هنّ نساء أصيلات ولاية زغوان، يهمن بأرضها وجبلها، ويستلهمن المقاومة من النباتات الجبلية العطرية منها والطبّية، لم يلقين بالًا إلى التهميش الذي لم ينفك يحاوط الجهات الداخلية ولم يقنطن لغياب التنمية، ولم يغادرن أرضهن بل تشبثن بها وجعلن من النباتات الطبية والعطرية مصدر رزق لهن.
هنّ نساء صنعن من الضعف قوّة وقارعن كل العراقيل والصعوبات ليتوّج كفاحهن بمشاركة منتوجاتهن في معارض داخل الجمهورية التونسية وخارجها، زيوت نباتية وروحية هي عصارة أرواح مثابرة.
زيوت روحية ونباتية (يسرى الشيخاوي/الترا تونس)
اقرأ/ي أيضًا: غابات تونس.. مصدر رزق وثروة مهدّدة
هنّ نسوة تضوع من بين أحاديثهن رائحة الإكليل والزعتر والأزهار العطرية، التقى "الترا تونس" اثنتين منهن على هامش تظاهرة "أيام الجهات مدن الفنون" الخاصة بولاية زغوان، فتحدّثن عن العلاقة بأرض زغوان والشغف بنباتاتها التي يتعلّمن منها معاني الحياة.
خُصص، في بهو مدينة الثقافة، رواق للزيوت العطرية والنباتية والروحية، بهو يسوده اللون الأخضر ورائحة الإكليل النفاذة تشدك إليه فتجول بناظريك بين قوارير مختلفة الأحجام تحوي عصارة روح النباتات البرية وتجربة نساء داعبنها بأياديهن.
النباتات ملاذ..
فاطمة قويد أصيلة منطقة واد الصبايحية من ولاية زغوان الواقعة في الشمال الشرقي لتونس، هي إحدى هؤلاء النسوة اللاتي وثقن في هبات النباتات وجعلنها ملاذهن من البطالة. محدثتنا تعمل في مجال تثمين الموارد المحلية لزغوان منذ عام 2008، إذ تجفف الأعشاب وتقطّر الزيوت العطرية والطبية على اعتبار أن المواد الأولية متوفرة حيث تقطن، وفق حديثها.
فاطمة قويد (حرفية في مجال الزيوت العطرية): حاولت أن أستثمر الموارد الطبيعية لأعيش برفاهية ولا أضطر للمغادرة نحو العاصمة للبحث عن عمل آخر
وعن اختيارها هذه الحرفة، تقول إنها حاولت أن تستثمر الموارد الطبيعية الموجود لتعيش برفاهية ولا تضطر للمغادرة نحو العاصمة للبحث عن عمل آخر.
ولأنها ترعرعت على رائحة الأزهار والأعشاب الفواحة، أحبت فاطمة هذا المجال وتلقت تكوينًا تحصلت بموجبه على شهادة الكفاءة المهنية في تثمين الموارد المحلية.
وتشير، في حديثها عن مشروعها، إلى أنها تشغل معها أشخاصًا يقومون بجمع النباتات ومن ثم تقوم برسكلتها بنفسها وتستخرج عددًا من الزيوت على غرار زيوت الإكليل والزعتر و"الكلاتوس" (الأوكالبتوس) والحلبة االخروع والكتان و"القضوم" (زيت الضرو).
المشروع يقوم على تحويل النباتات الجبلية إلى زيوت طبية وعطرية (يسرى الشيخاوي/الترا تونس)
ورغم الصعوبات التي تواجهها في التسويق لمنتوجها، توكد أنها لن تستسلم وستواصل الدفع بمشروعها والتعريف به في المعارض ونقاط السياحة الأيكولوجية، على حد قولها.
ومن الصعوبات الأخرى التي يواجهها مشروع تحويل النباتات إلى زيوت طبية وعطرية هو تضرر الثروة النباتية في السنوات الأخيرة وهو ما يحتم ضرورة الاقتصاد في جمعها على اعتبار أنها نباتات برية لا تنبت بصفة طبيعية، وفق حديث فاطمة ڨويد التي تؤكد أنها تتعامل مع النبتة كإنسان وليس مجرد مادة أولية تقتلعها من جذورها وتمرّ.
اقرأ/ي أيضًا: بسبب الإرهاب.. سكان الحدود يهجرون مهنًا جبلية
الزيوت النباتية.. منفعة وبركة
غير بعيد عن الطاولة التي نضدت فيها فاطمة منتجاتها المستخلصة من الأعشاب والنباتات البرية، تعرض زهيرة بن خليفة منتوجاتها من مياه الأزهار وزيوت النباتات الجبلية. هي الأخرى أصيلة واد الصبايحية، تلك المنطقة الريفية التابعة لمحافظة زغوان، توفي والدها الفلاح وترك لها قطعة أرض تشبثت بها ورفضت بيعها، وفق قولها.
أعشاب ونباتات بريّة (يسرى الشيخاوي/الترا تونس)
تقول إنها سعت إلى تثمين الموارد الطبيعية لجهتها من نباتات وبذور لتعيش من استثمارها وتجعلها مورد رزق ولعدد من النساء الريفيات اللاتي تحول الظروف الاقتصادية والاجتماعية دون تمكينهن من تركيز مشاريع خاصة.
وفي ذات السياق، تعتبر أن الموارد الطبيعية "ذهب أخضر" فيه منفعة وبركة، مشيرة إلى أنها تستغل الإكليل والزعتر والفليو (النعناع البري) والعطرشاء لاستخراج الزيوت النباتية والعطرية والروحية.
زهيرة بن خليفة (حرفية في استخراج الزيوت النباتية): سعيت لتثمين الموارد الطبيعية في جهتي وأطالب الدولة بالالتفات إلى المرأة الريفية
وتشغل محدثتنا، التي تلقت تكوينًا في المجال في تونس وكندا، في ورشة صغيرة في بيتها، امرأة بصفة مباشرة و5 نساء بصفة غير مباشرة وهن من تتولين جمع النباتات الجبلية، وفق حديثها، وبخصوص الصعوبات التي تواجهها، تقول إن هناك عراقيل على مستوى التسويق والمقر، مشيرة إلى أن مقر ورشتها لا يخول لها إنتاج كميات أكبر من الزيوت توجهها إلى التصدير على اعتبار أنه لا يمكنها من تشغيل عدد أكبر من النساء.
وتصر محدثتنا رغم هذه الصعوبات على تشبثها بأرضها وزيتونها مطالبة الدولة بالالتفات إلى المرأة الريفية.
منتجات مستخلصة من الأعشاب والنباتات البرية (يسرى الشيخاوي/الترا تونس)
المرأتان اللتان تكبدتا عناء التنقل إلى العاصمة تونس لعرض منتوجاتهما في رحاب مدينة الثقافة، هما عينة صغيرة من مئات النسوة اللاتي اتخذن من خيرات الجبل ملاذًا من البطالة وجعلن من "الذهب الأخضر" مصدر رزق وأسلوب حياة، وفي تشبثهن بالبقاء في ريف زغوان رسالة للدولة لإيلاء الاهتمام بهذه المناطق.
اقرأ/ي أيضًا:
أنيس حبيب.. شغف "الجعة الحرفية" قاده إلى الأرجنتين ليعود محملًا بحلم