من المجال البترولي إلى مجال كرة القدم، ومن صيدلانيّة إلى مدرّبة في الوعي والإرشاد الروحي، ومن مهندس إلى بائع متجوّل. هذه ليست قصصًا خياليّة أو من بنات أفكار بعض المخرجين، إنّما هي رحلة حياة لعدد من الأشخاص اختاروا تغيير مجال عملهم رغم مراكمة سنوات فيه.
إنّ تغيير المسار المهني يعتبر من أكثر القرارات، فليس من السهل قطع شوط طويل في مجال والتضحية بسنوات طويلة من الخبرة للبدء من الصفر. وهذا ما يدعو للتساؤل والبحث، فكيف لشخص يعيش استقرارًا مهنيًّا أن يغادره نحو المجهول؟ وما الذي يدفع موظّفًا لخوض مغامرة يجهل مصيره فيها؟
"الترا تونس" التقى عددًا ممن عاشوا تجارب حياتية مرتبطة بالتغيير الوظيفي تجدون تفاصيلها في هذا التقرير.
- من صيدلانيّة إلى مدرّبة في الوعي والإرشاد الروحي
عاشت الدكتورة فيروز بن عياد في عائلة طبيّة وهذا ما جعلها تختار نفس الطريق لتصبح دكتورة في الصيدلة. وقد عملت في هذا المجال لسنوات طويلة إلى أن جاء وقت التغيير. تقول لـ"الترا تونس": "اخترت مجال الصيدلة عن حبّ وقد كنت شغوفة به إلى أن قررت التحوّل لعالم الإرشاد الروحي وأصبحت مدربة في الوعي ومعالجة بالطاقة الحيويّة".
وأشارت محدّثتنا إلى أنّ تغيير المجال المهني ليس مرتبطًا بالفشل في المسار المهني الأوّل، مصرحة: "قد تكون ناجحًا لكنك تفضل التغيير مثلما حصل معي".
فيروز بن عياد: اخترت مجال الصيدلة عن حبّ وكنت شغوفة به إلى أن قررت التحوّل لعالم الإرشاد الروحي وأصبحت مدربة في الوعي ومعالجة بالطاقة الحيويّة لأنني أحسست بالشغف بهذا المجال
وعن الأسباب التي دفعتها لاتخاذ هذه الخطوة المصيرية، تقول بن عيّاد إنّ قرارها جاء بعد تغيّر في درجات وعيها، مضيفة أنّها أحسّت بالشغف بهذا المجال مما دفعها للمطالعة والتكوين للتخصّص في الإرشاد الروحي.
وأكّدت فيروز أنها لم تبتعد كثيرًا عن العلاج، لكنها تحولت من العلاج بالمواد الكيمياوية والأدوية إلى العلاج بالطرق الطاقية والتي اعتبرتها من الأساليب التي تعالج جذريًا مشاكل الأمراض، حسب تقديرها.
وتحدّثت بن عياد عن حلمها قائلة: "حبّي للصيدلة لم يتغيّر لذا أحلم بأن تكون عندي صيدليّة مختلفة عن الآخرين لا تعتمد سوى على طرق علاجية خالية من الآثار الجانبية وأساسها الأعشاب الطبيّة".
- من المجال البترولي إلى مجال كرة القدم
عمل وسيم الجعبيري، وهو متحصل على الماجستير في ريادة الأعمال، بشركة بترولية لمدّة ثماني سنوات وهو مجال حقّق من خلاله استقراره المادي بالإضافة إلى استقرار مهني يطمح إليه كلّ شاب، إلّا أنّ هوسه الكبير بكرة القدم منذ الصغر جعله ينفتح على عالم التعليق الرياضي، وفق حديثه لـ"الترا تونس".
وسيم الجعيبري: عملت لـ8 سنوات في شركة بترولية وبعد تحقيق استقراري المادي قررت المضيّ قدمًا في مجال أحبه وهو عالم الرياضة.. لم تكن تجربة سهلة لكنها استحقت المجازفة
ويضيف وسيم: "استقراري المادي مكّنني من ممارسة هوايتي والقيام ببرامج رياضية إذاعيّة وحالفني الحظ بأن قمت بتغطية كأس العالم لكرة القدم لسنة 2014 وهذا ما زاد حبّي لهذا المجال".
تعرّف وسيم الجعبيري على صديق إنجليزي يملك شركة "scouting" وهي عبارة عن شركة تستقطب الشباب الذي يملك مهارات في كرة القدم وعمل معه بوظيفة اكتشاف لاعبين جدد في إفريقيا وراكم الخبرات في هذا المجال إلى أن تخّصص في الاستشارات وفتح شركته الخاصّة.
