24-أغسطس-2019

اُلغي "مهرجان أوسو" في سوسة هذا الموسم لأسباب مالية (صورة أرشيفية/ياسين القايدي/وكالة الأناضول)

 

مهرجانات صيفية، وتظاهرات ثقافية، وعروض فنية ركحية فرجوية هي أهم ما يميز الموسم الصيفي كل سنة في المدن الساحلية، وتسهر جمعيات على تنظيم هذه الأنشطة وإنجازها وتمويلها.

ويُعتبر موسم 2019 استثنائيًا باعتبار افتتاح الموسم الثقافي مبكرًا نظرًا للإبكار في العطلة الصيفية المدرسية التي استهلت في بداية شهر جوان/يونيو بالنسبة لأغلب التلاميذ والطلبة، كما شهد الموسم حدثًا استثنائيًا هو وفاة رئيس الجمهورية الراحل الباجي قائد السبسي وما تلا ذلك من حداد لمدة سبعة أيام وتأجيل كافة التظاهرات الثقافية بكافة أنواعها، كما أُلغيت عروض تقليدية عريقة مثل "كرنفال أوسو" لأسباب تنظيمية ومالية.

تساهم عدة مؤشرات في تقييم مدى نجاح أو إخفاق التظاهرات الثقافية المذكورة من بينها الدعم المادي، والعائدات المالية، والبنية التحتية، وعدد العروض المقدمة وجودتها

وأهم التظاهرات الكبرى التي يمكن تقييمها هذه السنة هو "مهرجان سوسة الدولي" و"مهرجان أوسّو" و "ليالي المتحف"، وهي ترافقها تظاهرات جهوية ومحلية في المدن والقرى بين مهرجانات ناشئة وأخرى تصارع البقاء على مدى المواسم الفارطة تستقطب فئات من المتابعين للشأن الثقافي والفني.

اقرأ/ي أيضًا: عدنان الشوّاشي في مهرجان قرطاج.. "رحلة فنان" تأبى النسيان

وتساهم عدة مؤشرات في تقييم مدى نجاح أو إخفاق التظاهرات الثقافية المذكورة من بينها الدعم المادي، والعائدات المالية، والبنية التحتية، وعدد العروض المقدمة وجودتها. وفي علاقة بدعم وزارة الشؤون الثقافية، أعلن مؤخرًا الوزير محمد زين العابدين الترفيع في ميزانية الوزارة بنسبة 1 في المائة من ميزانية الدولة لسنة 2020، مبينًا تطور الدعم المخصص للتظاهرات من 26 مليون دينار لـ27 ألف تظاهرة ثقافية إلى 72 مليون دينار بـ 117 ألف تظاهرة في كل الجهات في انتظار ارتفاع الميزانية السنة القادمة لتبلغ 470 مليون دينار.

وأضافت الوزير، فيما يخص الشراكة مع الجمعيات الثقافية، تطور عدد الجمعيات المستفيدة من 400 سنة 2016 إلى 1360 سنة 2019، مؤكدًا أن تونس "أصبحت قبلة لاحتضان التظاهرات الثقافية الكبرى" على ضوء تطور عددها من 6 تظاهرات عام 2017 إلى 17 تظاهرة عام 2019.

صالح السويسي (صحفي ثقافي): من شبه المستحيل المعادلة بين تحقيق المداخيل وجودة العروض

في هذا السياق، اتصلنا بصالح السويسي، الصحفي المختص في الشأن الثقافي، للحديث عن أهم مشاكل المهرجانات في الجهات على ضوء الميزانيات المرصودة والإمكانيات المسخرة، مبينًا، في البداية، تشابه المهرجانات الصيفية فيما يتعلّق بالبرمجة كما في المشاكل والصعوبات التي تكاد تكون ذاتها لدى هذا المهرجان أو ذاك.

وأضاف أن المهرجانات في الجهات، بعيدًا عن العاصمة، عادة ما تشكو نقصًا في الإمكانيات المادية مقارنة بما يصفها مهرجانات الواجهة (قرطاج والحمّامات تحديدًا) لأنها تُموّل مباشرة وبشكل شبه كامل من وزارة الشؤون الثقافة.

أحد عروض مهرجان سوسة الدولي

أما فيما يتعلّق بالمهرجانات في الساحل التونسي بمحافظاته الثلاثة، بيّن أن المسألة مرتبطة أساسًا بعنصرين اثنين هما إدارة المهرجان والمقاربة المالية قائلًا "المعادلة تكاد تكون مستحيلة التحقيق أي تأمين مداخيل محترمة للمهرجان تقي هيأته شرور تراكم الديون وفي نفس الوقت تأمين مستوى فني راقي".

