21-يوليو-2024
الترا تونس يحاور أول مرأة تونسية بحّارة بمؤهل رانيا الورتتاني

رانيا الورتتاني لـ"الترا تونس": أواصل حلمي لأصبح "قبطانًا" أقود كل أنواع البواخر واليخوت

 

هي أول امرأة تونسية "بحّار مؤهل" تبلغ من العمر 25 عامًا تعرف بـ"رانيا" وفي أوراقها الرسمية هي "انتظار الورتتاني". 

"حكايتي مع البحر بدأت وأنا طفلة، فقد كنا من سكان الضاحية الشمالية، وفي الطريق كنت أشاهد البواخر وكنت أقول لوالدي إنني حينما أكبر سأعمل هناك". تقول رانيا الورتتاني لـ"الترا تونس".

رانيا الورتتاني لـ"الترا تونس": كنت في البداية أرغب في أن أكون (قبطانًا) لكن حين علمت أن هناك نساء في هذا المجال وأن (بحري مؤهل) اختصاص لم تدخله المرأة التونسية بعد، قررت أن أكون أول امرأة تونسية تفعل ذلك

وتضيف: "كان ذلك كلام طفلة صغيرة غير مدركة حقيقةً للبحر، لكن حينما كبرت اخترت بحب وغرام أن أدرس في المعهد المتوسطي للتكوين في المهن البحرية، وكنت في البداية أرغب في أن أكون (قبطان) لكن حينما عرفت أن هناك نساء في هذا المجال وأن (بحري مؤهل) اختصاص لم تدخله المرأة التونسية بعد، قررت أن أدرس (بحري) لأكون أول امرأة تونسية تفعل ذلك وكنت الوحيدة".

لم يكن الموضوع مستحيلًا، تقول محدثتنا، لكنه لم يكن مرغوبًا فيه، وكان غير مرحب بها في هذا المجال الذي يعتبر حكرًا على الرجال وقد أثار استغراب الجميع بما فيهم عائلتها.

تقول رانيا ضاحكة: "(هل أنت متأكدة؟) هذا السؤال طرح عليّ أكثر من مرة سواء من عائلتي أو من المعهد وكنت أجيب وأكرر بكل إصرار أنني أود أن أكون بحارة".

 

الترا تونس يحاور أول مرأة تونسية بحّارة بمؤهل رانيا الورتتاني
رانيا الورتتاني لـ"الترا تونس": اخترت بحب وغرام أن أدرس في المعهد المتوسطي للتكوين في المهن البحرية

 

غياب التشجيع والاستغراب والمراهنة على أنها لن تنجح لم يمنع محدثتنا من دخول عالم البحار من بابه الرئيسي وهو التكوين والتعلم، وكانت التحديات أمامها كبيرة وليست سهلة.

"الصعوبات كانت على مستويات عدة أولها الجسدية فبنيتي كامرأة تختلف عن بنية الذكور وبالتالي فإنني أبذل أضعاف الجهد عند القيام بعملي، فأشغال البحار تقوم أساسًا على مجهود بدني قوي وتتطلب جهدًا كبيرًا فجميعها شاقة ومتعبة" هكذا شرحت أول بحارة تونسية لـ"الترا تونس" طبيعة عملها.

وتواصل حديثها قائلة: "كنت أقوم بكل الأعمال المطلوبة مني باذلة مجهودات مضاعفة ولا أطلب المساعدة من أيّ رجل، فقد كان عليّ أن أثبت قدرتي وأن يتأقلم جسمي مع هذه الأشغال الشاقة بكل صبر وحزم".

رانيا الورتتاني لـ"الترا تونس": بنيتي كامرأة تختلف عن بنية الذكور وبالتالي فإنني أبذل أضعاف الجهد عند القيام بعملي، فأشغال البحار تقوم أساسًا على مجهود بدني قوي

لكن الصعوبات لم تقف عند هذا الحد، بل إن هناك تحديات أخرى وهي نفسية بالأساس، فالبحّار يعمل بعيدًا عن الأهل ويظلّ على تلك الحال لأشهر، تضيف: "كامرأة فإن الارتباط بالعائلة والجانب العاطفي الهش لديها، كثيرًا ما أشعرني بأنّي وحيدة وبعيدة وهو ما كان تحديًا استطعت تجاوزه بالإصرار والعزيمة" وفق وصفها.

