"صدمت بشكلها عندما قابلتها وأحسست أنّها شخص آخر" هكذا تحدّث "ه.ب" لـ"الترا تونس" عن أولى المقابلات التي جمعته بفتاة تعرّف عليها عن طريق موقع التواصل فيسبوك.
أمضى "ه.ب" أسبوعين في محادثة هذه الفتاة التي أعجب بملامحها الطفولية وضحكتها السحرية، وبات يحلم بيوم اللقاء ولكنه أحسّ بخيبة كبيرة عندما رآها. يقول:" أحسست أنني مغفّل وأنها خدعتني بجمالها الافتراضي".
شهادة محدّثنا لا تختلف كثيرًا عن التعليقات والمنشورات التي نجدها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وآخرها حملة تنمّر كبيرة على صورة فتاتين إحداهما بـ"الفيلتر" والأخرى دونه، وقد بيّنت الاختلاف الكبير بينهما إذ أنّ "الروتوش" أظهر البنتين بجمال مبهر.
لا يختلف اثنان حول مدى الاختلاف بين الصور التي تُنشر على منصات التواصل الاجتماعي المنمّقة بـ"الفيلتر" وبين ما هو حقيقي، لتتحوّل المسألة إلى أشبه بالظاهرة رفضًا للواقع وهوسًا بالذات
وإذا دقّقنا النظر في أغلب منشورات تطبيقة إنستغرام، نلاحظ الاستعمال المفرط لكل ماهو أدوات تجميل للوجه والشكل إذ يمكنك بكبسة زر أن تحوّل شعرك من بنيّ إلى أشقر وعينيك من سوداوتين إلى زرقاوتين سماويّتين، وإن كنت نحيفًا يمكنك الحصول على عضلات أحلامك دون أن تصرف فلسًا في قاعات الرياضة ويمكنك حتّى أن تشبه أحد المشاهير. ولا تستغرب إن تصفّحت "stories" أن تجد كلّ الوجوه متشابهة ومتطابقة وكأنّنا بنموذج موحّد لمقاييس الجمال الافتراضيّة.
- انعدام الثقة في النفس
وفي هذا السياق يرى الباحث في علم الاجتماع معاذ بن نصير أن تعديل الصور الملتقطة واعتماد التطبيقات لتصفية الصورة ينمّ عن هوس كبير بالذات وتضخمها وأنّ إدمان التقاط "السيلفي" ينطوي على هوس الشخص بمظهره الخارجي، وقد أوضحت دراسة بريطانية حديثة أن الفتيات الشابات هن الأكثر هوسًا بـالسيلفي، حيث يقضين أكثر من 3 ساعات أسبوعيًا في التقاط الصور الذاتية وتعديلها.
كما أكّدت الرابطة الأميركية للطب النفسي، حسب محدّثنا، أن التقاط الناس الصور الذاتية قد يدل على الإصابة بأحد أنواع الاضطرابات العقلية يطلق عليه "سلفيتيس"، ويعرف بأنه الرغبة الكبرى لالتقاط الصور الذاتية ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي كوسيلة للتعويض عن عدم وجود الثقة بالنفس.
معاذ بن نصير (باحث في علم الاجتماع): استعمال التطبيقات لتعديل الصور الملتقطة وتصفيتها ينم عن هوس كبير بالذات وبالمظهر الخارجي
ويفسّر بن نصير أنّ هذا الاضطراب، حسب الدراسة، ينقسم الى ثلاثة مستويات: اضطراب خفيف، وهو التقاط للصور لا يتجاوز 3 مرات في اليوم، ولا يتم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي. امّا الاضطراب الحاد، وهو التقاط للصور لا يقل عن 3 مرات في اليوم، ويتم نشرها. والأخطر هو الاضطراب المزمن حين لا يمكن السيطرة على الرغبة في التقاط الصور الذاتية على مدار الساعة، ونشرها أكثر من 6 مرات في اليوم.
