15-أكتوبر-2018

تظاهرة ثقافية خاصة بالمبدعين التونسيين في المهجر (قيس المتهمم/وزارة الثقافة)

يبدو أنّ فكرة إنشاء تظاهرة ثقافية تونسية تعنى بالمبدعين والفنانين والكتّاب المهجريين على غاية من الوجاهة والأهميّة والتبصّر، ولتحقيق ذلك لابدّ من دراسة الأمر دراسة فلسفية متأنية وذلك حتى يذهب التأسيس عميقًا ومن ثمّة يحلّق بالفكرة الخلاقة ويلامس ملامح كل الوجوه التونسية المهاجرة لتبقى التظاهرة متسامقة عبر الأجيال.

الفكرة على وجاهتها ليست سهلة، ويتطلب تحقّقها إرادات متعدّدة بما فيها إرادة أساسية وهي إرادة مبدعي المهجر أنفسهم بمختلف الأماكن والمدن حيث يقيمون ومختلف الأعمار والأيديولوجيات، فلا يكفي أن يتحلق أهل السياسة والمديرون حول الفكرة حتى نعتقد في نجاحها.

 فكرة إنشاء تظاهرة ثقافية تونسية تعنى بالمبدعين والفنانين والكتّاب المهجريين هي فكرة وجيهة ولكن لا بدّ من دراسة الأمر حتى يذهب التأسيس عميقًا

تعيش هذه الأيام تونس في الفترة الممتدة من 13 إلى 19 أكتوبر/تشرين الأولة 2018 على وقع الدورة التأسيسية لأيام قرطاج الثقافية للإبداع المهجري، وهو حدث دعت إليه وزارة الشؤون الاجتماعية وشاركتها فيه وزارة الشؤون الثقافية، وتحتضنه مسارح وقاعات مدينة الثقافة بالعاصمة تونس.

وحسب ما ذكر في الديباجات والتقديمات الرسمية للحدث، تتنزل هذه الأيام ضمن شراكة بين الوزارتين المذكورتين وقّعت أواخر 2017 تهدف إلى "تمكين كل فئات المجتمع التونسي من حقّهم الدستوري في الثقافة داخل الوطن وخارجه".

اقرأ/ي أيضًا: الدّورة الأولى لأيّام قرطاج لفنون العرائس.. انتصار آخر لأحلام الآباء المؤسّسين

لكن الأسئلة التي راجت في الكواليس ولمسها "الترا تونس" يوم الافتتاح هي لماذا الالتفات إلى مثقفي ومبدعي المهجر الآن وبعد هذه السنوات من الثورة؟ ومن هو فنّان المهجر؟ وهل المثقف التونسي الذي عاش في الخارج لسنوات ثم عاد واستقر نهائيًا في تونس يعتبر مثقفًا مهجريًا؟ وهل موعد هذه التظاهرة يعتبر مثاليًا بالنسبة للمبدعين المهجريين؟

طفت هذه الأسئلة وغيرها على السطح ونحن نتجول في الأروقة المخصصة لاستقبال كتب المبدعين المهاجرين والأعمال الفنية التشكيلية والتي بدت خاوية من أهلها عدا مرافقي الوزراء اللذين حضروا بكثافة لحظة الافتتاح.

الفنانة آمال المثلوثي في افتتاح أيام قرطاج للإبداع المهجري (قيس المتهمم/وزارة الثقافة)

التقى "الترا تونس"، في هذا الإطار، الفنانة التشكيلية التونسية زهرة زروقي المقيمة بتركيا والمختصة في فنّ "الإيبرو" والتي تحدثت بحرقة عن إقصائها من التظاهرة في آخر لحظة بعد أن جهزت نفسها للمشاركة ولا تعلم سبب ذلك، والطريف في الأمر، حسب زروقي، أنها اقترحت اسم الرسام عبد الرزاق حمودة وهو مقيم في سويسرا وتم قبوله للمشاركة، واعتبرت ذلك إقصاءً واضحًا لمبدعة تونسية ما انفكت تعلى من صورة وثقافة وطنها عاليًا.

مدير الدورة محمد أحمد القابسي لـ"الترا تونس": هناك صعوبات طفيفة في التنظيم والتنسيق مع الضيوف وذلك لأن البدايات لها إكراهاتها وإخلالاتها

حمل "الترا تونس" هذه التساؤلات والهواجس إلى مدير الدورة الشاعر محمد أحمد القابسي الذي أوضح لنا أن هناك صعوبات طفيفة بتعبيره في التنظيم والتنسيق مع الضيوف، وأوعز ذلك إلى البدايات التي لها إكراهاتها وإخلالاتها، مضيفًا أنّ ذلك لا يحجب بشكل من الأشكال الأدوار التي قامت بها الوزارتين من أجل إنجاح الدورة الأولى من أيام قرطاج الثقافية للإبداع المهجري، وفق تعبيره.