ولم تُخفِ الشابة التونسية ما تتعرض له كامرأة وسط مجال كان حكرًا على الرجال -وهي الوحيدة الذي اخترقته- من تحرش، "ففي عرض البحر لا يرونني كزميلة لهم مثلهم تقوم بمهمتها وعملها بل كامرأة فقط".

ماذا تفعل هذه المرأة وسط الرجال؟ هم لا يأبهون بما تبذله من مجهودات ولا يولون أهمية لما تقدمه من أعمال رغم المجهود المضاعف الذي تقوم به مقارنة بهم بل يركزون فقط على كونها أنثى وهو ما عرضها للمضايقات، وفق تفسيرها.

 

الترا تونس يحاور أول مرأة تونسية بحّارة بمؤهل رانيا الورتتاني.jpg
رانيا الورتتاني لـ"الترا تونس": كان غير مرحب بي في هذا المجال الذي يعتبر حكرًا على الرجال وقد أثار قراري استغراب الجميع بما فيهم عائلتي

 

كما أن أصحاب البواخر لا يثقون فيها لأنها امرأة وكانت تحتاج لكثير من الوقت والجهد والصبر والعمل والاجتهاد لتثبت لهم جدارتها.

"كنت أصارع وسط البحر فأدفع بجسدي لأقوم بعملي على أحسن وجه وأقف أمام ضعفي النفسي اشتياقًا لأهلي وأحارب كل من حولي بفرض الاحترام والوقوف أمام أي تجاوز وتحرش ضدي.. كانت معاركي كثيرة ومازلت وأنا أخوضها بخبرة أكبر وبصبر وإصرار كبيرين" تقول محدثتنا.

رانيا الورتتاني تواصل دراستها إلى جانب عملها على أن تصبح قبطانًا وإن كانت تؤكد أن الدروس النظرية التي تتلقاها في المعهد مهمة لكن لا يمكن فهم البحر إلا إذا دخلته وبدأت ممارسة العمل.

رانيا الورتتاني لـ"الترا تونس": كنت أقوم بكل الأعمال المطلوبة مني باذلة مجهودات مضاعفة دون طلب المساعدة من أيّ رجل، فقد كان عليّ إثبات قدرتي وضرورة أن يتأقلم جسمي مع هذه الأشغال الشاقة بكل صبر وحزم

"خلال ممارسة العمل لا بدّ لك من مؤطر يعلّمك أسرار هذه المهنة التي لا تبوح بها الكتب ورغم أنني وجدت من يرفضني ويقلّل من شأني، فإني أيضًا وجدت من آمن بي وعلّمني ووثق في قدراتي وقد نجحت أكثر من مرة في إنقاذ سفن من الغرق في حالات صعبة جدًا"، على حد تعبيرها. 

وتردف رانيا الورتتاني: "نجحت في هذا المجال الذكوري منذ أول اختبار حينما بقينا لمدة 6 أشهر في البحر، وبعد أن عدنا غادر كثيرون مقاعد الدراسة واكتشفوا أنهم عاجزين عن العمل كبحارة لكني واصلت".

ترى محدّثتنا أنّ "حبّ هذا المجال ورفض الآخر لها جعلها أنجح وأكثر إصرارًا على المواصلة"، ولهذا فهي تدعو الشباب الذين يركبون قوارب الموت إلى دخول المعهد المتوسطي للتكوين في المهن البحرية وتلقي التكوين اللازم وسيصبحون قادرين على أن يجوبوا العالم كله من دون تأشيرة"، وفقها.

رانيا الورتتاني لـ"الترا تونس": في عرض البحر لا يرونني كزميلة لهم تقوم بمهمتها وعملها، بل يرونني كامرأة فقط.. والارتباط بالعائلة والجانب العاطفي، كثيرًا ما أشعرني بأنّي وحيدة وبعيدة

رانيا الورتتاني أول امرأة تونسية بحّارة بمؤهل، تدعو الأولياء إلى فسح المجال أمام أولادهم وبناتهم لاختيار ما يرغبون في تعلمه وأن لا يمارسوا الضغط والتعسف عليهم.

كما تدعو الشباب إلى خوض المعارك بالعلم والتكوين والبحث عما يحبونه وعما يريدون فعله "ففي داخل كل واحد منا مجال سيبدع فيه فقط عليه أن يبحث ويصبر وأن لا يستسلم في أول اختبار صعب".

"رانيا الورتتاني" أو "انتظار الورتتاني"، هي شابة تونسية اقتحمت عالم الرجال وبرهنت على جدارتها فيه وهي تواصل تحقيق حلمها لتصبح قبطانًا تقود كل أنواع البواخر واليخوت.