الترا تونس - فريق التحرير
انتقد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان بشدة إصدار الرئيس التونسي قيس سعيّد المرسوم الرئاسي عدد 54 لسنة 2022 المتعلق بـ"مكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال"، معتبرًا أنه "يتيح لأجهزة الأمن انتهاك الخصوصيات الرقمية للتونسيين، ويفتح الباب أمام تقييد عمل وسائل الإعلام، وتجريم الممارسات المتعلقة بحرية الرأي والتعبير والنشر".
وقال المرصد الأورومتوسطي، في بيان نشره الاثنين 19 سبتمبر/أيلول 2022، إنّ هذا المرسوم يمثّل اعتداءً خطيرًا وغير مسبوق على الحريات في تونس، إذ ارتكز على نصوص عامة وفضفاضة، وفرض بموجبها على مزودي خدمات الاتصال والمستخدمين التزامات وجزاءات تعسفية وغير ضرورية، وتمس بشكل مباشر بحقوقهم الأساسية، وفق تقديره.
المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان: هذا المرسوم يمثّل اعتداءً خطيرًا وغير مسبوق على الحريات في تونس إذ ارتكز على نصوص عامة وفضفاضة وفرض بموجبها على مزودي خدمات الاتصال والمستخدمين جزاءات تعسفية
وأكّد أنّ المرسوم الجديد "يشرعن اختراق ومراقبة اتصالات وبيانات الأفراد، ويجرّدهم من حقّهم بالحفاظ على سرية البيانات المتعلقة بهويتهم أو سلوكهم أثناء استخدام أجهزة ووسائط الاتصال والتواصل، ويمكّن السلطات من الوصول إلى جميع البيانات الخاصة"، حسب رأيه.
كما لفت المرصد إلى أنّ المرسوم يُلزم مزودي خدمات الاتصال بحفظ بيانات المستخدمين الشخصية لمدة عامين على الأقل، ويشمل ذلك البيانات المتعلقة بحركة الاتصال، والأجهزة الطرفية للاتصال، والموقع الجغرافي للمستعمل، وتلك المتعلقة بـ"إتاحة واستغلال محتوى ذي قيمة مضافة"، وأنه بحجة "كشف الحقيقة"، يتيح المرسوم للسلطات الاطلاع والاستحواذ على تلك البيانات كافة، كما يتيح لها التسجيل الفوري لبيانات حركة الاتصال، والنفاذ إلى أي نظام أو حامل معلوماتي (كل جهاز أو وسيلة تسمح بتخزين البيانات المعلوماتية) وتفتيشه والحصول على البيانات المخزنة داخله، وأناط بوزارتي الداخلية والدفاع تأمين تلك العملية، وفق ما ورد في نص البيان.
كما ذكر أنه في "الحالات التي تقتضيها ضرورة البحث، أتاح المرسوم للسلطات "اعتراض اتصالات ذوي الشبهة"، ويشمل ذلك التنصت أو الاطلاع على محتوى الاتصالات وكذلك نسخها أو تسجيلها باستعمال الوسائل الفنية المناسبة".
المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان: المرسوم الجديد يشرعن اختراق ومراقبة اتصالات وبيانات الأفراد ويجرّدهم من حقّهم بالحفاظ على سرية البيانات المتعلقة بهويتهم أو سلوكهم أثناء استخدام أجهزة ووسائط الاتصال والتواصل
وأشار إلى أن المرسوم يفرض عقوبة السجن 5 سنوات وغرامة مالية بـ50 ألف دينار تونسي على الأفراد "لقاء تهم عامة وفضفاضة ويمكن استخدامها تعسفيًا على نحو واسع، مثل نشر بيانات أو إشاعات كاذبة، أو الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني، أو الحث على خطاب الكراهية، وتُضاعف تلك العقوبة في حال كان الشخص المستهدف موظفًا عموميًا أو شبهه"، وفق تقدير المرصد.
وقال مسؤول العمليات في المرصد الأورومتوسطي أنس جرجاوي إن "مضمون المرسوم الرئاسي الجديد صادم ويشبه إلى حد كبير النظم المعمول بها لدى الحكومات الديكتاتورية"، معتبرًا أن "المضي قدمًا في تنفيذ هذه الأحكام التعسفية يعني تقريبًا تجريد التونسيين من حقهم في الخصوصية، وتقييد عمل وسائل الإعلام المستقلة وتجريم بعض مخرجاتها"، على حد تعبيره.
وأضاف: "وثّقنا طوال الأشهر الماضية جميع الخطوات التي اتخذها الرئيس قيس سعيّد للسيطرة على السلطات المختلفة في البلاد، ولا سيما القضائية، وبالتالي لا يمكن ضمان استقلالية الجهات المكلفة بإنفاذ المرسوم. وتبعًا للنهج الشمولي الذي يدير به سعيّد الدولة، فإنّه من المشروع الاعتقاد باستخدام نصوص المرسوم على نحو تعسفي لانتهاك خصوصية المعارضين، وتقييد وملاحقة الصحفيين ووسائل الإعلام التي قد تصدر مخرجات تنتقد سياسات الرئيس".
