12-سبتمبر-2018

لمجد النوري من أبرز الفنانين التشكيليين المختصين في الخط العربي وتحديدًا الحروفية

عندما تجلس الى الفنان التشكيلي لمجد النوري تنتبه منذ الوهلة الأولى أنك في حضرة مبدع مسكون بتجلّيات الرّسم والتّشكيل إلى أبعد الحدود، فلا ينبس إلا بالحديث عن أفكاره الفنيّة ومشاريعه وأعماله التشكيلية وتجريبه للتقنيات والمواد والذهاب بالرسم إلى أقاصي البلد.

لمجد النّوري شغوف أيضًا بالمعارف والعلوم في مجالات الفن التشكيلي، ويراها إسنادًا قويًا للتجارب الفنية التي يريد أن يقطعها، فهو حاصل على الدكتوراة في علوم وتقنيات الفنون ضمن مبحث عام هو "نظريات الفنّ"، وله كتابات عديدة في هذا المجال ويدرّس حاليًا بالمعهد العالي للفنون الجميلة بتونس.

لمجد النّوري هو رسّام تشكيلي برع في الخط العربي وتحديدًا الحروفية وهو أيضًا  أستاذ في المعهد العالي للفنون الجميلة متحصّل على الدكتوراه في علوم وتقنيات الفنون

كما انخرط مبكرًا في اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين، وتحمّل مسؤوليات في بعض هيئاته المديرة. وله أيضا أنشطة جمعياتية عديدة نذكر منها جمعيّة بصمات بالمعهد العالي للفنون الجميلة بتونس، وجمعية الفنون الجميلة بالقيروان وجمعية الخطّاطين التونسيين، وذلك إيمانًا منه بدور المجتمع المدني التشكيلي في إعلاء قيمة الفن والثقافة في صلب المجتمع.

أنجز الفنان التشكيلي لمجد النّوري العديد من المعارض الفنية لعل أهمها معرضه الفردي "دونما إطار" الذي احتضنه رواق يحي التركي بالبلمريوم بالعاصمة سنة 2012، ومعرضه بالمركب الثقافي بسوسة سنة 2016 وذلك فضلًا عن مشاركاته في المعرض السنوي لاتحاد الفنانين التشكيليين ومعارض من تنظيم جمعيات مختصة.

لم تثن حداثة التجربة الفنية الفنّان لمجد النّوري على الذّهاب أبعد من الحلم، إذ اختار الخطّ العربي كتيمة مركزية لتوجهه التشكيلي وهو اختيار صعب لأنّ هذا الحقل يتميّز بتاريخه المتنوع وتشعباته الحضارية والدلالية وتعدد مدارسه ورموزه. ولكن انتهج لمجد النوري من عالم الخط العربي دربًا قصيّا وهو الحروفيّة، ومعناها الاشتغال على الخط وتطويعه على المحامل بعيدًا عن معانيه اللغوية وبعيدًا عن الزخرف المتداول في أنواع الخط العربي. وقلة من الرسامين والخطاطين التونسيين الذين خاضوا في الحروفية، واتخذوها نبراسًا فنيًا وتوغلوا وحلّقوا بها وحلّقت بهم عاليًا ولعل أشهرهم الفنان التونسي الكبير نجا المهداوي.

من أعمال الفنان التشكيلي لمجد النّوري (الترا تونس)

لمجد النّوري، منذ سنة 2017، وهو بصدد تنفيذ مشروع فني في علاقة بالمدارس الابتدائية حيث حول عشرات السبورات الخشبية التي تم التخلي عنها إلى أعمال فنية حروفية وتم إعادة تركيزها مجددًا في فضاء المدرسة. وقد لقي هذا المشروع أصداء طيبة في الأوساط التربوية والثقافية، فخلق لدى صاحبه أفاقًا فنيّة أخرى قد تدفعه إلى مدارس ريفية جديدة.

