مع أول جدارية رسمها على بناية بيضاء في مدينة بني حسان من ولاية المنستير (ساحل شرقي) وهي المدينة التي كبر وترعرع فيها، أدرك رسام الغرافيتي التونسي إسكندر تاج أنه حان الوقت حتى يتحرر من جدران ورشته الصغيرة كي يحلّق بفنه، في محيط أوسع وأكثر تأثيرًا.
رسام الغرافيتي إسكندر تاج تحدّث لـ"الترا تونس" عن تجربته في الرسم على الجدران في عشرات المدن التونسية لتوعية المتساكنين بالمخاطر التي تهدد البيئة والتنوع البيولوجي
وقبل نحو 6 سنوات، بدأ إسكندر تاج الذي تلقى تكوينًا في تصميم الصورة في المدرسة العليا لعلوم وتكنولوجيات التصميم، في رسم جداريات عملاقة في شوارع المدن والقرى التونسية ركز من خلالها على تسليط الضوء على المشاكل البيئية التي تعاني منها البلاد.
وعن هذه التجربة، يقول تاج في حديثه مع "الترا تونس"، إن الرسم على الجدران ساعده على الاندماج مع الطبيعة والتواصل مع جميع الفئات الاجتماعية والعمرية بطريقة سلسلة وسهلة في معرض فنيّ مفتوح، مؤكدًا أنه لم يعد بحاجة إلى الطبقة المثقفة لإبداء رأيها في رسوماته وإنما أصبح بإمكان الجميع دون استثناء مشاهدتها في الشوارع ونقدها والحديث عنها، وفقه.
-
إسكندر تاج: أسعى لنشر الوعي البيئي من خلال رسوماتي
وأضاف رسام الغرافيتي، أن التواصل مع المارة في الشارع وردود أفعالهم الإيجابية دفعه لاختيار فنّ الشارع لرسم جدارياته في عشرات المدن التونسية وعلى جدران المدارس والمعاهد لتوعية التونسيين بالمخاطر التي تهدد البيئة والتنوع البيولوجي في الجبال والسواحل التونسية.
وقبل نحو عامين، أطلق تاج تحدٍّ جديد تحت عنوان "24 ولاية.. 24 قرية" وذلك بهدف رسم عشرات اللوحات في جميع الولايات التونسية لترك بصمته في شوارع وأزقة تونس من شمالها إلى جنوبها، فهو يرى أنّ "لكل ولاية خصوصياتها الثقافية ومشاكلها البيئية".
الفنان إسكندر تاج لـ"الترا تونس": بعد إطلاق تحدّي "24 ولاية.. 24 قرية" نجحت حتى الآن في رسم جداريات في 12 ولاية تونسية على غرار المنستير وسليانة وصفاقس ومدنين وزغوان وبنزرت
ووفق تاج فقد نجح حتى الآن في رسم جدارياته في 12 ولاية تونسية مثل المنستير وسليانة وصفاقس ومدنين وزغوان وبنزرت، وعادة ما يتم رسم الجداريات بالتعاون مع جمعيات بيئية اختارت بدورها إيصال رسائل إيجابية توصي بالحفاظ على البيئة وحماية الطبيعة باستخدام الفن.
وسرعان ما أدرك الفنان التونسي أنّ جميع الفئات العمرية والاجتماعية في تونس متعطشة للفنّ وتهتم به، مؤكدًا أنه خاض نقاشات هامة مع المارة والمواطنين أثناء رسمه لجدارياته في عدة قرى تونسية حول الفنّ والرسائل النبيلة التي يجب إيصالها عن طريقه للمتقبل.
نجح تاج في رسم جدارية بارتفاع 17 مترًا كما ساهم في تزيين شوارع وقرى نائية بلوحات تتحدث عن الطبيعة والمخاطر البيئية التي تهدد كل جهة، فقد سلط الضوء في جدارياته في مدينة قرقنة على التلوث البحري ومخاطره على الثروة السمكية والصيد الجائر للأخطبوط، وفق ما أكده في حديثه مع "الترا تونس".
أما في مدينة المنستير فقد سلط الضوء على التلوث البلاستيكي الذي يهدد السلحفاة البحرية التي تتخذ من جزيرتي "قوريا" التابعة للولاية موقعًا للتعشيش والتكاثر، كما سلط الضوء في لوحة "مرجانة" على ثروة المرجان الضائعة، ولفت الانتباه للحيوانات المهددة بالانقراض.
التلوث البلاستيكي الذي يهدد السلحفاة البحرية والصيد الجائر للأخطبوط وثروة المرجان الضائعة من أبرز المواضيع التي ركّز عليها رسام الغرافيتي إسكندر تاج في جدارياته
ويؤكد الفنان إسكندر تاج في حديثه مع "الترا تونس"، أنّ أقرب جدارية إلى قلبه هي الجدارية الذي قام برسمها في جزيرة الأحلام جربة تكريمًا للعم "سعيد" الذي عاش وتوفي في الجزيرة وكان يستخدم سعف النخيل لصنع منتوجات يدوية صديقة للبيئة وغير ضارة، مؤكدًا أنّ "الهدف من ذلك هو نشر الوعي البيئي بين السكان وفي كل مكان".