وأشار القابسي أن فلسفة الدورة انطلقت من جملة من المحاور أهمّها العمل على نسج منظومة جديدة للدبلوماسية الثقافية باعتبارها قوة ناعمة تسهم في رسم صورة مشرقة لتونس الثورة المتطلعة إلى توطين الديمقراطية والمدنية وحقوق الانسان، وأيضًا خلق فرص للحوار المباشر بين مبدعي المهجر داخل الوطن.

اقرأ/ي أيضًا: أول دورة لأيام قرطاج للفن المعاصر.. العائلة التشكيلية تنهض من تحت الرماد

النقطة الأكثر إضاءة في افتتاح الدورة التأسيسية الأولى لمهرجان أيّام قرطاج الثقافية للإبداع المهجري هو الحضور المتوهّج للفنانة المغنية آمال المثلوثي، التونسية المقيمة حاليًا بنيويورك، وقد حضر حفلها جمهور غفير ملأ قاعة مسرح الأوبرا بمدينة الثقافة.

غنت آمال المثلوثي من رصيدها الفني والموسيقي بالتزام واجتهاد ووعي فكري بما هي تنجز، فأغانيها مشرّعة الشرفات على موسيقات وثقافات العالم. كما بدت فنانة مغامرة بالمعنى الموسيقي للكلمة حيث أحسنت النسج بين الأنماط الشرقية والغربية، ومزجت الآلات واستدعت إلى حفلها فنونًا أخرى كالمسرح والسينما. أمال المثلوثي التي وجهت تحية خاصة لفريد مازني ختمت حفلها بأيقونتها "كلمتي حرة" التي عرفها التونسيون إبّان اعتصام القصبة.

مدير الدورة محمد أحمد القابسي:  فلسفة الدورة انطلقت من محاور أهمّها العمل على نسج منظومة جديدة للدبلوماسية الثقافية باعتبارها قوة ناعمة

وكرّمت الدورة الأولى من هذه التظاهرة مجموعة من المبدعين المهجريين من مختلف المشارب والاختصاصات الفنيّة والإبداعيّة، نذكر منهم الممثلة درّة زروق، والممثل نضال السعدي، والممثل أحمد الحفيان، وأحد مؤسسي السينما التونسية الحديثة المخرج الناصر الكتاري. ومن الكتّاب والشعراء، تم تكريم الطاهر البكري، وأبو بكر العيادي، والحبيب السالمي، وحسّونة المصباحي، فيما ذهب التكريم لرسامين أيضًا منهم أحمد الحجري. ويشمل التكريم تنظيم لقاءات مع الكتّاب حول تجاربهم الإبداعية وأماسي شعرية طيلة أيّام التظاهرة.

تكريم مبدعين تونسيين في المهجر في افتتاح أيام قرطاج للإبداع المهجري (قيم المتهمم/وزارة الثقافة)

ويبدو أن هذه التكريمات، وفي قراءة بسيطة لها، شملت الجيل الأول من المبدعين المهجريين اللذين سبق لهم أن كرّموا في مناسبات عديدة والاحتفاء بتجاربهم، حيث غاب الجيل الثاني والثالث من المبدعين سواء في الغناء أو التصوير أو الرسم والسينما.

هذا وستشهد باقي أيّام التظاهرة عدة أنشطة هامة نذكر منها الحفل الذي سيحييه الثنائي سيرين بن موسى وعبير النصراوي في سهرة يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول، وندوة علمية موضوعها "الاستثمار في الثقافة" التي ستشارك في أعمالها الهيئة الوطنية للاستثمار وسيُدعى إليها بعض رجال الأعمال وذلك يوم 18 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.

 الالتفات إلى المبدعين التونسيين المهجريين من قبل الوطن الأم مسألة في غاية الأهمية والراهنية وهي من قبيل المستحقات وليس المنّة

يمثّل الالتفات إلى المبدعين التونسيين المهجريين من قبل الوطن الأم بمختلف مؤسساته مسألة في غاية الأهمية والراهنية وليس منّة، فهو من قبيل المستحقات التي لا بد من الوفاء بها. لكن ما ظهر للعيان خلال هذه الدورة الأولى هو غياب تام للتصورات والطرائق المثلى للاحتفاء بهؤلاء التونسيين المغتربين الذين تبدو مسؤولياتهم كبيرة كسفراء للثقافة التونسية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"أوسّو نحّيلي الداء الي نحسّو": مهرجان"أوسّو" شاهد على المخيال الشعبي

الفنان التونسي المغترب عبد المجيد بن سعد: يجوب سماءات مسرح الطفل وفي جيبه موجة