اقرأ/ي أيضًا: النّحات حافظ المساهلي: السياسة الثّقافية في تونس لم تتغيّر وأنا أباغت جماليًا

التقى "الترا تونس" لمجد النوري للحديث عن فنّه وعن مشروعه في المدارس ودار هذا الحوار:


  • عادة ما ينشغل أساتذة الفنون الجميلة بالتنظير والتاريخ والدروس الأكاديمية، وقلة منهم يجنحون نحو الممارسة الفنية فنراهم يعرضون تجاربهم ويحولون الواقع إلى فنّ. كيف يفهم الأستاذ النوري هذه المسالة وهو يعايشها يوميًا في معاهد الفنون الجميلة بتونس؟

هي ظاهرة ليست حكرًا على تونس بل نجدها في كل الدول، فأغلب مدرسي الفنون الجميلة هم بيداغوجيون محترفون يقدمون الدرس الجامعي باقتدار أما أن يكونوا من فئة منتجي المادة الفنية فتلك مسألة أخرى يتداخل فيها الذاتي المتمثل في الموهبة والإرادة، وأيضًا الموضوعي المتمثل في الانخراط المبكر في الساحة التشكيلية وما تحويه من تجريب عبر المعارض من أجل اكتساب الخبرة وتعزيز القدرات والمهارات.

لمجد النّوري:  ما يميز الأستاذ الفنان هو إعطاء الدّرس الجامعي تلك الروح الفنية ومحاولته نقل الواقع إلى قاعة الدرس

أما ما يميز الأستاذ الفنان فهو إعطاء الدّرس الجامعي تلك الروح الفنية ومحاولته نقل الواقع إلى قاعة الدرس وإعطاء الطالب البعض من التجربة الميدانية.

  • ماذا يعني لك أن تدرّس بمدرسة الفنون الجميلة بتونس؟

لهذا الفضاء التعليمي فضل كبير على الفن التشكيلي والثقافة في تونس منذ ثلاثينيات القرن العشرين إلى الآن. لقد تخرج من هذه المدرسة مئات الأساتذة وعشرات الفنانين والرسامين وخلفوا أعمالا خالدة هي بمثابة الرصيد الحضاري للشعب التونسي. كما أسهمت هذه المؤسسة في صناعة الذوق الفني للتونسيين، وبالتالي فإنّ التدريس فيها هو مسؤولية جسيمة تجاه الذات الطامحة لمجد فني وتجاه تاريخها المشرّف.

اقرأ/ي أيضًا: "الرسم على الماء" أو "الإيبرو".. الإقصاء القسري لفنّ عظيم

  • الخط العربي كفن عريق ومكوّن من مكوّنات الهوية الحضارية لتونس كان شبه مقصي من مدرسة الفنون الجميلة بتونس. ما هي الأسباب بتقديرك؟ وهل عاد بقوة للمدرسة من خلالك أنت؟

عندما نريد أن نفهم هذه المسالة لا بدّ من العودة للتاريخ، فمدرسة الفنون الجميلة مرت بها اطوار عديدة منها أطوار هيمنة سياسية وأطوار هيمنة أشخاص أو فنانين، فلم يكن هناك تصور عام يبني عليه الجميع. والخط العربي تضرر من هذه الإطار لكنه لم يكن مقصيًا بالكامل بل كان مادة ليست من الوزن الثقيل.

وقد تشكلت، في السنوات الأخيرة، جبهة سواء في مدرسة الفنون الجميلة بتونس أو في بقية المدارس والمعاهد الأخرى للدفاع عن الخط العربي ليس من منظور سياسي أو إديولوجي أو حضاري وإنما من منظور فنّي تشكيلي. فالخطّ العربي مادة خصبة وثرية عميقة الأغوار، والاشتغال عليها قد يعطي منتوجًا فنيًا غير متوقع.

من أعمال لمجد النّوري ضمن مشروعه الفني في المدارس التونسية (الترا تونس)

  • لكن الفنان لمجد النّوري اختار لنفسه دربًا قصيًا وصعبًا في منظومة الخطّ العربي وهو الحروفية. هل هي مغامرة طوعية؟

قبل هذه المرحلة كنت رسامًا مغامرًا، إذ جرّبت عديد المحامل وعديد التقنيات وشاركت في معارض داخل تونس وخارجها وفجأة وجدتني في فصل جديد من تجربتي الفنية اضطررت من خلالها لتكوين خاص في فنون الخط العربي تطلب أشهرًا عديدة ومجهودًا فرديًا إستثنائيًا جعلني أسبر مجاهل هذا الفن العريق وتقنياته وتاريخه ومدارسه وخطاطيه.

أما بخصوص اتجاهي نحو الحروفية، فكان لزامًا على الفنان الساكن فيّ، إنه درب منحني مساحات أوسع من الحرية عكس التخطيط المتّسم بالقوانين والصرامة.