ومن بين الجداريات الأخرى التي يفخر بها الفنان التونسي هي تلك التي قام برسمها مؤخرًا في المستشفى الجهوي بالوسلاتية من ولاية القيروان، حيث أكد محدثنا أنه حوّل جدران المستشفى الباردة إلى مكان حيّ ينبض بالفن والجمال.
جدارية تكريم العم "سعيد" في جربة والجدارية التي أدخلت الحياة على المستشفى الجهوي بالوسلاتية، الأقرب إلى قلب رسام الغرافيتي إسكندر تاج
وأضاف أنّ المستشفى الذي كان يرمز للمرض والآلام أصبح فجأة بمثابة معرض فنيّ مفتوح أمام مئات المرضى الذين يقصدون المستشفى يوميًا للعلاج، مؤكدًا أنه شعر بالفخر وهو يشاهد المرضى واقفين بصدد تأمل رسوماته وتفكيك رموزها.
ويرى تاج أنّ الزيارات المتنوعة التي أداها إلى عدد من القرى والمدن التونسية ساعدته للتعرف على التراث المتنوع لكل منطقة واكتشاف مميزات الثروة الطبيعية التي تختلف من منطقة إلى أخرى، مشيرًا إلى أنّ ثراء التراث والتنوع البيولوجي في تونس ساعداه على ابتكار قصص مختلفة وتحويلها إلى جداريات ضخمة تزين الشوارع.
رسام الغرافيتي إسكندر تاج يسعى إلى إبراز الهوية التونسية من خلال استخدام الفنون الزخرفية التي تميّز المعمار التقليدي التونسي
يعتمد إسكندر تاج في رسوماته على إبراز الهوية التونسية من خلال استخدام الفنون الزخرفية التي تستعمل في المعمار التقليدي التونسي، مؤكدًا أنه يحرص دائمًا على وضع بصمة تونسية والدمج بين فن الغرافيتي والطبيعة والبصمة التونسية وهي طريقة سيتبعها حتى خارج البلاد.
-
إسكندر تاج: حان الوقت لإضافة التربية البيئية للمناهج التربوية
وكان لإسكندر تجربة في رسم جداريات على جدران المدارس في عديد الولايات، وهي تجربة يصفها بالفريدة ويرى أنها ساعدته على التواصل مع مئات الأطفال والتلاميذ والغوص معهم في نقاشات تهمّ البيئة والطبيعة ومخاطر التلوث وأنواع الحيوانات المهددة بالانقراض في البلاد.
ويرى الرسام التونسي أنه حان الوقت لإضافة مادة "التربية البيئية" لمناهج التعليم في تونس، مؤكدًا أنه "لا بد من توعية الأطفال بأسرار البيئة ونظامها وطريقة المحافظة عليها من أجل البقاء وضمانًا لحقوق الأجيال القادمة.
ويدعو تاج الأولياء إلى ضرورة السماح لأبنائهم في العطل المدرسية بالمشاركة في الأنشطة المتنوعة التي تنظمها الجمعيات البيئية كي يكتسبوا وعيًا بيئيًا منذ نعومة أظافرهم وكي يكونوا شركاء في حماية البيئة والتنوع البيولوجي في المستقبل.
الفنان إسكندر تاج لـ"الترا تونس": الجميع مطالبون اليوم بالانخراط في الحملات التوعوية التي تهدف لنشر الوعي البيئي وتسليط الضوء على مخاطر التغيرات المناخية
كما يرى إسكندر أنّ "الجميع مطالبون اليوم بالانخراط في الحملات التوعوية التي تهدف لنشر الوعي البيئي وتسليط الضوء على مخاطر التغيرات المناخية التي باتت واقعًا يهدد البلاد والعباد وضرورة التصدي للأنشطة البشرية التي تهدد البيئة".
كما يؤمن أنّ الفنان من واجبه أن يكون واعيًا بالقضايا البيئية ويحمل على عاتقه رسالة حماية البيئة وتوعية الأجيال القادمة عن طريق الفن، لحماية الثروات البحرية والبرية من مخاطر التلوث خصوصًا.
رسام الغرافيتي إسكندر تاج لـ"الترا تونس": من واجب الفنان أن يكون واعيًا بالقضايا البيئية ويحمل على عاتقه رسالة حماية البيئة وتوعية الأجيال القادمة
ومن المنتظر أن يخوض إسكندر تاج رحلة جديدة للدفاع عن الطبيعة خارج تونس، حيث يشارك خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2024 في المنتدى الدولي للفنون بمدينة أبيدجان عاصمة الكوت ديفوار.
والكوت ديفوار هي واحدة من ضمن 24 دولة ينوي تاج رسم جدارياته في شوارعها وأزقتها في إطار رحلته لنشر الوعي البيئي ضمن تحدٍّ جديد بعنوان "24 ولاية.. 24 دولة".