ما من شك أنّ "الأخبار الزائفة" ليست بظاهرة حديثة بل وجدت منذ قديم الأزل، لكنّ الجديد في الأمر هو توسع هذه الظاهرة وامتداد انتشارها مع التطوّر السريع لتكنولوجيات الإعلام والاتصال وسرعة انتشار المعلومة والمحتوى في وسائل الإعلام الرقمية التي جعلت البعض يقع في فخ الأخبار المغلوطة والمعلومات المُضلّلة سواء عن طريق الخطأ أو عمدًا أو صُدفة أو ربّما سهوًا أو افتقارًا للآليات الصحيحة والمنهجيّة للتدقيق والتأكد والأسباب عديدة ومتنوعة قد يطول شرحها.
في الكثير من الأحيان ونحن نتصفّح شبكات التواصل الاجتماعي يعترضنا كمّ هائل من المعلومات والأخبار والصور والفيديوهات التي يتشاركها البعض بصفة متواصلة لكن يتّضح لنا بعدها أنها لم تكن مجرّد إشاعات أو محتويات مُفبركة للتضليل أو التّأثير أو لأيّ سبب آخر. صحيح؟ هل لاحظتم ذلك؟
فسحت وسائط الميديا الاجتماعية مجالًا أرحب لزيادة سرعة انتشار "الأخبار الزائفة" التي قد تصل بصفة أكبر وأسرع إلى الجمهور مقارنة بالأخبار الحقيقية داخل الفضاء الافتراضي، خاصة أنّ مواقع التواصل الاجتماعي تفتقر إلى الرقابة
قد يذهب البعض إلى تصديق كلّ ما ينشر دون أدنى تفكير أو بذل جهد للتحقّق. هذا طبيعيّ جدًّا، فقد فسحت وسائط الميديا الاجتماعيّة مجالًا أرحب لزيادة سرعة انتشار الشائعات و"الأخبار الزائفة" التي قد تصل بصفة أكبر وأسرع إلى الجمهور مقارنة بالأخبار الحقيقية داخل الفضاء الافتراضي، خاصة أنّ مواقع التّواصل الاجتماعي تفتقر إلى الرّقابة وهو سبب يمكن أن نعتبره مُقنعًا، ينزع عنها صفة المصداقية والمهنية ويدعونا إلى البحث والتثبّت أكثر.
فقد توغّلت الأخبار الكاذبة في عُمق شبكات التواصل الاجتماعي ليجد البعض أنفسهم تائهين في كومة من الأخبار المُتضاربة، والفَطِن من اكتسب مهارات التّدقيق واستطاع التّمييز بين ما هو مُضلّل وما هو حقيقي، في المقابل يستهلك البعض الآخر كلّ ما يُنشر دون استخدام ملكة التفكير والنقد حتى أنّ بعض وسائل الإعلام التونسية أصبحت تعتمد وسائل التواصل الرقمي كمصدر للخبر والمعلومة دون بذل جهد للتدقيق والتأكّد من مدى صحتها وذلك بهدف تحقيق إما الإثارة أو ما يعرف بـ"البوز" أو السّعي الدائم إلى تحقيق السبق الصّحفي وضمان بقائها في المراتب التنافسية الأولى.
صحيح أتّفق معكم أنّ الفضاء الإلكتروني قد سهّل إلى حدّ ما التّواصل وإيصال المعلومة والتّفاعل وتبادل الآراء واكتساب المعارف لكن من المؤسف أنّ هذا التطّور الرّقمي قد تحوّل إلى أرضيّة خصبة لنشر "الأخبار الزّائفة" ودفع البعض إلى التنصّل من مسؤوليّته الاجتماعيّة والأخلاقيّة في تقديم محتوى مهني ذا قيمة وجودة. فلم يعد التّنافس اليوم يقوم على جودة المنتوج الصّحفي أو قيمة المحتوى المُقدّم ومصداقيّته بل أصبح الهدف الرّئيسي هو استمالة أو جذب الجمهور بفئاته المُتنوّعة وتحقيق الإثارة.
لنتّفق بداية على تحديد مفهوم الأخبار الزائفة والمعلومات المُضلّلة.