  • لكن الحروفية حلق بها الفنان نجا المهداوي عاليًا واتجه بها نحو العالمية؟

صحيح الفنان الكبير نجا المهداوي قطع أشواطًا في الحروفية، وأنا على إطلاع على تجربته الثرية والتي اعتبرها مهمة جدًا وهي بمثابة المرجع لي ولغيري. لكن الفنان نجا المهداوي لا يحتكر الحروفية لنفسه حيث ثمة العديد من الفنانين التشكيليين لهم مغامرات في الحروفية. وأعتبر نفسي من الجيل الثاني للحروفية.

اقرأ/ي أيضًا: مدرسة تونس للفنون التشكيلية.. علامة فارقة وتاريخ خالد

  • لماذا الحروفية بالذات؟ وهل يمكن القول إنك اصبحت حروفيًا؟

الحروفية ولدت في إيران أواسط القرن العشرين، وقلة من الفنانين الذين انخرطوا فيها باستثناء بعض المصريين والعراقيين. وهي فرصة للفنانين التشكيليين حتى يذهبوا بالخط العربي إلى مناطق لم تطأها أقلام الخطاطين.

لمجد النّوري: أعتبر نفسي من الجيل الثاني لفنّ الحروفية في تونس وأضفت لتوجّهي الحروفي تقنية الفسيفساء والتنقيط

الحروفية هي تنقيب في أرض الخط العربي عادة ما تعطي جماليات جديدة. وشخصيًا، أضفت لتوجهي الحروفي تقنية الفسيفساء والتنقيط وقد أثمرت أعمالًا جديدة على عين المتلقي.

أما عن كوني أصبحت حروفيًا، فهذا صحيح لأني وكما يقول الشاعر محمود درويش "على هذه الأرض ما يستحق الحياة"، وأنا أمامي الكثير من المشاريع والأحلام الحروفية التي لم تتحقق بعد.

  • أنت منشغل حاليًا بمشروع إعادة الحياة للسبورات الخشبية بالمدارس التونسية بعد أن تم التخلي عنها لصالح السبورات الذكية وذلك بواسطة الحروفية، لو تحدثنا عن هذا المشروع؟

هو حلم فني وقد توجهت نحوه بكل عنفوان بما أحمله من أفكار وتجربة في الرسم. فخلال زيارة للمدرسة الابتدائية التي درست بها بمدينة المزونة من ولاية سيدي بوزيد وحينما شاهدت السبورات المتخلى عنها، نبتت فكرة إعادة الحياة لهذه السبورات وتكريمها بالحرف وهو الذي كتب على أديمها لسنوات حتى تتعلم الأجيال.

من أعمال لمجد النّوري ضمن مشروعه الفني في المدارس التونسية (الترا تونس)

واشتغلت إلى حد الآن على سبورات بعض مدارس وإعداديات سيدي بوزيد والقيروان وسليانة وشارك معي مئات التلاميذ والمدرسين وعملة التربية. وفعلًا كانت تجربة مثيرة حيث أعطت للمدرسة طاقة ومشاعر جديدة وهذا هو في اعتقادي دور الفن.

  • هل تلقيت دعمًا لإنجاز هذا المشروع؟

انطلقت في البداية في المشروع بمفردي لكن وزارة التربية سارعت لدعمي وسهلت السبل الادارية واللوجستية في أكثر من مناسبة. وأنا أريد أن يمتد مشروع الحروفية والسبورات إلى مدارس قصية في العديد من ولايات الجمهورية.

  • الذهاب بالفن إلى المدارس وإلى أقاصي الوطن يتطلب وعيًا خاصًا يكاد يكون غائبًا في الساحة التشكيلية التونسية، أليس كذلك؟

تحاول الساحة التشكيلية التونسية في هذه المرحلة التاريخية التخلّي عن بعض التكلسات والسلوكات الكلاسيكية. إذ يبحث الجيل الجديد من الرسامين والنحاتين والخزافين والحروفيين لنفسه عن آفاقًا جديدة من خلال مشاريع وتصورات معاصرة، ولي أن أذكر هنا تجربتين هامتين لكل من نجاة الذهبي وكوثر الجلاّزي.

صورة تجمع مراسل الترا تونس مع الفنان التشكيلي لمجد النّوري (رمزي العياري/الترا تونس)

 

اقرأ/ي أيضًا:

بن عمّو مؤلف "عام الفزوع": شوقي الماجري أراد تزييف تاريخ "بن غذاهم" (حوار)

حوار في السياسة الاتصالية لـ"داعش" مع محمد المعمري مؤلف "في كلّ بيت داعشي"