18-يونيو-2024
خطاب الكراهية تونس

يشجّع خطاب الكراهية على العنف اللفظي والمادي وتحفيز الانقسامات والتوترات داخل المجتمع (الأمم المتحدة)

 

شهد خطاب الكراهية تناميًا ملاحظًا في الفضاء العمومي في تونس تحديدًا في السنوات الأخيرة، خاصّة على النحو الذي تعكسه التفاعلات في مواقع التواصل الاجتماعي. وهو وإن تتعدّد أسبابه فقد ظهر مؤخرًا متحفّزًا بالخطاب الرسمي للسلطة خاصة ومثاله في ملفّ الهجرة غير النظامية.

لا يزال مجهود تحديد دقيق لمفهوم خطاب الكراهية مستمرًّا في ظلّ تباين التقديرات حول حدود حرية التعبير وارتباط ذلك بقضايا المساواة وعدم التمييز

وخطاب الكراهية بدأت تتبيّن مخاطره وآثاره في المجتمعات، بوجه عامّ، ما جعل الأمم المتحدة تقرّ منذ عام 2022 يوم 18 جوان/يونيو يومًا عالميًا لمكافحة خطاب الكراهية. إذ يعدّ هذا الصنف من الخطاب تهديدًا جديًا للأمن المجتمعي بما يمثّله من استهداف لقيم الحوار والتسامح، وأيضًا بما يعكسه من محفّز لممارسة العنف بمختلف أنواعه.

  • خطاب الكراهية وحرية التعبير

يرتبط خطاب الكراهية بحكم طبيعته بحرية التعبير، وكان قد اعتبر أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريتش عام 2019 أن "التصدي لخطاب الكراهية لا يعني تقييد حرية التعبير أو حظرها، بل يعني منع تصعيد خطاب الكراهية بحيث يحول إلى ما هو أشدّ خطورة وخاصة إذا بلغ مستوى التحريض على التمييز والعدوانية والعنف وهو أمر يحظره القانون الدولي". والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية كان قد نصّ في مادته العشرين على أنه يُحظر بالقانون أية دعوة للكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضًا على التمييز أو العداوة أو العنف.

ولا يزال مجهود تحديد دقيق لمفهوم خطاب الكراهية مستمرًّا في ظلّ تباين التقديرات حول حدود حرية التعبير وارتباط ذلك بقضايا المساواة وعدم التمييز. ولذلك لا يوجد تعريف إجرائي صارم لخطاب الكراهية، ولكن تتفقّ جلّ التعريفات على عناصر أساسية، ومن ذلك تقترح خطّة الأمم المتحدة لمكافحته بأنه "خطاب يتم نقله بأي شكل من أشكال التعبير وبأنه تمييزي وازدرائي لفرد أو مجموعة ما وذلك على أساس الهوية سواء كانت دينية أو إثنية أو ترتبط بالجنسية أو اللون أو النسب أو النوع الاجتماعي أو أي عامل محدّد للهويّة". ويتمّ التمييز بين خطاب الكراهية وخطابات شبيهة به كالخطاب المؤذي الذي لا يعاقب عليه القانون ولكنه يتضمن بذرات عدم تسامح تجاه الآخر يجب معالجتها.

تعود أسباب خطاب الكراهية غالبًا لقلة الفهم ومحدودية تقبل الآخر، وتتوجه أصابع الاتهام على سبيل المثال لليمين المتطرّف الأوروبي في تزايد تنامي خطاب الكراهية ضد المهاجرين

وبات خطاب الكراهية محور اهتمام الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والإعلاميين بوجه عامّ بعد ترصّد مخاطر انتشاره في زيادة مشاعر الخوف والبغض وتصعيد دعوات التحريض على التمييز والعداوة. وتعود أسبابه غالبًا لقلة الفهم ومحدودية تقبل الآخر، وتتوجه أصابع الاتهام على سبيل المثال لليمين المتطرّف الأوروبي في تزايد تنامي خطاب الكراهية ضد المهاجرين، ولكن المسؤولية محمولة أيضًا على فضاءات الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.

  • خطاب الكراهية يتنامى في تونس

بات الفضاء العمومي في تونس مساحة لانتشار لافت لخطاب الكراهية خاصة ما بيّنه التفاعل مع ملف المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء، وهو انتشار تتوجه المسؤولية فيه للخطاب الرئاسي وقتها الذي استعمل عبارات اُعتبرت من نوع خطاب الكراهية. ففي أفريل/نيسان 2023، أصدرت لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري تحذيرًا للسلطات التونسية مطالبة إياها بوضع حد "لخطاب الكراهية العنصري" خصوصًا ضدّ المتحدرّين من إفريقيا جنوب الصحراء. وقال إن تصريحات الرئيس التونسي قيس سعيّد بأن المهاجرين يمثلون "مصدر عنف وجرائم" وأنهم جزء من "ترتيب إجرامي" يهدف إلى "تغيير التركيبة الديموغرافية لتونس"، تتعارض مع معاهدة القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري.

