لولاه، يُرجح كثيرون، لما سمعنا يومًا بالكنيسة "المارادونية"، المعروفة باسم (Iglesia Maradoniana) أو كنيسة مارادونا، فهل سمعتم عنها؟
أتحدث عن علي بن الناصر، حكم تونسي ساهم في تحويل أسطورة كروية تدعى مارادونا إلى إله يعبده البعض، يتباركون به ويتضرعون إليه في كنيسة خاصة، إليكم تفاصيل القصة.
يعود الأمر إلى سنة 1986 وتحديدًا إلى فترة انعقاد البطولة رقم 13 في تاريخ بطولات كأس العالم لكرة القدم، والتي أقيمت في المكسيك في الفترة من 31 ماي/ آيار وحتى 29 جوان/ يونيو. ولمزيد من الدقة يتعلق الأمر بإحدى مباريات الدور الربع نهائي، التي جمعت ذات 22 جوان/ يونيو 1986، في ملعب أزتيكا بمكسيكو، منتخبي إنجلترا والأرجنتين، وانتهت المباراة بفوز الأخيرة بهدفين لهدف واحد، وقد أمضى الهدفين وترشح الأرجنتين أسطورة الكرة مارادونا.
علي بن الناصر، حكم تونسي ساهم في تحويل أسطورة كروية تدعى مارادونا إلى إله يعبده البعض، يتباركون به ويتضرعون إليه في كنيسة خاصة
في ذلك اليوم وتلك المباراة تحديدًا، سجل مارادونا ما صار يُعرف إثر ذلك بـ"هدف الله"، هدف باستعمال اليد، شاهده الكثيرون إلا الحكم، الذي أقر صحته وهو ما انجر عنه فوز الأرجنتين وترشحها بل أكثر من ذلك فوزها بكأس العالم بعد فوزين أمام كل من بلجيكا في النصف النهائي ثم ألمانيا الغربية في الدور النهائي. هذا الحكم، الذي تسبب خطأ في صيته، هو الحكم الدولي التونسي علي بن الناصر.
الهدف الذي سُجل باليد في كأس العالم 1986 (Getty)
اقرأ/ي أيضًا: هل لا تزال تتذكر تاريخ تونس في مونديال كرة القدم؟.. إليك أبرز التفاصيل
لكن الأمر لم يتوقف عند شهرة حكم أو احتفاء بلاعب أو حتى فوز منتخب بكأس العالم، "هدف الله" حوّل مارادونا إلى إله عند البعض. فأسطورة الكرة الأرجنتينية استغلت الهدف الشهير بشكل باهر. كان في ربيعه الخامس والعشرين راوغ ستة لاعبين من المنتخب الإنجليزي ثم حارس المرمى بيتر شيلتون، وسجل هدفًا بدا وكأنه أحرزه بضربة رأس لكنه سجله معتمدًا يده، اليد التي قال عنها مارادونا بعد المباراة "إنها يد الله التي أحرزت هذا الهدف".
قال مارادونا بعد هدفه باليد في مباراة منتخبه ضد المنتخب الإنجليزي في كأس العالم سنة 1986: "إنها يد الله التي أحرزت هذا الهدف"
وحقق فوزًا اعتبره الأرجنتينيون رد اعتبار بعد هزيمة القوات الأرجنتينية ضد القوات البريطانية في حرب جزر الفوكلاند عام 1982 (حرب قامت يوم 2 أفريل/ نيسان 1982 بعد اجتياح الأرجنتين عسكريًا لجزر الفوكلاند قصد تحريرها واسترجاعها، إلا أن بريطانيا لم تتخل عن هذه الجزر فتدخلت بأسطولها البحري والجوي في حرب مع الأرجنتين وكانت الغلبة لبريطانيا).
انتهت المباراة إذًا بفوز الأرجنتين على إنجلترا بهدفين لهدف، رغم احتجاجات حادة من لاعبي المنتخب الإنجليزي إزاء "هدف الله" غير أن الحكم رفض هذه الاعتراضات وتمسك بقراره. والأكيد أن بن الناصر، الحكم الدولي التونسي، لم يكن يعرف أنه سيشتهر بهذا الخطأ التحكيمي وأنه سيساهم من خلاله في تحويل لاعب كرة قدم إلى معبود البعض في الأرجنتين وحول العالم.