أنيس جرجاوي (مسؤول العمليات في المرصد الأورومتوسطي): المضي قدمًا في تنفيذ هذه الأحكام التعسفية يعني تقريبًا تجريد التونسيين من حقهم في الخصوصية، وتقييد عمل وسائل الإعلام المستقلة وتجريم بعض مخرجاتها
ونبّه المرصد الأورومتوسطي إلى أنّه على الرغم من أنّ المرسوم أوجب على جهات إنفاذ القانون الالتزام بالضمانات الدستورية وبالمعاهدات الدولية والإقليمية والثنائية والتشريعات الوطنية ذات العلاقة، إلا أنّ السلوكيات والممارسات الرسمية منذ إعلان التدابير الاستثنائية في جويلية/يوليو 2021 تؤكّد عدم احترام السلطات لتلك الأحكام، واستخدام القوانين للتضييق على الحريّات، ومن أبرز مظاهر ذلك احتجاز ومحاكمة عشرات المعارضين والمنتقدين والصحافيين، وإغلاق وسائل إعلام معارضة، وفصل عشرات القضاة ومنعهم من السفر على نحو تعسفي وغير قانوني، وفق البيان ذاته.
وشدّد المرصد الأورومتوسطي على أنّ المرسوم الرئاسي "يتعارض على نحو فجّ مع مجموعة من القواعد والقوانين الدولية ذات العلاقة، إذ نصّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على احترام حق الأفراد في الخصوصية، وجاء في المادة (12) منه: "لا يعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته... ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل".
وبالمثل، أكّد العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية على الحق في الخصوصية، إذ نصّت المادة (17) منه على أنّه "لا يجوز تعريض أي شخص، على نحو تعسفي أو غير قانوني، لتدخل في خصوصياته أو شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته، ولا لأي حملات غير قانونية تمس شرفه أو سمعته".
المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان يدعو المقرر الأممي الخاص المعني بالحق في الخصوصية إلى الضغط على الرئيس التونسي للتراجع عن المرسوم، وضمان توافق الإجراءات والقوانين في تونس مع الالتزامات الدولية في مجال حقوق الإنسان
ودعا المرصد الأورومتوسطي المقرر الأممي الخاص المعني بالحق في الخصوصية إلى دراسة الآثار المترتبة على الخصوصية لدى تنفيذ السلطات التونسية للمرسوم والضغط بكل الوسائل الممكنة على الرئيس التونسي للتراجع عنه، إضافة إلى ضمان توافق الإجراءات والقوانين الوطنية في تونس مع الالتزامات الدولية في مجال حقوق الإنسان.
كما حث الرئيس التونسي قيس سعيّد إلى سحب المرسوم الجديد، والتوقف عن السيطرة على السلطة التشريعية وإصدار مراسيم تخدم تعزيز ركائز الحكم الشمولي، والوفاء بتعهداته المتعلقة باحترام حقوق الأفراد والكيانات في حرية النشر وإبداء الرأي، وفق البيان ذاته.
وكان قد صدر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية (المجلة الرسمية)، في عدده المنشور الجمعة 16 سبتمبر/أيلول 2022، مرسوم رئاسي يتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال، وأثار جدلًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي لاسيما وقد اعتبره نشطاء أداة جديدة لمزيد التضييق على حرية التعبير في تونس.
وينص المرسوم، في الباب المتعلق بالجرائم المتّصلة بأنظمة المعلومات والاتصال والعقوبات المستوجبة في قسم الإشاعة والأخبار الزائفة، على أنه:
"يعاقب بالسجن مدة 5 أعوام وبخطية قدرها 50 ألف دينار كل من يتعمد استعمال شبكات وأنظمة معلومات واتّصال لإنتاج أو ترويج أو نشر أو إرسال أو إعداد أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو وثائق مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذبًا للغير بهدف الاعتداء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني أو بث الرعب بين السكان.
ويعاقب بنفس العقوبات المقررة بالفقرة الأولى كل من يتعمد استعمال أنظمة معلومات لنشر أو إشاعة أخبار أو وثائق مصطنعة أو مزورة أو بيانات تتضمن معطيات شخصية أو نسبة أمور غير حقيقية بهدف التشهير بالغير أو تشويه سمعته أو الإضرار به ماديًا أو معنويًا أو التحريض على الاعتداء عليه أو الحث على خطاب الكراهية. وتضاعف العقوبات المقررة إذا كان الشخص المستهدف موظفًا عموميًا أو شبهه".