تسحب الشمس من مشرقها إلى مغربها في الاعتناء بالخيول وترويضها والقفز على الحواجز، مهارات اكتسبتها الشابة نورهان بن سلامة ذات 24 ربيعاً مكنتها من ممارسة فن صناعة الفرسان والفارسات والدخول إلى عالم تدريب الفروسية من أوسع أبوابه.
ونادي دار جربة للفروسية هو قبلة كل راغب في احتراف رياضة ركوب الخيل لما يوفره من مرافقة تدريبية ذات جودة عالية كما أنه وجهة كل مالكي الخيل الباحثين عن أفضل طرق الترويض أو توفير الرعاية لخيولهم.
اقرأ/ي أيضًا: فرسان يروضون الخيول تخليدًا لتراث الفروسية في تونس
"أركب الخيل منذ ثمانية سنوات وشاركت في العديد من المهرجانات والعروض بمعية أخي الذي علمني ركوب الخيل ثم قررنا بعث ناد للفروسية يعنى بتدريب الهواة وترويض الخيل وتدريبهم على السباق وحتى رعاية الخيول المريضة ومساعدة الفرس على الولادة.. قصتي مع تدريب الفروسية انطلقت منذ ثلاث سنوات كنت أدرب في مزرعة على ملك شخص مقرب منا إلى أن افتتحنا النادي منذ أشهر وانطلقنا في العمل".
لا ينتهي دور الفارسة عند التدريب على ركوب الخيل فقط فهي تسهر على توفير الرعاية التامة لخيولها من إطعام وحسن تنظيف بشكل يومي كما تؤمن تنظيم نزهات على ظهور الخيل في غابات جزيرة الأحلام
تقول بن سلامة إنها محظوظة جدًا بالعمل في مجال تحبه وترعرعت فيه منذ نعومة أظافرها فبالتوازي مع قيامها بوظيفتها كمدربة تستمتع بممارسة هوايتها بشكل يومي وتقضي معظم وقتها مع أحب الكائنات إلى قلبها "الجواد" ولا ينتهي دور الفارسة عند التدريب فقط فهي تسهر على توفير الرعاية التامة لخيولها من إطعام وحسن تنظيف بشكل يومي كما تؤمن تنظيم نزهات على ظهور الخيل في غابات جزيرة الأحلام.
الفارسة نورهان بن سلامة تشارك موقع "ألترا تونس" بداياتها مع غرامها وهوايتها "في الحقيقة البدايات عادة ما تكون صعبة الأمر نفسه مع الفروسية شعرت في البداية بالرهبة فليس بالهين التأقلم مع الخيل لكن سرعان ما تجاوزت هذه المرحلة وكسرت حواجز الخوف لما وجدته من متعة وفائدة في هذه الرياضة كما تمكنت من تعلم أساليب التقرب من الخيول وكسب ودها وتطويعها".
وبفيض من العاطفة والسعادة تتحدث الفارسة عن مدى شعورها بالراحة والطمأنينة النفسية مع خيولها وعن الثقة بالنفس وتجاوز المخاوف والقدرة على التواصل التي اكتسبتها من هذه الرياضة موجهة دعوة للجميع وخاصة النساء للتدرب على ركوب الخيل مؤكدة أن ناديها يشهد إقبالاً هامًا من قبل النساء والأطفال بعد أن تم التفطن لمزايا وأهمية هذه الرياضة.
الفارسة نورهان بن سلامة لـ"ألترا تونس": "في الحقيقة البدايات عادة ما تكون صعبة الأمر نفسه مع الفروسية شعرت في البداية بالرهبة لكن سرعان ما تجاوزت هذه المرحلة وكسرت حواجز الخوف لما وجدته من متعة وفائدة في التدرب على الخيول"
كما تؤكد الفارسة أنها لا تدخر أي مجهود خلال حصص التدريب في تعليم الهواة وصقل مواهبهم مبينة أن تدريب الأطفال مسؤولية ملقاة على عاتقها حتى يبلغون مرحلة الاحتراف.
