوم خاصّة بعد أن اكتشفت علاقاته الافتراضيّة الغراميّة عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك". وهو ما عزّز الهوّة بين هذين الزوجين وأصبحا يعيشان نوعًا من الطلاق العاطفي حسب ما تحدّثت به سارّة لـ"ألترا تونس".
اقرأ/ي أيضًا: الحب بعد الخمسين.. اختبار خطير للّياقة العاطفيّة (قصص حقيقية)
سنّ الأربعين..عمر النضج أم عمر الفجاجة؟
منتصف العمر هي المرحلة العمريّة المفصليّة التي يقف فيها المرء متأرجحًا بين ما مضى من طفولته وشبابه وما ينتظره من شيخوخة ومشيب.
اختلفت مدارس علم النفس في تحديد خصوصيّة هذه المرحلة، فمنهم من اعتبرها مرحلة نضج وحكمة واتّساع مدارك الوعي وآخرون اعتبروها مرحلة الأزمات والضائقات. وهو ما أكّده الإخصائي النفساني مروان النويري في حديثه معنا، مؤكدًا أن وجود أزمة منتصف العمر لم تكن محلّ اتّفاق بين العلماء إلّا أنّ عديد الأبحاث أقرّت بوجودها.
منتصف العمر هي المرحلة العمريّة المفصليّة التي يقف فيها المرء متأرجحًا بين ما مضى من طفولته وشبابه وما ينتظره من شيخوخة ومشيب
وأضاف محدثنا أنّها مرحلة انتقاليّة تمتدّ ما بين سنّ الأربعين وسنّ الخمسين قد يعيشها سواء الرجل أو المرأة وتحدث فيها تغيّرات على المستوى النفسي كما يعيش الشخص الذي يمرّ بها نوعًا من التوتّر والقلق.
ويفسّر الإخصائي النفساني الأمر بأنّ حياة الانسان منقسمة لعديد المراحل من الطفولة إلى الشباب فالكهولة من ثمّ الشيخوخة والمرور من مرحلة لأخرى يحتّم وجود أزمة لعديد أسباب منها التغيرات الفيزيولوجية والبيئيّة والدخول في تجارب وضغوطات جديدة.
كيف تتعرف على رجل يعاني من أزمة منتصف العمر؟
أزمة منتصف العمر أو أزمة الأربعين، قد تختلف التسميات لكنّ المعاناة واحدة إذ يعيش صاحب هذه الأزمة تغييرات جذرية في حياته اليوميّة.
وتكمن تمظهرات هذه الأزمة على المستوى المهنيّ أو العلاقات الشخصيّة الاجتماعية أو الأسرية (الزوجة وتربية الأبناء) حسب ما أكده لنا الإخصائي النفساني مروان النويري. محدثنا بيّن أن تغيرات مفاجئة تحدث في شخصية هذا الرجل الذي يدخل في حالة إحباط وتوتر وانطواء وميل إلى العزلة بالإضافة إلى اللامبالاة والتملّص من المسؤوليّة، كما يعيش اضطرابات في النوم والأكل وقد تصل إلى حالات اكتئاب بمستوياته المختلفة على حدّ تعبيره. ويضيف أنّ هذا الشخص يصبح أكثر اهتمامًا بمظهره الخارجيّ ويغيّر نمط لباسه وتسريحة شعره لإخفاء أي أثر للزمن.
مروان النويري (إخصائي نفساني): قد نصل إلى أعراض خطيرة خاصّة بالنسبة للأشخاص المتزوجين مثل البحث عن علاقات غراميّة جديدة بسبب الإحساس بعدم الاكتفاء مع شريكته
ويؤكّد مروان النويري أنّ هذه المرحلة يمكن تسميتها بالمراهقة الثانية نظرًا للتشابه في الأعراض بينها وبين المراهقة الأولى فقد يظهر عند هذا الرجل تفكير متهوّر وقد يتخذ قرارات غير مسؤولة، بالإضافة إلى أنّه قد يعيش حالة تمرّد ورغبة جامحة في التحرّر من القيود كما يبحث عن تعويض النقص والفراغ الذي يعتقد أنّه عاشه في فترة شبابه على حدّ تعبيره.
ويكمل الإخصائي النفساني حديثه لـ"ألترا تونس" قائلًا:" قد نصل إلى أعراض خطيرة خاصّة بالنسبة للأشخاص المتزوجين مثل البحث عن علاقات غراميّة جديدة بسبب الإحساس بعدم الاكتفاء مع شريكته أوالتملّص من المسؤولية تجاه الزوجة وتربية الأبناء وهو ما يزيد الوضع سوءا داخل البيت".
كما يضيف أن الرجل الذي يعيش أزمة الأربعين يسقط مشاعره السلبية على أيّ سلوك يرصده أو أيّ حدث يعيشه نتيجة هذه الأزمة ويجعله غالبًا يحمل نظرة تشاؤميّة للواقع وللأحداث وفق تأكيد محدثنا.
أسباب أزمة الأربعين
قد يشعر بعض الرجال مع بداية الأربعين بأنهم لم يستفيدوا بشكل كافٍ من شبابهم، وبالتالي يقرّرون تعويض الوقت الضائع باعتماد طرق وأساليب مرفوضة اجتماعيًا.
وقد تنوّعت التحليلات في مختلف المدارس النفسيّة لتفسير أزمة الكهولة وتوصّلت لمجموعة من الفرضيات والاحتمالات، فيوجد من أرجعها للتحوّلات الفيزيولوجية والهرمونية التي يشهدها الجسم في هذه الفترة وخاصّة ضعف التستوستيرون الذي يؤثّر على القدرة الجنسية والرغبة في إقامة علاقة حميميّة وهذا ما ينعكس بالضرورة سلبيًا على نفسيّة هذا الرجل.