وقال السويسي، في حديثه لـ"ألترا تونس"، إن أغلب المهرجانات في منطقة الساحل تعتمد النصف الأول من المعادلة بالسعي لبرمجة عروض تجارية بحتة تحت عنوان فضفاض هو "ما يطلبه الجمهور" وذلك اتّقاء الوقوع في المحظور ماليًا.

وأضاف أنه باستثناء بعض المهرجانات مثل "مهرجان الجم للموسيقى السيمفونية" و"مهرجان سوسة الدولي" بسنواته التي جاوزت الستين عامًا، وكذلك باستثناء "مهرجان ليالي المهدية" الذي بات دوليًا منذ الدورة الماضية، تسقط بقية المهرجانات بما فيها مهرجان المنستير الدولي (الدورة 48) في متاهة المعادلة التي تحدثنا عنها في البداية، وفق قوله.

صالح السويسي (صحفي مختص في الشأن الثقافي): كثرة المهرجانات تبدو ظاهرة صحية في ظاهرها لكنّ إذا ما تمعّنا في الأمر بعين ناقدة نجد أن الأمر أصبح مربكًا ومثيرًا للقلق

وأوضح الصحفي المختص في الشأن الثقافي أنه يوجد حلاّن لا ثالث لهما وهما إمّا أن تنساق هيئات المهرجانات نحو تلبية تطلعات فئة من الجمهور وضخّ مبالغ مالية تغطّي بعض العجز في الموازنة من جهة وإما الاعتماد على دعم وزارة الإشراف والسعي للظفر بأكثر ما يمكن من العروض المدعومة من جهة ثانية.

اقرأ/ي أيضًا: سهرة الموسيقى البديلة بقرطاج: التجريب الشبابي مع الموروث الموسيقي التونسي

وقال: "إن كثرة المهرجانات تبدو ظاهرة صحية في ظاهرها لكنّ إذا ما تمعّنا في الأمر بعين ناقدة نجد أن الأمر أصبح مربكًا ومثيرًا للقلق، خاصة حينما تجد مهرجانين في مدينتين متجاورتين وفي تواريخ قريبة جدًا بعروض تكاد تكون مستنسخة".

وأشار صالح السويسي، خلال حوارنا معه، إلى أن وزارة الشؤون الثقافية ما فتئت تدعم كل المهرجانات من خلال دعم الميزانيات وتوفير عروض مدعمة، كما توفر عروضًا من عديد الدول في سياق برامج التعاون الدولي، ذاكرًا على سبيل المثال إقرار الوزارة قبل أسبوعين مليونًا و20 ألف دينار لدعم الأنشطة الثقافية في ولاية المنستير.

في المقابل، انتقد الصحفي المختص في الشأن الثقافي ما وصفه تجاهل لوزارة السياحة للأنشطة الثقافة والمهرجانات بما في ذلك التي تحمل ضمن توجهاتها ترويجًا للوجهة السياحية التونسية، مشيرًا، في هذا الجانب، للاضطرار لإلغاء "كرنفال أوسّو" هذا الموسم نظرا لعدم إيفاء الوزارة بالتزاماتها المالية.

شهاب بن حمودة (المكلف بالإعلام في مهرجان سوسة): المهرجان صمد في أحلك الظروف

ولمزيد تفكيك منظومة الدعم للمهرجانات واستجلاء مشاكل هيئاتها التنظيمية، أفاد شهاب حمودة، المكلف بالإعلام في مهرجان سوسة الدولي، في حديثه لـ"ألترا تونس"، أن جمعية المهرجان تنظم عروضها حسب امكانياتها المادية المتاحة معتبرًا أن الإمكانيات المتوسطة تسمح تنظيم عروض في المتناول وفق تعبيره.

وأكد حرص إدارة المهرجان في آخر كل دورة على المحافظة على التوازنات المالية بتوفير فائض معقول يسمح بمواصلة المسيرة ويحمي من التعرض لأزمات مالية مثل عدم الوفاء بخلاص الفنانين والمصاريف الأخرى أو الوقوع في مخالفات مالية كعدم خلاص الصكوك، ولذلك "إن سمعة المهرجان في الميزان"، وفق قوله.

شهاب بن حمودة (المكلف بالإعلام في مهرجان سوسة): الإمكانيات المتوسطة تسمح بتنظيم عروض في المتناول والإدارة حريصة على المحافظة على التوازنات المالية بتوفير فائض معقول يسمح بمواصلة المسيرة 

وأضاف أن صعوبات إدارة المهرجان تتنزل ضمن السياق العام في البلاد طيلة السنوات الأخيرة، معتبرًا أن "الثقافة باتت تعاني الفقر ولم تعد ذات أولوية أمام مؤسسات أخرى في البلاد". وأكد، في المقابل، أن مهرجان سوسة الدولي "صمد ولم يستثن عقد أي دورة بل حافظ على تواصله حتى في أحلك الظروف".