ويؤكد بن نصير أن "المخطر في هاته العملية (السيلفي المعدّل) هو حين تصبح الصورة الافتراضية مغالطة تمامًا لصورة الشخص الواقعية وذلك عبر التعديلات التي يضعها الملتقط على صورته، إذ في بعض الحالات نجد أنفسنا أمام شخصين"، مضيفًا أن الأشخاص الذين يرتبطون بتصوير السيلفي وقضاء وقت طويل في تعديل الصور ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي يرتكز اهتمامهم على ذاتهم بشكل أكبر ويعتقدون أنهم أكثر ذكاء وجاذبية وأفضل من الآخرين.
وفق الرابطة الأمريكية للطب النفسي قد يدل التقاط الناس الصور الذاتية على الإصابة بأحد الاضطرابات العقلية الذي يسمّى "سلفيتيس"
وعن تنامي هذه الظاهرة في المجتمع التونسي، يقول بن نصير أنّ مدمني التعديلات على الصور يعانون من مشاكل في الشعور بالأمان والسلوك المتهور وعدم التعاطف ومراعاة الآخرين، بالإضافة إلى بعض سمات معاداة المجتمع والميل إلى تضخيم الذات على حساب الآخر، على حدّ تعبيره.
مشاكل في مواجهة الواقع
ومن جهة أخرى، يؤكّد الأخصائي النفسي، كريم اليعقوبي، لـ"الترا تونس" أنّ ظاهرة الإدمان على الجمال الافتراضي ورفض الملامح الحقيقية تتفاقم على مستوى شبكات التواصل الاجتماعي وتصل إلى حدّ عدم الاعتراف أو نبذ الصورة الحقيقية، مضيفًا أنّ هذا السلوك نتاج مراحل تطوّر الإدمان الرقمي لدى الناشئة لنتحدث في مرحلة متقدمة على شخصية افتراضية أو رقمية لا تكترث للواقع ولقوانينه، على حدّ تعبيره.
ويلفت اليعقوبي النظر إلى أن أغلب المدمنين على الجمال الافتراضي المفبرك يتشاركون في هذا المبدأ ولا يحرجهم الفارق بين الواقع والخيال وبالتالي نجدهم يتّخذون العالم الافتراضي كمرجع لتنقلب الموازين في علاقة بالواقع وبالمحيط، حسب تصوره.
كريم اليعقوبي (أخصائي نفسي): جل المدمنين على "الجمال الافتراضي" لا يمكنهم مواجهة الواقع لتعاطيهم معه بمحتويات خيالية وغير موجودة، فيكون الإحباط نتيجة حتمية لذلك وقد يصل الأمر إلى التعرض لصدمة نفسية
ويقول الأخصائي النفسيّ أنّ الصورة المثالية التي يطمح اليها خاصة الشباب تعبر عن حاجة نفسية تتمثّل في تضخيم الذات وإعطائها مزايا تنحصر كلّها في المبالغة في الجزئيات الجمالية ليتماهى مع المحتويات الافتراضية فتصبح جزءًا لا يتجزء من الكيان الواقعي.
وعن الإشكاليات التي يمكن أن تحصل لمدمني تطبيقات الجمال الافتراضي، يشير كريم اليعقوبي إلى أنّ هؤلاء لا يمكنهم مواجهة الواقع، إذ يتعاملون معه بصور خيالية وبمحتويات جمالية غير موجودة على أرض الواقع ويكون الإحباط نتيجة حتميّة وقد يتحول إلى صدمة نفسية تنجر عنها العديد من الإشكاليات النفسية والسلوكية، على حدّ قوله.
ويختم محدّثنا قائلًا: "يجب التمييز بين النرجسية كشعور عادي لدى اليافعين واليافعات والإدمان على الجمال الافتراضي إذ في الحالة الأولى يكون الشاب واعيًا بالاختلافات ويستمتع بالصورة المفبركة بينما في الحالة الثانية هنالك رفض للصورة الواقعية واستبطان للصورة الرقمية"، حسب تقديره.