- ما هي الأخبار الزائفة والمعلومات المُضلّلة؟
الأخبار الزائفة أو المفبركة مصطلح يطلق على المضامين والمحتويات التي لا تنبني على حقائق وتظهر لغرض التّضليل أو لغايات أخرى متعدّدة ومختلفة. ذكرت دراسة بحثيّة أنجزت سنة 2020 أنّ عبارة "الأخبار المفبركة " انتشرت أكثر ولقيت رواجًا وشهرة واسعة بعد تصريح الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي ساهم بشكل كبير في حدة انتشار هذا المصطلح إثر تهجّمه على وسائل الإعلام خلال تصريح له وردّه على أخبارها التي لا يتّفق معها أو يصنّفها باعتبارها معادية له. تكرّرت هذه العبارة كثيرًا في خطاباته ولقاءاته الجماهيريّة وغزت التّغريدات وسائل التواصل الاجتماعي ثمّ أصبحت من التّعبيرات الأكثر تداولًا.
يُؤدّي الافتقار إلى التفكير التحليلي والنقدي وإلى التفكير الحدسي وإهمال الإشارة إلى المصادر أو المعارف وتصديق الحقائق الوهمية إلى سهولة تكوين المعتقدات الخاطئة وتعزيز انتشار الزيف والتضليل
لتحديد بيئة هذه "الأخبار الزائفة" والمعلومات المضلّلة نحن بحاجة إلى تحديد أنواع المحتويات المختلفة التي تتمّ مشاركتها ودوافع إنتاجها وطرق نشرها. في هذا السياق يمكن أن نُميّز بين أنواع مختلفة من المحتويات المزيّفة. صنّفت مؤسسة First Draft، وهي شبكة عالميّة من الصحفيين للتحقق وتقصّي الحقائق وحماية المجتمعات من التزييف والتضليل، المعلومات الخاطئة إلى سبعة أنواع:
وهي المحتوى الخاطئ، يمكن أن يتجسّد في شكل محتوى مفبرك يهدف إلى الخداع والأذى، محتوى مُزوّر في حال انتحال هويّة المصادر الحقيقية، محتوى مُضلّل يتمثّل في استخدام معطيات أو معلومات مُضلّلة وخاطئة أو في شكل التهكّم والسخرية، قد لا يحمل ذلك نية إلحاق الأذى والضرر لكنه يهدف إلى تضليل الرأي العام، إضافة إلى التلاعب بالمعلومات أو الصور الحقيقية لغاية الخداع والسياق المزيف الذي يتجلّى في مشاركة محتوى حقيقي مع معلومات مُزيفة ضمن السياق والربط المزيف وهي عندما لا تدعم العناوين الرئيسية أو الفرعية أو الصور باقي المحتوى.
اقرأ/ي أيضًا: الصحافة التونسية أمام امتحان "الشعبوية"
كلّها أشكال متعدّدة ومتنوّعة للتّضليل والتّزييف لم تأت من فراغ، من المؤكّد أنّ هناك عدّة عوامل مختلفة تقف وراء ظهورها وانتشارها. ما رأيكم إذا أن نتطرّق إلى بعض الدّوافع وراء تصديق الأخبار الكاذبة والمعلومات المُضلّلة؟
- أيّ دوافع تقف وراء انتشار وتصديق المعلومات المضللة؟
تُساهم مجموعة من العوامل المختلفة في تكوين معتقدات خاطئة تجعل البعض أكثر عُرضة لتصديق الأخبار والمحتويات الكاذبة. تُبيّن إحدى الدّراسات الميدانيّة الحديثة أن هناك عوامل معرفية وعوامل اجتماعية عاطفية تقف وراء انتشار المعلومات المُضللة ذلك أنّ المحتوى العاطفي للمعلومات الرائجة يُؤثر على تكوين المعتقد الخاطئ، إذ غالبًا ما يحتوي المحتوى المضلّل، الذي ينتشر بسرعة وعلى نطاق واسع على الإنترنت، على نداءات للعاطفة يمكن أن تزيد من درجة الإقناع.
على سبيل المثال، يمكن للرسائل التي تهدف إلى توليد الخوف من الأذى أن تغيّر المواقف والنوايا والسلوكيات بنجاح في ظل ظروف معينة إذا شعر المتلقون أن بإمكانهم التصرف بفعالية لتجنب الضرر وهو ما يذكّرنا بالمعلومات الرّائجة عند بداية انتشار الوباء.
