لم تتوقف التداعيات الاقتصادية لأزمة كورونا مع الحجر الصحي العام وتوقف نشاط أغلب المهن الهشة وغير المنظمة والحرف الصغرى، إذ استمرت هذه التداعيات مع عودة نسق الحياة الاقتصادية تدريجيًا إلى طبيعتها مع تأثيرها بالخصوص على فئة كبيرة من صغار المهن والحرف والمحلات التجارية الصغرى وعمال المقاهي والمطاعم ورياض الأطفال.
أفاد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن أزمة كورونا رفعت الحجاب عن الأزمة الهيكلية للمهن الصغرى
أوضاع صعبة يواجهها أصحاب هذه المهن خلّفت لهم خسائر كبيرة بسبب التوقف عن النشاط، وتكبّدهم لخسائر دفع ثمن إيجار المحلات وجزء من أجور العمال دون تحصيل إيرادات مالية ما اضطر العديد من أرباب العمل، طيلة الأسابيع الأخيرة، إلى تسريح العمال.
وأفاد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن أزمة كورونا رفعت الحجاب عن الأزمة الهيكلية للمهن الصغرى بـ"رقم صادم" ألا وهو وجود 170 ألف "صنايعي" يشتغلون على الهامش غير مسجلين في الديوان الوطني للصناعات التقليدية. وقد دفع توقف النشاط التجاري وفقدانهم لمواطن الرزق إلى محاولة انتحار 6 "صنايعية"، في شهر أفريل/نيسان فقط، توفي أحدهم في صفاقس.
اقرأ/ي أيضًا: هل تدفع أزمة كورونا تونس إلى مزيد التفكير في أمنها الغذائي؟
عمال محالون على البطالة
كان قد حذر خبراء الاقتصاد من تسريح العمال بسبب أزمة كورونا وسط تأكيدات أن تداعيات هذه الأزمة لن تكون ظرفية لعدّة أشهر فقط بل ستتواصل إلى أكثر من سنتين وفق بعض التوقعات.
محمّد شوشان (27 سنة)، نادل بمقهى، أفاد لـ"ألترا تونس" أنّ صاحب المقهى أعلمه بعدم العودة إلى العمل والاكتفاء حاليًا بعودة نادل فقط لعجزه عن تسديد الأجور مطمئنًا إياه بإعادته في حال عادت الحياة إلى طبيعتها واستطاع سداد جزء من ديونه لدى مالك المحل.
محمد (نادل بمقهى) وعبد الكريم (عامل في مطعم) هما عيّنة من آلاف العمال الذين فقدوا عملهم بسبب التداعيات الاقتصادية لأزمة كورونا
وحدثنا محمد أنّه تم الاستغناء عن شخصين آخرين يعملان معه أيضًا في ذات المقهى بسبب الأزمة التي مرّت بها أغلب المقاهي، مشيرًا إلى أنه لا يعرف موعد انفراج الأزمة وعودته إلى عمله أو كيف سيؤمن بعض المداخيل قبل استئناف نشاطه من جديد.
عبد الكريم الرحالي (32 سنة)، عامل في مطعم للأكلات الخفيفة، بات اليوم أيضًا عاطلًا عن العمل بعد تخلي صاحب المطعم عن ثلاثة عمال بعد عجزه عن سداد أجورهم رغم عودة العمل تدريجيًا بعد عيد الفطر في انتظار استئناف النشاط بصفة كلية.
محمد وعبد الكريم هما عيّنة من آلاف العمال الذين فقدوا عملهم بسبب التداعيات الاقتصادية لأزمة كورونا في انتظار إعلان حجم الخسائر وبالخصوص عدد العمال المُحالين للبطالة لا سيما من عمال المحلات الحرفية والأسواق والمهن الحرة والصغرى.
