الترا تونس - فريق التحرير
عمدت قوات الأمن في تونس، الجمعة 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، إلى منع مسيرة لمتساكني جرجيس الذين يحتجون على تعامل السلطة مع ملفّ مفقودي المدينة إثر غرق قارب للهجرة غير النظامية منذ نحو شهرين، مستعملة القوة والغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين فضلًا عن إيقافات العشرات من المتظاهرين، قبل أن يتم إطلاق سراحهم بعد ساعات من الإيقاف.
وكانت مسيرة المحتجين متوجهة إلى جزيرة جربة التي تحتضن القمة الفرنكوفونية في دورتها الـ18، يومي السبت والأحد 19 و20 نوفمبر/تشرين الثاني 2022. وتم اعتراضها على مستوى الجسر الرابط بين جرجيس وجربة من قبل قوات أمنية.
تعرضت مسيرة لمحتجين من جرجيس في اتجاه جربة التي تحتضن القمة الفرنكوفونية إلى المنع من قبل قوات الأمن باستعمال القوة والغاز المسيل للدموع وإيقاف عشرات المحتجين لساعات قبل أن يتم إطلاق سراحهم
وأكد نشطاء أن قوات الأمن التي اعترضت المسيرة السلمية التي انطلقت صباح الجمعة من جرجيس في اتجاه جربة، عمدت إلى اعتقال عشرات الشباب المحتجين، ليتم إطلاق سراحهم بعد ساعات من الإيقاف وفق ما أكده الناشط الحقوقي علي كنيس، الذي أشار إلى أنه تم الإبقاء على المصور الصحفي عز الدين مسلم في حالة إيقاف.
وفي حدود الساعة الثامنة والنصف من مساء الجمعة، أعلن الصحفي المصور عز الدين مسلم، في تدوينة على صفحته فيسبوك، أنه غادر منطقة الأمن بحومة السوق حيث كان موقوفًا واستعاد معدات التصوير، مشيرًا إلى أنه تسلم استدعاء لحضور جلسة بالمحكمة الابتدائية بمدنين يوم 7 ديسمبر/كانون الأول المقبل.
وقد أثارت أحداث جرجيس عديد التفاعلات على الساحة السياسية والحقوقية في تونس، وعبرت أحزاب ومنظمات تونسية عن تنديدها بالتعامل الأمني العنيف مع المتظاهرين وسياسة الدولة في التعامل مع ملف مفقودي جرجيس منذ انطلاق الفاجعة في 21 سبتمبر/أيلول 2022.
- منظمات وجمعيات:
وقد أصدرت 28 جمعية ومنظمة تونسية بيانًا تضامنيًا مع "أهالي جرجيس"، مساء الجمعة 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، مشددين على استنكار قمع التحرك الاحتجاجي لأهالي جرجيس، وفي بيان لها، أكدت الجمعيات الموقعة أن "قوات أمنية ضخمة تمركزت فجرًا في المفترقات الرابطة بين جرجيس وجربة لقمع الاحتجاج السلمي الذي قرر أهالي جرجيس تنظيمه لإيصال أصواتهم المطالبة بكشف الحقيقة في الفاجعة البحرية ليوم 21 سبتمبر"، مضيفة أنه "لم يسلم من هراوات البوليس الكبار والصغار وتم استعمال قنابل مسيلة للدموع منتهية الصلاحية، استهدفت حتى النساء والقصّر بل حتى حرم مدرسة ابتدائية".
جمعيات ومنظمات تونسية: نستنكر قمع التحرك الاحتجاجي لمتساكني جرجيس حيث لم يسلم من هراوات البوليس الكبار والصغار وتم استعمال قنابل مسيلة للدموع منتهية الصلاحية
وتابعت "كما تم إيقاف العشرات من الشباب وقادة الحراك الاحتجاجي ومقايضتهم بعودة الأهالي إلى جرجيس، كما تواصلت مطاردات المحتجين إلى داخل مدينة جرجيس التي تشهد احتقانًا متصاعدًا".
- النهضة:
ومن جهتها، أدانت حركة النهضة "بشدة اللجوء للمقاربة الأمنية في التعامل مع التحرك الاجتماعي المشروع لأهالي مدينة جرجيس بعد عجز السلطة وفشلها في التواصل والحوار معهم"، حسب تعبيرها.
حركة النهضة: ندين بشدة اللجوء للمقاربة الأمنية في التعامل مع التحرك الاجتماعي المشروع لأهالي مدينة جرجيس بعد عجز السلطة وفشلها في التواصل والحوار معهم
وطالبت، في بيان أصدرته مساء الجمعة، بالإقلاع عن كل ما من شأنه تغذية الاحتقان والتشنج والدفع للصدام، مستنكرة "سلوك السلطة الذي لا يعبر عن شعور بهول الفاجعة التي حلّت بالمدينة، ولا ينهض بواجب التخفيف من آلام ذوي الضحايا وأهالي الجهة ومشاركتهم في هذا المصاب الجلل، ومساعدتهم على كشف حقيقة ما جرى وتحميل المسؤوليات ومن ثمة تجاوز هذه المرحلة الدقيقة"، وفق نص البيان.