كما يُؤدّي الافتقار إلى التفكير التحليلي والنقدي وإلى التفكير الحدسي وإهمال الإشارة إلى المصادر أو المعارف وتصديق الحقائق الوهمية إلى سهولة تكوين هذه المعتقدات الخاطئة وتعزيز انتشار الزيف والتضليل. من جهة أخرى يساهم التحزّب السياسي والتأثر بوجهات النظر العالمية في خلق بيئة من المغالطات والمعلومات المفبركة التي يسهل تصديقها بعد رواجها.
وفق First Draft يعد "البخل المعرفي" أو التكاسل ميزة نفسية تجعل الأشخاص أكثر عرضة للتّضليل لأنّ الأغلبيّة يُفضّلون استخدام طرق أبسط وأسهل لحلّ المشكلات عن تلك التي تتطلّب مزيدًا من التّفكير والجُهد
ووفق First Draft يعد "البخل المعرفي" أو التكاسل ميزة نفسية تجعل الأشخاص أكثر عرضة للتّضليل لأنّ الأغلبيّة يُفضّلون استخدام طرق أبسط وأسهل لحلّ المشكلات عن تلك التي تتطلّب مزيدًا من التّفكير والجُهد. وقد يلجأ البعض في أغلب الأحيان إلى مواجهة المعلومات التي تتعارض مع معتقداتهم وهو ما يدفعهم إلى رفض ودحض المعلومات الموثوقة للتّخفيف من "التّنافر المعرفي" والميل إلى تصديق المعلومات التي تدعم معتقداتهم وأفكارهم.
وقد يلجأ البعض أيضًا إلى تأثير الإجماع الخاطئ من خلال المبالغة في تقدير عدد الأشخاص الآخرين الذين يشاركونهم وجهات نظرهم دون محاولة فحصها أو التثبّت منها. وبالتالي فإنّ التفكير الكسول غير المنطقي الذي لا يستند على أدلة وبراهين هو العامل الرئيسي في الضعف النفسي أمام المعلومات المُضلّلة.
اقرأ/ي أيضًا: 5 أخبار كاذبة تناقلتها حسابات وصفحات على منصات التواصل الاجتماعي تونسيًا
وحسب المجلة الفصلية الصادرة عن اتحاد إذاعات الدول العربية، والتي درست ملف "الأخبار المفبركة: مخاطر الظاهرة وأساليب التوقّي منها" تعود أسباب انتشار الأخبار الزائفة بالأساس إلى التطوّر التقني الكبير في مجال الاتصالات وسرعة نقل المعلومات الذي شكّل مناخًا ملائمًا لنشر وترويج الشائعات والحسابات الوهميّة والصّور والفيديوهات المفبركة. دون أن ننسى عدم خضوع وسائل التواصل للرقابة والتدقيق مقارنة بوسائل الإعلام التقليدية.
كما تبيّن أنّ سهولة الحصول على عائدات إشهارية كبيرة عبر الإنترنت وزيادة الاستقطاب السياسي من خلال الشعبيّة الكبيرة التي تحظى بها وسائط الميديا الاجتماعيّة ساهمت أيضًا في تفشّي الأخبار الزّائفة، فقد عزّز الذّكاء الصّناعي انتشارها على نطاق أوسع. لا مراء في وجود أسباب عديدة ومختلفة أخرى وراء انتشار المغالطات. ما يدعونا في ذات الوقت إلى التساؤل عن مدى تأثير الأخبار الخاطئة والمعلومات المُضلّلة.
- ما مدى تأثير انتشار الأخبار الزائفة والمعلومات المضّللة؟
ربّما أصبح من الطبيعي أن تفرض وسائط الميديا الاجتماعيّة نفسها في عصر ازدادت فيه حاجة الأفراد إلى مواكبة التطوّرات الرقمية وإشباع حاجياتهم ومتطلّباتهم المعرفيّة، فسعت مختلف وسائل التواصل الاجتماعي بدورها إلى خلق مجتمعات افتراضية وتسخير فضاءاتها للتّعبير والتّفاعل دون قيود أو إكراهات لكنّها في ذات الوقت ساهمت إلى حدّ كبير في تعزيز انتشار الأخبار الزّائفة لتمتدّ وتصبح أشدّ فتكًا وتأثيرًا.