اقرأ/ي أيضًا: "العم أحمد".. قصة مقاوم وفارس يعشق الخيل
- الفروسية ليست حكرًا على الرجال
لطالما اعتبرت الفروسية رياضة حكرًا على الرجال الذين يتحلون بالقوة والشجاعة فتعج نوادي تعليم ركوب الخيل والمهرجانات بالذكور دون الإناث لكن العديد من التونسيات تجاوزن حواجز التقاليد المتوارثة جيلاً بعد جيل واقتحمن مجال الفروسية وحققن نجاحات كما ساهمن في إثراء العروض بتواجدهن جنبًا إلى جنب مع الفرسان لإضفاء متعة أكبر على العرض وهو خير دليل على قوة وصلابة المرأة وقدرتها على التميز في شتى المجالات وتذليل الصعاب.
تؤكد نورهان بن سلامة لـ"الترا تونس" أن معظم المحيطين بها يرفضون ركوب المرأة الخيل لكنها نجحت في الخروج عن المألوف والسائد والقيام بالاستثناء بتشجيع من عائلتها المصغرة "أنا الفارسة الوحيدة في العائلة وفي منطقتنا وأركب الخيل وأتحكم فيه أفضل من عديد الفرسان فركوب الحصان يخضع للعديد من القواعد أهمها الجلوس السليم والتحكم في السرعة وغيرها.. أشارك في الفانتازيا (عروض فروسية تقام في الأعراس) لكن فقط في المناطق التي تقبل بالمرأة كفارسة فهناك فئة تعبر عن إعجابها بما أقدمه وتشجعني على مزيد التألق".
الفارسة نورهان بن سلامة لـ"ألترا تونس": "أنا الفارسة الوحيدة في العائلة وفي منطقتنا وأركب الخيل وأتحكم فيه أفضل من عديد الفرسان وأشارك في الفانتازيا وهي عروض فروسية تقام في الأعراس
وتطمح محدثتنا إلى تطوير مشروعها، مؤكدة أن مجال الخيل يستوجب الكثير من الرعاية والاهتمام كما أنه مكلف نوعًا ما فسعر الحصان يتراوح بين 1800 و50 ألف دينار حسب النوع والنسب وبالنسبة للمعدات فسعر السرج يتجاوز الألف دينار واللجام 250 دينار، إضافة إلى الركاب وحبل القيادة وأدوات الزينة التي تستعمل في المهرجانات وعروض الفانتازيا والتي تختلف من منطقة إلى أخرى.
بدوره بيّن المدير الفني للجامعة التونسية لرياضات الفروسية زياد عوينة أن هذه الرياضة لا تميز بين المرأة والرجل ولا وجود لفئات إناث وذكور فيتم تشريك الجنسين في نفس المسابقة وفي كل الاختصاصات على حد السواء مشيراً إلى أن المنتخب الوطني التونسي للفروسية الذي تحصل على المرتبة الرابعة عالمياً في مسابقة القدرة والتحمل 120 كلم يتكون من 3 فرسان وفارستين.
المدير الفني للجامعة التونسية لرياضات الفروسية لـ"الترا تونس": هذه الرياضة لا تميز بين المرأة والرجل ولا وجود لفئات إناث وذكور فيتم تشريك الجنسين في نفس المسابقة وفي كل الاختصاصات على حد السواء
ويضيف عوينة، في حديثه لـ"ألترا تونس" أن رياضة الفروسية تشهد إقبالاً هامًا من المرأة وحسب إحصائيات الجامعة فإن 45 في المائة من المنخرطين إناث مشددًا على أن الفروسية لا تميز بين الأعمار ولا الجنس فالمسابقة يمكن أن تجمع بين طفل في السادسة من عمره ورجل في الستين.
وتعليقاً على وصف رياضة الفروسية برياضة الأثرياء، أكد زياد عوينة أن تكلفتها مثل جميع الرياضات الأخرى فالانخراط في النوادي الحكومية على غرار نادي الحرس الوطني للفروسية أو نادي الأمن الوطني للفروسية لا يتجاوز 400 دينار في السنة وبإمكان جميع المواطنين الانخراط فيها من كل الأعمار.