وفي إشارة لميزانية المهرجان الدولي، أوضح المكلف بالإعلام أنها تتكون من منحة السلط الجهوية ومنحة وزارة الشؤون الثقافية المقدّرة في هذه الدورة بمبلغ 280 ألف دينار وذلك إضافة لمداخيل التذاكر والاستشهار. واعتبر، في هذا الإطار، أن الاستشهار صعب خاصة لتزامن المهرجان مع "كرنفال أوسو" الذي يمتص الدعم المالي لصالحه وفق قوله. وأضاف أن عدم الدعم الكافي لمهرجان عريق دون اعتماد مقاييس علمية في الدعم المالي لا يمكن أن يطوّر المهرجان خاصة مع العزوف التام لوزارة السياحة عن تقديم الدعم، حسب تأكيده.

ينتظم مهرجان سوسة الدولة في مسرح سيدي الظاهر 

وفي علاقة بالعروض، أوضح شهاب حمودة، في حديثه معنا، أن المهرجان غير ربحي ويحاول الابتعاد عن الإسفاف والعروض التجارية الرخيصة "وهذا في جانب منه صعب فإرضاء الناس غاية لا تدرك" وفق قوله.

أما عن البنية التحتية، أشار المكلف بالإعلام في مهرجان سوسة الدولة أن مسرح سيدي الظاهر لا يحتضن أكثر من 1800 مقعد مصرح به، والحال أن العروض الكبرى مرتفعة الكلفة وهو ما يعني عدم إمكانية استرجاع مصاريفها. ولم يفوت حمودة، في نهاية حديثه، للإشارة لسرقة المعدات والأسلاك رغم أن مسرح الهواء الطلق جديد، وهو ما يعني العودة للمرحلة الأولى وانتظار تجديد الصيانة، وفق تعبيره.

بوراوي الوحيشي (مسرحي): عروض في مهرجان سوسة لا تتناسب مع تاريخه

من جهته وحول نوعية العروض الثقافية، تحدث المسرحي بوراوي الوحيشي عما وصفه بالتدافع الكبير بين التظاهرات الثقافية والعروض الفنية في سوسة نظرًا لتعدد الفضاءات "فهناك السلب والتفاهة وهناك الإيجاب والرقي" على جد تعبيره.

وأشار، في هذا الجانب، إلى أن مهرجان سوسة الدولي كان يستقطب قامات فنية مثل صباح فخري وديع الصافي ودريد لحام، غير أنه "انساق اليوم في السياق العام للعروض المقدمة التي لا أراها تتناسب وقيمة المهرجان عبر تاريخه".

بوراوي الوحيشي (مسرحي): انساق مهرجان سوسة في السياق العام للعروض المقدمة التي لا أراها تتناسب وقيمة المهرجان عبر تاريخه

ودعا المسرحي، في تصريحه لـ"ألترا تونس"، إلى دعم عروض الشارع والتنشيط الخارجي مثل "الفداوي"، واستقطاب الفكاهيين العرب، وكذلك دعم مشاريع تنشيطية تساهم في دعم خصوصية سوسة مثل تظاهرة "مدينة وحكايات" الذي كانت تعتزم بلدية سوسة إنجازها قبل التخلي عنها لأسباب غير معلومة، حسب تأكيده.

كما اعتبر الوحيشي أن "مهرجان ليالي المتحف" مكسبًا لجهة سوسة "باعتبار القيمة الفنية للعروض الموسيقية التي تستجيب للذوق الفني الراقي بعيدًا عن الارتجالية والإسفاف الذي نشاهده مثلًا في عروض ليالي بو جعفر والذي لا يستجيب للمواصفات المطلوبة" وفق تقدير محدثنا.

هكذا، وفي نهاية المطاف، يبدو المشهد الثقافي في سوسة خلال هذا الموسم مبتورًا خاصة بعد إلغاء "كرنفال أوسو" في دورته الستين، وهو الكرنفال الأشهر وطنيًا ودوليا، وذلك بسبب عدم خلاص جمعية المهرجان المتعهد الفرنسي المكلف بتسيير الدمى العملاقة والعربات وإطلاق الشماريخ، وهو ألغاء أثار استياء زوار سوسة من محليين وأجانب.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مهرجان الجاز بطبرقة.. عن "الفينيق" الذي نهض من الرماد

مهرجان الحمامات: حضر زياد.. وغابت روح "الرحابنة"