فالمجال الافتراضي يُتيح لجميع الأطراف فُرصة التّعبير عن المواقف والآراء رغم مختلف التوجّهات والاختلافات لكنّ البعض يستغلّ هذا الفضاء الرّقمي لبثّ سُمومه ونشر شائعات قد تصل في بعض الأحيان إلى بثّ خطابات الكراهيّة والعُنصريّة الّتي قد تتمّ مُشاركتها فيما بعد من قبل عدّة أشخاص آخرين فتنتشر بشكل فيروسي. ما قد يؤدّي إلى اختلال الضوابط المهنيّة وامتداد المعلومات الكاذبة على نطاق أوسع والتملّص من الضوابط الأخلاقيّة والاجتماعيّة والإفلات من المحاسبة من خلال التخفّي وراء حسابات مجهولة وأسماء مستعارة. ذلك أنّ الأخبار الزّائفة والمعلومات المُضلّلة قد تقوم على تشويه أحداث أو اختلاقها وتلفيقها بطريقة احترافيّة يصعب التّمييز بينها وبين ما هو حقيقي، فهي تغوص في الفضاء الافتراضي وتحاول بطريقة ما توجيه الرّأي العام وتغيير قناعاته وأفكاره.
المجال الافتراضي يتيح لجميع الأطراف فرصة التعبير عن المواقف والآراء رغم مختلف التوجّهات لكنّ البعض يستغلّ هذا الفضاء لبثّ سمومه ونشر شائعات قد تصل في بعض الأحيان إلى بثّ خطابات الكراهيّة والعُنصريّة
وعادة ما تنمو الأخبار الزائفة ويمتدّ صداها في الأزمات. ففي الأيّام الأولى للوباء العالمي انتشرت الكثير من الأخبار والمعلومات الخاطئة وتفشّت بصفة سريعة، وكانت منظمة الصحة العالمية قد أطلقت عليها اسم "الوباء المعلوماتي" نظرًا إلى انتشار المعلومات المضلّلة منذ بداية الجائحة وارتباطها بعديد الشائعات والأخبار الزّائفة، يمكن أن نذكر على سبيل المثال الأخبار المتداولة بخصوص "نظريات المؤامرة" مع بداية الإعلان عن انتشار فيروس كوفيد 19 و"الادعاءات المتعلقة بالكمامات" والعلاجات الوقائية الفرديّة للوقاية من فيروس كورونا التي راجت بشكل كبير أيضًا، ونظريات المؤامرة القائلة بأنّ اللقاحات يمكن أن تغيّر الحمض النووي البشري والأمثلة متعدّدة.
اقرأ/ي أيضًا: عمليات سبر الآراء: لعبة الأرقام التي تتلاعب بالوعي السياسي العام
وقد يمتدّ أثر الزيف والتضليل في بعض الأحيان ليُودي بحياة بعض الاشخاص، فقد أشارت منظمة الصحة العالمية إلى أنّ ما يقارب 6000 شخص حول العالم تمّ إدخالهم إلى المستشفى بسبب معلومات مُضلّلة عن فيروس كورونا. وأظهر الباحثون أنّ 800 شخص على الأقل ماتوا بسبب معلومات خاطئة تتعلّق بكوفيد19.
في المقابل، لنا أن نقرّ بأنّ الوضع الوبائي ساهم إلى حدّ ما في ظهور وسائل متنوّعة للتحقّق من المحتويات الرّائجة والتأكّد من مدى صحّتها. فقد أظهرت دراسة تونسية أنّ تطوّر الوضع الوبائي ساهم بشكل كبير في ظهور العديد من المبادرات الفرديّة لمنصّات التحقّق على وسائل التّواصل الاجتماعي أو محاولة منها لتطوير عملها. وذلك من خلال تتبّع مسار أغلب منصّات التحرّي من الأخبار الزّائفة في وسائل الإعلام التّونسيّة ودراسة استراتيجيات عملها، وتمّ التوصّل إلى أنّ الوباء خلق سياقًا جديدًا ظهرت فيه هذه المنصّات وازدهرت لكنّ البعض منها ربّما مازال يفتقر إلى سياسة تحريريّة واضحة واستراتيجيّة دقيقة للتحقّق.