إجراءات لفائدة المهن الصغرى
وكانت قد أقرت وزارة الشؤون الاجتماعية جملة من الإجراءات والمساعدات لفائدة الفئات المعوزة بقيمة 150 مليون دينار، وأيضًا لفائدة المهن الصغرى التي تعاني البطالة الفنية بقيمة 300 مليون دينار، وتتراوح قيمة المساعدات المالية بين 100 و200 دينار.
اقرأ/ي أيضًا: تونس وضرورات سياسة اجتماعية من "خارج الصندوق"
لكنّها بقيت مساعدات بسيطة انتفع بها أساسًا أصحاب المهن وليس كلّ العملة، كما أنّها دُفعت خلال فترة الحجر الصحي والحال أنّ أزمة بطالة العمال ستتواصل إلى أجل غير معلوم بسبب الأزمة الاقتصادية وتعطل استئناف النشاط الطبيعي لهذه المهن.
وقد اعتبر رمضان بن عمر، المكلف بالإعلام في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أن أزمة فيروس كورونا المستجد عمّقت التفاوت الاجتماعي بشكل كبير مشيرًا إلى أنّ العاملين في القطاعات غير الرسمية في تونس يمثلون نسبة 58.8 في المائة من اليد العاملة الجملية، حسب إحصائيات لمنظمة العمل الدولية لسنة 2018 وهو ما يؤكد وجود أكثر من مليوني عامل يعملون في القطاع غير المنظم بتونس.
وأضاف، في تصريح إعلامي، أن المليوني عامل في القطاع غير المنظم هم الأكثر عرضة للبطالة والفقر متوقعًا أن يمثل ذلك شرارة الحراك الاحتجاجي القادم في حال تدهورت أوضاعهم المعيشية نتيجة وضعهم الاجتماعي الهش.
اللجوء إلى الاقتراض
لمجابهة الأزمة المالية وتوفير سيولة كافية لاستئناف النشاط، اضطر البعض إلى اللجوء إلى التداين والاقتراض من البنوك أو محاولة جدولة ديون سابقة، فيما يواجه أخرون من أصحاب المهن الحرة غياب الضمانات للحصول على قروض.
عبد الرؤوف، صاحب مقهى بالعاصمة، حدثنا أنه سيتقدّم بطلب للحصول على قرض صغير للتمكن من استئناف نشاطه بالمقهى لا سيما وأنّه قد أنفق كلّ مدخراته على ثمن كراء المقهى، إضافة إلى دفعه جزء من أجور العمال رغم توقف العمل. وأضاف أنّه لن يستطيع العودة إلى العمل إذا لم يتمكن من الحصول على تمويل لاستئناف نشاطه.
عبد الرؤوف (صاحب مقهى): لن أستطيع العودة إلى العمل إذا لم أتمكن من الحصول على تمويل لاستئناف النشاط
يُذكر أن تقديرات المعهد الوطني للإحصاء تقدّر نسبة الفقر في تونس بـ15.2 في المائة، فيما بلغ عدد التونسيين تحت عتبة الفقر 1.7 مليون شخص بوجود 285 ألف عائلة معوزة، فيما يقدَّر عدد أصحاب الدخل المحدود بـ622 ألف شخص.
ورجّح خبراء الاقتصاد ارتفاع عدد الفقراء والعاطلين عن العمل في تونس وسط تحذير من تداعيات أزمة كورونا على السلم الاجتماعي خاصة في صورة تطور حالة الاحتقان إلى حركات احتجاجية التي ارتفعت خلال الحجر الصحي الشامل وحظر الجولان، في أفريل/نيسان 2020، إلى 254 تحركًا تركزت بالخصوص في ولايات الوسط الغربي وشملت بعض أحياء العاصمة على غرار وادي الليل ودوار هيشر وحي التضامن والمنيهلة.
اقرأ/ي أيضًا:
عن الدعم الحكومي للشركات والاقتصاد.. إعادة إنتاج الأزمة؟
عائلة تروي تجربتها لـ"ألترا تونس": احتمينا بالصحراء هربًا من كورونا