- الحزب الجمهوري:
بدوره، ندد الحزب الجمهوري، الجمعة 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، بمواجهة السلطة للمسيرة السلمية لمتساكني جرجيس بـ"القمع والإطلاق الكثيف للغاز المسيل للدموع عليهم، بينما يتواجد وزراء الحكومة على بعد أميال منهم لحضور القمة الفرنكوفونية في جزيرة جربة دون تكليف أنفسهم عناء التوجه إلى مدينة جرجيس والاستماع إلى مشاغل المواطنين هناك".
الحزب الجمهوري يندد بـ"مواجهة السلطة لمسيرة جرجيس بالقمع والغاز المسيل للدموع، بينما يتواجد وزراء على بعد أميال منهم لحضور القمة الفرنكوفونية بجربة دون تكليف أنفسهم عناء التوجه لجرجيس"
وندد الجمهوري، في بيان له، بـ"التجاء السلطة مرة أخرى إلى القمع كخيار وحيد في التعاطي مع مطالب التونسيين، وبعجزها التام عن إدارة الدولة وإيصالها البلاد إلى حافة الهاوية"، معتبرًا أن ما وصفها بـ"المساحيق التي تدخلها السلطة على جزيرة جربة بمناسبة القمة الفرنكوفونية لن تحجب عن العالم تدهور معيشة التونسيين ومعاناتهم التي بلغت حدًا لا يطاق في ظل سلطة الانقلاب وخياراتها الشعبوية الفاشلة"، حسب ما ورد في نص البيان.
- آفاق تونس:
ومن جانبه، عبر حزب آفاق تونس، ليل الجمعة 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، عن استنكاره "الشديد" لاستعمال القوة ضد المسيرة السلمية لأهالي جرجيس، مذكرًا بما رافق فاجعة غرق أبنائهم من إهمال وسلبية من قبل السلطات المركزية والجهوية، إلى جانب امتناع الرئيس التونسي قيس سعيّد عن بذل العناية اللازمة في هذه الأزمة، وفق ما ورد في بيان للحزب.
آفاق تونس يدين "كل الإجراءات القمعية التي تهدف إلى الحد من الحريات العامة وانتهاك حقوق الإنسان"
وأدان آفاق تونس، في بيان له، "كل الإجراءات القمعية التي تهدف إلى الحد من الحريات العامة وانتهاك حقوق الإنسان"، مشددًا على أن الممارسات التسلطية البائدة لن تؤدي سوى إلى سقوط مرتكبها، وأن الأوضاع التي تعيشها تونس اليوم هي نتيجة طبيعية لانعدام الكفاءة والفشل الواضح في إدارة شؤون الدولة رغم انفراد الرئيس قيس سعيّد بالحكم وامتلاكه لكل الصلاحيات التنفيذية والتشريعية، وفق تعبيره.
يشار إلى أن الرئيس التونسي قيس سعيّد مساء الجمعة 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، خلال زيارته للقرية التونسية للفرنكوفونية في جزيرة جربة، قبل يوم من انطلاق القمة الفرنكوفونية، على المسيرة الاحتجاجية التي قادها عدد من أهالي جرجيس متجهين نحو جربة، في محاولة لإيصال أصواتهم بعد فاجعة فقدان أبنائهم في هجرة غير نظامية في سبتمبر/أيلول الماضي، وما أحاط بها من ملابسات، اعتبروها تقصيرًا من مؤسسات الدولة.
سعيّد: "صبرًا يا أهل جرحيس.. وهناك من يعمل من أجل مآرب أخرى ويريد أن يُتاجر ببؤس ومصائب وأحزان المواطنين ليصل إلى مآرب سياسية يعلمها الجميع"
وقال سعيّد، في تصريح إعلامي، "صبرًا قليلاً يا أهل جرجيس وعزاء لعائلات الشهداء"، مضيفًا "أعتبرهم من الشهداء لأنهم ضحايا الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية"، مستدركًا القول: "لكن هناك من يعمل من أجل مآرب أخرى.. من يريد أن يُتاجر ببؤس ومصائب وأحزان المواطنين ليصل إلى مآرب سياسية يعلمها الجميع فلن يصل إليها"، وفق تعبيره.
وتابع، في ذات السياق، "وقضية الهجرة غير النظامية لا يمكن حلها إلا بتصور مختلف عن الحلول السابقة القديمة الأمنية لكن يجب أن تتحمل الدول الأوروبية مسؤوليتها.. هم كانوا يأتون إلى تونس في وقت من الأوقات.. يجب أن يكون الحل جماعياً بعيدًا عن المقاربات الأمنية ويجب أن نقضي على الأسباب التي أدت بشبابنا وعائلاتنا إلى ركوب قوارب الموت".
يشار إلى أن جرجيس تشهد طيلة الأسابيع الأخيرة سلسلة من التحركات احتجاجية، إثر فقدان 18 من أبنائهم بعد غرق قارب للهجرة غير النظامية منذ 21 سبتمبر/أيلول 2022 والتفطن لدفن جثامين عدد منهم في مقبرة "الغرباء" دون إجراء تحاليل جينية لها.