تنوّعت التحليلات في مختلف المدارس النفسيّة لتفسير أزمة الكهولة (Getty)
اقرأ/ي أيضًا: رجال تونسيون ضحايا العنف "المؤنث"
وقد اعتبر الإخصائي النفساني مروان النويري هذا التفسير غير مقنع كثيرًا نظرًا لأنّ كثير من الرجال لا يعيشون هذه الأزمة رغم مرورهم حتميًا بمرحلة الاضطرابات الهرمونيّة. وأكّد مخاطبنا أنّ دخول الرجل في أزمة الأربعين غالبًا ما يكون بعد حدث صادم يشكّل نقطة اندلاع للأزمة مثل وفاة قريب أو فشل مهني أو عدم التوفّق في العلاقة الحميميّة.
وتناولت بعض المدارس الأخرى، حسب ما يذكره النويري، أسباب نفسيّة أخرى كعدم أو نقص الاشباع العاطفي المخزّن في اللاوعي (حسب مدرسة التحليل النفسي) والذي يعود لمرحلة الطفولة الأولى في علاقته بأمّه وظهوره مرّة ثانية في علاقته مع زوجته. كما أشار إلى أهمية الاحتواء والاشباع العاطفي (Continance) في التوازن النفسي.
قد يشعر بعض الرجال مع بداية الأربعين بأنهم لم يستفيدوا بشكل كافٍ من شبابهم وبالتالي يقرّرون تعويض الوقت الضائع باعتماد طرق وأساليب مرفوضة اجتماعيًا
وأضاف أنّ التقدير المنخفض للذات من الأسباب الرئيسيّة لهذه الأزمة "فما يعيشه هذا الأربعيني منذ الطفولة من انتقادات وإهانات وإبراز للعيوب من الوالدين أو المدرّسين من ثمّ من زوجة متملّكة أو مسترجلة يساهم في انخفاض مستوى التقدير الذاتي" وفق حديث الإخصائي النفسي لـ"ألترا تونس". ويشير أيضًا إلى أن انقطاع قنوات التواصل مع الزوجة وفتور العلاقة الزوجيّة تدفع الرجل للبحث عن إثبات الذات وكسر كل القيود التمرّد على العلاقة وإيجاد بديل إمّا في الواقع أو في العالم الافتراضي.
ويقول محدّثنا: "في مرحلة الأربعين يعيش الرجل ضغوطات مالية واجتماعية لسدّ احتياجات الزوجة والأبناء توفير العيش الكريم لهم. وإن عدم القدرة على التأقلم مع هذه الضغوطات ووجود أرضيّة ملائمة بالإضافة إلى بعض الرغبات المكبوتة في الطفولة والمراهقة كلها قد تعزّز أزمة منتصف العمر".
ويضيف الإخصائي النفسي أن هناك ما يعرف بالعدوى الاجتماعية والتي قد تكون من أسباب هذه الأزمة إذ أنّ مرور أحد الأصدقاء أو الأٌقارب بها يولّد تقليدًا لاشعوريًا من باب الانسجام والتوافق الاجتماعي.
ويختم محدّثنا أنّ الذي يمرّ بأزمة منتصف العمر يعاني من هاجس اقتراب الموت والخوف من نهاية العمر وشكواه الدائمة من أنّه غير راض عن شبابه وأنّه لم يتمكّن من انجاز ما يصبو إليه على حدّ تعبيره.
كيف نحمي علاقاتنا الزوجيّة من أزمة الأربعين؟
"أيّ انحراف سلوكي في هذه المرحلة ليس بالضرورة من مظاهر الأزمة" هذا ما أكّده الأستاذ النويري لـ"ألترا تونس" مشيرًا إلى إنّه من المهم الوعي بهذه المرحلة سواء من الزوج أو الأشخاص المحيطين به دون جعل الأمر هاجسًا على حدّ تعبيره. وأضاف أنّ هذه الفترة تحتاج كميّات كبيرة من الحب والتفاهم والاحترام لأنّها تنقص من الضغط والتوتّر الذي يعيشه الرجل في هذه المرحلة. وأشار إلى ضرورة منح الزوج كلّ الاهتمام وتثمين كلّ ماهو إيجابي في حياته المهنيّة أو الأسريّة وتجنّب النقد واللوم.
لا يوجد علاج معجزة لأزمة منتصف العمر لكنها فرصة عظيمة لاكتشاف الذات والإبحار في خفايا النفس ومواصلة رحلة الحياة في توازن نفسي
وأكّد محدّثنا، في هذا الإطار، قائلًا: "من الضروري منح النفس فترات تأمّل لتجديد الأهداف ومراجعة الرؤى بالإضافة إلى ملئ الفراغ بأنشطة مفيدة كالأنشطة الخيريّة والتطوّعية التي تعطي شعور بتقدير الذات وإحساسًا بالأمان النفسي". وأضاف أنّه من المهم جدًا الاستئناس بإخصائي نفساني (psychologue) للمساعدة في الخروج من هذه الأزمة.
لا يوجد علاج معجزة لأزمة منتصف العمر، لكنها فرصة عظيمة لاكتشاف الذات والإبحار في خفايا النفس ومواصلة رحلة الحياة في توازن نفسي. كما يمكن أن تكون مرحلة للتواصل الصادق والحقيقي بين الزوجين يعيد البريق وشرارة الحب للعلاقة.
اقرأ/ي أيضًا:
رسائل الحب بين الأمس واليوم.. من سهاد المحبوب إلى السهر على فيسبوك
المنشطات الجنسية.. البحث عن الفحولة في دكاكين العطارين