وأضاف محدّثنا أنه "وقع تعيينه كمسؤول على الانتدابات والتقييم والمتابعة بالنادي الرياضي الصفاقسي وأصبح متفرّغًا لمجال كرّة القدم وتخلّى عن عمله الأساسي"، مؤكّدًا أن "المسار لم يكن سهلًا لأنّه اضطرّ للمجازفة، لكنّ التجربة كانت ناجحة"، وفقه.
- من شركة عائليّة إلى عالم العقارات
اشتغلت نوفلان بوبكر لمدّة عشر سنوات بشركة عائليّة في مجال "Métalique et automatique"، ومع ذلك قرّرت الخروج لعدّة أسباب تحدّثت عنها لـ"الترا تونس" قائلة: "العمل داخل العائلة كان مصدر ضغط لي وتضارب العقليات بين الأجيال جعلني عاجزة عن القيام بالتطوير الذي حلمت به بسبب رفضهم الدائم لأفكاري"، مستطردة القول: "إحساسي بأنّي في نفس المكان ولا أتطوّر جعلني أخرج من هذه المؤسسة وأنطلق في حلم جديد".
نوفلان بوبكر: بعد العمل لسنوات في شركة عائلية أحسست صلبها بأنني عاجزة عن التطوّر بسبب اختلاف العقليات قررت المضي في حلم جديد وانتهى بي المطاف إلى خوض غمار تجربة عالم العقارات الذي أتقدم فيه بخطى ثابتة
أكّدت محدّثتنا أنها أرادت أن تكون عصاميّة وتبدأ مشروعًا جديدًا في رسكلة البلاستيك وقد نجحت فيه، لكن بعد عامين عاشت بعض الضغوطات جعلتها تغلق المشروع وعلى عاتقها التزامات ماديّة.
وعن دخولها لعالم العقارات، تشير نوفلان بوبكر إلى أنّ الأمر كان صدفة إذْ اقترحت عليها إحدى صديقاتها من استغلال مكتبها لممارسة "الكوتشينغ" وكان مكتبها متخصصًا في مجال العقارات فكانت فرصة لها للتعرّف على هذا المجال الذي تخصّصت فيه وتقدّمت فيه بخطى ثابتة مع مرور الوقت، وفق حديثها لـ"ألترا تونس".
وختمت حديثها قائلة: "أنا لست نادمة على هذا التخصّص واعتبرها من الفترات المهمّة في حياتي وواجهت رفض الكثير من معارفي لخوض هذه التجربة، لكنّنا لا نستطيع شرح أسبابنا الخاصّة للجميع".
- 45 % من الموظّفين يخططون لتغيير مهنهم
يؤكّد الخبير في القيادة والريادة محمد الخامس الهاني لـ"الترا تونس" أنّ التغيير الوظيفي هو لحظة مهمّة سواء كان ذلك تحقيقًا للحلم أو بحثًا عن فرص جديدة.
ويشير الهاني إلى أنّ الفرد يمرّ بمتوسط مهنتين مختلفتين و4 وظائف خلال حياته حسب إحصائيات في العام الماضي، ووصل معدل الدوران في الشركات الخاصة إلى أعلى مستوى له منذ ما يقارب العقدين، مضيفًا أنّ "45% من الموظّفين يخطّطون لتغيير وظائفهم خلال الأشهر الـ 36 المقبلة، بالإضافة إلى أنّ 52% من العمال الذين شملهم استطلاع رأي أكّدوا أنهم غير راضين أو غير راضين جدًا عن مهنتهم".
خبير في القيادة والريادة لـ"الترا تونس": التحوّل الوظيفي هو علامة على الرغبة في التغيير وهو يمثل لحظة مهمّة سواء كان ذلك تحقيقًا للحلم أو بحثًا عن فرص جديدة.
ويشدّد الهاني على مخاطر التواجد في مهنة "سامّة"، وهي المهن التي تعرّض العمّال لحالة إجهاد دائمة، مما يزيل أي متعة في العمل.
كما يوجّه الخبير في الريادة بعض النصائح للمقبلين على تغيير وظيفي، حيث يؤكّد على ضرورة اختيار المهنة المناسبة وذلك بعد القيام ببعض الاختبارات الأوليّة، بالإضافة إلى البحث المعمّق عن هذه المهنة من خلال مراكز المعلومات.
وعن الوقت المناسب لتغيير المهنة يقول الهاني: "حتى في سن 30 أو 40 أو 50 عامًا، هل هذا ممكن؟ إنّ التحوّل الوظيفي هو علامة على الرغبة في التغيير، ونحن نتخذ هذا الخيار بعد بضع سنوات من العمل. وفي مرحلة البلوغ نفهم بشكل أفضل ما يناسبنا، ونعرف ما إذا كان خيار البداية هو الخيار الصحيح أم يجب علينا التغيير"، وفق تقديره.