18-أكتوبر-2016

تظاهرة تونسية ضد سياسات السبسي (أمين الأندلسي/الأناضول)

رغم أنه لم يمر بالكاد شهران على تكوين الحكومة التونسية الجديدة، حتى بدأت تنكشف المطبات والثغرات التي تؤكد هشاشة "الوحدة الوطنية" التي انبنت عليها هذه الحكومة. حيث كان من المفترض أن يمثل "التوافق" بين الطبقة السياسية الحاكمة والاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر المنظمات النقابية، عماد الاستقرار السياسي والاجتماعي، ولكن قرار الحكومة أحادي الجانب بتجميد الزيادات في الأجور في الموازنة المالية الجديدة، والموقف الحاسم للاتحاد برفض ذلك ودعوته هياكله للتعبئة، كشف أن "اتفاق قرطاج" الذي يمثل قاعدة الوحدة الوطنية قد سقط قبل الوقت الذي كان ينتظره معارضوه.

فلم يكن مستغربًا في الواقع أن تحلّ أزمة جديدة تنظر بموسم سياسي عاصف. ففي ظلّ الأزمة الاقتصادية، لا تزال رؤى معالجتها مختلفة تحديدًا بين الحكومة واتحاد الشغل الذي يرفض ما يسميها إجراءات تعسفية على حساب المواطن البسيط.

لم يقم السبسي صاحب مبادرة الوحدة الوطنية بضمان توفير شروط تحقيق أوسع ما يمكن من التوافق الجامع بعيدًا عن الإقصاء والتهميش

وفي هذا الجانب، يمثل صندوق النقد الدولي لاعبًا أساسيًا، حيث يتماهى التوجه الحكومي مع شروط المانح الدولي لتقديم قروض. وفي هذا الإطار، حشدت الجبهة الشعبية، أكبر كتل المعارضة، قبل أيام لوقفة احتجاجية ضد قانون الموازنة وهو ما ينبئ بجدل واسع سيشهد البرلمان التونسي رحاه خلال الأسابيع القادمة بمناسبة المصادقة على هذا القانون.

وبذلك، فهي في مختصرها معركة بين مشاريع وتوجهات استراتيجية، حيث لم تقدر جميع الحكومات منذ الثورة على بناء مشروع متكامل للنهوض بالاقتصاد وتجاوز أزمته، يحظى بدعم الفاعلين السياسيين والاجتماعيين.

كما بدأت تظهر، في هذا السياق، مؤشرات على صراع متجدد بين أكبر فاعلين اجتماعيين، وهما اتحاد الشغل واتحاد الأعراف الذي أبدى مؤخرًا رفضه الدخول في مشاورات مع النقابات بخصوص الزيادات في أجورهم.

لم تكن الخلافات الجوهرية في المسألة الاقتصادية أولى الثغرات التي كشفت زيف مسار "الوحدة الوطنية"، بل تستبقها المسألة السياسية، وذلك حينما كانت المشاورات حول هذا المسار خلال الصيف الفارط مقتصرة على الطبقة الحاكمة وجزء محدود من المعارضة.

لم تكن الخلافات الجوهرية في المسألة الاقتصادية أولى الثغرات التي كشفت زيف مسار "الوحدة الوطنية" في تونس

حيث قاطعت الجبهة الشعبية وأحزاب معارضة ممثلة في البرلمان هذه المشاورات. ولم يقم رئيس الجمهورية السبسي بتوجيه دعوة للرئيس السابق المنصف المرزوقي في قطيعة بين الرجلين لم يسع السبسي لتجاوزها حتى عنوان "الوحدة الوطنية".

ربما يكون طلب الإجماع هو من قبيل طلب المستحيل، لكن لم يثبت السبسي صاحب مبادرة الوحدة الوطنية واجب عناية لتوفير شروط تحقيق أوسع ما يمكن من التوافق الجامع بعيدًا عن الإقصاء والتهميش.

كما أن الأطراف التي انخرطت في هذه المبادرة فشلت في ذاتها بعيدًا عن الكلام الإنشائي الذي تضمنته الوثيقة الختامية، في صياغة وثيقة عملية جدية وتوافقية لأولويات الحكومة، وبذلك فشلت هذه "الوحدة الوطنية" الموهومة في أولى امتحاناتها.