- كيف أنقذ نفسي من فخّ الأخبار الزّائفة والمعلومات المُضلّلة؟
مع تطوّر جائحة كورونا ظهرت عدّة مبادرات تونسيّة في مجال التحقّق، إذ ساهمت بعض مواقع التحقّق من المعلومات في إثراء المحتوى الإلكتروني من خلال اتّباعها منهجيّة دقيقة في التحقّق من الأخبار والصّور والفيديوهات وتقصّي الحقائق وكشف المغالطات الرائجة على شبكات التواصل الاجتماعي.
مع تطوّر جائحة كورونا ظهرت عدّة مبادرات تونسية في مجال التحقّق، إذ ساهمت بعض مواقع التحقق من المعلومات في إثراء المحتوى الإلكتروني من خلال اتباعها منهجية دقيقة في التحقّق من الأخبار والصور والفيديوهات وكشف المغالطات الرائجة
وما إذا أردنا التأكّد من مدى صحّة المحتويات المتداولة يمكننا الاعتماد على مواقع ومنصّات متنوّعة من بينها BN Check وهي منصّة للتحقّق من المعلومات في تونس، تهدف إلى التأكّد من صحّة ومصداقيّة البيانات والمنشورات المختلفة على الشّبكات الاجتماعيّة. وموقع فالصو.TN وهي منصة رقمية بحثية لرصد الأخبار الزائفة والإشاعات ومراقبة مصداقيّة المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي في تونس. والمنصّة الإلكترونية iCheck وهي مبادرة أطلقتها المنظمة الرقابية التونسية "أنا يقظ" لتفنيد الأخبار الكاذبة والتثبت من الأخبار المتداولة على الإنترنت والتحقّق من مدى صحّتها. ومنصّة تونس تتحرى Tunifact وهو موقع متخصّص في صحافة التحري أطلقته النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين في إطار مشروع مشترك مع منظمة Hivos. إضافة إلى مبادرة نواة وكشف ميديا في تحرّي الأخبار الزّائفة والمعلومات الخاطئة. ولا يمكن أن نغضّ النّظر عن بعض مبادرات الميديا الاجتماعية للتثبت من المحتوى على غرار صفحة "ماتصدّقش'' على فيسبوك وحساب "تحقّق" على إنستغرام.
ووفق دليل "الصحافة.. والأخبار الزائفة والتضليل" الصادرعن منظمة اليونسكو تختلف المعلومات المضللة والمعلومات الخاطئة عن الصحافة عالية الجودة التي تتوافق مع المعايير والأخلاقيات المهنية. وفـي الوقت نفسه فإنها تختلف أيضاً عن الصّحافة الهزيلة التي لا تحقق ما تعد به.
لقد مكّن التحول الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي من "إضفاء الشرعية" للمعلومات المضللة التي تؤدي بدورها إلى فقدان الثقة في مصداقية الأخبار والصحافة والصحفيين الأفراد الذين يشاركون معلومات غير دقيقة أو مضللة. ناهيك عن خلط البعض بين الصحافة النوعية الجادة والصحافة التجارية التي تجعل الجمهور يفقد الثقة ويشكك في كلّ ما ينشر. لذلك بات من الضروري أن تتظافر الجهود ويتشارك الجميع في مكافحة المعلومات المُضللة. من المهمّ أن نقوم بالتقصي الفردي للمحتوى المتداول والالتجاء إلى مصادر متنوّعة لإثباته أو دحضه.
اقرأ/ي أيضًا: القدوة الاجتماعية في البرامج التلفزيونية
وفق دليل اليونسكو لتجاوز عواقب الأخبار والمحتويات الزائفة ومجابهتها وجب التحلي باليقظة المهنيّة والالتزام بالأخلاقيّات والمعايير القصوى للعمل الصّحفي والتحقّق من كلّ المعلومات والمصادر، والكشف الفعّال عن الممارسات الضارّة وتشريك الجمهور في بناء الوعي والتّربية الإعلاميّة السّليمة ومكافحة التّضليل. كما يجب التحقّق من وسائل التواصل الاجتماعي من خلال تقييم المصادر والمحتوى المرئي وتطبيق تقنيات واستراتيجيات التدقيق الأساسية للتحقّق من المحتوى من خلال تحديد واعتماد المصادر الأصيلة بما يتماشى مع المبادئ الأخلاقيّة واستبعاد الحسابات المُزيّفة و"الروبوتات".