المدير الفني للجامعة التونسية لرياضات الفروسية لـ"الترا تونس": الفروسية تشهد إقبالاً هامًا من الفتيات وهي لا تميز بين الأعمار ولا الجنس فالمسابقة يمكن أن تجمع بين طفل في السادسة ورجل في الستين
اقرأ/ي أيضًا: فيديو: تربية الخيول.. عشق دون حواجز
- مهارات ركوب الخيل
من جربة إلى الكاف، حب الخيل يجري في دماء تونسيات تألقن وتميزين في عالم الفروسية وتمكن من تقديم عروض فرجوية ممتعة ومميزة ساهمت في الحفاظ على الموروث الشعبي وفي إحياء تاريخ الفروسية في تونس الذي يعود إلى أكثر من ألف سنة.
هبة عبد اللاوي، تلميذة ذات 18 سنة، تمارس فن عروض "الفانتازيا" منذ نعومة أظافرها نشأت في عائلة مولعة بالفروسية أبًا عن جد "أبي وجدي فرسان منذ أن فتحت عيني وجدت نفسي مغرمة بالفروسية وآبا الاستغناء عن هوايتي فهي بمثابة الهواء الذي أتنفسه".
تقول عبد اللاوي، في حديثها لـ"ألترا تونس"، إنها تساهم في العروض التي يؤمنها والدها منذ سنتها الأولى ومنذ بلوغها سن الرابعة أصبحت لها القدرة على ركوب الخيل بمفردها ودون مساعدة "الفروسية ليست سهلة لكن غرامك بها يمكنك من تجاوز كل الصعاب والوصول إلى مرحلة الاحتراف وأشجع الفتيات للإقبال على هذه الرياضة التي لا اعتبرها حكرًا على الرجال بل للمرأة فيها نصيب وافر وبإمكانها إضفاء طابع خاص وبصمة فريدة".
تشارك الفارسة هبة في إثراء العديد من المهرجانات والاحتفالات بعروض فروسية تقليدية
تضيف هبة أنها تساهم حاليًا في إثراء العديد من المهرجانات والاحتفالات بعروض فروسية تقليدية "المداوري" وهي عروض تستوجب الكثير من الرشاقة والحيوية يتم فيها الوقوف والقفز والصعود على ظهر الخيل أثناء الركض، مشيرة إلى أن هذا النوع من الفروسية يستوجب التدريب منذ الصغر وهو أصعب من "المشاف" الذي يقتصر على السباقات والاستعراض.
الفارسة هبة عبد اللاوي لـ"الترا تونس" (18 سنة): أساهم حاليًا في إثراء العديد من المهرجانات والاحتفالات بعروض فروسية تقليدية "المداوري" وهي عروض تستوجب الكثير من الرشاقة والحيوية يتم فيها الوقوف والقفز والصعود على ظهر الخيل أثناء الركض
"الوهاج" حصان عربي بربري تمتطيه الفارسة هبة وتربطها به علاقة قوية وعميقة فألفت وجوده في حياتها، صهيله وهمهماته وحتى نظراته فعلاقة الخيل بالإنسان عالم مليء بالأسرار "الوهاج يتحلى بالعديد من الصفات كالقوة والصلابة لكن في الآن نفسه له أحاسيس ومشاعر فهو رقيق يحب الحرية ويكره الوحدة".
تتحدث هبة عن الانتقادات التي تواجهها بسبب استمرارها في هواية الفروسية "هناك فئة قليلة تشجعني لكن أغلب المحيطين بي يتساءلون عن موعد اعتزالي الفروسية بما أنني كبرت وفق تقديرهم.. أنا لا أكترث إلى مثل هذه الآراء وغرامي لا يمكنني العيش دونه فلا يعرف متعة ركوب الخيل إلا من يجربها وأوجه شكرًا خاصًا لأبي الذي علمني وآمن بقدراتي وشجعني على المواصلة والتألق في مجالي".
وتبيّن المتحدثة أن عروض الفروسية مقترنة بالمهرجانات والأعراس أي أنها مهنة موسمية في حين أن الاعتناء بالحصان يتطلب مصاريف يومية، من علف ومتابعة طبية وتنظيف علاوة على غلاء تكلفة السرج الذي يتجاوز 3000 دينار وتكلفة الحصان 11 مليون دينار، مشيرة إلى أن المصاريف التي تنفقها أكثر من المداخيل المتأتية من عروض الفروسية ومع ذلك فإن متعة الفروسية لا تقدر بثمن، وفق تعبيرها.
شاهد/ي أيضًا:
فيديو: رقبي السيدات في تونس.. شغف وتحديات