بات الفضاء العمومي في تونس مساحة لانتشار لافت لخطاب الكراهية خاصة ما بيّنه التفاعل مع ملف المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء

محليًا، كانت قد صدّرت الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية خطاب الكراهية في عنوان تقييمها لرصد واقع الحقوق والحريات في تونس. وعلى المستوى الرسمي وفيما يتعلق بالحملات الانتخابية، كانت قد أقرّت هيئة الانتخابات التونسية أن 54% من منشورات وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي والحملات الانتخابية الميدانية "تتضمن صيغًا من صيغ خطاب الكراهية". كما سبق وأكد تقرير للمجموعة العربية لرصد الإعلام بالتعاون مع المجلس الوطني للحريات وشبكة تحالف من أجل نساء تونس، عام 2019، أن الإعلام التونسي يحث على الكراهية والعنف بين التونسيين تحت عناوين حزبية ودينية.

انتشار خطاب الكراهية الممتدّ في مجالات متعدّدة يعدّ تحديًا جديًا بشكل متزايد على الأمن المجتمعي خاصة باعتبار أن تبعاته تساهم في تبرير انتهاكات حقوق الإنسان وتبييضها، دون أنها تشجّع على العنف اللفظي والمادي وتحفيز الانقسامات والتوترات داخل المجتمع.

يعدّ انتشار خطاب الكراهية تحديًا جديًا بشكل متزايد على الأمن المجتمعي خاصة باعتبار أن تبعاته تساهم في تبرير انتهاكات حقوق الإنسان وتبييضها

  • في لزوم تقليص انتشار خطاب الكراهية

يصعب وضع حدّ نهائي لخطاب الكراهية باعتباره خطابًا يسهل تداوله في ظل استمرار أسباب تداوله خاصة مع وجود رافعة رسمية أحيانًا تعزّز انتشاره كالنار، ولكن لا مناص من العمل على تقليص انتشاره. تعدّ المقاربة التشريعية الجزائية، في هذا الجانب، أداة فعّالة ولكن المعضلة في نجاعتها وأيضًا في لزوم احترامها لمعايير تقييد حرية التعبير. ففي هذا الجانب، يعاقب الفصل 52 من المرسوم عدد 115 لسنة 2011 بعقوبة سجنية ومالية ضد كلّ من يدعو إلى الكراهية بين الأجناس والأديان أو السكان وذلك بالتحريض على التمييز واستعمال الوسائل العدائية أو العنف أو نشر أفكار قائمة على التمييز العنصري.

كما يجرّم قانون مكافحة التمييز العنصري لعام 2018 التحريض على الكراهية القائم على التمييز العنصري أو نشر الكراهية العنصرية، ولكن يظهر أن السياسة الجزائية للدولة لا تلقي أولوية لتطبيق هذا القانون، على نحو أدى واقعًا لإسهال في التحريض على الكراهية العنصرية وانتشارها في الفترة الأخيرة دون أي رقيب، وهو ما جعل منظمات حقوقية تطالب الدولة بتطبيق قانون مكافحة التمييز العنصري كي لا يبقى نصًا دون أثر.

هناك معضلة متعلقة بالجانب التشريعي، تتمثل في توظيف التشريعات التي تدّعي غايتها مكافحة خطاب الكراهية، في ضرب حرية التعبير واستهداف الناشطين الحقوقيين والصحفيين

بيد أن المعضلة الأخرى المتعلقة بالجانب التشريعي، هي توظيف التشريعات التي تدّعي غايتها مكافحة خطاب الكراهية في ضرب حرية التعبير واستهداف الناشطين الحقوقيين والصحفيين. ينصّ المرسوم 54، في هذا المضمار، على تجريم "الحث على خطاب الكراهية" في الفصل 24، غير أن تطبيق هذا الفصل أوضح توظيفه لاستهداف حرية الرأي خاصة عبر النقد ضد المسؤولين السياسيين، وذلك دون أن المرسوم 54 يتعارض في ذاته مع ضوابط تقييد الحريات وفق القواعد الدستورية والدولية أيضًا.

ولكن عدا الجانب التشريعي الواجب إعداده وفق قواعد القيم الديمقراطية وبغاية عدم المساس من جوهر حرية التعبير، تظلّ المسؤولية محمولة على المكونات السياسية والمدنية والإعلامية بالخصوص في تقليص انتشار خطاب الكراهية انطلاقًا من منعه والتضييق على مساحات تصديره، مع العمل على تحفيز الوعي الجمعي بشأن مخاطره ونشر ثقافة مكافحة هذا الصنف من الخطاب. فيما تمثّل قيم الحوار والتسامح والشفافية عناصر جوهرية في تأسيس خطاب مضاد للكراهية.