من جهته، قدّم دليل "التحقق من المعلومات" الصادر عن الجمعية التونسية للحوكمة الإلكترونية بالتنسيق مع مؤسسة "فريدريش ناومن" مجموعة من النصائح والخطوات التي يمكن اتباعها للتأكّد من الأخبار والمعلومات والتمييز بين ما هو حقيقي وما هو زائف.
على سبيل المثال، فيما يتعلّق بالأخبار قد لا يبدو الأمر بسيطًا كما يتصوّر البعض بل يجب أن نتحقق وندقق جيدًا في كلّ ماينشر، إذ يجب أوّلًا التأكّد من مصدر الخبر والبحث عنه في المواقع الإلكترونيّة الأخرى والتثبّت من مدى جديته والتحقق من صحة العنوان الإلكتروني وتاريخ نشر المقال والبحث عن هوية صاحبه والبحث في مختلف المصادر والتمعّن في مطابقة الصور للمقالات والمحتويات المنشورة والتثبّت من مدى مصداقيّتها.
في ظل انتشار المعلومات المضللة، أصبح من الضروري تثقيف المواطن ومستخدمي الإنترنت وتوعيتهم بأهمية دورهم في مواجهة كل محتوى زائف من خلال تأكيد ضرورة الاستخدام المسؤول لوسائل الميديا الاجتماعية
وبالنسبة للصور من المهم جدًا تحديد صاحب الصور المتداولة ومصدرها الرئيسي والتحقق من مكان التقاطها وتاريخها، ومع تطوّر التقنيات الرقمية والتطبيقات يمكننا التثبّت أكثر من مدى مصداقية الصور المتداولة والتأكد أنها غير مُفبركة.
أما بخصوص الفيديوهات يتعيّن علينا تحديد صاحب الحساب الذي نشر الفيديو وتاريخ إنشائه للحساب وما إذا كانت طريقة وصف الفيديوهات متشابهة تدلّ على مصدر واحد، وما إذا كانت جميع المقاطع تحتوي على نفس الشعار. قد تبدو لكم هذه الخطوات معقّدة نوعًا ما وتقتطع بعضًا من وقتكم، لكن لا بأس من المهمّ جدًّا أن نتمهّل قبل كلّ شيء وندقّق في كلّ ما ينشر كي نتفادى خطر "وباء المعلومات المضللة" ولا نقع في شراكها.
في النهاية، وفي ظلّ انتشار المعلومات المُضلّلة، أصبح من الضّروري تثقيف المواطن ومستخدمي الإنترنت وتوعيتهم بأهميّة دورهم في مواجهة كلّ محتوى زائف من خلال تأكيد ضرورة الاستخدام المسؤول لوسائل الميديا الاجتماعيّة والتّشديد على أنّ مشاركة المحتويات الخاطئة والمزيفة هي بمثابة خرق للقواعد الأخلاقيّة للمجتمع. ولا بدّ من الاستناد دائمًا إلى المصادر الموثوقة والأصليّة والأدلّة عند نشر أيّ محتوى. وبناء على ذلك ما إن تمكنّا من معرفة كيفيّة انتشار المعلومات المُضلّلة في وسائط الميديا الاجتماعيّة وبيان أسبابها والطّرق المُتاحة لمواجهتها قد نتمكّن على الأقلّ، إلى حدّ ما، من الحدّ منها أو التصدّي لها بشكل فعّال.
اقرأ/ي أيضًا:
الصحافة التونسية في "عصر ما بعد الحقيقة".. الهلع (3/1)
الصحافة التونسية في "عصر ما بعد الحقيقة".. التحرّي (3/2)
الصحافة التونسية في "عصر ما بعد الحقيقة".. دفاعًا عن "صحافة الحقيقة" (3/3)