يذكر أن علي بن الناصر، وهو من مواليد مارس/ آذار 1944، قد كان حكمًا دوليًا بين 1976 و1991. وقد حكّم في عدد من المباريات المهمة في كؤوس إفريقية عدة منها نهائي كأس أمم إفريقيا سنتي 1984 و1986. وزاره مارادونا في تونس في أوت/ أغسطس 2015، وذلك في منزله وأهداه قميصه مع المنتخب الأرجنتيني وشكره من أجل "هدف الله" الشهير.
عند الاطلاع على موقع "الكنيسة المارادونية"، تعترضك معلومات عديدة عن تاريخ تأسيسها، وصاياها، نص الصلاة فيها، قانونها وأعيادها وغير ذلك. يبدو الأمر إذًا واقعيًا إلى أبعد الحدود رغم سخرية البعض عند الإعلان عنها في 30 أكتوبر/ تشرين الأول عام 1998، الموافق لذكرى ميلاد مارادونا.
رمز الكنيسة المارادونية (موقع الكنيسة)
على الصفحة الأولى يوضحون: الديانة: كرة القدم، الإله: مارادونا ووظيفة الكنيسة: "المحافظة على العاطفة والسحر، اللذان يلعب بهما مارادونا كرة القدم..". ويصفون إلاههم: "مارادونا تغلّب على حواجز المحاكم والملاعب. استقر في حياة الكثير منا كثقافة.. نرى وجهه واسمه على القمصان، الجدران المطلية، الملصقات وأمور أخرى. إذا قام أحدهم بخطوة مستحيلة، نقول إنه مارادونا. إذا رأينا قميص كرة القدم مع عدد 10 نتذكره، إنه أسطورة حية، إله كرة القدم..".
جدارية "يد الله" في هلسنكي بفنلندا (ويكيبيديا)
للكنيسة المارادونية، ومقرها روساريو بالأرجنتين، عشر وصايا تبيناها من موقعها الرسمي وهي التالية: لا تُلوث الكرة، أحب كرة القدم أكثر من أي شيء، أعلن حبك غير المشروط لدييغو مارادونا ولكرة القدم الجيدة، دافع عن قميص الأرجنتين واحترم الناس، أنشر أفكار دييغو في كل الكون، صلي في الأماكن التي بشّر فيها، لا تُشهر اسم دييغو في ناد واحد، بشّر بتعاليم الكنيسة المارادونية، أطلق اسم دييغو على مولودك الجديد، ولا تكن شخصًا متهوّرًا ولكن لا تسمح للسلحفاة أن تهرب.
للكنيسة المارادونية عشر وصايا ومنها أن لا تُلوث الكرة وأن تحب كرة القدم أكثر من أي شيء وأن تعلن حبك غير المشروط لدييغو مارادونا
وتحتفل هذه الكنيسة بعيدين في السنة، هما 29 أو 30 أكتوبر/ تشرين الأول، الموافق لرأس السنة المارادونية، وهو يوافق عيد ميلاد مارادونا، ويتجمع عشاقه داخل الكنيسة يوم مولده وهم يتغنون باسمه أمام صوره وتماثيله ويؤدون طقوسًا، يعتبر الكثيرون أنها مشابهة للطقوس الدينية داخل الكنائس المسيحية. أما العيد الثاني فهو في تاريخ 22 جوان/ يونيو، وهو يتزامن مع يوم الاحتفال بهزيمة إنجلترا أمام الأرجنتين في كأس العالم عام 1986 بعد الهدف الممضى بـ"يد الله" كما يقول مارادونا.
اقرأ/ي أيضًا: نبيل معلول خامسهم.. من درّب المنتخب التونسي في منافسات كأس العالم سابقًا؟
في الكنيسة المارادونية في نابولي بإيطاليا (ويكيبيديا)
في ختام الجولة في عالم المارادونية، من السهل ملاحظة أن معظم التراتيل والصلوات المعتمدة مستمدة من الكنيسة المسيحية مع إدخال تعديلات مثل استبدال اسم الله أو المسيح أو مريم باسم دييغو. كما من الملاحظ تكرار الحديث بين مريدي هذه "الكنيسة" عن عظمة "اليد" التي سجلت الهدف الذي لم يراه الحكم وتعداد محاسنها. هدف صادق على صحته تونسي سهوًا، غالبًا، لكنه ساهم من خلاله في الترويج لأسطورة كروية تحولت بسرعة إلى أكثر من ذلك بكثير رغم كل ما رافق مسارها من أزمات وهفوات.
اقرأ/ي أيضًا:
تعرف على الملاعب الثلاثة التي ستلعب فيها تونس مباريات المونديال
"عيش تونسي".. منتخب آخر في روسيا من أبطال تونس